لماذا أبلغت طهران دولا بالمنطقة قبل الهجوم على إسرائيل؟ محللون إيرانيون يجيبون
تاريخ النشر: 16th, April 2024 GMT
إيران – أكد محللون إيرانيون إن طهران أبلغت واشنطن بالهجوم على إسرائيل السبت الماضي حتى لا تشتعل حرب إقليمية في المنطقة، وإنه سيكون منحصرا في الرد على العدوان الإسرائيلي على السفارة الإيرانية في دمشق، ويتناسب معه.
وأضافوا في مقابلات خاصة مع وسائل اعلام مختلفه أن الدعم القوي الذي يقدم لإسرائيل من الغرب ومن دول بالمنطقة يبقيها قوية ومستمرة، ويخدم أجندتها، وأن القانون الدولي يحتم على إيران أن تبلغ الدول التي ستمر منها المسيّرات نحو إسرائيل.
وكانت إيران شنت هجوما السبت الماضي بإطلاق عشرات المسيرات والصواريخ باتجاه إسرائيل، وذلك ردا على قصف قنصليتها بالعاصمة السورية قبل نحو أسبوعين.
وقال القائد العام للحرس الثوري الإيراني حسين سلامي إن بلاده قامت بعملية محدودة ناجحة وضربت المواقع التي كانت منطلقا لاستهداف قنصليتها في سوريا. ووجه تحذيرا لإسرائيل بأنها إذا هاجمت المصالح الإيرانية في أي مكان فإن إيران سترد بهجوم مضاد.
من اليمين: منصور حقيقت بور ومحمد صالح صدقيان وحسين رويرانوعند سؤال عددا من المحللين والخبراء في إيران عن تحقق الأهداف الإيرانية من الهجوم على إسرائيل، لخصها أولا مدير المركز العربي للدراسات الإيرانية محمد صالح صدقيان في النقاط التالية:
هذه الطريقة التي مارستها القيادة العسكرية الإيرانية حيال إسرائيل كانت مهمة جدا بالنسبة لتاريخ الصراع، وأوجدت قواعد جديدة له، وقضية التفوق العسكري الذي كانت تسوقه إسرائيل منذ أن نشأت حتى الآن سقطت، وإيران استطاعت أن تحقق الكثير من النصر على إسرائيل. ما حدث أعطى رسائل مهمة، سواء للولايات المتحدة أو إسرائيل أو الدول الإقليمية أيضا، مفادها أن إيران قوة لا يمكن أن يستهان بها، لأن ما حدث مساء السبت الماضي أن سماء المنطقة كانت تعج بالمسيرات والصواريخ، فما تم تحقيقه استطاعت به إيران أن تغير قواعد الاشتباك. ما تم تحقيقه كان مهما جدا بالنسبة لإيران داخليا، لأن هناك مطالبات جماهيرية بتحقيق مثل هذا الإنجاز، وهناك ارتياح كبير لدى كافة الأوساط الإيرانية الشعبية والرسمية والدينية، فكان من المهم بالنسبة لإيران أن تُظهر مثل هذه القوة.وأيد هذه الأهداف مسؤول اللجنة السياسية في جمعية الدفاع عن الشعب الفلسطيني حسين رويران، فقال إن هدف إيران كان واضحا، وهو “إعادة الاعتبار للردع الإيراني، والتعامل بالمثل مع الكيان الصهيوني، وإيجاد قواعد اشتباك جديدة قائمة على عدم المس بأي إيراني في المنطقة بأكملها، لأن ذلك سيدفع إيران للرد مرة أخرى على هذا الكيان”.
واتفق مع الرأيين السابقين العميد المتقاعد في الحرس الثوري الإيراني منصور حقيقت بور، غير أنه قال “إن الرد الأخير لم يكن شديدا، وكان بالإمكان أن يكون أكثر حدة وأكثر إيلاما، لكنه كان فريدا من نوعه لأنه كسر هيبة إسرائيل على الصعيد العسكري”.
كما أنه ذهب أبعد من ذلك عندما قال “إننا حققنا الهدف المرسوم للعملية، ولذلك لا ننوي التصعيد ومواصلة العمليات، لكن ردنا سيكون أكثر عنفا في حال ارتكابها (إسرائيل) خطأ آخر، وحينها لا يمكن لإسرائيل أو أميركا والأطراف الأخرى المتحالفة معهما والمسيطرين على مقدرات العالم أن يحصوا الخسائر الناجمة عن العمليات الإيرانية”.
وعن محدودية الرد الإيراني، يرى حقيقت بور أن “إيران لا تنوي اليوم زعزعة الأوضاع السياسية والأمنية بمنطقتنا، وكلما تمكنا من معاقبة العدو فإن ذلك سيقربنا من الهدف الأولي” فقد أعلنا للعالم أننا لا نريد مواصلة العملية إلا في حال ارتكبت إسرائيل خطأ آخر.
وقال رويران إن إيران أرادت فقط الرد على اعتداء طال أرضها، وأنها لا ترغب في إشعال حرب بالمنطقة، و”ضمن هذه الرؤية أبلغت إيران الولايات المتحدة بأن ما ستقوم به هو رد يتناسب مع العدوان الإسرائيلي على القنصلية الإيرانية في دمشق”.
أما صدقيان فذهب إلى تفاصيل أكثر عندما قال إن الإيرانيين قالوا منذ البداية بشكل واضح إن هذه العملية لم تكن واسعة، وإنها محدودة ولها أهداف محددة، وبالتالي هذا العدد الهائل من المسيرات كان يشغل من الناحية العسكرية المضادات الأرضية والطائرات الإسرائيلية والقبة الحديدية وباقي أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية، “وبالتالي يبدو لي أن هناك إنجازا كبيرا قد تحقق، وأنا أعتقد أن آثاره ستظهر نتائجه مستقبلا”.
الرد الإيراني أثار استغرابا عند المتابعين والمحللين في المنطقة، خاصة مع إعلان إسرائيل عدم وجود أي خسائر نتيجة هذا الهجوم، وأن هذا الكم الكبير من المسيّرات سقط قبل الوصول إليها، لكن المسؤول السابق في الحرس الثوري الإيراني تحدى أن “تسمح إسرائيل للصحفيين والمراسلين المستقلين بتفقد المراكز التي أعلنت إيران أنها استهدفتها، فإذا قبلوا بدخول الصحفيين المستقلين إلى تلك المراكز حينها يمكن القبول بأن مزاعمهم صحيحة، وأنا على ثقة من أنهم لن يسمحوا بذلك”.
أما الباحث السياسي رويران فيرى أن السردية المعلنة هنا مهمة جدا، وإسرائيل تحاول القول إن هذا الهجوم الواسع لم يؤد إلى نتيجة “في حين أن الهجوم عليها هو في حد ذاته غير مسبوق، وكل المحاولات الإسرائيلية من أجل ثني إيران عن الرد لم تنفع”.
وأضاف “في تصوري، أن هذا الكلام يأتي ضمن التمويه الإعلامي الذي تمارسه إسرائيل، لأن إيران أولا أعلنت أنها لم تستهدف تجمعات إنسانية ولا مواقع اقتصادية، فقط استهدفت مواقع عسكرية، ونحن نعلم أن التصريح في إسرائيل عن إصابة هذه المواقع ممنوع أساسا. والكل يعرف أن مقص الرقيب العسكري يمنع نشر الكثير من المعلومات”.
السياق الذي جاء فيه الهجوم الإيراني على إسرائيل من الصعب إخراجه عن العدوان الذي يشنه جيش الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة منذ أكثر من 6 أشهر، لذلك يرى مدير المركز العربي للدراسات الإيرانية أن الإيرانيين قالوا إن هذه العملية تنحصر في الرد على الهجوم الذي شنته طائرات إسرائيلية على البعثة الدبلوماسية الإيرانية في دمشق “لكن بالتأكيد ستكون هناك تداعيات لهذه الضربة تخدم المقاومين وفصائل المقاومة في غزة، وتخدم أيضا الشعب الفلسطيني سواء كان في الضفة أو في القطاع” حسب قول صدقيان.
أما رويران فاختلف عن الرأي السابق، وقال إن “ظاهر الأمر يقول إن دخول إيران كان تحت مسمى الرد على العدوان على القنصلية الإيرانية في دمشق، لكن محور المقاومة واحد واستبشر خيرا، وقام بإطلاق الكثير من المقذوفات على الكيان الصهيوني، سواء من لبنان أو من العراق أو من اليمن”.
ولكن هذا الحدث في الوقت نفسه “بما أنه كبير وغير مسبوق وواسع جدا، مما اضطر الغرب إلى التعهد بالدفاع الكامل عن إسرائيل، ولمواجهة النيران الإيرانية يجب أن تكون هناك تعبئة غربية، فيمكن القول إن إسرائيل وحدها غير قادرة على الدفاع عن نفسها أمام إيران” ومن أجل ذلك “أعطى الهجوم جرعة أمل للفلسطينيين، واستبشارهم به يعكس ذلك”.
أما عن سير المعركة في غزة، فيري حقيقت بور أن الهجوم الإيراني “خفّف بالفعل من الوطأة العسكرية والأعمال القتالية في القطاع، وأظهرت العملية أن الفلسطينيين هناك ليسوا وحدهم”.
وأضاف أنه على الرغم من أن سلوك العالم الإسلامي لم يرتق إلى المستوى المنشود خلال الأشهر الماضية فإن إيران أظهرت قدرتها على أن تؤدي دورا فاعلا في فلسطين، ففي بيت المقدس احتفل الناس بوصول الصواريخ الإيرانية واستقبلوها بسرور ورفعوا أيديهم بالدعاء لتسدد أهدافها بنجاح.
وعن موقف دول المنطقة من الهجوم الإيراني، خاصة أن المسيرات والصواريخ المتجهة نحو إسرائيل ستمر بالمجال الجوي لهذه الدول، قال رويران “إن إيران أخبرت هذه الدول بسبب الجانب القانوني الذي يفرض عليها ذلك، وهذه الدول أسهمت بشكل أو آخر في الدفاع عن إسرائيل، وهي في تصوري معروفة وتاريخها معروف للجميع، وليست بحاجة إلى ذكر أسماء”.
وأضاف أن إسرائيل قوية ومستمرة بسبب وجود الكثير من الحكومات في المنطقة التي تخدم الأجندة الإسرائيلية “وهذا يوضح الازدواجية القائمة بين الشعوب الذين يقفون مع فلسطين وكثير من الدول التي تحمي الكيان الصهيوني، ولكن هذه الحالة شاذة وغير مستقرة ولا يمكن أن تستمر إلى الأبد”.
ويذهب العميد المتقاعد في الحرس الثوري حقيقت بور أبعد من الرأي السابق ويرى أن الدول التي تتحرك في الملعب الإسرائيلي، وتحولت إلى باحات خلفية لإسرائيل، وتعمل خادمة لديها في أوقات الشدة والأيام العسيرة، لا شك أنها ستكون مضطرة لدفع الضريبة مستقبلا، ولن تُمحى أعمالها وأفعالها من ذاكرتنا وذاكرة شعوب العالم”.
لكن صدقيان لا يتفق مع الرأيين السابقين، ويرى أن إيران لم تتحدث عن ذلك، لكنها حذرت من استخدام أجواء الدول العربية أو الدول المجاورة -سواء كانت عربية أو غير عربية- من أجل الاعتداء على إيران.
المصدر : الجزيرة
المصدر: صحيفة المرصد الليبية
كلمات دلالية: الإیرانیة فی دمشق على إسرائیل فی المنطقة الکثیر من إیران أن الرد على إن إیران
إقرأ أيضاً:
أي دور لأوروبا في الملف النووي الإيراني؟
عقدت إيران والدول الأوروبية -ممثلة في بريطانيا وفرنسا وألمانيا- جولة من المحادثات النووية الأسبوع الماضي، في القنصلية العامة الإيرانية بمدينة إسطنبول التركية.
وتعد هذه المفاوضات الأولى في موضوع الملف النووي الإيراني منذ أن شنت إسرائيل والولايات المتحدة هجومًا على إيران في يونيو/حزيران الماضي.
كما تأتي بعد تراجع الدور الأوروبي بفعل سياسات الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وسعيه إلى التفاوض مع إيران بشكل مباشر بعيدا عن أعين الأوروبيين.
وفي هذا الإطار، تطرأ أسئلة عن أهمية محادثات إسطنبول، وهل هي محاولة أوروبية لاستعادة زمام المبادرة فيما يتعلق بالملف النووي الإيراني؟
تتكتم الأطراف المشاركة في محادثات إسطنبول على نتائج جولة المباحثات التي جرت بين وفود من إيران والدول الأوروبية، والتي استمرت خلالها المناقشات المغلقة لأكثر من 3 ساعات، حسب وكالة أنباء الأناضول التركية، ومثل إيران فيها مجيد تخت روانجي وكاظم غريب آبادي نائبا وزير الخارجية.
وفي تقرير عن المفاوضات النووية بين أوروبا وإيران نشره موقع إذاعة دوت شيفيليه الألمانية، اعتبر محلل السياسات الأوروبية كيرستن نيب أن هناك تساؤلات قائمة تحدد الأجوبة عليها مدى أهمية أو جدوى أية عملية تفاوض تتعلق بالملف النووي الإيراني.
وتدور هذه التساؤلات حول الوضع التقني للبرنامج النووي الإيراني بعد الهجمات التي شنتها إسرائيل والولايات المتحدة على منشآت نووية إيرانية، وما إذا كانت إيران قادرة على مواصلة برنامجها أصلاً.
ويستخلص نيب أن المعلومات المحدودة المتاحة لا تدعم مزاعم الرئيس ترامب بأن البرنامج النووي الإيراني قد "دُمّر بالكامل".
وينقل تقرير دوت شيفيليه عن الخبير في شؤون إيران بالمعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية حميد رضا عزيزي أنه من المرجح أن تتمكن إيران من استئناف برنامج التخصيب إلى حد ما على المدى القصير والمتوسط.
إعلانويقدّر عزيزي أن إيران لا تزال تمتلك الكثير من اليورانيوم عالي التخصيب الذي خزّنته خلال السنوات القليلة الماضية، وأن الهجمات لم تشل قدرتها على تخصيب اليورانيوم.
ورغم أنه يؤكد أنه حتى الآن لم تظهر أي مؤشرات على أن إيران اتخذت خطوات فعّالة لاستئناف برنامجها، لكنه يرى أن مثل هذه الخطوة فقط مسألة قرار سياسي، بالإضافة إلى اعتبارات عسكرية وأمنية، أكثر منها مسألة قدرات تقنية.
غير أن مايكل برزوسكا عالم السياسة في معهد أبحاث السلام والسياسات الأمنية بجامعة هامبورغ يعتبر أنه من المرجح أن يكون قد أصبح من الصعب تقنيًا على إيران مواصلة تخصيب اليورانيوم إلى مستوى يكفي لصنع أسلحة نووية.
ويرجح برزوسكا -كما نقل عنه موقع دوت شيفيليه- أن أجهزة الطرد المركزي اللازمة للتخصيب ربما تضررت لدرجة لم تعد معها صالحة للاستخدام، لكنه استدرك قائلا "لا يمكن استبعاد وجود أجهزة طرد مركزي مخفية في مواقع أخرى، إلا أنه لا توجد معلومات حاليًا عن ذلك".
مهلة أخيرة لإيرانوقبيل محادثات إسطنبول، ذكر موقع إكسيوس في تقرير له أن وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو أجرى اتصالا مع نظرائه في ألمانيا وفرنسا وبريطانيا منتصف يوليو/تموز، واتفقوا على تحديد موعد نهائي لإيران للتوصل إلى اتفاق نووي.
وحسب الموقع الأميركي، فإن هذا الموعد ينتهي مع نهاية أغسطس/آب المقبل. وإذا لم يتم التوصل إلى اتفاق بحلول ذلك الموعد، يخطط الشركاء الأوروبيون لإعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة السابقة على طهران تلقائيًا.
ويعتقد المحلل برزوسكا أنه من المحتمل جدا أن تعيد القيادة الإيرانية النظر في إستراتيجيتها الحالية التي أثارت مخاوف الدول الأخرى.
لكن عزيزي يؤكد أن إيران ترسل حاليًا "إشارات متضاربة" موضحًا أن المسؤولين الإيرانيين، بمن فيهم الرئيس ووزير الخارجية، ما زالوا يصرون على أن بلادهم لا تزال منفتحة على الحوار الدبلوماسي.
وفي الوقت نفسه، لا يرى عزيزي أي مؤشر على استعداد إيران لتليين مواقفها بشأن قضايا خلافية أخرى، مثل تخصيب اليورانيوم محليًا أو دعمها للجهات الفاعلة غير الحكومية في المنطقة.
وخلص الخبير في شؤون إيران بالمعهد الألماني إلى أن القيادة الإيرانية على ما يبدو تحاول كسب الوقت، وتجنب تصعيد جديد حتى تُحدد كيفية معالجة مختلف المشاكل المطروحة.
كانت الترويكا الأوروبية (فرنسا وبريطانيا وألمانيا) أول من بدأ مفاوضات مع إيران بشأن برنامجها النووي، وذلك عام 2003، كما كانت طرفا فاعلا في اتفاق 2015.
وحافظت الدول الأوروبية بشأن الملف النووي الإيراني على نوع من التمايز عن الموقف الأميركي الذي ظل مدفوعا بهواجس إسرائيل، فكان أكثر عدوانية تجاه إيران.
فبينما اعتبرت الترويكا الأوروبية الاتفاق السابق نجاحا كبيرا وخطوة حاسمة نحو منع الانتشار النووي مع الحفاظ على العلاقات الاقتصادية والسياسية مع إيران، ما لبثت الولايات المتحدة أن انسحبت من الاتفاق مما أعاد الملف لنقطة الصفر، إذ باشرت إيران تسريع وتيرة تخصيب اليورانيوم، وحدت من وصول مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى محطات التخصيب، معللة ذلك بعدم وفاء الطرف الآخر بالتزاماته.
إعلانوقد بذلت الدول الأوروبية جهودا لإعادة الولايات المتحدة إلى الاتفاق خصوصا في عهد الرئيس السابق جو بايدن، إلا أن تلك المحاولات فشلت في نهاية المطاف.
تدهورت العلاقات الثنائية بين إيران والدول الأوروبية تدريجيًا مع الاتهامات المتبادلة بخرق الاتفاق، حيث تتهم إيران الجانب الأوروبي بالاستمرار في فرض عقوبات غير مبررة، بينما يرى الأوروبيون أن تسريع إيران لوتيرة التخصيب يشكل خرقا للاتفاق السابق.
وتصاعدت التوترات بين الطرفين عقب نشوب حرب روسيا وأوكرانيا حيث اتهم الأوروبيون إيران بتقديم مساعدات عسكرية لروسيا.
وحسب دراسة للمركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب نشرت في 9 يونيو/حزيران الماضي، فقد ضغطت دول الترويكا الأوروبية في نوفمبر/تشرين الثاني 2024 على وكالة الطاقة الذرية من أجل إعداد تقرير شامل عن الأنشطة النووية الإيرانية ليتسنى للدول الأوروبية إعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة التي كانت مفروضة على إيران قبل توقيعها الاتفاق النووي عام 2015.
وبالفعل أصدر رئيس الوكالة رافائيل غروسي بيانا أعلن فيه أن إيران تقوم بتخصيب اليورانيوم بنسبة نقاء تصل إلى (60%) وهو ما يقترب من مستوى (90%) اللازم لإنتاج سلاح، بل قال في تصريحات لاحقة لصحيفة لوموند إن إيران "ليست بعيدة" عن امتلاك القنبلة الذرية.
وتضيف الدراسة أنه تزامنا مع ذلك أصدرت أجهزة الاستخبارات في كل من فرنسا وبريطانيا تقارير مع نهاية العام المنصرم تضمنت تحذيرات قوية من البرنامج النووي الإيراني، واعتباره بات مصدر تهديد للجميع وأن تهديده سيكون أشد خلال أشهر فقط.
وفي يناير/كانون الثاني 2025، قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إن تسريع البرنامج النووي الإيراني "يقربنا كثيرا من نقطة الانهيار" مضيفا أن شركاء الاتحاد الأوروبي بالاتفاق النووي يجب أن يفكروا في إعادة فرض العقوبات إذا لم يكن هناك تقدم من جانب طهران في معالجة المخاوف.
View this post on InstagramA post shared by قناة الجزيرة مباشر (@aljazeeramubasher)
استبعاد الأوروبيينلكن أوروبا وجدت نفسها فجأة خارج اللعبة فيما يتعلق بالملف النووي الإيراني، إذ أعلن ترامب في أبريل/نيسان الماضي عن بدء مفاوضات ثنائية مع إيران بشأن التوصل إلى اتفاق بشأن برنامجها النووي لمنعها من امتلاك سلاح نووي يهدد أميركا وحلفاءها في الشرق الأوسط وخصوصا إسرائيل.
وحتى وهو يختار مدينة أوروبية لاحتضان المفاوضات، اختار الرئيس الأميركي العاصمة الإيطالية التي تحكمها امرأة يمينية ذات علاقة وثيقة بترامب.
وحسب تقرير لموقع إينرجي نيوز بعنوان "الأوروبيون مستبعدون من المفاوضات النووية بين إيران والولايات المتحدة" فإن الدول الأوروبية التي كانت محورية في اتفاق 2015 وجدت نفسها على الهامش مع انطلاق المفاوضات بين واشنطن وطهران وهو ما يمثل تحولا كبيرا على الصعيد الدبلوماسي.
وحسب الموقع فقد اتخذت المناقشات بشأن البرنامج النووي الإيراني اتجاها جديدا في 12 أبريل/نيسان الماضي، عندما بدأت إيران والولايات المتحدة اللتان لا تربطهما علاقات دبلوماسية منذ عام 1980 مفاوضات بوساطة سلطنة عمان.
ويضيف التقرير أنه منذ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي عام 2018 في عهد إدارة ترامب، فقدت الدول الأوروبية نفوذها بشكل مطرد، حيث تحولت فرنسا والمملكة المتحدة وألمانيا من لاعبين رئيسيين في المفاوضات الأولية إلى مجرد مراقبين دون أي دور مباشر في المفاوضات، بينما اختارت إيران والولايات المتحدة، وبوساطة عمانية، التفاوض في إطار ثنائي، تاركين الأوروبيين جانباً.
وفي تقرير بعنوان "الاتفاق النووي الإيراني: لماذا يغيب الأوروبيون عن المفاوضات"؟ نقلت مراسلة وكالة الصحافة الفرنسية ماي لو درو عن دبلوماسيين أوروبيين قولهم إن الولايات المتحدة لم تُطلع الدول الأوروبية على المحادثات النووية في عُمان قبل أن يعلنها الرئيس ترامب يوم 2 أبريل/نيسان 2025، رغم أنهم يمتلكون ورقة رابحة في احتمال إعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة على طهران.
إعلانوشكل إقصاء أوروبا من المفاوضات مع إيران تحديا آخر يشكل استمرارا لتحديات كبيرة واجهتها أوروبا مع رئاسة ترامب الثانية، سواء فيما يخص التحديات العسكرية والأمنية المتعلقة بحلف الناتو وأوكرانيا، أو التحديات الاقتصادية التي تفرضها رسوم ترامب الجمركية المرتفعة على الدول الأوروبية.
يرى مراقبون أن تهميش الأوروبيين في الملف النووي الإيراني يعود لأسباب مختلفة يرجع بعضها لسياسة واشنطن التهميشية، في حين يعود البعض الآخر إلى العجز الذاتي لدى الأوروبيين عن فرض حضورهم.
ويمكننا -حسب التقارير والدراسات التي بين أيدينا- أن نعدد بعض أسباب هذا التهميش:
إستراتيجية الرئيس الأميركي القائمة على الحسم المباشر، إذ لا يرى أهمية كبيرة لإشراك أطراف متعددة في التفاوض، بل يفضل الحوارات الثنائية التي تتيح له فرض أجندته وشروطه. فقدان ثقة الإيرانيين بالأوروبيين، فبعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي عام 2018 وإعادة فرض العقوبات الثقيلة، طلب الإيرانيون من الأوروبيين مساعدتهم عبر الحفاظ على التبادل التجاري، لكن الشركات الأوروبية فرت من السوق الإيرانية، وهو ما ساهم بشكل كبير في تدهور الوضع الاقتصادي في البلاد، وقوّض مصداقية الأوروبيين لدى إيران. التصدعات داخل الاتحاد الأوروبي، فقد أدى غياب موقف موحد لدول الاتحاد الأوروبي بشأن إيران، واختلاف أولويات الدول الأعضاء، إلى إضعاف فعالية الأوروبيين كطرف تفاوضي. العداء والازدراء الذي يعامل به ترامب الأوروبيين.تعتبر الباحثة الكندية في المعهد البريطاني للخدمات المتحدة داريا دولزيكوفا -في دراسة نشرتها بعنوان "المحادثات النووية الإيرانية: الآفاق ودور أوروبا"- أن مجموعة الدول الأوروبية الثلاث (المملكة المتحدة وألمانيا وفرنسا) يمكنها أن تلعب دورا مهما في مصير الملف النووي، فهي من يتحكم الآن في فرض أي عقوبات دولية على إيران أو عدم ذلك.
ويتضمن اتفاق 2015 آلية تُعرف باسم "العودة السريعة" والتي تُخول كل طرف من الأطراف الموقعة (الولايات المتحدة، بريطانيا، فرنسا، الصين، روسيا، ألمانيا، الاتحاد الأوروبي) صلاحية اتخاذ قرار يُؤدي تلقائيًا إلى إعادة فرض جميع عقوبات الأمم المتحدة على إيران بعد 30 يومًا.
وبعد أن انسحبت الولايات المتحدة من الاتفاق عام 2018، في عهد إدارة ترامب الأولى، لم يعد بإمكانها تفعيل هذه الآلية، وهذا ما يفسر ربما لجوء الولايات المتحدة للدول الأوروبية والاتصال الذي أجراه وزير خارجيتها منتصف يوليو/تموز مع نظرائه الأوروبيين الثلاثة لتفعيل آلية العودة للعقوبات الشاملة بحلول نهاية أغسطس/آب إذا لم تستجب إيران للمطالب الغربية.
لكن دولزيكوفا ترى أن التحدي اليوم يكمن في تحديد الوضع الذي ينبغي أن يكون عليه البرنامج النووي الإيراني، مضيفة أنه لا يمكن أخذ أي اقتراح بتفكيك كامل ودائم للبرنامج على محمل الجد، إذ طالما رفضت إيران التخلي عن قدراتها في التخصيب، ومن غير المرجح أن تغير مسارها الآن.
???? وزير الخارجية الإيراني : أي استغلال لآلية "سناب باك" ستكون له عواقب وخيمة
حذر وزير الخارجية الإيراني السيد عباس عراقجي من أن تفعيل آلية “سناب باك” لإعادة فرض العقوبات سيؤدي إلى عواقب وخيمة، منها إنهاء دور أوروبا في الاتفاق النووي وتصعيد خطير في التوترات. pic.twitter.com/sTXdIeI401
— إيران بالعربية (@iraninarabic_ir) May 12, 2025
ويعتبر برزوسكا أن المحادثات الأوروبية الإيرانية التي استؤنفت باجتماع إسطنبول الجمعة الماضية بالغة الأهمية، فرغم أن العقوبات التي تفرضها أميركا نهاية المطاف أكثر أهمية من منظور إيراني، لكن تفعيل آلية "سناب باك" سيلزم كل دول العالم بفرض عقوبات اقتصادية على إيران.
ولذلك، يخلص عالم السياسة في معهد أبحاث السلام والسياسات الأمنية إلى أنه من المرجح أن تعمل إيران على ضمان عدم إعادة الأوروبيين تطبيق هذه الآلية.
أما الخبير بالشؤون الإيرانية عزيزي فيتوقع أن يتفق الأوروبيون والإيرانيون على تمديد الموعد النهائي لتفعيل آلية "سناب باك" مما يتيح مزيدا من الوقت والتوصل إلى حل دبلوماسي محتمل.