الكتيبة المتمردة.. تاريخ وحدة «نتساح يهودا» الإسرائيلية وعلاقتها بالحريديم
تاريخ النشر: 22nd, April 2024 GMT
أعلنت الإدارة الأمريكية عزمها فرض عقوبات على كتيبة تابعة للجيش الإسرائيلي وتعرف بوحدة «نيتسح يهودا» التي تنشط في الضفة الغربية، وتعمل الآن في قطاع غزة، وذلك للاشتباه باختراقها للمواثيق الدولية الخاصة بتعامل المحتل مع الأراضي المحتلة.
أثارت قرارات أمريكا المرتقبة ضد الكتيبة الإسرائيلية غضبا في إسرائيل ضد الولايات المتحدة، رغم حزم الدعم التي قدمتها واشنطن إلى تل أبيب لتغطية تكلفة العدوان على غزة، والتي بلغت قيمتها 26.
تاريخ وحدة نتساح يهودا مليئا بعديد من الحوادث التي اخترقت فيها القانون الدولي، كما أن لها باعا طويلا في انتهاك حقوق الإنسان في الضفة الغربية، خاصة في مدينتي رام الله وجنين، وهي أقرب إلى مليشيا مسلحة، يشرف عليها الحاخامات، وتطورت تحت أنظار جيش الاحتلال، ويتلقى أفرادها بشكل دوري محاضرات ودروسا ومواعظ دينية من الحاخامات، وقادة المستوطنين الذين يزورنهم في مقر الكتيبة وفقا لوكالة الأنباء الفلسطينية «وفا».
تتبع كتيبة «نتساح يهودا» لواء كفير التابع لجيش الاحتلال ويعود تأسيسها إلى العام 1999، وحينها كانت تعرف باسم «ناحال حريديم»، وذلك لأن الهدف من إنشائها يرجع إلى تشجيع إسرائيل اليهود الأرثوذكس «الحريديم» الرافضين لدخول السلك العسكري، والانضمام إلى الجيش.
جاء تأسيس الكتيبة ضمن مشروع دشنته منظمة نتساح يهودا أو الشباب العسكري الحريدي، بالتعاون مع جيش الاحتلال لدمج أكبر لجنود الحريديم داخل الجيش، وكان قوام الكتيبة في البداية 30 جنديا لا غير.
والآن يخدم في الكتيبة نحو 1000 جندي، معظمهم من الحريديم الذين عددهم 750 ألفا.
وعلى الرغم من أن الهدف من تأسيس كتيبة « نتساح يهودا» اجتذاب الحريديم، إلا أن الطائفة ما زالت متمسكة بموقفها الرافض للتجنيد العسكري، والانضمام إلى الجيش، فوفقا لـ«ريترز» فإنه يتقدم سنويا فقط لتطوع في الجيش من الطائفة 10% فقط، أي ما يقرب من 1220 سنويا.
يتعامل جيش الاحتلال مع جنود الكتيبة بمنح مختلفة عن باقي وحدات الجيش، لجعل الخدمة العسكرية متماشية مع معتقداتهم الدينية الأرثوذكسية، فيتم فصلهم عن المجندات، ومنحهم ساعات مخصصة لأداء صلواتهم وتواصلهم مع رجال الدين.
على مر السنوات كانت كتيبة «نتساح يهودا» مرتعا لأفراد تنظيمات المستوطنين اليمينية المتطرفة خاصة تنظيم «شبيبة التلال» صاحب الميول والفكر الديني المتشدد، بحسب «أكسيوس».
وبحسب «وفا» فإن منظمة «شبيبة التلال» تقود عمليات إرهابية منظمة بين الفينة والأخرى ضد الفلسطينيين في القرى المحاذية للمستوطنات، ويعيثون قتلا في الشعب الفلسطيني ودمارا وحرقا وتخريبا في ممتلكاته.
ويعيش أفراد تلك المنظمة منفصلين عن عائلاتهم في المستوطنات غير القانونية، المقامة في جميع أنحاء الضفة الغربية خاصة في المناطق المفتوحة.
نتساح يهودا مسؤولة عن استشهاد وتعذيب العديد من الفلسطينيين في الضفة الغربية، أشهر تلك الحوادث عملية الإعدام الميداني والتعذيب القاسي بحق المسن عمر أسعد الفلسطيني- الأمريكي، الذي كان يبلغ من العمر 80 عاما حين استشهاده في عام 2022 من جرّاءِ تعذيبه عند اعتقاله على حاجز جلجليا في رام الله.
تم تكبيل «أسعد» وتكميمه وإجباره على الاستلقاء على بطنة لمدة غير معلومة أقلها 20 دقيقة، وهو ما تسبب له بإجهاد شديد أدى إلى سكتة قلبية أودت بحياته، وفقا «لوفا».
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: كتيبة نتساح يهودا نتساح يهودا اليمين المتطرف الإسرائيلي الحريديم الضفة الغربیة نتساح یهودا
إقرأ أيضاً:
إعادة هندسة الضفة الغربية
مقدمةتمثل الضفة الغربية إحدى القضايا المركزية في الصراع مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، إذ تخضع لعمليات تغيير جذرية في بنيتها الجغرافية والديمغرافية بفعل السياسات الإسرائيلية المستمرة التي تسعى إلى فرض واقع جديد على الأرض؛ يتجلى ذلك من خلال المستوطنات، والجدار العازل، وتهجير السكان الفلسطينيين، وتحكم إسرائيل في الموارد الطبيعية والبنية التحتية، وفصل المجتمعات الفلسطينية عن بعضها البعض. هذه التغيرات تعيد تشكيل الضفة الغربية بطرق تؤثر على مستقبل القضية الفلسطينية، وتمثل تحديا أمام أي حل سياسي مستقبلي.
توسع المستوطنات
مع استمرار بناء المستوطنات، تزداد أعداد المستوطنين الذين يتمتعون بدعم حكومي إسرائيلي وحوافز مالية مغرية، هذا التوسع يقلب التوازن السكاني في الضفة الغربية ويزيد من تعقيد أي محاولة لإقامة دولة فلسطينية مستقلة، حيثُ يعد الاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية أحد أبرز الأدوات الجغرافية التي تغير ملامح المنطقة. فمنذ عام 1967 أقامت إسرائيل مئات المستوطنات ووسعتها بشكل كبير، حيث يعيش اليوم أكثر من 900 ألف مستوطن في الضفة الغربية والقدس الشرقية، تترافق هذه التوسعات مع بناء طرق التفافية تربط المستوطنات بدولة الاحتلال الإسرائيلي، ما عمل على عزل المناطق الفلسطينية وصعوبة ربطها ببعضها البعض.
تواصل إسرائيل استخدام أساليب متنوعة لتهجير الفلسطينيين من الضفة الغربية، مستغلة وسائل قانونية وعسكرية واقتصادية لفرض واقع ديموغرافي جديد
الجدار العازل أداة احتلال أم أمن؟
بدأت إسرائيل في بناء الجدار العازل في الضفة الغربية عام 2002 بحجة منع الهجمات المسلحة من المقاومة الفلسطينية في أراضي 1948، لكنه سرعان ما تحول إلى وسيلة لضم وسرقة الأراضي الفلسطينية، حيثُ يمتد الجدار لأكثر من 700 كيلومتر، ويمرّ في عمق الضفة الغربية، مما يعزل آلاف الفلسطينيين عن أراضيهم وأماكن عملهم ومدارسهم وحتى عزل العائلة الواحدة. وأدى بناء الجدار إلى تدمير مساحات واسعة من الأراضي الزراعية كما حاصر مدنا وقرى فلسطينية، مما زاد من صعوبة تنقل السكان في القدس، والأهم من ذلك أنه عزل أحياء فلسطينية بأكملها عن باقي الضفة، مما أثر على الحياة الاجتماعية والاقتصادية لسكانها.
من الناحية القانونية، اعتبرت محكمة العدل الدولية عام 2004 أن الجدار غير شرعي، ودعت إلى إزالته وتعويض الفلسطينيين المتضررين، لكن دولة الاحتلال الإسرائيلي ضربت القرار بعرض الحائط كما عادتها. ويُنظر إلى الجدار على نطاق واسع كأداة لتعزيز الاحتلال وتقليص فرص إقامة دولة فلسطينية مستقلة، حيث يفرض واقعا جديدا على الأرض ويجعل حل الدولتين أكثر تعقيدا، وقد أصبح الجدار رمزا جديدا للفصل العنصري، ما يعكس هدفه في تغيير التركيبة الجغرافية لصالح إسرائيل.
السيطرة على الموارد الطبيعية
تُحكم إسرائيل سيطرتها على مصادر المياه الرئيسة في الضفة الغربية مثل الحوض المائي الجوفي، ما أدى إلى تقليص حاد في حصة الفلسطينيين من المياه العذبة، كما أن مناطق الأغوار التي تشكل سلة غذاء الضفة الغربية لا زالت تخضع لسيطرة إسرائيلية مشددة مما أعاق التنمية الزراعية الفلسطينية، إضافة لذلك فإن السلطات الإسرائيلية تمنع الفلسطينيين من الوصول إلى أراضيهم الغنية بالمعادن في الضفة الغربية، بالإضافة إلى استغلال الغاز الطبيعي في الأراضي الفلسطينية سواء في غزة أو الضفة الغربية، بينما يُمنع الفلسطينيون من تطوير مواردهم، هذه السيطرة حدتّ من التنمية الفلسطينية وأبقت الفلسطينيين في حال تبعية اقتصادية.
أساليب جديدة لتهجير الفلسطينيين
تواصل إسرائيل استخدام أساليب متنوعة لتهجير الفلسطينيين من الضفة الغربية، مستغلة وسائل قانونية وعسكرية واقتصادية لفرض واقع ديموغرافي جديد، من أبرز هذه الأساليب إصدار أوامر هدم للمنازل بحجة عدم وجود تصاريح بناء، رغم أن إسرائيل نادرا ما تمنح الفلسطينيين هذه التصاريح، مما يجبرهم على مغادرة مناطقهم.
بالإضافة إلى ذلك، توسع إسرائيل المستوطنات الإسرائيلية بوتيرة متسارعة، حيث تستولي على الأراضي بالقوة وبدعم حكومي بقيادة سموتريتش، وتحرم السكان من حقهم في السكن والزراعة بتصعيد عنف المستوطنين ضد القرى الفلسطينية تحت حماية الجيش الإسرائيلي، لإجبار السكان على الرحيل خوفا على حياتهم.
من الناحية الاقتصادية، تفرض إسرائيل قيودا مشددة على حركة الفلسطينيين، مما يعيق وصولهم إلى أماكن العمل والخدمات الصحية والتعليمية، ويدفع البعض إلى الهجرة بحثا عن حياة أفضل وأكثر أمنا، كما تُستخدم القوانين العسكرية لطرد السكان مثل تصنيف أراضٍ زراعية فلسطينية كمناطق عسكرية مغلقة أو محميات طبيعية يُمنع الفلسطينيون من الاستفادة منها.
هذه السياسات ليست مجرد انتهاكات فردية، بل جزء من مخطط ممنهج لتفريغ الضفة الغربية من سكانها، وفرض أمر واقع يُصعّب تحقيق أي حل سياسي.
فصل المجتمعات الفلسطينية: الأبعاد السياسية والاستراتيجية
تعد سياسة فصل المجتمعات الفلسطينية إحدى الأدوات الاستراتيجية التي تستخدمها إسرائيل لتعزيز سيطرتها على الأراضي الفلسطينية وتقويض أي إمكانية لقيام دولة فلسطينية. يتم تنفيذ هذا الفصل عبر إجراءات ميدانية وقانونية، مثل بناء الجدار العازل، وتقييد الحركة بين الضفة الغربية وقطاع غزة، وتعزيز المستوطنات، مما يخلق واقعا جغرافيا وسكانيا معقدا.
الأبعاد السياسية
إعادة هندسة الضفة الغربية جغرافيا وديمغرافيا على فرص الحل السياسي، إذ تسعى إسرائيل إلى خلق واقع يجعل إقامة دولة فلسطينية متواصلة جغرافيا أمرا صعبا إن لم يكن مستحيلا، من خلال فرض أمر واقع يصعب تغييره
يهدف فصل المجتمعات الفلسطينية إلى منع أي وحدة سياسية واقتصادية بينها، مما يُضعف قدرتها على تشكيل كيان مستقل، الآن يتم تقسيم الضفة الغربية إلى كانتونات معزولة يجعل من الصعب على الفلسطينيين فرض سيادتهم أو تقديم الخدمات الأساسية للمواطنين. وفي قطاع غزة، الحصار المشدد عزل القطاع عن بقية الأراضي الفلسطينية، وعمل على تعزيز الانقسام الداخلي بتقوية أطراف بعينها على حساب أطراف أخرى، وهو ما أدى إلى ضعف الموقف الفلسطيني على المستوى الدولي.
الأبعاد الاستراتيجية
استراتيجيا، يمنح هذا إسرائيل القدرة على فرض واقع جديد على الأرض، حيث يتم تقليل التواصل بين الفلسطينيين وإجبارهم على التبعية والاعتماد على الاقتصاد الإسرائيلي بكافة المجالات، كما سمح بتعزيز المستوطنات وربطها بشبكات طرق خاصة مما يجعل إزالتها مستقبلا أمرا معقدا. إضافة إلى ذلك، أدى الفصل إلى زيادة السيطرة الأمنية الإسرائيلية لتقليل القدرات المحتملة للمقاومة الفلسطينية.
كلُ ذلك عمل على إعادة هندسة الضفة الغربية جغرافيا وديمغرافيا على فرص الحل السياسي، إذ تسعى إسرائيل إلى خلق واقع يجعل إقامة دولة فلسطينية متواصلة جغرافيا أمرا صعبا إن لم يكن مستحيلا، من خلال فرض أمر واقع يصعب تغييره.
الخاتمة
إعادة هندسة الضفة الغربية جغرافيا وديمغرافيا ليست مجرد تغييرات مادية، بل هي جزء من استراتيجية إسرائيلية تهدف إلى فرض سيطرة دائمة على الأرض، ما يؤدي إلى تعقيد أي حل سياسي مستقبلي.
في ظل هذا الواقع، تبقى خيارات الفلسطينيين محدودة بين مقاومة هذا التغيير من خلال الحراك السياسي والدبلوماسي أو البحث عن استراتيجيات جديدة للتكيف مع المعطيات المتغيرة، وتطرح تساؤلات حول مستقبل حل الدولتين وإمكانية قيام دولة فلسطينية ذات سيادة.