فتاوى يجيب عنها فضيلة الشيخ د. كهلان بن نبهان الخروصي مساعد المفتي العام لسلطنة عمان
تاريخ النشر: 18th, April 2024 GMT
ما هي الأرض المغصوبة؟ وهل يعد الطريق العام أرضا مغصوبة في حال ضمها إلى المسجد عنوة؟
المغصوبة هي ما أخذت عنوة من يد صاحبها هذه هي المغصوبة، وجرى العرف على أن يستعمل المغصوب في الأصول في الاستيلاء عليها وأخذها عنوة من صاحبها دون وجه حق شرعي، فلذلك تسمى الأرض المغتصبة أو الأرض المغصوبة هذا هو التعريف العام للمغصوب، وهذا يسري على ما كان ملكا عاما أو ما كان ملكا خاصا، فما كان منفعة عامة كالطرق والمرافق العامة، فإنه لا يصح العدوان عليها، ومن باب أولى أن بيوت الله تبارك وتعالى يجب أن تنزه عن أي شبهة اغتصاب أو أخذ بغير وجه شرعي لأنها أطهر البقاع في الأرض وللنهي عن الصلاة على الأرض المغصوبة، فوجب أن تنزه المساجد بيوت الله تبارك وتعالى عن تشييدها أو إقامتها أو توسعتها في أرض لا حق لها فيها.
أما موضوع الطريق، فإنه ينظر هل استحدثت طرق بديلة تغني عن الطريق التي توسع فيها المسجد؟ وهل ثبت فعلا أن تلك الطريق هي أسبق من المسجد أو من أملاك المسجد فإنها في وقت من الأوقات على المسجد.
الحاصل أن النظر في قضية خاصة لا بد فيه من التعرف على كل الأحوال والظروف والملابسات التي تكتنف الموضوع، فليس من الحكمة أن نجيب في مسألة خاصة وإنما نضع القاعدة الفقهية العامة في مثل هذا النوع من المسائل، وأنبه إلى ألا يتعجل في المسألة، فإذا كان مسجد من المساجد توسع في طريق، فلعله أحدثت له طرق أخرى أو أن تلك الطريق هي التي اعتدت على حق المسجد، فينظر ما الحالة الخاصة التي تكتنف الأمر، ولا يتعجل في الحكم على أرض ضمت إلى مسجد بأنها مغتصبة. والله تعالى أعلم.
في قوله تعالى: «إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى (18) صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى (19)» ما المراد بقوله تعالى إن هذا؟
المراد هو ما تقدم في سورة الأعلى وهو عند أكثر المفسرين من قوله تعالى: «قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى...» إلى آخر السورة فهذا هو المراد أنه ما اشتمل عليه متضمنا الصحف الأولى وعرفها ربنا تبارك وتعالى في السورة نفسها بقوله صحف إبراهيم وموسى، وقيل إن المقصود هو كل ما ورد في سورة الأعلى، من قوله تعالى: «سبح اسم ربك الأعلى» إلى آخر السورة، فالإشارة في قوله تعالى: «إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى» هي إشارة إلى ما ورد في هذه السورة، لكن القول الأول الذي هو قول أكثر المفسرين المتقدمين منهم والمتأخرين أوجه، لأن سورة الأعلى ورد فيها: «سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنسَى (6) إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى (7) وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى (8) فَذَكِّرْ إِن نَّفَعَتِ الذِّكْرَى(9) سَيَذَّكَّرُ مَن يَخْشَى» هذه توجيهات لرسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- بعد الامتنان عليه، فناسب ذلك أن تكون الإشارة راجعة إلى آخر ما ورد ذكره، وإن كان بعض القائلين بأن الإشارة ترجع إلى السورة يحملون ذلك على الجانب المعنوي، فإن سورة الأعلى تتحدث عن توحيد الله تبارك وتعالى وتنزيهه عما لا يليق، وتتحدث عن النبوة وعن المعاد من وعد ووعيد فهذه هي مما ورد في صحف إبراهيم وموسى، فحتى تتحدث عن المعاد، فهذا في الجزء الذي خوطب به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم امتنانا وإرشادا «سنقرئك فلا تنسى» إلى السياق المتقدم، فإن المقصود ليس إلا ما تتعلق به النبوات فشأنه شأن من تقدمه أيضا من الأنبياء والرسل وهذا المعنى يتكرر في كتاب الله -عز وجل- على ما ورد في كتب أنزلها الله تبارك وتعالى على أنبياء ورسل سابقين عليهم الصلاة والسلام يتكرر في القرآن الكريم، فورد في سورة الأعلى بهذا السؤال وورد في قوله تعالى: «أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى(36) وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى (37) أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى»، وورد أيضا في قوله تبارك وتعالى في الشعراء: «وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ» أي أن القرآن الكريم بما اشتمل عليه من مواعظ وهدايات ومن توحيد وعبودية لا من حيث التفاصيل والشرائع وإنما من حيث التوحيد والنبوة والرسالة والمعاد والأخلاق والمواعظ والهدى هو مهيمن على ما ورد في الكتب قبله، والزبر أي الكتب هذا والله تعالى أعلم.
ما الدافع الذي جعل الملكة التي بعث إليها النبي سليمان عليه السلام بكتابه بأن وصفته بأنه كتاب كريم وهي لم تؤمن بعد؟
الظاهر أن ما خلصت إليه ملكة سبأ من أن هذا الكتاب «كتاب كريم» حصل لها من جملة أمور أولا من الطريقة التي وصل بها إليها الكتاب، فمن طريقة وصول الكتاب إليها علمت أن ذلك ليس من شأن عامة الناس أو ملوك الدنيا، ثم من ظاهر شكل الكتاب فعلمت أن هذا الكتاب ليس بكتاب يمكن أن يحسنه أو أن يتقنه أي أحد من الناس أو من عامة الملوك والحكام من ظاهر شكل هذا الكتاب الذي أرسله سليمان عليه السلام إليها، ولا يبعد أن يكون عليه السلام قاصدا ليريها ما يشد انتباهها وينبه فكرها إلى أن المرسل ليس ملكا وإنما هو نبي كريم من عند الله تبارك وتعالى، ثم من مضمون هذا الكتاب الذي قرأته هي على قومها «إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (30) أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ» هذه الصيغة بهذا الخطاب وهذا الإيجاز وهذا الذكر لله تبارك وتعالى بهذه الأوصاف يكشف على أن هذا الكتاب كتاب ذو شأن وأن المرسل له شأن عظيم، وقد اعتادت على مراسلة حكام وملوك وأن ترسل إليهم وأن يرسلوا إليها، لكنها رأت شيئا مختلفا، وإن كان القرآن الكريم قد طوى ذكرى هذه التفاصيل، إلا أن كلمتها هذه تكشف عن كل هذه الوجوه، فهذا هو الذي يظهر مما استنتجت به ملكة سبأ نفاسة هذا الكريم، يوصف به الشيء النفيس في العربية يقال هذا أمر كريم، وسحابة كريمة، إذا كانت نفيسة أو إذا كان يرجى منها خير عظيم، أو إذا كان فيها ما يميزها. والله تعالى أعلم.
ما صحة هذا الحديث عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «ألا أنبئكم بليلة أفضل من ليلة القدر، حارس حرس في أرض خوف»؟
نعم. الحديث عند النسائي في السنن الكبرى وعند الحاكم والبيهقي، وأكثر أهل الحديث صححوا هذا الحديث، ومعناه يتناسب مع فضل الرباط في سبيل الله تبارك وتعالى، فلا أحفظ أن في الحديث أو في معناه مطعنا يمكن أن يكدر عليه. والله تعالى أعلم.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الله تبارک وتعالى هذا الکتاب قوله تعالى ما ورد فی فی قوله
إقرأ أيضاً:
تأملات قرآنية
#تأملات_قرآنية
د. #هاشم_غرايبه
يقول تعالى في الآية 6 من سورة القارعة: ” فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ. فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ”.
مما استوقفني في هذه الآية ثلاث مسائل، الأولى: لماذا جاء ثقل الموازين دلالة على زيادة الأعمال الصحيحة، مع أن الميزان واقعيا يوازن بين شيئين، فهو إما أن تضع الشيء في كفة وفي الكفة الأخرى ما يعادله من أثقال مقدرة، فتحسب قيمة الثقل الموازن لتعرف وزن الشيء الموزون، وإما أن تضع الشيئين فتنقص أو تزيد من أحدهما لكي يتعادلا فيصبحا بالوزن ذاته.
في الحالتين يلزم الميزان التوازن، فإن رجحت كفة فلا يعلم مقدار زيادة وزنها إن كان قليلا أو كثيرا إلا بالترجيح وهو إضافة أثقال معلومة وحساب قيمتها.
فإن كانت الحسنات في كفة والسيئات في الأخرى، فلماذ اعتبر الله تعالى ثقل الميزان لصالح الصالح، وأنّ خِفّتَها تعني رجحان السيئات؟، مع أن كفة السيئات من الممكن أن تكون الراجحة، فلم يقل من ثقلت (أي رجحت) كفة أعماله الصالحة، بالمقابل من ثقلت كفة أعماله السيئة؟.
معنى ذلك أنه تعالى لم يقم وزنا للأعمال السيئة!، أليس في ذلك بشارة وطمأنة للبشر؟
إذاً فالعمل الصالح هو المعتبر عنده تعالى، وهو الذي له قيمةٌ وحساب، وتقدير قيمته عائد لعدل الله وكرمه، وتقدير قيمة السيء من العمل عائد لرحمة الله وعفوه.
التساؤل الثاني يتعلق بدلالات استعمال الميزان في التقييم، وهو عنوان العدالة، إذاً فالأمر ليس تقديريا، بل يُحسب بدقة، فكل شيء فعله في الدنيا أحصاه الله، و”لَّا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنسَى” [طه:52]، و”وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا” [الإسراء:13]، لذا فلا يستصغر المرء أعماله التي قصد بها رضا الله تعالى مهما ضؤلت، لأنه لا يهمل الله أمرا كان بقصد نيل رضاه جل وعلا مهما قل، ولا أمرا أغضب الله فيه مهما صغر” فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ . وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ” [الزلزلة:7-8]، وإنه “لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئاً” [الحجرات:14].
من هنا يتعلم المرء حسن الأخلاق، فليس عمل الخير مقصورا على من يملك المال، بل الكلمة الطيبة والإبتسامة والود في التعامل وحتى في رفع الأذى عن الطريق، كل ذلك رصيد له يوم لا يتمنى المرء غير إثقال الميزان.
كما جاءت لفظة الموازين بصيغة الجمع لأن الصالحات كثيرة التنوع ومتفاوتة في الأثر، فلا تقاس بميزان واحد، فذكر الله يقاس بمقدار ما حققه من تقوى وبعد عن المعاصي وليس بعدد الأذكار، والصدقات بمقدار النفع المتحقق وليس القيمة، ونوافل العبادات بالإخلاص في أدائها وليس بعددها، والجهاد بمقدار صدق النية في التضحية وليس بعدد المعارك، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمقدار الأثر المتحقق،..الخ.
وأما الثالثة فهي في دلالة استعمال (راضية) والتي هي إسم فاعل، ولم ترِدْ (مرضي عنها)، أي في مقام إسم المفعول، فالمفترض أنّ العبدَ هو الذي يرضى عن العيشة.
إن استعمال اسم الفاعل في مقام اسم المفعول أحد الإعجازات القرآنية الباهرة ، ومثلها قوله تعالى:”جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَّسْتُورًا” [الإسراء:45]، فالحجاب يكون ساترا أي إسم فاعل فكيف جاء مستورا(اسم مفعول)؟، قال العلماء في تفسير ذلك أنه يكون حجابا مضاعفا بطبقات عديدة تستر بعضها بعضا، وإذاً فتفسير العيشة الراضية أنها ليست مُرضِيةً فحسب، بل هي متعددة الإرضاء، وكأنها هي الراضية بذاتها عن العبد، لأنها محققة لجميع ضروب السعادة والكفاية.
كم من الكنوز النفيسة في قرآننا العظيم، والتي مهما نقب الإنسان سيجد منها الجديد في كل عصر، وبما وسعته مدارك كل زمان، لذلك حض الله على دوام التفكر في كتابه، ولم يقل بالاقتصار في فهمه على ما جاء به الأولون، وذلك لأجل استنباط فهم جديد ينفعهم في حل مشكلات استحدثت بفعل التطور والتغيير على مر الأزمنة.
فالحمد لله على هذه النعمة الدائمة الباقية أبد الدهر، قد تزول أية نعمة لكنها لا تزول.