تونس - تتجه أنظار التونسيين إلى صيف 2025 بقلق متصاعد وهاجس كبير، في ظل توقعات تتحدث عن حرارة تفوق المعتاد، وسط تحذيرات جدية من انعكاسات مناخية قد تزيد أعباء الأزمات البيئية والصحية والاجتماعية التي تعصف بالبلاد، بحسب سبوتنيك.

وكان المعهد الوطني للرصد الجوي في تونس (مؤسسة رسمية) قد حذر من تسجيل درجات حرارة أعلى من المعدلات المناخية المرجعية، متوقعا أن يكون هذا الصيف أكثر حرارة من المعتاد وأشدّ جفافا.

وتشهد تونس خلال السنوات الأخيرة موجات حر غير مسبوقة، ناجمة عن ظاهرة "التطرّف المناخي" التي تتغذى من الاحتباس الحراري العالمي. وقد أدّت هذه الموجات الحارة إلى تصاعد حرائق الغابات التي اجتاحت مساحات واسعة من الغطاء النباتي، مما زاد من المخاوف بشأن قدرة البلاد على مواجهة هذه الكوارث البيئية المتكررة وتأثيراتها السلبية على حياة الناس والبيئة على حد سواء.

ويُصنف تقرير للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (منظمة دولية تابعة للأمم المتحدة)، منطقة شمال أفريقيا، ومنها تونس، كأحد أكثر المناطق تعرضا لهشاشة موجات الحرّ، مع ازدياد مخاطر الجفاف الممتد وتراجع مصادر المياه العذبة التي باتت تهدد الأمن المائي والغذائي في البلاد.

وأضافت التغيرات المناخية هاجسا جديدا يثير قلق التونسيين، حيث لوحظ تزايد مقلق في حالات غرق المصطافين على السواحل خلال السنوات الأخيرة. ويُفسّر الخبراء هذه الظاهرة بارتفاع درجة حرارة مياه البحر، التي أدت إلى تغير ديناميكية التيارات البحرية، ما خلق دوامات خطيرة حتى في المناطق المعتادة للسباحة، ليصبح البحر بذلك بمثابة "مصيدة" غير متوقعة للمصطافين.

تغيرات مناخية مقلقة

يشرح الباحث في علم المناخ زهير الحلاوي، في تصريح لـ "سبوتنيك"، أن تسجيل درجات حرارة أعلى من المعدل المعتاد ليس مفاجئا، بل هو نتيجة مسار طويل من الارتفاع المستمر الذي تشهده تونس منذ أكثر من عشر سنوات في سياق التغيرات المناخية العالمية.

ويرى الحلاوي، أن موقع البلاد في منطقة البحر الأبيض المتوسط، التي تُوصف مناخيا بـ"النقطة الساخنة"، يجعلها معرضة بشكل خاص لهذا الارتفاع المستمر في درجات الحرارة، مضيفا: "لا نتوقع أن يشذ صيف هذا العام عن القاعدة، بل بدأنا فعليا نشعر بهذا الارتفاع الواضح في درجات الحرارة".

ويلفت الباحث في علم المناخ إلى سمة جديدة مثيرة للقلق في تطور الظواهر الحرارية، تتمثل في أن الحرارة لم تعد تنخفض ليلا بالشكل المعتاد، وهو ما يعرف بـ"الراحة الليلية" في المناخ المتوسطي، ما يزيد من شدة الإجهاد الحراري ليلا ونهارا.

 

كما أشار إلى أن تونس تشهد سنويا موجات حر شديدة، مع أيام تصل فيها الحرارة إلى نحو خمسين درجة مئوية في الظل، ما يمثل ضغطا غير مسبوق على السكان والمنظومة الاقتصادية والاجتماعية والصحية.

ويؤكد الحلاوي أن هذه التوقعات التي نشرها المعهد الوطني للرصد الجوي تبدو منطقية تماما في ضوء هذه المؤشرات، داعيا إلى عدم اعتبارها مفاجئة، بل جزءًا من واقع مناخي جديد يتطلب يقظة وتخطيطا جديا للتكيف وتقليل الأضرار.

تداعيات مباشرة على السواحل والأنشطة الاقتصادية

ويرى زهير الحلاوي، أنّ تداعيات التغيرات المناخية لا تقتصر على موجات الحرّ وحدها، بل تتجاوزها إلى تأثيرات خطيرة على السواحل والمنظومة البيئية البحرية. يوضح أنّ من أبرز هذه التداعيات ارتفاع مستوى سطح البحر نتيجة تمدد المياه مع ازدياد حرارتها، وهو ما يهدد السواحل المنخفضة ويزيد من خطر انجرافها.

وأضاف: "معظم الأنشطة الاقتصادية في تونس متركزة على هذه السواحل، وفي مقدمتها السياحة الشاطئية التي تمثل ركيزة من ركائز الاقتصاد الوطني، وأي تهديد حقيقي للسواحل يعني تهديدا مباشرا للقطاع السياحي، وما يعنيه ذلك من خسائر في العائدات وتراجع فرص العمل".

ويشير الحلاوي، إلى خطر آخر يتمثل في اختلال المنظومة البيئية البحرية، إذ يتسبب ارتفاع حرارة مياه البحر في نفوق الكائنات الحية البحرية، ما يؤدي إلى تراجع الثروة السمكية ويضر بقطاع الصيد البحري والإنتاج الاقتصادي المرتبط به. كما نبّه إلى خطر دخول أنواع دخيلة تستوطن المياه الدافئة لتحل مكان الكائنات المحلية، وهو ما يطرح إشكالا بيئيا واقتصاديا مزدوجا.

وشدد الحلاوي على أنّ هذه الظواهر المتشابكة تفرض على تونس العمل على مسارين متلازمين: التخفيف من انبعاثات الغازات الدفيئة رغم كونها مساهما ضئيلا عالميا (حوالي 0.07 بالمائة)، والعمل بشكل جدي على التأقلم من خلال خطط مبنية على معرفة دقيقة بالمخاطر وآليات التصدي، وهو ما يتطلب تمويلات ضخمة ستكون عبئا ثقيلا على ميزانية الدولة ما لم يتم دعمها خارجيا.

البحر.. مصيدة جديدة بفعل التغيرات المناخية

وتشهد السواحل التونسية هذه الفترة حوادث غرق متواترة، آخرها مأساة طفلة في الثالثة من عمرها جرفتها التيارات البحرية لمسافة كيلومترات في مدينة قليبية، إضافة إلى ثلاث حالات غرق في شاطئ سليمان بمحافظة نابل قبل يومين، وأربع حالات أخرى في محافظة المهدية قبل عشرة أيام بينهم ثلاثة من عائلة واحدة، إلى جانب عشرات عمليات الإنقاذ. هذه الحوادث المأساوية ألقت الضوء على خطر جديد يلاحق المصطافين في تونس.

يقول الأستاذ المبرز في الجغرافيا والباحث في الطقس عامر بحبة لـ "سبوتنيك"، إن تفسير هذه الظاهرة يبدأ من دراسة التيارات الشمالية القادمة من أوروبا وارتفاع سرعة الرياح، ما يؤدي إلى زيادة في ارتفاع الأمواج خاصة في السواحل الصخرية التي لا تمتص قوة الموج كما تفعل الشواطئ الرملية.

وأضاف: "زيادة على ذلك، يسهم زيادة سرعة الرياح وارتفاع الأمواج في ظهور تيارات عكسية خطيرة تعرف بالتيارات الساحبة، وهي قادرة على ابتلاع أي شخص عالق في مسارها".

وأشار بحبة، إلى أن التغيرات المناخية وارتفاع حرارة البحر يسهمان في تغيير ديناميكية هذه التيارات بشكل يجعلها تتكون فجأة وتصبح أكثر شراسة. وهو ما يفسر، حسب قوله، هذه الحوادث المفاجئة حتى في شواطئ اعتاد الناس السباحة فيها بأمان.

ويوصي الباحث في الطقس المصطافين بتوخي الحذر الشديد، عبر السباحة في المناطق المراقبة فقط، وتجنب السواحل الصخرية أو المناطق القريبة من الموانئ وكاسرات الأمواج، وخاصة في الأيام التي تشهد رياحا قوية وأمواجا عالية، مؤكدا أنّ الوعي بهذه الظواهر ومعرفتها أساسي للحد من مخاطرها وإنقاذ الأرواح.

المصدر: شبكة الأمة برس

كلمات دلالية: التغیرات المناخیة وهو ما

إقرأ أيضاً:

عام 2025 يواصل اتجاه الاحترار الاستثنائي عالميا

أكد علماء أوروبيون أنه "من شبه المؤكد" أن ينتهي عام 2025 باعتباره ثاني أو ثالث أكثر الأعوام حرارة على الإطلاق، حيث تستمر انبعاثات غازات الاحتباس الحراري في دفع المناخ العالمي إلى حافة الانهيار.

وحسب برنامج مراقبة الأرض التابع للاتحاد الأوروبي (كوبرنيكوس)، كانت درجات الحرارة العالمية بين يناير/كانون الثاني ونوفمبر/تشرين الثاني أعلى بمتوسط ​​1.48 درجة مئوية من مستويات ما قبل الثورة الصناعية.

اقرأ أيضا list of 4 itemslist 1 of 4اليابان تسجل أعلى درجة حرارة في تاريخها الحديثlist 2 of 4الاحتباس الحراري يقلّص امتصاص النباتات والتربة للكربونlist 3 of 4حرارة المحيطات العميقة تحدد تعافي كوكبنا من الاحتباس الحراريlist 4 of 4عام 2024 الأشد حرارة في التاريخend of list

ووجد البرنامج أن ذلك يبدو مطابقا حتى الآن لتلك المسجلة في عام 2023، وهو ثاني أشد الأعوام حرارة على الإطلاق بعد عام 2024.

وقالت الدكتورة سامانثا بيرغيس نائبة مدير دائرة كوبرنيكوس لتغير المناخ: "في نوفمبر/تشرين الثاني، كانت درجات الحرارة العالمية أعلى بمقدار 1.54 درجة مئوية من مستويات ما قبل الثورة الصناعية".

وأشارت إلى أنه من المتوقع أن يتجاوز متوسط ​​درجات الحرارة لفترة الثلاث سنوات (2023-2025) 1.5 درجة مئوية لأول مرة.

وأكدت النشرة الشهرية للوكالة أن الشهر الماضي كان ثالث أدفأ شهر نوفمبر/تشرين الثاني على مستوى العالم، مع تسجيل درجات حرارة أعلى "بشكل ملحوظ" في شمال كندا والمحيط المتجمد الشمالي.

كما شهدت الأيام الماضية سلسلة من الظواهر الجوية الخطيرة، بما في ذلك الأعاصير والفيضانات الكارثية، التي أدت إلى خسائر بشرية ومادية فادحة في جنوب وجنوب شرق آسيا.

وارتفعت درجات حرارة الكوكب بشكل حاد، نتيجة لانبعاثات غازات الدفيئة التي تُطلقها الأنشطة البشرية (مثل حرق الوقود الأحفوري، الصناعة، الزراعة) وتُحبس الحرارة في الغلاف الجوي، مُسببة ظاهرة الاحتباس الحراري وارتفاع درجة حرارة الأرض.

ويعزز الاحتباس الحراري الظواهر الجوية المتطرفة، من موجات الحر والجفاف والفيضانات، إلا أن هذه الظواهر لا تزال تتفاوت من عام لآخر بناء على عوامل طبيعية.

إعلان

وقد أدت ظاهرة النينيو إلى ارتفاع درجات الحرارة العالمية خلال عامي 2023 و2024، لكنها تراجعت لتحل محلها ظاهرة النينيا الباردة بشكل طفيف في عام 2025. ووجد تحليل كوبرنيكوس أن عام 2025 كان متعادلا مع عام 2023 كثاني أكثر الأعوام حرارة على الإطلاق.

وأكدت بيرغيس أن "هذه الظواهر ليست مجرد أحداث عابرة، بل تعكس الوتيرة المتسارعة لتغير المناخ، والسبيل الوحيد للتخفيف من آثار ارتفاع درجات الحرارة في المستقبل هو الحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بسرعة".

ومنذ اتفاق باريس للمناخ في عام 2015، استمرت الانبعاثات المسببة لارتفاع درجة حرارة الكوكب في الارتفاع، على الرغم من أن توسع الطاقة المتجددة عالميا ساعد نسبيا في الحد من هذا الارتفاع.

وجاءت نتائج تحليل كوبرنيكوس متوافقة مع تحليلات المنظمة العالمية للأرصاد الجوية. وقد وجدت المنظمة أن الفترة من 2015 إلى 2025 كانت من بين الأعوام الـ11 الأكثر دفئا في سجل الرصد الذي يعود تاريخه إلى عام 1850.

وقالت الأمينة العامة للمنظمة سيليست ساولو: "لسنا على المسار الصحيح لتحقيق أهداف اتفاقية باريس". وأشارت إلى وجود مؤشرات مناخية أخرى تدق ناقوس الخطر في عام 2025، حيث كان للطقس المتطرف آثار عالمية جسيمة على الاقتصادات وجميع جوانب التنمية المستدامة.

مقالات مشابهة

  • عام 2025 يواصل اتجاه الاحترار الاستثنائي عالميا
  • إسرائيل تتصدر قائمة الدول الأكثر قتلًا للصحفيين في 2025
  • ليبيا تحتل المرتبة الثالثة عربيًا في ترتيب الدول التي يعاني مواطنيها من الاكتئاب
  • عاجل. زلزال قوي يضرب شمال شرق اليابان.. وتحذيرات من خطر حدوث موجات تسونامي على السواحل
  • زلزال عنيف يضرب اليابان وتحذيرات من "تسونامي"
  • شيرين دعيبس: كل فلسطيني له قصصه العائلية التي تتعلق بالنكبة وهذا سبب تقديمي لـ«اللي باقي منك»
  • انخفاض حاد في درجات الحرارة وأمطار رعدية تضرب السواحل الشمالية اليوم.. وتحذيرات عاجلة من مركز المناخ
  • «الدفاع المدني» يدعو إلى توخي الحيطة والحذر إثر الحالة المناخية التي تشهدها مكة المكرمة
  • الموقع الجغرافي يعرض المنطقة لمزيج معقد من الظروف المناخية.. ماذا يحدث فى الشرق الأوسط؟
  • الجزيرة ترصد جهود إزالة آثار الفيضانات التي ضربت سريلانكا