ما الذي دفع 50 إسرائيليا إلى الانتحار بعد نجاتهم من حفل نوفا؟
تاريخ النشر: 18th, April 2024 GMT
أقدم على الانتحار 50 إسرائيليا ممن شاركوا في حفل "نوفا" الموسيقي الذي أقيم في "كيبوتس رعيم" بمنطقة "غلاف غزة" والذي تزامن مع انطلاق معركة طوفان الأقصى، وذلك بسبب "البيروقراطية" التي تعتمدها المؤسسات الإسرائيلية المختصة في تقديم العلاج والدعم النفسي للناجين، والبالغ عددهم 3800، بحسب وسائل الإعلام الإسرائيلية.
وكُشف النقاب عن هذه المعلومات الثلاثاء خلال مداولات لجنة المراقبة في الكنيست، التي ناقشت ما جرى بين عناصر المقاومة الفلسطينية وقوات الأمن الإسرائيلية في محيط الحفل الموسيقي، وكذلك المساعدة التي قُدمت للناجين من الأحداث، والصعوبات التي تواجههم خلال تلقيهم المساعدة، والعلاج والدعم النفسي المقدم من الجهات ذات الاختصاص.
وعقدت اللجنة البرلمانية -التي يرأسها عضو الكنيست عن حزب "هناك مستقبل" ميكي ليفي- مداولاتها بمشاركة العديد من الناجين الذين وجهوا خلال إفاداتهم انتقادات شديدة اللهجة لسلوك السلطات وما تسمى "مؤسسة التأمين الوطني" حيث تم استعراض أوضاعهم المعيشية ومحنتهم النفسية.
ويستدل من بيانات منظمة "ناتال" -التي عرضت خلال مداولات اللجنة البرلمانية- أن 679 من الناجين من أحداث الحفل الموسيقي تم علاجهم في الوحدة السريرية التابعة للمنظمة، منهم 431 ما يزالون يتلقون العلاج ويعانون من أعراض كثيرة مثل نوبات ومشاعر القلق، والارتجاع، وصعوبة النوم، والتبول ليلا، وآلام العضلات، وضغط الصدر، وانغلاق الفك، والكوابيس، والأفكار المزعجة، والمشي أثناء النوم.
وتحدّث العديد من الناجين خلال مشاركتهم بالجلسة البرلمانية عن عدم القدرة على التأقلم مع الأوضاع والمستجدات عقب أحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول، وكذلك صعوبة العودة إلى الروتين وفقدان الثقة، والأعراض التي يعانون منها تتلخص بالضيق النفسي والاجتماعي الذي أصابهم وأسرهم، بحسب صحيفة "هآرتس".
تشكيك بالشهادات
ونقل موقع القناة السابعة الإسرائيلية، المحسوب على معسكر اليمين المتطرف، تجربة الناجي غي بن شمعون، الذي قال "هناك ما يقرب من 50 حالة انتحار بين الناجين من نوفا، وهذا رقم كان صحيحا قبل شهرين، وهناك العديد من الأشخاص الذين تم إدخالهم قسرا إلى المستشفى".
وبحسب بن شمعون، فإن المخصصات المالية التي يحصل عليها من مؤسسة التأمين من المتوقع أن تتوقف في مايو/أيار المقبل. وأضاف "لا أرى نفسي أعود إلى العمل، نحن بحاجة إلى العلاج المتواصل، حاولت العودة إلى العمل 3 مرات، لكن الطبيب المعالج قال إن جسدك يفرز الأدرينالين، أنا والمئات من أمثالي لن نتمكن من العودة إلى العمل بتاتا".
وصدمت إفادة بن شمعون المشاركين في مداولات اللجنة البرلمانية، حيث سارع مندوب وزارة الصحة للنفي، وزعم أن عدد المنتحرين غير صحيح، وأن "الوزارة تعرف أنهم أقل من 10 حالات انتحار للناجين من المجزرة" على حد وصفه.
وفي سياق محاولة تفنيد هذه المعطيات حول أعداد حالات الانتحار التي كشف عنها بن شمعون، قال رئيس قسم الصحة النفسية في وزارة الصحة جلعاد بودنهايمر إن "الشائعات حول عدد حالات الانتحار وعدد حالات العلاج في المستشفيات بين الناجين من حفل نوفا غير صحيحة، ومن خلال الفحص مع الجهات ذات الصلة التي تشارك في علاج الناجين من نوفا، تبين أن هذه البيانات غير معروفة".
صعوبة التأقلم
وخلال مداولات اللجنة البرلمانية، سردت الناجية نعما إيتان معاناتها المتواصلة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول قائلة "لقد شاركت في بحث طبي لفحص نبضي وغيره من المؤشرات، وكشف لي مدى سوء حالتي الصحية، إن متوسط ساعات نومي هو ساعتان في الليلة".
واستذكرت إيتان اللحظات الأولى التي أعقبت الهجوم المفاجئ الذي شنته المقاومة الفلسطينية، مشيرة إلى أنها مكثت خلال الأحداث والمواجهات 7 ساعات تحت شجرة، حيث كان يمر "مسلحو حماس" بمقربة منها، وكانت أثناء ذلك تتصل بالشرطة مرارا وتكرارا، وتقول في إفادتها "كنت استغيث بالشرطة عبر الهاتف، أين أنتم لماذا لا يأتي أحد منكم؟" مشيرة إلى أنها تجد صعوبة في التأقلم والعودة إلى الحياة الطبيعية.
وتضيف "رأسي يضج وأعود بالذكريات إلى هناك، إلى أحداث نوفا، أحتاج إلى شخص يرافقني طوال الوقت، لولا طبيبي النفسي لما كنت هنا، لماذا علي أن أثبت لشخص ما مررت به، وتفصيل ما حدث لي؟ لقد كنت هناك".
وتابعت "لدي أصدقاء لم ينهضوا من السرير بعد.. هم بحاجة لرعاية ودعم ومساعدة وعلاج على مدار 24 ساعة، ما هذا النهج والتعامل؟".
إجراءات قاتلة
التجربة نفسها استعرضها الناجي أور ناسا، الذي قال "نحن لا ننام في الليل، ولا نستطيع فعل أي شيء في النهار، والآن يأتون ويقولون إن علينا ملء استمارة كذا وكذا، هذا التعامل يدمّر يومنا كله".
وأضاف ناسا "نحن غير قادرين على فعل أي شيء، توقفت إحدى صديقاتي عن العمل بسبب نوبة نفسية تعرضت لها، لكن أطباء التأمين الوطني لم يتعرفوا عليها كضحية عمل، أنا شخصيا يجب أن أذهب إلى طبيب نفسي، لكن لدي موعد بعد 5 أشهر".
واستعرضت صحيفة "معاريف" إفادة الناجية يوفال رفائيل التي سلّطت الضوء على المعاناة التي يعيشها من نجا من الأحداث، قائلة "لماذا تتلخص المعاناة التي يمر بها جميع الناجين بقرارات لجان التأمين الوطني حول ما يتعلق بنسب الإعاقة؟".
وأوضحت رفائيل أن الحصول على مخصصات شهرية مدى الحياة يكون فقط في حال قررت اللجان الطبية منح نسبة إعاقة للناجي تصل إلى 20%.
وتساءلت "لماذا لا يتم الاعتراف بجميع الناجين تلقائيا، بخلاف منحهم نسب إعاقة مؤقتة سارية المفعول فقط للعام المقبل؟ لماذا لا يحصلون على الحد الأدنى من نسبة الإعاقة؟ لماذا يجب عليهم الانتقال من حرب 7 أكتوبر/تشرين الأول للنضال ضد الضمان الاجتماعي، والسلطات القضائية، وفتح جراحهم للحصول على الحد الأدنى من مخصصات ثابتة؟".
وختمت إفادتها بالقول "لدي عدد غير قليل من الأصدقاء الذين حصلوا على نسبة أقل من 20% في هذه اللجان" وأضافت أنها نجت من أحداث 7 أكتوبر/تشرين الأول "وبقيت على قيد الحياة ليس من أجل ألا أعيش بعد ذلك".
المصدر: الموقع بوست
كلمات دلالية: أکتوبر تشرین الأول اللجنة البرلمانیة الناجین من
إقرأ أيضاً:
لماذا توسّع الجزائر مساهمتها في المؤسسات المالية الدولية؟
رسّخت الجزائر في السنوات الأخيرة توجهًا ماليا مغايرًا ضمن محيطها الإقليمي والدولي من خلال توسيع مساهماتها داخل أبرز البنوك التنموية، من دون أن تلجأ إلى الاستدانة منها.
فقد عزّزت حضورها في بنك التنمية الأفريقي عبر مساهمات إضافية، ووقّعت اتفاقيات تعاون واسعة مع البنك الإسلامي للتنمية تمتد بين عامي 2025 و2027. تجلّى آخر هذه الخطوات في إعلان رئيسة بنك التنمية الجديد ديلما روسيف، الخميس الماضي، انضمام الجزائر رسميًا إلى بنك مجموعة "بريكس" بالتزام مالي يُقدّر بـ1.5 مليار دولار. كما وافقت الجزائر خلال عام 2024 على زيادة اكتتابها في بنك التنمية الأفريقي بأكثر من 36 ألف سهم لتُصنّف ضمن أبرز المساهمين الإقليميين غير المدينين. وفي فبراير/شباط 2025، رفعت الجزائر حصتها في رأسمال البنك الأفريقي للاستيراد والتصدير "أفريكسيم بنك" من خلال الاكتتاب في 2285 سهمًا إضافيا.وخلال اختتام أشغال الاجتماعات السنوية للبنك الإسلامي للتنمية المتعددة الأطراف في الجزائر العاصمة، كشف رئيس الهيئة المالية محمد سليمان الجاسر أن إطار التعاون الموقع بين البنك والجزائر يتضمن خدمات تمويلية وتأمينية لصالح الأخيرة بقيمة تصل 3 مليارات دولار خلال الفترة بين 2025 و2027، نافيًا أن يكون ذلك بمثابة قرض أو استدانة خارجية.
إعلانورغم هذه الشراكات الواسعة، فإن الجزائر لا تلجأ إلى الاستدانة، لا من هذه المؤسسات ولا من غيرها، وهو ما بات بمثابة عقيدة راسخة في سياستها الاقتصادية. فمنذ توليه منصب رئيس الجمهورية في ديسمبر/كانون الأول 2019، كرّر الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون رفضه القاطع للاستدانة الخارجية، معتبرًا إياها تهديدًا لسيادة البلاد واستقلال قرارها الوطني.
وقد أعلن الرئيس تبون في 11 يوليو/تموز 2023 أن بلاده "لا مديونية لها"، مؤكدا أنها "حرة في قراراتها السياسية والاقتصادية".
يرى البروفيسور فارس هباش، أستاذ الاقتصاد بجامعة سطيف، أن توسّع الجزائر في المساهمة بالبنوك التنموية الكبرى لا يُعد مجرد خيار اقتصادي، بل يمثل إستراتيجية سيادية شاملة. فالجزائر لم تعد تكتفي بدور المتلقي، بل تسعى إلى ترسيخ موقعها بوصفها مساهما فعّالا يمتلك صوتًا في توجيه التمويل وصنع القرار.
وأشار هباش إلى أن انخراط الجزائر في هذه المؤسسات يمكّنها من التأثير على أولويات المشاريع وسياسات التمويل، بما يتماشى مع مصالحها الوطنية.
وأضاف أن هذا التموضع يفتح أمام الجزائر آفاقًا لتعزيز شراكات إستراتيجية مع دول الجنوب، والترويج لمشاريع تنموية كبرى في مجالات المياه والطاقة والنقل، مما ينعكس إيجابًا على الاستقرار والتنمية الإقليمية، ويمهّد لدور جزائري أكثر حضورًا وتأثيرًا في أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية.
وفي تقدير فارس هباش، فإن الجزائر تراهن على هذه المنصات البنكية لتكريس موقعها كقوة فاعلة في الجنوب العالمي. فمن خلال مشاركتها في الحوارات التنموية تسعى إلى توجيه التمويل نحو مناطق تتقاطع معها مصالحها السياسية والاقتصادية، والدفع نحو تشكيل نظام مالي عالمي أكثر توازنًا وعدالة.
وأوضح أن الجزائر ستحقق من هذه المساهمات عوائد مالية واستثمارية من خلال المساهمة في مشاريع تنموية واقتصادية مربحة.
إعلانكما توقّع أن تواصل الجزائر تعزيز استثماراتها في هذه المؤسسات لمواكبة تطورات الاقتصاد العالمي، والتركيز على تمويل مشاريع مستدامة تندرج ضمن أهداف التنمية المستدامة لعام 2030.
استقلال تمويليوأكد الخبير الاقتصادي أحمد الحيدوسي أن عضوية الجزائر في البنوك التنموية الدولية تمثل "أداة من أدوات الدبلوماسية الاقتصادية"، ولا تعني بالضرورة رغبتها في الاقتراض، بل تُعد خطوة لتوسيع خياراتها الإستراتيجية مع الحفاظ على سيادتها المالية.
وشدّد الحيدوسي، في حديثه للجزيرة نت، على أن عزوف الجزائر عن الاقتراض من هذه المؤسسات يعود إلى توفر بدائل تمويلية تجعلها في موقف مريح، وعلى رأسها احتياطات النقد الأجنبي التي تتجاوز 70 مليار دولار، إلى جانب احتياطات الذهب التي تتخطى 80 مليار دولار، وهي كافية لتغطية سنوات من الاقتراض، بالإضافة إلى تحقيق الجزائر معدلات نمو مهمة في السنوات الأخيرة من أموالها الخاصة.
وقال إن "الجزائر تتعامل مع الاستدانة كخطر حقيقي على قرارها السيادي"، مستشهدًا بتجربة البلاد خلال تسعينيات القرن الماضي.
واعتبر أن "الاستقلال المالي ليس شعارًا سياسيا بل خيارا إستراتيجيا نابعا من دروس الماضي، ويستند إلى رؤية تنموية قائمة على تعبئة الإمكانات الوطنية وتجنّب أي تبعية خارجية".
وأضاف الحيدوسي أن الحكومة الجزائرية تركز على التمويل الداخلي وتسعى إلى تعبئة الموارد المحلية من خلال برامج تنموية، حيث تعمل على التوفيق بين متطلبات التمويل ورفض التبعية المالية بالاعتماد على مواردها الذاتية، لا سيما العائدات المحققة من الصادرات، سواء من قطاع المحروقات أو من قطاعات أخرى كالفلاحة والتعدين والطاقة المتجددة.
إعلان آفاق مستقبليةويرى مدير مؤسسة الدراسات الاقتصادية وتطوير المؤسسات حمزة بوغادي أن الجزائر اليوم تتموضع في موقع قوة نظرًا لما تمتلكه من أرصدة مالية خاصة واحتياطات صرف وقدرات مالية وتشغيلية سنوية مستقرة، إلى جانب مداخيل منتظمة تُعزّز الأرباح السنوية للدولة. كما تتمتع الجزائر بشراكات وعقود طويلة الأمد، وهي كلها عناصر تُعزّز الثقة في قدراتها عند التوجه نحو أي طلب تمويل إن أرادت ذلك.
وأوضح بوغادي، في حديثه للجزيرة نت، أن تمويلات هذه البنوك تُخصص لمشاريع ذات جدوى اقتصادية عالية، كونها تُبنى على شراكات تجارية مدروسة وليست مجرد قروض تقليدية.
وأشار إلى أن هذه المساهمات تُترجم توجّهًا إستراتيجيا نحو تنويع المحفظة المالية والاستثمار خارج الحدود، وهي سياسة تعتمدها العديد من الدول ضمن ما يُعرف بالاستثمار المالي العصري أو "التمويل العصري".
وأضاف بوغادي أن هذه الخطوة تتيح للجزائر توفير وسائل تمويل ذكية، خاصةً عندما يتعلق الأمر بمشاريع تنموية داخلية ذات فائدة كبرى من مثل المشروع الطموح في قطاع السكك الحديدية، والذي من شأنه أن يحوّل الجزائر إلى قطب عالمي في تصدير الحديد والفولاذ ومشتقاته.
وأكد أن بإمكان الجزائر اللجوء إلى التمويل من هذه البنوك متى أرادت كونها شريكة ومساهمة فيها، مشيرًا إلى أن الهدف الأساسي لهذه المؤسسات هو تمويل مشاريع الدول الأعضاء بطريقة مختلفة تمامًا عن التمويلات التقليدية التي تفرض شروطًا قاسية وتسعى للتدخل في شؤون الدول.