لا يشكك أحد في الدنيا بأهمية جهاز الشرطة وتأثيره الإيجابي اقتصادياً واجتماعياً وأسرياً، فدوره أكثر من مجرد مؤسسة سيادية تحسب للاستدلال على قوة ومتانة دولة. إذ إنه خلف كل شرطي حكاية لبلد آمن من المهددات المجتمعية، أو مجرد وظيفة لإنسان يبذل قصارى جهده لإعالة أسرته وضمان لقمة العيش لها، فهو كيان يسعى ليلاً نهاراً من أجل حفظ الأمن الداخلي وسداد تكاليف أن ينام المواطن آمناً في بيته.

وفي هذا الضوء، لا بد من التنويه بأن جهاز الشرطة لم يستثن من عملية الهدم التي استهدفت كيان الدولة السودانية إبان السنوات العجاف، وهنا لا بد من الإشارة إلى الحملات الإعلامية التي كانت تسعى لضرب هيبة (البوليس) حتى تنتشر الجريمة وتعم الفوضى، للأسف ساهم في ذلك قيادات داخل المؤسسة، وأعني تحديداً الوزيرين “عنان” الذي أجاد دور مخلب القط لقائد المليشيا وعبره تم اختراق المؤسسة وتدميرها عبر التخلص من الضباط المهنيين الأكفاء و “عز الدين الشيخ” الذي كان أداة في يد لجنة “صلاح مناع” المسماة زوراً بلجنة إزالة التمكين، ومحاربة الفساد .

ولكن بسرعة فائقة، استطاع جهاز الشرطة استعادة موقعه المهم في صدارة العمل الجماعي بمعركة الكرامة، حيث يشارك (١٤) ألف من منسوبيها في دحر التمرد من الخطوط الأمامية ، وتمكن الجنود المجهولون من استعادة بيانات المواطن التي فقدت نتيجة تدمير منشآت الشرطة واحتلالها.

بما أن السودانيين قد قرروا أن تكون صفحة ١٥/ أبريل، آخر صفحة في كتاب المآسي السودانية، وآخر فصل في الأوضاع المختلة بالدولة ومؤسساتها، لذلك من المثير للقلق ألا تمنح مؤسسة الشرطة كل الصلاحيات و الإمكانيات المادية لتقوم بدورها الطليعي فهي تتكئ على أساس متين، ولا تواجه أزمة في إيجاد الكفاءات التي تحتاج إليها من أجل استمراريتها، رغم ضعف الإمكانيات و الإهمال فإن الشرطة السودانية الآن تقوم بمجهودات جبارة في القبض على المجرمين الفارين من السجون، واستعادة ممتلكات المواطنين التي نهبتها عناصر مليشيا الدعم السريع أثناء العمليات العسكرية.

وعند تحليل هذه التطورات التي شهدتها مؤسسة الشرطة بموضوعية، نرى أن هناك عوامل عدة ساهمت في رسم هذا التوجه، منها الرؤية الجديدة التي تبني عليها قيادتها الحالية خطط العمل، والصحيح في هذا كله أن هذه المؤسسة ربما حصلت ولأول مرة منذ العام ٢٠١٩م بقيادة مناسبة، تعلم جيداً ما هو المطلوب منها للقيام بدور وطني يساهم في حماية الأمن الداخلي من محاولات التخريب، يحصل هذا كله من دون أي التفات إلى استحالة العمل في بيئة غير جاذبة، من ضعف الرواتب، واستهداف ممنهج قد أودى بالروح المعنوية لمنسوبيها.
السودان الآن في حالة حرب، وعقل العسكر يقول: “لا صوت يعلو فوق صوت البندقية”، وان تحرير البلاد من العصابات المسلحة هو الهدف الأسمى، ولكن يجب التمعن في جانب آخر، وهو العواصف التي تدور حول المجتمع السوداني، وبعضها يضرب الأمن المجتمعي، ويصيبه في مقتل، واعني هنا تحديداً انخراط مواطنين مدنيين في الحرب عبر أنشطة استخباراتية لصالح التمرد، هؤلاء أشد خطراً من عنصر يحمل بندقية يقاتل بها الدولة.

في تقديري جهاز الشرطة عبر وحداته المتخصصة (المباحث والشرطة الأمنية) لما لها من خبرة تراكمية وشبكة مصادر وسط المواطنين هم المصدات الطبيعية لتلك العواصف التي تضرب المجتمع السوداني وتزيد عمق واتساع النتائج، وترفع حجم التحديات أمام بلد ما زال منذ أكثر من ثلاثين عاماً يعيش حروباً وصراعات متعددة.

يجب أن يوكل ملف مطاردة المتعاونين مع التمرد من المواطنين، والقبض عليهم وتنفيذ القانون في مواجهتهم لجهاز الشرطة، اذا رغبت الدولة في حسم جانب مهم من المعركة وهو النشاط المدني في الحرب، عليها أن تترك هذه المهمة ل (البوليس) وتوفير كل الإمكانيات المادية لتنفيذ هذه المهمة الوطنية العظيمة.
محبتي واحترامي

رشان أوشي

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: جهاز الشرطة

إقرأ أيضاً:

"هجليج" الخطر على السودان

حققت قوات الدعم السريع مؤخراً نجاحات ميدانية لافتة، أبرزها السيطرة على أجزاء واسعة من شمال وغرب كردفان والسيطرة على منطقة "هجليج" النفطية الحيوية في أقصى جنوب البلاد، وتمثل السيطرة على "هجليج"، التي تُعد أكبر حقول النفط ومصدر إيرادات استراتيجي للبلاد، ضغطًا اقتصاديًّا هائلاً على الشرعية وورقة استراتيجية حاسمة بيد قوات التمرد، وهو ما يعكس حجم الخطر الكبير على السودان من ناحية، وإصرار الدول الداعمة للتمرد على تفكيك البلاد من ناحية ثانية.

وتستغل قوات التمرد التحالفات مع قوى مسلحة محلية مثل الحركة الشعبية شمال فصيل عبد العزيز الحلو لتثبيت مواقعها.

وتلعب الطائرات المسيرة بيد التمرد دورًا حاسمًا في تحقيق تلك الإنجازات النوعية على الأرض، وتم استخدام هذه المسيّرات في قصف منشآت "هجليج" النفطية، والتي أثبتت فعاليتها في تعطيل البنية التحتية الاقتصادية، ونجح التمرد في خلق تهديد مستمر في عمق مناطق سيطرة الجيش السوداني بفضل النوعيات الحديثة للطائرات المسيرة من ناحية، وإدارتها بواسطة خبراء مرتزقة دوليين من ناحية ثانية كما تضمنت ترسانتهم العسكرية مدافع رشاشة ثقيلة، وصواريخ مضادة للطائرات اعتمادًا على الدعم المستمر من دول إقليمية وعالمية بهذه الأسلحة الحديثة.

وقد لعب الدعم الخارجي دوراً محورياً في تمكين الدعم السريع من تحقيق هذه المكاسب من خلال الدعم اللوجستي والعسكري. ويعتقد أن دولة تشاد المجاورة تُستخدم كـممر لوجستي لنقل هذه الإمدادات.

وضمن الدعم المالي الخارجي إلى جانب الأنشطة التجارية وشبكات التمويل المعقدة قدرة التمرد على التجنيد، وشراء العتاد كما تؤكد التقارير وجود تسهيلات في نقل الأفراد المقاتلين، وتقديم المعلومات الاستخبارية لتخطيط الهجمات وجعلها أكثر دقه في تدمير الأهداف واختراق دفاعات الجيش السوداني.

ويلاحظ المراقبون أن ما يسمى بحظر توريد الأسلحة على أطراف النزاع ينفذ بكل دقة في حصار الجيش السوداني، ومنعه من امتلاك الأسلحة التي يدافع بها عن وحدة السودان، وإنزال العقوبات على قادته وتوجيه اتهامات كاذبة للجيش باستخدام أسلحة محرمة دوليًا وفي الوقت نفسه يتم غض الطرف عن تلك الأسلحة النوعية المتقدمة التي تتدفق إلى قوات الدعم السريع مما يجعلها أكثر قدرة على الاستمرار في الحرب وتحقيق تلك النجاحات التي تهدد وحدة السودان.

ومن أسوأ النتائج لهذه الحرب المدمرة هو استمرار قوات الدعم السريع في ضرب كل مقدرات الشعب السوداني من منشآت صحية، وتعليمية وخدمية من محطات الكهرباء والمياه والصرف، وهو ما أحال مدنًا سودانية بأكملها إلى خرائب لا يمكن أن يقيم بها بشر، ومن المفارقات أن الجيش السوداني، وقوات الدعم السريع توصلا إلى اتفاق يحمي محطات "هجليج" النفطية من التدمير بقصد حماية نفط دولة جنوب السودان من التدمير، وكأن الدعم السريع يحرص على حماية ثروات الدول الأجنبية في الوقت الذي يدمر فيه كل ثروات بلاده.

مقالات مشابهة

  • "هجليج" الخطر على السودان
  • هاني برزي: أرض الزمالك ليست طوق النجاة.. لكن العائد هو الأهم
  • كسر مفاجئ في خط المياه الرئيسي يسبب انقطاع الخدمة بعدة مناطق بحدائق أكتوبر.. صور
  • شراكة استراتيجية بين جهاز تنمية المشروعات ومنتدى الخمسين لتعزيز الابتكار وإتاحة فرص العمل
  • محافظ صعدة يطلّع على سير العمل في المرحلة الثانية من مشروع طريق دماج – آل سالم
  • ياسمين عبدالعزيز تكشف عن المهنة التي تمنت العمل بها
  • القبض على مواطن مضطرب نفسيا يهاجم مصلين بسكين داخل مسجد بالإسكندرية
  • مؤسسة النفط تستعرض الشراكات التي تقيمها مع الشركات الأوروبية وسبل تطويرها
  • ضبط سيدتين تديران كيانين تعليميين مزيفين للنصب على المواطنين بأسوان وسوهاج
  • ضبط شركات وهمية للنصب على المواطنين بزعم العمل بالخارج في كفر الشيخ