رئيس جامعة الأزهر يشيد بمؤتمر «التكنولوجيا والترجمة وتعليم اللغات الأجنبية آفاق وتحديات»
تاريخ النشر: 22nd, April 2024 GMT
أشاد الدكتور سلامة داود، رئيس جامعة الأزهر، بتاريخ كلية اللغات والترجمة العريق وأعلامها الثقات الذين أسهموا في مسيرة الترجمة بجميع تخصصاتها منذ عدة عقود، جاء ذلك خلال كلمته في افتتاح فعاليات المؤتمر الدولي الرابع للكلية الذي يقام تحت عنوان: (التكنولوجيا والترجمة وتعليم اللغات آفاق وتحديات) ويقام تحت رعاية كريمة من فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف.
وأوضح رئيس الجامعة أنه قضى ليلة أمس في قراءة الجزء الأول من كتاب: (تاريخ كلية اللغات والترجمة) الذي كتبه المؤرخ الدكتور حازم محفوظ، الأستاذ بالكلية، وقدم له الدكتور حامد أبو أحمد، عميد الكلية الأسبق؛ حيث رأي كيف نشأت الكلية العملاقة في أحضان كلية اللغة العربية بالقاهرة قسمًا للغات، ثم كيف سار قطار الزمان فتحول القسم إلى كلية اللغات والترجمة ووصلت إلى ما هي عليه اليوم من التوسع في الأقسام العلمية؛ لتوفير الأعداد الكافية لتدريس اللغات الأجنبية بالمعاهد الأزهرية في جميع ربوع مصر، وأنشئت بها شعب للدراسات الإسلامية باللغات المختلفة؛ لتأهيل الخريجين القادرين على حمل أمانة الدعوة الإسلامية باللغات الأجنبية؛ ليؤدوا عن الأزهر الشريف فريضة نشر الدعوة الإسلامية في العالم الغربي.
ونبه رئيس الجامعة القائمين على أمر هذه الكلية الرائدة والسادة أعضاء هيئة التدريس فيها بمشروع ترجمة الألف كتاب الأولى التي اكتمل صدورها في عام 2006م؛ ليكملوا المسيرة في ترجمة الألف كتاب الثانية والثالثة والرابعة وهَلُمَّ جَرًّا.
وأوضح فضيلته أن هذه الترجمات من أهم أهداف هذه الكلية وغاياتها النبيلة، مشيرًا إلى أنه صدر قرار لعميد الكلية منذ فترة بتشكيل اللجان اللازمة لذلك، واختيار الكتب التي لها قيمة علمية؛ للقيام بترجمتها في هذا المشروع.
وبين رئيس جامعة الأزهر، أنه من الخطوات المهمة التي تقوم بها الجامعة وتعول فيها على هذه الكلية الرائدة مشروع ترجمة البحوث المتميزة المنشورة لأعضاء هيئة التدريس هذا العام في المجلات العلمية المحكمة بالجامعة في الكليات العربية والشرعية لتترجم إلى اللغة الإنجليزية؛ لرفع التصنيف العالمي للجامعة في التصنيفات التي لا تقوم إلا على البحوث المنشورة باللغة الإنجليزية؛ وكانت البحوث المنشورة في الكليات العربية والشرعية خارج هذا التصنيف، لافتًا إلى أن هذه الكليات الأصيلة يتميز بها الأزهر الشريف عن جميع كليات العالم؛ ولأجلها قصده الوافدون من أكثر من مائة وأربعين دولة في العالم.
الترجمة هي رسول الفكر والثقافة بين الشعوب المختلفة الألسنةوبين رئيس الجامعة أن الترجمة هي رسول الفكر والثقافة بين الشعوب المختلفة الألسنة، وما تقدم الغرب إلا بترجمة علومنا وتراثنا إلى لغته، كما بيَّن أن العالم الفيزيائي الفرنسي "بيير كوري" الفائز بجائزة نوبل في الفيزياء عام 1903م قال: «تمكنا من تقسيم الذرة بالاستعانة بثلاثين كتابًا بقيت لنا من الحضارة الأندلسية، ولو لم تحرق كتب المسلمين لكنا اليوم نتجول بين المجرات»؛ هذا كلامُه وهو عندي معتبر.
وقال رئيس جامعة الأزهر: قرأت في الكتاب الذي أسس علم البلاغة كلمة للإمام عبد القاهر الجرجاني مؤسس هذا العلم يقول في كتابه الفذ "أسرار البلاغة" : «إن علماء العرب في زمانه في القرن الخامس الهجري كتبوا أجلادًا -أي: مجلدات- في الجزء الذي لا يتجزأ»، واربط بين كلمة الجرجاني وكلمة بيير كوري الفرنسي مع أن بينهما أكثر من ألف عام تجد الخيط واحدًا.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: جامعة الأزهر سلامة داود كلية اللغات والترجمة التكنولوجيا والترجمة آفاق وتحديات تعليم اللغات رئیس جامعة الأزهر کتاب ا
إقرأ أيضاً:
اللغة في الإنسان صورة فكرِهِ!
ارتفعت درجة حرارتي على نحو مفاجئ عندما تغير الطقس، فأخذتني زميلتي التي تُشاركني الغرفة إلى المشفى القريب من الجامعة. وبعد انتظار، ناولني الطبيب وصفة العلاج، ويا للهول! كانت هذه هي المرّة الأولى التي أتمكن من قراءة ما كتبه الطبيب. لقد كتب أسماء الأدوية بلغة عربية صريحة!
كان هذا قبل أكثر من عقدين من الزمان، فـي جامعة حلب السورية؛ حيث كنتُ أدرس. لكن المفاجأة الكبرى اُدخرت لزميلاتي وزملائي العُمانيين، الذين قدموا لدراسة تخصصات علمية، فتفاجؤوا بتجربة تعريب شاملة!
تذكرتُ هذه الحادثة وأنا أقرأ ما صدر عن الأمانة العامّة لمجلس الوزراء «أحوال وجوبية استعمال اللغة العربية»، وأظن أنّ قرارا من هذا النوع سيتركُ أثرا جيدا على وحدات الجهاز الإداري للدولة، وأسماء المشاريع، والشوارع، والأحياء، والساحات، والحدائق. فالأمر يشي بشيء من الاعتداد -شبه المفقود- بلغتنا العربية.
نضطر فـي عديد الاتصالات التي نُجريها فـي هذه الآونة، لحجز موعد فـي مستشفى أو فندق أو مكان سياحي، إلى أن نتحدث بلسان مُستعار، بينما الأولى أن نتقوى بمخزوننا الثقافـي العميق.
فاللغة تنمو وتزدهر بالاستعمال، والعربية تملك فـي نسيجها الحي ما يجعلها أكثر حيوية مما نظن، لاستيعاب سياقات المعاصرة عبر توليد لا نهائي.
يتبدى انسحاقنا -فـي أكثر صوره سطوعا- عندما نتواطأ فنتحدث بلغة مُكسرة هي خليط من عدة لغات أخرى مُدمرة، لإيجاد سياق للحديث مع الأيدي العاملة التي تغزو بلادنا، وهي أيد عاملة من مستوى تعليمي مُتدنٍ غالبا. فما الذي يمنعنا من التحدث برصانة عربيتنا دون لجوء لانكسارات مُشينة من هذا النوع؟ تماما كما تفعل كل اللغات التي تعتد بلغاتها وتستنكر من يُحدثها بغيرها! فهذه اللغة التي لقحت لغات العالم بمفرداتها فـي زمن قوتها، من المخجل حقا أن تُكابد انطواء وتقزما أمام اللغات الأخرى!
اللغة ليست ما يتحرك به اللسان وحسب، إنّها هويتنا. وتداولها وفق نطاق شاسع من شأنه أن يصنع ارتباطا عميقا، يُرسخ رمزية السيادة اللغوية لبلادنا، ويقلل من زحف اللغات الأخرى وتغلغل استعمالاتها فـي حياتنا.
لكن هل يمكن لقرارات من هذا النوع أن تكون نواة لما فشلت معظم الدول العربية فـي تحقيقه، رغم مرور عقود على محاولاتها، من قبيل تجربة سوريا والسودان وليبيا الأكثر اقترابا من مشروع تعريب التعليم الجامعي؟ أعني نواة لمشروع التعريب الشامل، بصورة أكثر ديمومة، لا سيما وأنّنا نتحدثُ عن ٢٦ دولة تعد العربية لغتها الرسمية!
أتذكر أنّ زميلاتي العائدات من جامعة حلب الدارسات للطب وطب الأسنان، اضطررن لإعادة اكتساب اللغة الإنجليزية، وإلا خسرن فرص التوظيف. بعض آخر اضطرّ للانسحاب! وذلك لغياب وجود استراتيجية عربية طويلة الأمد.
لا يخفى على أحد الضغوطات السياسية الخارجية، فوحدة اللغة العربية تعني توحد الجغرافـيا الأكبر على مستوى العالم التي تجمعها لغة واحدة. مما يعني أن اللغة تُضمرُ قوة جيوسياسية واقتصادية هائلة فـي أعماقها، كما أنّها تُعيد لأذهان الغرب صورة مُستنكرة لحضارة مُتجذرة، ولذا لا ريب أننا نُقاسي هذا التفتيت الممنهج!
والسؤال الأكثر إيلاما: لماذا يكره أبناؤنا تعلم اللغة العربية؟ من المؤكد أنّهم لا يكرهونها لذاتها، وإنّما يبغضون طرق تدريسها؛ لأننا لم نُغادر قيد أنملة حيز التلقين والحفظ، كما أننا ما زلنا نورطهم بالإعراب قبل أن نبني صلاتهم المتينة بعالم قرائي متين. لا ننسى أيضا فعل المقاومة الذي يُبديه الطلاب الراغبون فـي اقتناص فرص تعليمية أو عمل أو هجرة فـي البلدان البعيدة، كما أنّ سوق العمل يُقاوم أيضا بتفضيله من يمتلكُ لغة غير العربية!
البطء فـي ترجمة العلوم الجديدة، وعزل العربية عن علوم التقنية الحديثة، يجعلُ اللغة بالنسبة لأفهام أبنائنا، فـي أكثر صورها هشاشة، لغة ميتة لا تتحركُ فـي الراهن!
بالتأكيد هذه ليست دعوة للتوقف عن تعلم اللغات الأخرى، وإنما لإرساء ممارسة لغوية وثقافـية تستثمرُ فـي ترجمة العلوم باختلافها، وترتبطُ بفرص العمل، لجعل لغتنا أكثر اتقادا وحياة، فعزلة اللغة -على هذا النحو الذي نراه- حربٌ شرسة لها من المآرب ما لا يعد ولا يُحصى. وكما يقول بن خلدون: «اللغة فـي الإنسان، إنّما هي صورة من صور فكره، فإذا هُجنت لغته، دلّ ذلك على اختلال فـي فكره».
هدى حمد كاتبة عُمانية ومديرة تحرير «نزوى»