د. محمد بشاري يكتب: رابطة العالم الإسلامي في عهدها الجديد
تاريخ النشر: 24th, April 2024 GMT
مع انعقاد الدورة السادسة والأربعين للمجلس الأعلى لرابطة العالم الإسلامي في الرياض يوم الثلاثاء 23 أبريل، تفتح الرابطة فصلاً جديداً في مسيرتها الطويلة نحو تعزيز السلم والتفاهم العالميين. تأسست الرابطة في عام 1962 كمنصة لتعزيز التفاهم بين الشعوب والثقافات المختلفة، وقد شهدت في السنوات الأخيرة، تحت قيادة الأمين العام الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى، توسعاً ملحوظاً في نطاق عملها وتأثيرها العالمي.
الرابطة، بقيادتها الحكيمة النشطة، أعادت تعريف دورها العالمي بتبنيها لعدة مبادرات رئيسية تستهدف تحقيق الأهداف الأساسية للإسلام في السلام والتعاون الإنساني. من بين هذه المبادرات وثيقة مكة المكرمة التي تُعد نقطة تحول مهمة في التأكيد على القيم الإسلامية الأصيلة، وموقف الإسلام من قضايا العصر المعقدة.
وثيقة مكة المكرمة، التي صدرت في قلب العالم الإسلامي خلال العشر الأواخر من رمضان، تُعدّ إعلانًا رمزيًا وعمليًا بالغ الأهمية يُبرز التزام رابطة العالم الإسلامي بتجديد فهم وتطبيق القيم الإسلامية في مواجهة تحديات العصر الراهنة. هذه الوثيقة، التي تُعتبر خارطة طريق إسلامية حديثة، تشمل العديد من المحاور الأساسية التي تهدف إلى تعزيز السلام والتعايش السلمي بين مختلف شعوب وثقافات العالم.
أولًا، تؤكد الوثيقة على أهمية الأخوة الإنسانية وتقدير التنوع الثقافي والديني كجزء من الخلق الإلهي. تُشير إلى أن الاختلافات بين البشر، سواء كانت لغوية أو ثقافية، هي إحدى آيات الله التي يجب احترامها وتقديرها وليست سببًا للنزاع أو الفرقة.
ثانيًا، تدعو وثيقة مكة المكرمة إلى إقامة شراكة حضارية إيجابية تتجاوز الاختلافات الإثنية أو الدينية من خلال تعزيز الحوار والتعاون المتبادل بين الحضارات. تُشدد الوثيقة على أن هذا النهج يعزز الفهم المتبادل ويبني جسور التعاون التي يمكن أن تؤدي إلى عالم أكثر سلامًا ووئامًا.
ثالثًا، تعالج الوثيقة مسألة الصراعات المذهبية داخل العالم الإسلامي بدعوة المسلمين إلى التركيز على المشتركات التي تجمع بينهم بدلاً من الاختلافات التي قد تفرقهم. تُحث الوثيقة على ضرورة التسامح واحترام الآراء المختلفة ضمن إطار الإسلام، مؤكدةً على أن التنوع داخل الأمة الإسلامية هو مصدر قوة وليس ضعفًا.
رابعًا، تتناول الوثيقة الدعوة إلى العمل الجماعي ضد الإرهاب والتطرف بكل أشكاله، مُعتبرةً أن هذه الآفات لا تمثل الإسلام في شيء وأن الإسلام دين سلام يُحرّم العنف والإكراه في الدين. تُشدد الوثيقة على أهمية التعليم ونشر الوعي الصحيح حول حقيقة الإسلام لمحاربة الجهل الذي يُمكن أن يؤدي إلى التطرف.
خامسًا، تُعبر الوثيقة عن رفضها للاستغلال السياسي للدين وتؤكد على أهمية الفصل بين الممارسات الدينية والسياسية التي تستغل الدين لأغراض غير أخلاقية. تُشير إلى أن الدين يجب أن يكون مصدر إلهام للعمل الصالح وليس أداة للنزاع والانقسام.
وثيقة مكة المكرمة، بما تحمله من مضامين ومبادئ، تمثل إعادة تأكيد لمكانة الإسلام كدين يسعى لتحقيق السلام والعدالة والإخاء بين البشر، داعية المسلمين وغير المسلمين على حد سواء إلى التعايش السلمي والتفاهم المتبادل من أجل مستقبل مشترك أفضل.
كذلك، تضمنت محاور عمل الرابطة مبادرة بناء الجسور بين الشرق والغرب.
مبادرة بناء الجسور بين الشرق والغرب التي أطلقتها رابطة العالم الإسلامي تمثل جهدًا استراتيجيًا لتعزيز العلاقات بين العالم الإسلامي والمجتمعات الغربية. تهدف هذه المبادرة إلى تحسين التفاهم المتبادل والاحترام عبر الثقافات، وتسعى إلى تقديم صورة أكثر دقة وإيجابية للإسلام. من خلال توضيح القيم الإسلامية التي تدعم السلام والتعايش السلمي، تلعب هذه المبادرة دورًا حيويًا في تصحيح الصور النمطية السلبية والمفاهيم المغلوطة التي غالبًا ما تشكل عوائق أمام التفاهم بين الشرق والغرب.
تستخدم الرابطة من خلال هذه المبادرة منصات متعددة للحوار، بما في ذلك المؤتمرات الدولية، ورش العمل، والمنشورات، والبرامج التعليمية التي تجمع بين علماء الدين والمفكرين والقادة المجتمعيين من كلا الجانبين. الهدف هو خلق فضاءات مشتركة تسمح بتبادل الأفكار والخبرات التي تعزز الوعي المتبادل وتبني الثقة المتبادلة.
إن الدور الذي تلعبه هذه المبادرة في تعزيز التفاهم الثقافي لا يقتصر على النخب الفكرية والأكاديمية فحسب، بل يمتد ليشمل الشباب والجمهور العام من خلال برامج تعليمية ومنصات إعلامية تهدف إلى تعزيز الوعي والتقدير للتنوع الثقافي والديني. هذه المبادرات مهمة لبناء جسور التفاهم التي لا تعزز السلام العالمي فحسب، بل تفتح الباب أيضًا للتعاون المستقبلي في مختلف المجالات مثل التعليم، العلوم، والتنمية الاقتصادية.
من خلال مبادرة بناء الجسور بين الشرق والغرب، تؤكد رابطة العالم الإسلامي على رسالتها الأساسية بأن الإسلام دين يسعى إلى تعزيز السلام والعدالة الاجتماعية، وتعزيز الحوار والتعاون بين الحضارات المختلفة، كجزء من مهمتها العالمية لخدمة الإنسانية.
إضافة إلى ذلك، تشمل محاور العمل مبادرة بناء الجسور بين المذاهب الإسلامية، تأتي مبادرة بناء الجسور بين المذاهب الإسلامية كاستراتيجية مهمة من رابطة العالم الإسلامي لمعالجة التوترات المذهبية، وبخاصة بين السنة والشيعة، التي غالبًا ما تكون لها جذور سياسية عميقة. تهدف هذه المبادرة إلى تحويل هذه التوترات من عوامل تفرقة إلى مصادر قوة تساهم في توحيد الأمة الإسلامية. من خلال تعزيز الحوار والتفاهم المتبادل، تسعى الرابطة لخلق بيئة تسودها الوحدة والأمان، حيث يمكن للمذاهب المختلفة التعايش بسلام واحترام متبادل.
تسلط المبادرة الضوء على أهمية امتصاص الصراعات المذهبية بطريقة تؤدي إلى تعزيز التماسك الداخلي في الأمة الإسلامية، بدلًا من أن تكون مصدر تفكك وانقسام. تعمل الرابطة من خلال هذه المبادرات على تطوير منصات للحوار تشجع على التبادل الثقافي والفهم المتعمق للتنوع داخل الإسلام، وتبحث في كيفية استخدام هذا التنوع كقوة دافعة للتقدم.
بناءً على هذا التوجه، تشكل مبادرة بناء الجسور بين المذاهب فرصة للأمة الإسلامية للعبور نحو مستقبل يسوده الأمن والأمان، وتكون فيه الاختلافات المذهبية مصدر إثراء متبادل بدلاً من كونها سببًا للصراع.
في العهد الجديد الذي يقوده معالي الدكتور محمد عبد الكريم العيسى، شهدت رابطة العالم الإسلامي تحولاً ملحوظاً نحو تبني دور أكثر فعالية وحيوية في مواجهة تحديات العصر الراهن. هذا النجاح لم يكن ليتحقق لولا الرعاية السامية والدعم المتواصل من خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهد الامين حفظهما الله و رعاهما ، اللذين قدما كل الدعم المالي والمعنوي لتعزيز مهام الرابطة وتحقيق أهدافها النبيلة.
تمثل السخاء والكرم في الدعم المتدفق من القيادة السعودية عاملاً أساسيًا في تمكين الرابطة من إطلاق مبادرات رائدة تهدف إلى خدمة الإنسانية وتعزيز استقرار الدول، وكذلك تحقيق التعايش السلمي بين الشعوب. من خلال هذه المبادرات، أثبتت رابطة العالم الإسلامي قدرتها على العمل كجسر للتفاهم والسلام بين الحضارات والثقافات المتنوعة، وكمنارة للأخوة الإسلامية والإنسانية في جميع أنحاء العالم.
من خلال هذه المبادرات، لم تكتف رابطة العالم الإسلامي بالدور التقليدي كمنظمة دينية، بل تجاوزته إلى دور أكثر فاعلية وحيوية في مواجهة تحديات العصر، ساعية لأن تكون جسراً للتفاهم والسلام بين الحضارات والثقافات المختلفة، ومنارة للأخوة الإسلامية والإنسانية العالمية.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: رابطة العالم الإسلامی وثیقة مکة المکرمة بین الشرق والغرب هذه المبادرات هذه المبادرة بین الحضارات الوثیقة على من خلال هذه إلى تعزیز على أهمیة التی ت
إقرأ أيضاً:
القمة العالمية للاقتصاد الإسلامي تطلق نداءً لبناء منظومة اقتصادية إسلامية تنافسية
انطلقت اليوم الجمعة في مدينة إسطنبول أعمال القمة العالمية الثانية للاقتصاد الإسلامي، التي ينظمها منتدى البركة، بمشاركة واسعة من صنّاع القرار، والمفكرين، والخبراء الاقتصاديين من مختلف أنحاء العالم. وتستمر القمة، التي تُعد من أبرز الملتقيات العالمية المتخصصة في الاقتصاد الإسلامي، حتى يوم الأحد المقبل.
الحدث الذي حضره الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، يتزامن مع تصاعد النقاش العالمي حول بدائل اقتصادية أكثر عدالة واستدامة، ويهدف إلى إبراز نموذج الاقتصاد الإسلامي كمنظومة مالية متكاملة، قادرة على تقديم حلول حقيقية لتحديات التنمية، والاستقرار المالي، وتوسيع الشراكات الدولية.
وقد شددت الكلمات الافتتاحية على أهمية تطوير بيئات تنظيمية حديثة تتيح تفعيل أدوات التمويل الإسلامي مثل الوقف، الزكاة، التكافل والصكوك، وتوسيع استخدامها في مشاريع التنمية المستدامة.
وفي كلمته بالجلسة الافتتاحية لأعمال القمة، أكد رئيس مجلس أمناء منتدى البركة للاقتصاد الإسلامي، عبد الله صالح كامل، أنّ العواصم الكبرى في العالم العربي والإسلامي تشهد حراكًا تنمويًا لافتًا، يعكس تطورًا مؤسسيًا واستعدادًا حقيقيًا للمساهمة في صياغة مستقبل الاقتصاد العالمي، من خلال نموذج يجمع بين القيم والكفاءة.
وأشار كامل إلى أن ما تشهده العديد من البلدان العربية من تحولات اقتصادية، يعكس جاهزية عواصم العالم الإسلامي لتبنّي نموذجٍ اقتصاديٍ عصريٍ يرتكز على مبادئ ثابتة، ويقدم حلولًا حقيقية لتحديات التنمية والاستقرار المالي.
وأكد كامل أن الاقتصاد الإسلامي ليس بديلًا نظريًا، بل منظومة مالية متكاملة أثبتت جدواها في ميادين التمويل والاستثمار؛ من خلال أدوات مثل الوقف، الزكاة، التكافل، والصكوك، التي يمكن تفعيلها ضمن بيئات تنظيمية حديثة ومسؤولة، وأضاف أن العالم الإسلامي يملك من الثروات البشرية والموارد الطبيعية والأسس الفكرية ما يؤهله لبناء نموذج اقتصادي تنافسي، مشددًا على أن المرحلة المقبلة تتطلب توسيع الشراكات بين الدول والمؤسسات والمجتمعات، وتحويل التجارب الناجحة إلى منظومات قابلة للنمو والانتشار على المستوى الدولي.
ويُعد منتدى البركة للاقتصاد الإسلامي، المنظم لهذه القمة، منصة بحثية مستقلة تأسست أولى ندواته في المدينة المنورة عام 1981، ويواصل منذ ذلك الحين عقد لقاءات سنوية لتطوير الفكر الاقتصادي الإسلامي، وتعزيز مكانته في النظام المالي العالمي.