نشأت حركة الشباب في الصومال تحت مظلة إتحاد المحاكم الإسلامية ثم بدأت كتنظيم إرهابي في أعقاب غزو إثيوبيا للصومال في عام 2006، وحتى قبل أن يبني تنظيم الدولة الإسلامية خلافته الافتراضية كانت حركة شباب المجاهدين تنشر تحديثات على تويتر في أعقاب الهجوم على مركز (ويست جيت) التجاري عام 2013، وتعد أحد أهم الكيانات التابعة لتنظيم القاعدة بمنطقة شرق افريقيا.

وفي عام 2022 اعلنت الحكومة الفيدرالية في الصومال حربا شاملة على حركة الشباب..

المرحلة الأولى من مكافحة حركة الشباب حققت مكاسب على أرض الواقع ضد الحركة إلا أن الحركة تمكنت من استعادة جزء من محيطها الجغرافي، واستمرت في جمع أموال لدعم العمليات الميدانية، وكذا الحفاظ على مخابئ الأسلحة السابق الاستيلاء عليها من الجيش الوطني الصومالي.

وتستمد حركة الشباب مرونتها في منطقه شرق افريقيا من خلال بنية تحتية متطورة للاتصالات، وضمن تطور الاتصالات نهج تكتيكي لبناء شبكه متكاملة على الانترنت تتحكم في السرد الصادر عن حركة الشباب، وتوجه السرد حسب رؤيه الأوضاع والمواقف التي تمر بها الحركة، وتشيد استراتيجية حركة الشباب على الانترنت إلى مركزية اتخاذ القرار ودعمه بحلول قائمة على التكنولوجيا للتحكم بشكل إيجابي وفعال.

إعلام حركة الشباب

منذ نشأتها أولت حركة الشباب أهمية كبيرة للإعلام والاتصال باعتباره أحد أهم طرق تجنيد أتباع ومتعاطفين، ويتضح من خلال أربعة مكونات رئيسيه للإعلام والاتصال:

1. مؤسسه الكتائب الإعلامية.. تنتج المحتوى السمعي والبصري لحركة الشباب، ويتم بعد ذلك توزيع المحتوى المنتج على المواقع الإخبارية، وحسابات مواقع التواصل التابعة للحركة.

2. محطات الراديو.. تستهدف الجماهير الصومالية، وتنقل المحتوى السمعي التابع للحركة إلى المناطق الريفية التي لا يكون لديها امكانية الوصول إلى الإنترنت مثل محطة راديو ( الفرقان ( الأندلس )

3. مصادر الأخبار عبر الانترنت.. وتتنكر في صورة منافذ إخباريه رسميه تنتج محتوى مؤيد للمتمردين ( حركة الشباب)، اضافة إلى تقارير ذات صلة بالشأن الداخلي الصومالي، والشأن الخارجي الدولي لإبراز صيغة الصحافة الرسمية مثل ( شهادة الإخبارية - صومالياميمو - كالالمادا )

4. مواقع التواصل الاجتماعي.. تتولى نشر دعاية حركه الشباب مثل ( TIKTOK- Facebook- Telegram )، وتدرك حركه الشباب أهمية مواقع التواصل، لذا تولي الحركة أهمية كبيرة لاتساق الرسائل وتكرارها، ويؤدي تنسيق الرسائل إلى سرد متكرر لرسائل محددة لحركة الشباب عبر عدة منصات بهدف تعزيز عمق وصدق الرسالة.

5. السيطرة على المحتوى: تبدو تلك السيطرة داخل مستوى المسؤوليات عن الانضباط داخل الانترنت.. حيث يعتمد منهج حركة الشباب على الاستعانة بمجموعة صغيرة من كتاب الرأي الموثوق بهم لدى الحركة، ولهم صلاحيات تطوير المحتوى وأداء دور رقابى في الحفاظ على هوية الحركة الإسلامية، ومضمون المحتوى المراد نشره من خلال الإنترنت.

هناك مجموعة أخرى من كتاب الرأي لدى حركة الشباب يتمثل دورها الرئيسي في تضخيم المحتوى التاريخي من الحركة، والعمل على انتشاره على نطاق أوسع داخل شبكة الإنترنت لجذب عدد أكبر من المتعاطفين.

6. السيطرة على الأحداث داخل شبكة الإنترنت: يشير سلوك حركة الشباب إلى وجود تنسيق بين كافة المستويات داخل الإنترنت.. على سبيل المثال في سبتمبر 2023 نشرت مؤسسة الكتائب مقطع فيديو لهجوم بمنطقة تسمى ( نور دوغل ) بالصومال ثم أعقب ذلك بدقائق فقط نشر الفيديو على عدد كبير من قنوات التليجرام إلى جانب تحقيق نسب مشاهدة لعدد كبير من المستخدمين لذات الفيديو، وتسعى الحركة إلى الحفاظ على اتساق هذه الرواية أو المحتوى عبر المصادر الإعلامية المختلفة بما في ذلك محطات الراديو الخاضعة لسيطرة الحركة.

تدير حركة الشباب شبکة إعلامیة متمثلة في مؤسسة الكتائب ومحطات الراديو ومصادر الاخبار على شبكة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي حيث أن الهدف الأبرز من تلك الشبكة الإعلامية هو تجنيد أتباع، ومجندين متعاطفين مع أيدولوجيات الحركة، ومع محركاتها على أرض الواقع،

ويمكن في هذا الاطار الولوج إلى طرق تجنيد داعش لمجندين جدد، ومتعاطفين وذلك من خلال ما يلي:

أساليب وطرق التجنيد لدى داعش أدى تصاعد وتنامي نفوذ الدولة الإسلامية في العراق والشام ( داعش ) لعملية جذب مُقنع لموجات من الشباب الأوروبي فقد نشرت دراسة بمعهد أبحاث السياسة الخارجية لـ (كارول رولي فلين) (Carol Rowley Flynn)تتضمن تحليل للأيدولوجية التي يعتمد عليها الشباب الأوروبي في الانضمام للجهاد، حيث انتهت تلك الدراسة إلى أن تلك المجموعات من الشباب ليس كُل مِنهُم نشأ في أسرة مُسلِمة مُلتزمة إلى جانب العوامل الضرورية التي يُمكن الارتكاز عليها للوقوف على أسباب الالتزام والانخراط ( العُزلة، مشاكل الهوية الارتباطات الشخصية بالجهاديين )

لم تتوصل أي من تلك العوامل إلى تحديد أسباب انخراط الشباب الأوروبي ضمن صفوف داعش.. الحقيقية الوحيدة التي يُعتَمَد عَليها هي المرحلة العمرية ( العُمر النموذجي للتجنيد يتراوح ما بين 15: 25 عام ) خلال عام 2014 كلفت الحكومة الفرنسية أحد مراكز الدراسات بدراسة مُشكلة التطرف ونشر تقرير تضمن فحص 809 فرد تم إيقافهم على الحدود الفرنسية كانوا في طريقهم إلى الانضمام للدولة الإسلامية في العراق والشام ( داعش)

كان هؤلاء الأفراد مجموعة متنوعة من جميع النواحي ( الطبقةالاجتماعية الخلفية الدينية الجنس ) توصلت المُقابلات التي أجريت مع تلك المجموعة أن تجنيدَهُم مِن قبل داعش يعتمد على الأبعاد النفسية والعاطفية والأيدلوجية.

ومن خلال دراسة حالة تلك المجموعات التي كانت تعتزم السفر للجهاد تم التوصل إلى عِدة حقائق هامة لتجنيد وضم عناصر جدد لتنظيم داعش يُمكن الإشارة إليها على النحو التالي:

1. العمر، الجنس، الطبقة الاجتماعية: جاء أغلبية المُقتنعين بالأفكار الجهادية من المراهقين أربعة وستون في المائة منهُم مِن الإناث حيث علامات التطرف بين الإناث كانت واضحة التوقف عن الدراسة، عَدَم المُشاركة في الألعاب الرياضية، ارتداء النقاب

2. تخصيص الرسالة عبر الإنترنت ( حروب المحتوى ): يتولى القائمين على تجنيد عناصر جديدة للتنظيم توجيه مُحادثتهم عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي بهدف تقييم مواطن الضعف الفردية لأهدافهم وبناء علاقة موثوقة معهم.

بمجرد تعيين وتحديد المُستوى الاجتماعي والنفسي والثقافي للمجند المُحتمَل سَيبدأ في تقديم الأيدلوجية الجهادية تدريجيا بطريقة مُصممة خصيصا

جدير بالذكر أنه عند التواصل مع المُجند المُحتمَل يتم استهدافه من خلال محتوى يشير أن المجند المُحتمَل قد يكون عرضة بشكل خاص لذلك المحتوى، ومن خلال التفاعلات وردود الفعل الأولية يتم تحديد مدى حساسية المُجند المُحتمَل وجَمع مَزيد من التفاصيل لاستغلاله.

تم حصر ذلك المحتوى الذي يستهدف المجند المحتمل في عدد نقاط أساسية وهي:

1- البحث عَن عالم مثالي:

بمُجرد تحديد المُجند المُحتمَل الذي يَشعُر بخيبة أمل مِن المُجتَمَعِ يُحاول القائمين على التجنيد إقناعه بأن الهدف هو بناء مُجتَمَع جَديد تسود فيه المساواة والأخوة والتضامن

- يتم توجيه المُجند المُحتمَل إلى مقاطع فيديو تظهر أن الرجال والنساء على إختلاف أصولهم يتشاركون الوجبات معاً.. والإهتمام بالفقراء من خلال مقاطع الفيديو التي تشير إلى توزيع احتياجات تلك الأسر الفقيرة بالمجان. على جانب آخر في ذات الشأن عِندَما يَستَشعِر القائم على التجنيد أن المجند المحتمل يتطلع للعمل في الجبهة التي ترتكز على العمل الاجتماعي (التمريض. الطب )

يتم توجيه هذا النوع من الأهداف إلى مقاطع فيديو تَتَضَمَن حَقَائِق للرضع اللذين تعرضوا للغاز في سوريا مما يُعرضهُ لِما يُطلق عليه ) صدمة أخلاقية ) حيث يستغل الهَدَف مِن خِلال مُعاناة الضحايا التي شاهدها بتقديم الجهاد كخيار وحيد لوضع حد لتلك المُعاناة.

2- السرد المنقذ:

يستهدف ذلك الاتجاه الأشخاص اللذين فقدوا أسرهم أو أحد أفرادها لأي سبب كان، فيتولى القائم على التجنيد تعزيز العلاقة مع ذلِك المُجَند المُحتمَل من خلال مقاطع فيديو لتهدئة أحزانه، تُظهر تلك المقاطع صور تخيلية للجنة، والتنبؤ أو إقناع الهدف بأن نهاية العالم قريبة

3- الزوج المثالي:

أغلب الفتيات التي يتم تجنيدَهُم للانضمام لداعش من الضعيفات بَدَنيا ونفسيا وتعرضن لسوء المُعامَلةَ لكنهم لم يتوجهن للحصول على العلاج النفسي اللازم أو ناقشوا مشاكلهن مع مُتخصصين.. ويتم إقناعهن بِمُحاوَلَةٌ تَجِنِيدَهُم عَن طريق مقاطع فيديو تظهر صورة الزوج المثالي والبطل الحقيقي الذي يُقاتِل من أجل إنقاذ الضحايا بما يُعزز الشعور بتأمين الحماية الكاملة للفتيات

4- المُخلِص أو المُنقذ:

يَنجَذب المُجند المُحتمَل إلى فكرة مُجتَمَع مِن المُحاربين المُغامرين تُرَكِز مقاطع الفيديو المُرتبطة بهذا السّرد على التضحية بالنفس من أجل الأجيال القادمة نظراً لتراخي المُجتَمَع الدولي في مبدأ المساواة بين المواطنين والشعور بالأمن.

توصلت الدراسة أن عَدَد كَبير من العناصر التي تم تجنيدها من خلال هذا السرد اقتنعت تماماً بفكرة المُجتَمَع الجديد المثالي الخاص بهم والأجيال القادمة.

5- قصة الحصن:

ينبع الاسم مِن مُلاحظة تم التوصل إليها من خلال الدراسة المشار إليها حيث تبين من خلال إجراء مقابلات مع بعض اللذين ثم تجنيدهم من الذكور.. أنهم لديهم مشكلات نفسية نتيجة دوافعهم الجنسية واتجهوا للإسلام الراديكالي رغبة منهم في اكتشاف نسخة أفضل لأنفسهم، وتم النظر إلى هذه الرغبة على أنها بحث عَن النقاء واحتواء دوافعهم الجنسية الضعيفة لبناء حصن حول أجسادَهُم من خلال أيدولوجيات ومبادئ الأفكار الجهادية لدى داعش.

الاتجاه الرئيسي الذي يُمكن الوصول إليه من خلال النقاط المشار إليها:

1. ليس كُل المُجندين مِن قِبَل داعِش مَدفوعين نتيجة قناعة بالافكار الجهادية.

2. استخدام هذه الأساليب في التجنيد يزيد من حجم النتائج المتوقعة مع المجند المحتمل.

3. تنوع المُستَهدَف مِن قِبَل القائمين على التجنيد ليشمل ( السخط من المجتمع، الدوافع الجنسية، الضعف البدني والنفسي للفتيات ).

………….

*باحث في مجال الحركات الاسلامية.

المصدر: الأسبوع

كلمات دلالية: مواقع التواصل مقاطع فیدیو حرکة الشباب على التجنید من خلال م جت م ع التی ی الذی ی

إقرأ أيضاً:

السودان ومعضلة الاستقطاب السياسي

أماني الطويل كاتبة وباحثة

تبدو التفاعلات العسكرية السودانية وكأنها تسير نحو محرقة كاملة للمدنيين، بينما يتعطل تماماً المسار السياسي التفاوضي تحت وطأة خطابات الانتقام والثأر على جميع الصعد العسكرية منها والسياسية، وربما تمتد لتشمل كذلك الأهلية.

وفي هذا المشهد لا يبدو الجيش السوداني قادراً حتى اللحظة على حسم الصراع العسكري على اتساع الجغرافيا السودانية، على رغم كل محاولاته إيجاد حلفاء له على الصعيد الإقليمي والدولي، يضمنون له تسليحاً وتدريباً يبدو أنهما مطلوبان بإلحاح.

التفاعلات السياسية والاجتماعية السودانية على المستوى الداخلي تعمق حال استقطاب سياسي معقدة ومؤسسة على سببين، الأول محارق المدنيين المتتالية التي نشهدها في سيناريوهات متكررة، وآخرها ما جرى في قريتي ود النور وكرري، إذ تعمد قوات "الدعم السريع" إلى ترويع المدنيين الذين يسقط لها ضحايا بالمئات، وبسبب هذه المحارق يتمترس الجيش على لسان قائده الفريق أول عبدالفتاح البرهان عند المواقف السياسية الأكثر تشدداً، إذ توعد أخيراً بالرد القاسي على ما جرى في ولاية الجزيرة، وقطع الطريق تماماً أمام المشاركة في أية مسارات تفاوضية، بل وقطع الطريق أمام أي تفاعل مع السياسيين وخصوصاً مع تنسيقية "تقدم" التي اعتبرها متواطئة مع قوات "الدعم السريع".

أما السبب الثاني لمشهد الاستقطاب السياسي في السودان فهو فقدان المدنيين لدورهم وأملاكهم ونزوحهم داخلياً وخارجياً، وتعقد السبل بهم في المنافي المختلفة مما يؤجج خطابات الكراهية التي تغذيها وسائل التواصل الاجتماعي بما تحمله من تهديدات للمدنيين السودانيين من جانب قبائل العرب الرحل في مناطق الساحل الأفريقي الممتدة من غرب السودان وحتى ساحل المحيط الأطلسي، مما يجعل خطابات الوعيد والانتقام بسبب الاعتداء على المدنيين وهتك الأعراض ترتفع في الداخل السوداني، إذ يوظف نظام عمر البشير وحلفاؤه السياسيين هذه الحال ضد خصومهم من أنصار "ثورة ديسمبر" السودانية التي أسقطت النظام السياسي وحزبه الحاكم عام 2019.

وهذه التفاعلات المركبة تفسر لنا مطالب الحكومة السودانية على لسان وزارة الخارجية وفي بيانها الأخير بتصنيف قوات "الدعم السريع" جماعة إرهابية، إذ تتهم المجتمع الدولي بالمسؤولية الكاملة عن محارق المدنيين السودانيين التي تمارسها قوات "الدعم السريع"، وذلك مع تقاعسه في الاستجابة لهذا المطلب المتكرر من ناحية، وتصنيفه لها كطرف عسكري مرشح أن يكون شريكاً للجيش في عملية تفاوضية، من ناحية أخرى.
وفي هذا السياق ربما تقف حوادث قرية ود النورة ومنطقة كرري حجر عثرة في هذه المرحلة أمام الجهود الدولية والإقليمية الراهنة في شأن بلورة تقارب سياسي بين المكونات السياسية السودانية، لتدشن تفاهماً في شأن عملية سياسية لليوم التالي للحرب يتفق على أطرافها.

هذه الجهود تمت هندستها خلال الأشهر الماضية بين كل من واشنطن وأديس أبابا والقاهرة، وأنتجت مؤتمرين لمعسكري القوى السياسية السودانية، أحدهما في القاهرة للقوى السياسية والفصائل المسلحة المتحالفة مع الجيش مطلع مايو (أيار) الماضي، والآخر في أديس أبابا للقوى المحسوبة على الثورة السودانية خلال الشهر ذاته، وذلك مع تقارب بدرجة معقولة بين مصر وتنسيقية "تقدم" بقيادة رئيس الوزراء السوداني السابق عبدالله حمدوك الذي جرى استقباله في القاهرة أثناء محادثات معمقة في أبريل (نيسان) الماضي.

وكان من المأمول أن تؤدي هذه الجهود دوراً في تدشين توافق وطني سوداني يجري في القاهرة نهاية يونيو (حزيران) الجاري، كما جرى الإعلان عن ذلك، إذ قدمت دعوات الحضور للأطراف المختلفة، ولكن مع هذه التطورات فإن مصير "مؤتمر القاهرة" يبدو مجهولاً حتى اللحظة، ويبدو لنا أن محارق المدنيين وحال الاستقطاب السياسي بين الأطراف المدنية تحقق لطرفي الصراع من المعسكرين أهدافاً عدة، فمن ناحية تستخدم القوى المتحالفة مع الجيش هذه المحارق المؤسفة والمؤذية إنسانياً في بلورة خطاب شعبوي وعاطفي يدفع نحو ضرورات الرد والانتقام لهدر دم الضحايا المحسوبين بالمئات في كل عملية، وكذلك الاستيلاء على بيوت الناس واغتصاب النساء، وتوظف في الخطابات العاطفية فيديوهات يبثها عرب الشتات وتتهم أهل السودان بالجلابة (تجار الرقيق) الذين يجب الانتقام منهم.

وفي سياق مواز تشيطن تنسيقية "تقدم" بصورة كاملة مع اعتبارها متواطئة في محارق المدنيين، طبقاً لمنطق خطابات الفريق عبدالفتاح البرهان بعد مذبحة قرية ود النورة، ويبدو أن الغرض النهائي من ممارسات الاستقطاب السياسي هو إتاحة الوقت للجيش حتى ينجح في بلورة تحالفات دولية توفر له دعماً تسليحياً مناسباً يستطيع به حسم المعارك عسكرياً، وبالتالي يضمن خطاب الاستقطاب السياسي البيئة المناسبة لعودة الإسلاميين، ربما من الجيل الرابع في "الحركة القومية الإسلامية"، لحكم السودان ولكن هذه المرة تحت لافتة التكنوقراط، وليس تحت أية لافتات أيديولوجية، حتى يتم القفز على أي عداءات إقليمية ضد "الإخوان المسلمين".

وبالتالي لا تكون التنسيقية شريكاً في أي حل سياسي مستقبلي في السودان مما يحقق للجيش القدرة على بلورة معادلات سياسية داخلية في اليوم التالي للحرب، يقوم بهندستها طبقاً لتقديراته الذاتية ومن دون مشاركة أو ضغوط من جانب القوى السياسية الساعية إلى تحجيم المكون العسكري في معادلات الحكم.

وفي هذه المحرقة السياسية والأخلاقية تبدو تنسيقية "تقدم" في موقف لا تحسد عليه، فهي على رغم إعلانها وقوفها على مسافة واحدة من جميع الأطراف المتصارعة عسكرياً، فهي مطالبة بإدانة واضحة وصريحة لمحارق المدنيين المتتالية.

وعلى صعيد مواز فإن الخطاب السياسي لقوات "الدعم السريع" يبدو مراوغاً ولا يملك أية صدقية في ما يتعلق بمسألتي التفاوض ووقف الحرب، ذلك أن أداءها العسكري على الأرض يتجه نحو توسيع هذه الحرب ومحاولة تفكيك مؤسسة القوات المسلحة السودانية عبر تواصل الضغط عليها في عمليات عسكرية غير مبررة على اتساع الجغرافيا السودانية، ويكون التكتيك الأساس فيها هو ضرب مقومات الحياة للمدنيين في المناطق المختلفة، حيث يُلجأ إلى تدمير محطات المياه أولاً.

وعوضاً عن الخطابات السياسية العلنية تستخدم قوات "الدعم السريع" وسائل التواصل الاجتماعي في معاركها ضد الجيش، إذ لا يمكن أخلاقياً أو سياسياً تبرير عملياتها على الأرض في ما يتعلق بمحارق المدنيين، وتدشين خطاب شعبوي معاد للجيش والقوى المتحالفة معه، ويبدو لنا أن الأغراض النهائية لقوات "الدعم السريع" هي الاستيلاء على سلطة منفردة حتى ولو على بلد مهلهل، وذلك في سيناريو مماثل للسيناريو الصومالي الذي حدث خلاله إسقاط الجيش.

المشهد السوداني الراهن، بما ينطوي عليه من استقطاب سياسي، له غرض محدد لكل فريق عسكري يبدو معرقلاً لجهود الحل التفاوضي والجنوح إلى محاولة حل الأزمة السودانية بإجراءات تجنح إلى السلام، وهو أمر يجعل جهود المجتمع الدولي والإقليمي المنسقة خلال الأشهر الماضية في مهب الريح، وربما غير مجدية، وربما تسهم هذه المعطيات جميعها في عرقلة نجاح "مؤتمر القاهرة" المزمع عقده نهاية الشهر الجاري، إذ تدور الأزمة السودانية في دوامة تآكل الدولة والصراعات العسكرية الممتدة أفقياً ورأسياً بلا غرض، سوى تحقيق شهوات الانتقام والثأر.

نقلا عن اندبندنت عربية

   

مقالات مشابهة

  • الجيش الإسرائيلي: مقتل جندي وإصابة 3 شمالي غزة
  • واشنطن تضع حركة "أنصار الله الأوفياء" العراقية على لوائح الإرهاب
  • مغردون: هدهد حزب الله حطم نظرية التفوق الأمني والعسكري لإسرائيل
  • حلم الملايين.. هل يجني المؤثرون ثروات من مواقع التواصل؟
  • صنفتها واشنطن إرهابية.. ما هي حركة أنصار الله الأوفياء العراقية؟
  • حرارة ورياح.. الأرصاد تكشف حالة الطقس خلال الأيام المقبلة
  • السلطات العراقية تعتقل مسؤول حركة القربان بعد مقتل شخصين.. هذا ما نعرفه عن الحركة
  • الصور الرمزية للذكاء الاصطناعي في TikTok تعتمد على أشخاص حقيقيين
  • اليوم.. مرصد الفاتيكان يستضيف علماء دوليّين لاستكشاف أسئلة الكون
  • السودان ومعضلة الاستقطاب السياسي