كشفت بيانات حديثة صادرة عن الأمم المتحدة عن مؤشرات كارثية لوضع الفقر في اليمن، حيث أظهرت أن 82.7% من السكان يعانون الفقر المدقع، في حين يعاني نحو 45% مختلف أشكال وأوجه الحرمان من احتياجات الغذاء والمعيشة والخدمات.

 

وتظهر البيانات الواردة في تقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي الصادر، بالتعاون مع عدة جهات ومؤسسات ومنظمات أممية وأكاديمية عالمية، أن معدلات الفقر أشد وطأة في المناطق الريفية، إذ تصل إلى 89.

4%، مقارنة بنحو 68.9% في المدن والمناطق الحضرية.

 

وأشار التقرير الذي اطلعت عليه "العربي الجديد" إلى أن نسبة الفقر بين الأفراد الذين يعيشون في أسر صغيرة تبلغ 64.4% مقارنة بنحو 86.4% و91.1% للأفراد الذين يعيشون في أسر مكونة من 5 إلى 9 أفراد أو أكثر على التوالي.

 

وسجلت محافظتا الضالع (جنوب اليمن) والبيضاء (وسط البلاد) أعلى معدل للفقر متعدد الأبعاد نظراً للعدد الكبير من السكان فيها، في حين تشير التقديرات إلى أن 40% ممن يعانون من الفقر متعدد الأبعاد يعيشون في محافظة تعز جنوب غرب اليمن.

 

يتضمن مؤشر الفقر على المستوى الوطني عددا من الأبعاد والمؤشرات لرصد أوجه الحرمان التي يعاني منها الأفراد والأسر، منها 6 أبعاد رئيسية هي التعليم والصحة، الخدمات، مستويات المعيشة والتوظيف، إضافة إلى 17 مؤشراً آخر.

 

وقال الخبير الاقتصادي مطهر العباسي، المسؤول السابق في وزارة التخطيط والتعاون الدولي وأستاذ الاقتصاد في جامعة صنعاء، إن ارتفاع نسبة الفقر في اليمن يرجع إلى السياسات التي تتبعها السلطتان المتصارعتان في اليمن وتسببهما في وضع ملايين اليمنيين في دائرة العوز والفاقة، بعدم صرف الرواتب والتضييق على القطاع الخاص وقطع الطرق.

 

كما ساهمت عوامل أخرى عديدة مثل انهيار العملة المحلية، وتدهور سعر صرف الريال الذي تجاوز 1600 ريال للدولار الواحد في عدن التي تتخذ منها الحكومة عاصمة مؤقتة لها، ونقص الإيرادات بسبب انخفاض صادرات النفط الخام وتدفقات التحويلات المالية وانخفاض احتياطيات العملات الأجنبية، في توسع كارثة الفقر والأزمة الإنسانية التي جعلت البنك الدولي يصنف اليمن وفق تقرير صادر مطلع إبريل/ نيسان الجاري، بأنه أفقر بلد في العالم، وفق حديث العباسي لـ"العربي الجديد".

 

وأشار إلى أن السياسات الاقتصادية المتبعة في إطار الصراع القائم في اليمن منذ نحو 10 أعوام أدت إلى هذه النتيجة الكارثية للفقر والأزمة الإنسانية مع انهيار العملة، وارتفاع التضخم بالتوازي مع تدهور معيشة غالبية السكان، علاوة على تدهور الوضع الاقتصادي، الذي أدى إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية والوقود إلى مستويات غير مسبوقة، ما جعل غالبية الأسر غير قادرة على الحصول على الغذاء الكافي.

 

ووفق البنك الدولي، فإن سنوات الصراع في اليمن تسببت في زيادة مستوى الفقر بأكثر من النصف، وحولته ليس إلى أفقر بلد فقط في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بل في جميع أنحاء العالم، مشيراً إلى أن 10 سنوات من الصراع تركت ملايين اليمنيين تحت طائلة الجوع والفقر.

 

وقال الخبير الاقتصادي أحمد شماخ، لـ"العربي الجديد"، إنه في ظل التشظي والانقسام أصبحت بيئة العمل طاردة للاستثمار، حيث أصيب نشاط القطاع الخاص بالشلل جراء انعدام الأمن، فضلا عن توقف وانقطاع رواتب الموظفين المدنيين، الأمر الذي تسبب في انتشار الفقر.

 

وبينما يحاول اليمنيون التكيف والتأقلم مع أشكال الحرمان المتعددة والمتداخلة، ذكر البنك الدولي في تقريره الذي اطلع عليه "العربي الجديد"، أن نحو نصف الأسر اليمنية عانت عدم كفاية استهلاك الغذاء في العام الماضي 2023.

 

ولا تلوح في الأفق نهاية للمعاناة، حيث أظهر تقرير برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة الصادر نهاية مارس/آذار الماضي، أن أزمة انعدام الأمن الغذائي وصلت خلال فبراير/ شباط الماضي إلى أعلى مستوى لها منذ أكثر من عام، حيث أكثر من نصف الأسر في البلاد غير قادرة على الحصول على الغذاء الكافي.

 

وحذر المحلل الاقتصادي علي قايد، لـ"العربي الجديد"، من خطورة الأوضاع التي يرجح أن تتدهور إلى ما لا يحمد عقباه من انفجار الفقر والبطالة والجوع، وتدهور الأوضاع المعيشية والاقتصادية وارتفاع الأسعار مع تلاشٍ كلي للسيولة، خلال النصف الثاني من العام الحالي، عندما تبدأ بالظهور تأثيرات وتبعات الأحداث المتصاعدة في المنطقة والبحر الأحمر التي يرى أنها قد تستمر بالاشتعال بشكل أكبر خلال الفترة القادمة.

 

كان برنامج الغذاء العالمي قد حذر الشهر الماضي من أن تداعيات التوتر الحالي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، خاصة في البحر الأحمر، إلى جانب الفجوة الناجمة عن توقف المساعدات الغذائية، ستؤدي إلى تأثيرات سلبية على أسعار المواد الغذائية في مناطق سيطرة الحوثيين، خلال الأشهر المقبلة.

 

ويتهم اليمنيون أطراف الصراع بالتسبب في هذه الوضعية التي وصل إليها غالبية السكان في اليمن، حيث انتزع هذا الصراع لقمة العيش من أفواه الملايين وتركهم على قارعة الفقر والعوز دون أي شعور بالمسؤولية.

 

وقال المواطن صالح البحري، لـ"العربي الجديد"، إن المسؤولين في كلا الطرفين يتسابقون على من سيجمع الأموال بشكل أكبر وهو ما تتم ملاحظته بوضوح.

 

ويؤكد سعيد الحريبي، وهو موظف مدني، أن أوضاعهم من سيئ إلى أسوأ، حيث إن جوع الغالبية من الناس يأتي على حساب ثراء الأقلية.

 

ويصف برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، الصراع في اليمن بأنه مـن بين أكثر النزاعات تدميراً منذ نهاية الحرب الباردة، إذ أدى إلى إرجاع عجلة التنمية البشرية لأكثر من 20 عاماً إلى الوراء.


المصدر: الموقع بوست

كلمات دلالية: العربی الجدید فی الیمن أکثر من إلى أن

إقرأ أيضاً:

متغيران..

يتم الحديث عن الاختلاف، وعن التقارب، وعن التغيير، وعن التضاد، وعن التسامح، وعن المواجهة، وفي كل ذلك هناك متغيران فاعلان، يظهر أحدهما على حساب الآخر، قد يشار إلى أحدهما على أنه متغير إيجابي، والآخر سلبي، وفي هذه الضدية، ليس شرطا أن تكون النتائج إيجابية بالمطلق، ولا سلبية بالمطلق، وإنما هناك مراوحة بين خطأ وصواب، وبين شروق وغروب، ويظل الحاكم في كل ذلك هو هذا الإنسان الذي أوتي الحكمة، والتعقل، والبصيرة، والقدرة على استشراف ما بعد النفق المظلم، ولأن المسألة مرتبطة أكثر بالإنسان في تحديد النتائج؛ تظل هذه التضادية معاشة في كل مشروعات الحياة اليومية، ويظل هذا الصراع قائما، وهذا ما يعطي الحياة ألقها وبهرجتها، واستمرار توهجها، ففي اتفاقاتها المطلقة تلبس الحياة عباءة تخيم على أنشطتها، ويصاب الإنسان بالملل، ويرى يومه صورة متكررة، باعثة على الكسل، وقد يعيش تململا يفقده همته، وطموحاته، وتعزيز آماله التي يريد.

فالتقييمات المرتبطة بالصورة الاحتفالية لحياة الناس - بيوت ضخمة وسيارات فارهة ومستوى معيشي عالي الجودة وسفر، ومع التضاد من ذلك في صورة الفقر، بكل صوره المأساوية، كل ذلك يقاس على متغيري الغنى والفقر، وتتداخل معهما مسائل جانبية، تقيَّم على أنها على درجة كبيرة من الأهمية، من ضمنها: جد واجتهاد، وتسلسل هرمي للأمرين ذاتهما (غنى/ فقر) وحظ وعلاقات، ذكاء وتصرف حكيم وعدم القناعة بالقليل وعدم التسليم لواقع معين والدخول في معترك المخاطر «مغامرات» وفي كل واحدة من هذه المشار إليه بمفردتها تتضمن متغيران، إن علا أحدهما كان ذلك على حساب الآخر، مع الإيمان بتبدل المواقف في ذات الأمر، فالجد يتقاطع مع الكسل، والذكاء مع الغباء، وحسن التصرف مع سوئه، والقناعة مع المزيد من التحقق والكسب، وحتى التسلسل الهرمي يمكن أن يتحايل عليه، ولذا عايشنا أسرا كانت على قدر كبير من الغنى وبحبوحة العيش، غدت أجيالها على خط الفقر، وفي المقابل أسرا أخرى تسلسلت عبر هرم الفقر؛ ربما؛ لأجيال متعاقبة؛ أضحى أبناؤها أو أحفادها على قدر معقول من الغنى والحياة الرغدة الهانئة ــ وإن كانت صورتهم الاحتفالية وفق المقياس المادي الظاهر ــ فالمهم أن متغير الغنى طغى على متغير الفقر، على عكس الأسر المتسلسلة عبر هرم الغنى. 

قد يصل البعض إلى قناعة أن العلم هو الوحيد الذي يمكن أن يوجد التوازن بين متغيري الفقر والغنى، وأن التسلسل الهرمي يخضع بالضرورة إلى هذا الفاعل، وكما جاء في قول الشاعر: «العلم يبني بيوتا لا عماد لها؛ والجهل يهدم بيوت العز والشرف» ولكن لا يمكن الجزم المطلق بذلك، فهناك متغيرات أخرى قد تدخل في هذا المعترك، فتحدد صورا جديدة، غير مرئية، أو معروفة من قبل، لتحدث تغيرات جذرية في الاتجاه ذاته، وهو ما يشار إليه؛ وفق ما جاء أعلاه: «حظ وعلاقات، ذكاء وتصرف حكيم وعدم القناعة بالقليل وعدم التسليم لواقع معين والدخول في معترك المخاطر «مغامرات»» والأمثلة كثيرة في الحياة عن أناس لا يملكون قدرا كبيرا من العلم والمعرفة، ومع ذلك أصبحوا على درجة كبيرة من الرخاء المادي، ومن التحقق الوجاهي، ويشار إليهم بالبنان، سواء في المجتمعات الصغيرة، أو المجتمعات الكبيرة المعقدة، ولذلك يضرب بالمثل الذي جمع مجموعة من الطلاب في صف ما ــ في المراحل الأولى من التعليم ــ أن المجموعة التي لم تكمل تعليمها، ترأست زملاءها الذي أكملوا تعليمهم؛ عندما تعينوا في مؤسسات يديرها هؤلاء الزملاء الذين فرقتهم الحياة قبل نيف من الزمان، فمتغيرا الجهل والعلم، ليس من الضرورة أن يفضيا إلى تناقض كبير في أدوار الحياة اليومية، والجهل هنا لن يقاس على أنه «الجهل بالمعرفة المطلقة» وإنما على أنه يمكن أن يحتاج صاحبه إلى بعض المفاتيح للصناديق المهمة، وحتى ذوو المعرفة يمكن أن يمارسوا تصرفات الجاهل عندما يخالف معرفته، ويذهب إلى حياة ما تهمس له به نفسه. 

مقالات مشابهة

  • إدارة الإعلام والاتصال في وزارة الدفاع لـ سانا: تقوم وحدات الجيش العربي السوري في هذه اللحظات بتنفيذ ضربات دقيقة تستهدف مصادر النيران التي استخدمتها قوات “قسد” في قصف قرية الكيارية ومحيطها بريف منبج، وقد تمكنت قواتنا من رصد راجمة صواريخ ومدفع
  • مشروع مسام يعلن عن كمية الألغام التي انتزعها في اليمن منذ انطلاقته وحتى نهاية يوليو المنصرم
  • تحقق نبوءة نبوية في اليمن .. الإمام الذي أحيا الله به الدين
  • برنامج أممي يحذر من مجاعة في اليمن.. أكثر من 18 مليون شخص يواجهون انعدامًا حادًا في الأمن الغذائي
  • جيش الإحتلال: اعترضنا الصاروخ الذي أطلق من اليمن
  • متغيران..
  • الجوازات: إهمال وثائق السفر بتسليمها لغير ذوي الاختصاص أو رهنها يضعك تحت طائلة المساءلة
  • “إلى أين؟”.. عرض ليبي يُجسّد القلق الوجودي ضمن مهرجان المونودراما العربي في جرش 39 اللجنة الإعلامية لمهرجان جرش بحضور ممثل عن السفارة الليبية في عمان، وجمع غفير من عشاق المسرح، وضمن فعاليات الدورة الثالثة من مهرجان المونودراما المسرحي، قدّمت ا
  • رهف سامي جميل عبدالله تحرز لقب بطلة تحدي القراءة العربي في اليمن
  • ملايين الأرواح على شفا العطش.. تحذير أممي مرعب من كارثة مائية في اليمن!