صدر مؤخرا قرارا من وزير العدل المصري بمنح بعض العاملين بالهيئة العامة للطرق والكباري صفة مأموري الضبط القضائي، ما يثير جدلا واسعا حول دلالاته وتأثيره على هيكل الحريات العامة في مصر.

وفي حين يُمكن تفسير القرار على أنه محاولة من الحكومة لتعزيز سيطرتها على مختلف جوانب الحياة أو مكافحة الفساد، فإنه يُثير أيضا مخاوف من إمكانية استخدامه لقمع المعارضة وحرية التعبير، وزيادة مخاطر انتهاكات حقوق الإنسان وإضعاف سيادة القانون.



ما دلالة التوسع في منح الضبطية القضائية لموظفين حكوميين؟
تُشير هذه الخطوة إلى استمرار سياسة منح الضبطية القضائية لفئات متعددة في جهات حكومية، فقد سبق منحها لرجال المرور، وموظفي حماية المستهلك، وأفراد الأمن الجامعي، والأوقاف وغيرهم.

ويُمكن تفسير هذه السياسة على أنها محاولة من الحكومة لتعزيز سيطرتها على مختلف جوانب الحياة، فمن خلال منح صفة الضبطية القضائية لفئات متعددة، تُصبح الحكومة قادرة على فرض سيطرتها على مختلف الفضاءات العامة.


كما يشير التوسع في منح صفة مأموري الضبط القضائي لموظفي الحكومة إلى استراتيجية لتعزيز الرقابة والسيطرة على العمل الحكومي، وتحسين فعالية تنفيذ القوانين وتطبيق العدالة، بحسب المسؤولين.

كيف تضر الضبطية بهيكل الحريات العامة في البلاد؟
يعتبر بعض المراقبين أن توسع منح الضبطية القضائية لموظفي الحكومة قد يضر بهيكل الحريات العامة في البلاد، حيث قد تؤدي السلطات القضائية الموسعة إلى تقييد الحقوق والحريات الفردية.
وتُثير هذه السياسة مخاوف من إمكانية استخدامها لقمع المعارضة وحرية التعبير، فمع منح صفة الضبطية القضائية لموظفين حكوميين، تُصبح لديهم السلطة لاعتقال المعارضين دون أوامر قضائية.

كما تُؤدي هذه السياسة إلى زيادة مخاطر انتهاكات حقوق الإنسان، فمع وجود عدد كبير من الأشخاص الذين يتمتعون بصفة الضبطية القضائية، تزداد احتمالية وقوع انتهاكات لحقوق الإنسان.

ماذا يعني محاولة تحويل موظفين إلى "أمنجية"؟
انتقد رئيس محكمة استئناف الإسكندرية سابقا، المستشار محمد عوض، التوسع في إصدار مثل تلك الصلاحيات "الأمنية"، وقال: "تُشير هذه الخطوة إلى تغير في دور الموظفين الحكوميين، ففي الماضي، كانت وظائفهم تقتصر على تقديم الخدمات للمواطنين. أما الآن، يُطلب منهم أيضا ممارسة مهام أمنية".

وأضاف في تصريحات لـ"عربي21": "يُثير هذا التغير مخاوف من إمكانية تحول مصر إلى دولة بوليسية. فمع تحويل الموظفين الحكوميين إلى أمنجية، تزداد مخاطر القمع والمراقبة".

ورأى أن أضرارها أكثر من منافعها لأنها "تُساهم هذه السياسة في إضعاف سيادة القانون فمع وجود العديد من الجهات التي تتمتع بصفة الضبطية القضائية، يصبح من الصعب على المواطنين معرفة حقوقهم وواجباتهم".


وحذر المستشار عوض من أن "يُؤدي هذا التغير أيضا إلى تراجع الثقة بين المواطنين والحكومة. فمع شعور المواطنين بأنّ الموظفين الحكوميين يُراقبونهم ويُمكنهم اعتقالهم في أيّ لحظة، تزداد مخاوفهم من الحكومة".

باب من أبواب انتهاك الحريات بمصر
على المستوى الحقوقي، قال المدير التنفيذي للشبكة المصرية لحقوق الإنسان، أحمد العطار: إن "القرار الذي أصدره وزير العدل ونشرته الجريدة الرسمية منذ يومين بمنح صفة الضبطية القضائية لموظفين ما بين رئيس مجلس الإدارة ومهندس مدني ومدير مشروعات بصفتهم موظفين بالهيئة العامة للطرق والكباري بالنسبة للجرائم التي تقع بالمخالفة لأحكام القانون رقم 84 لسنة 1968 بشأن الطرق العامة أحد أبواب انتهاك الحريات في مصر".

وأضاف العطار لــ"عربي21" أن القرار "يأتي ضمن سلسلة من القرارات التي صدرت من قبل والتي تعتمد على أن يجعل كل مواطن رقيب على الآخر، ولكل موظف عين عليه يراقبه ويبلغ عنه الأمن ويمكن أن ينتهي بفصله كما حدث في أماكن ومصالح حكومية وخاصة كثيرة".

واعتبر أن "القرار يكرس لانتهاك الحقوق والحريات في وقت تشهد فيه الحالة الحقوقية المصرية استمرار ارتفاع وتيرة قيام قوات الأمن المصرية باعتقال العشرات من المواطنين على مدار اليوم في محافظات مصر المختلفة لأسباب مختلفة لإشاعة الخوف والرعب".


وتابع: "على سبيل المثال هناك عمال شركة المحلة الكبرى رهن الاعتقال والحبس الاحتياطي حاليا بسبب مطالبتهم بحقوقهم وحقوق زملائهم بعد وشاية من زملائهم أو ممن الممكن أن يكونوا ضحايا تقارير من تم منحهم مسبقا مثل هذه الضبطية".

وتساءل الحقوقي المصري: "هل يرى المستشار عمر مروان وزير العدل أن هناك نقص أو تقصير في مهام العاملين بوزارة الداخلية أم محاولة لقلب القطاع إلى جهاز أمني مساند. الحقيقة لا أجد مبررا لإصدار مثل هذه القرارات تحت أي مسمى سوى محاولة الإيقاع بين الموظفين. السؤال المهم هل من تم اختيارهم هم فعلا مؤهلين لمثل هذه الأمور؟ هل منحوا دورات قانونية وحقوقية على كيفية التعامل مع هذه الوظيفة الجديدة؟ أسئلة كثيرة وشكوك أكثر بشأن إصدار مثل هذة القرارات المريبة".

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة مقابلات سياسة دولية المصري مصر السيسي الهيئة العامة للطرق والكباري ماموري الضبط القضائي المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة صفة الضبطیة القضائیة هذه السیاسة التوسع فی منح صفة

إقرأ أيضاً:

سوريا.. هل يتبخّر حلم انتعاش السياحة أمام الفوضى الأمنية والقيود على الحريات؟

بعد سقوط الأسد، تواجه السياحة في سوريا أزمة مزدوجة: فوضى أمنية وقيودا على الحريات تهدد بانهيار كامل للقطاع، رغم آمال الانتعاش الاقتصادي ورفع العقوبات. اعلان

مع مرور أشهر على سقوط نظام بشار الأسد وسيطرة "هيئة تحرير الشام" سيطرتها على مفاصل الدولة تحت قيادة أحمد الشرع الذي عُين رئيسًا للمرحلة الانتقالية، تواجه سوريا تحديات جسيمة، أبرزها تعافي قطاع السياحة ، الذي كان يومًا ما من أهم روافد الاقتصاد الوطني.

لكن الواقع الحالي كشف عن فجوة عميقة بين الآمال الكبيرة وبين المعوقات التي تعصف بالقطاع من الداخل والخارج، وتهدد بتحوله إلى رافعة اقتصادية ضائعة، إن لم يتم التصدي لها بشكل سريع وفعّال.

خسائر مضاعفة عبر سنوات الحرب

تكبد قطاع السياحة في سوريا خسائر فادحة خلال سنوات الحرب، حيث توقف نحو 544 مشروعًا سياحيًا عن التنفيذ بين عامي 2011 و2014 ، وهو مؤشر أولي على حجم الدمار الذي لحق بهذا القطاع الحيوي حتى قبل أن تمتد الحرب بشكل كامل لتطال معظم أنحاء البلاد.

وفي عام 2019، كشف وزير السياحة في حكومة نظام بشار الأسد، رامي مرتيني، عن خروج 1468 منشأة سياحية من الخدمة ، بينها 365 فندقًا و1103 مطاعم ، إضافة إلى تضرر 403 منشآت سياحية بشكل كلي أو جزئي ، مما يعكس حجم الدمار الذي تعرض له هذا القطاع الاستراتيجي.

ومنذ ذلك الحين، حاولت الحكومة إعادة تنشيط القطاع ضمن المناطق التي كانت تحت سيطرتها، وفي عام 2024، واصل النمو زخمه نسبيًّا، إذ بلغ عدد الزوار القادمين إلى سوريا حتى بداية شهر تموز/يوليو الماضي نحو 1.002 مليون زائر ، بزيادة قدرها 5% مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق ، ما يُعد مؤشرًا إيجابيًّا رغم استمرار التحديات المتعلقة بالبنية التحتية والأوضاع الأمنية الهشة.

العامل الأمني: فوضى لا ترحم المنشآت ولا الزوار

لكن كل هذه المؤشرات الإيجابية انقلبت رأسًا على عقب مع سقوط النظام وبدء المرحلة الانتقالية، حيث أصبحت المنشآت السياحية هدفًا مباشرًا للفصائل المتطرفة التي تسعى إلى فرض نمط حياتي صارم، يتنافى مع طبيعة الحياة التي اعتاد عليها السوريون والسياح.

خلال الأشهر الماضية، رصدت يورونيوز بشكل دقيق تصاعد أعمال العنف ضد المنشآت السياحية، خصوصًا في العاصمة دمشق وطرطوس وحمص. حيث تعرضت مطاعم ومقاهٍ ومواقع سياحية لهجمات متكررة من فصائل متشددة تتبع لجماعات متطرفة، تتهم أصحاب هذه المنشآت بمخالفة "الأعراف الإسلامية"، مثل تقديم الكحول أو السماح بالموسيقى أو الرقص.

في إحدى الحالات، تم تدمير محلات تبيع المشروبات الكحولية في منطقتي دمشق وطرطوس، كما تم تهديد أصحاب المطاعم الذين يسمحون لزبائنهم بشرب الكحول، ما أدى إلى حالة من الرعب والتخوف من استمرار العمل في مجال السياحة.

Relatedدُمرت محالّهم وطُلب منهم دفع الجزية.. مسيحيو سوريا ضحايا انتهاكات الفصائل المتطرفةمطاعم دمشق القديمة في قبضة الأمن العام: لا غناء ولا حرية ولا أمان!سرقة ورعب في أحد ملاهي دمشق: اعتداءات على الحريات وفصائل مسلحة غير منضبطة

وقال أحد أصحاب المطاعم في دمشق ليورونيوز: "بعد سقوط النظام، تخيلنا أن يكون هذا الصيف بداية نهضة جديدة، وأن تعود المنشآت السياحية إلى سابق عهدها، لكن المفاجأة كانت صادمة. لم تتجاوز نسبة الإشغال العشرات، والمطاعم شبه خالية، والحفلات النادرة التي أُقيمت لم تستمر أكثر من ليلة واحدة بسبب الضغوط الأمنية."

أما صاحب منتجع سياحي في اللاذقية، فقد أكد أن غياب الأمن هو أكبر عائق أمام استعادة القطاع لدوره الاقتصادي: "الدولة تفقد اليوم مصدرًا رئيسيًا للدخل، وتفوت فرصة تحريك العجلة الاقتصادية، فقط لأنها لم تستطع ضبط الأمن في الساحل السوري، حيث تكثر حالات القتل والخطف كل يوم. إذا أردت الاستثمار، عليك أولًا باستعادة الأمان."

قيود على الحريات: قرارات غريبة تقيد النشاطات السياحية

إلى جانب الجانب الأمني، برزت تحديات ثقافية وإدارية داخلية ، كان أبرزها القرارات الصادرة عن وزارة السياحة السورية مؤخرًا، والتي أثارت جدلًا واسعًا داخليًا وخارجيًا.

من بين تلك القرارات، التوجيهات الجديدة حول حرية اللباس في الشواطئ العامة، حيث تم تقسيم الشواطئ بناءً على نوع الملابس المسموح بها، مع ترك حرية أكبر للفنادق الفاخرة (4 و5 نجوم) في حين فُرضت قيود صارمة على الشواطئ الشعبية.

وقال خبير اقتصادي ليورونيوز، طلب عدم ذكر اسمه: "السياحة ليست فقط أماكن تراثية وبحر وجبل، بل هي أيضًا ثقافة الحريات التي تدرّ المال. التجربة واضحة في تركيا ولبنان، حيث لا يتم تقييد الزائر، بل تُقدَّم له الخيارات. أما عندنا، فإن مثل هذه القرارات العشوائية تقتل أي أمل في استعادة الثقة لدى السائح المحلي أو الأجنبي."

وأضاف: "اليوم الدولة تخسر ملايين الدولارات بهذه القرارات وتساهم في انتشار البطالة بما توفره السياحة من توظيف أيدي عاملة في كل سوريا، كان من الأجدى على وزارة السياحة أن تدعم القطاع لا أن تصدر قرارات تُقيد الحريات. المجتمع السوري متنوع، وثقافته قادرة على الموازنة بين القيم والحرية، دون الحاجة إلى تدخل تعسفي."

هل هناك بصيص أمل؟

رغم حالة التشاؤم التي تسود المشهد السياحي، إلا أن هناك بعض المؤشرات التي قد تكون مبشّرة، لو توفرت لها الإرادة السياسية والأمنية:

الاهتمام الدولي المتزايد بالمواقع الأثرية مثل تدمر وحلب القديمة.الطلب الداخلي على السياحة الداخلية رغم انخفاض مستوى الدخل.إمكانية عودة السياح العرب والأوروبيين لو استقرت الأوضاع الأمنية وانتظمت الخدمات.

لكن لتحقيق ذلك، يرى الخبراء أنه على الحكومة الانتقالية أولًا استعادة الأمن والاستقرار، وثانيًا إعادة النظر في القرارات التي تقيّد الحريات ، حتى ولو كانت تدعي الحفاظ على الأخلاقيات.

فالسياحة، كما يقول أحد أصحاب المطاعم: "ليست فقط مبنى أو شاطئ، بل هي تجربة إنسانية تبدأ من الحرية وتنتهي بالراحة. مضيفاً، بدون خطوات عملية لإصلاح البيئة الأمنية والثقافية والسياحية، فإن سوريا ستظل بعيدة عن استعادة دورها كوجهة سياحية مهمة في المنطقة".

اليوم، يتوقع الكثيرون خسائر جمّة ما لم يتم تداركها ، خصوصًا أن الناس تنتظر المستثمرين في هذا القطاع الحيوي والأساسي، وبعيدًا عن العقوبات الاقتصادية التي رُفعت مؤخرًا، فإن التحدي الحقيقي يبقى في إعادة الثقة وبناء بيئة آمنة وحرّة تُحفِّز السياح على العودة.

انتقل إلى اختصارات الوصولشارك هذا المقالمحادثة

مقالات مشابهة

  • دورات تدريبية متخصصة لرفع كفاءة العاملين بالقطاع الحكومي في الأقصر| صور
  • اجتماع عاجل مع الكهرباء والبترول.. أول تعليق من الحكومة على أحداث إيران
  • نائب العربي للدراسات: الغرب يستغل ملف الحريات لابتزاز الدول سياسيا
  • «خارجية الحكومة الليبية» تسلّم مذكرة رسمية للقنصل السوداني بشأن المستجدات على الحدود
  • الحريات في سوريا اليوم و الالتزامات الدينية و الأخلاقية
  • عماد الدين حسين يكشف دلالة الاتصال الهاتفي بين بدر عبد العاطي والمبعوث الأمريكي
  • سوريا.. هل يتبخّر حلم انتعاش السياحة أمام الفوضى الأمنية والقيود على الحريات؟
  • الدولة المبدعة «إعادة تعريف دور الحكومة في الابتكار»
  • الضرائب تذكر فئة كبار المكلفين بالالتزام بتسديد المبالغ المقتطعة من رواتب ‏العاملين لديهم قبل 15 حزيران الجاري
  • بروتوكول لعلاج العاملين بالكهرباء في مستشفيات التأمين الصحي الشامل