مفتي رواندا: المسلمون يشاركون بفاعلية في تنمية الدولة
تاريخ النشر: 5th, May 2024 GMT
كيغالي- ما إن تتجول في شوارع كيغالي أو خارجها وصولا إلى إقليم الشمال، وبتناغم مع خضرة المناظر من حولك، تطالعك مآذن خضراء تعلو مساجد تتفاوت مساحاتها بين المصلى الصغير إلى المتوسط، بينما يتربع في طرفي كيغالي الجامع الكبير بالإضافة إلى مقر المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، حيث مقر إدارة الإفتاء والدعوة.
توجهنا لمقابلة مفتي رواندا سالم هيتيمانا، وعند مدخل البوابة الخارجية للمجلس، يستقبلك صوت أطفال يرددون آيات من الذكر الحكيم، في موعدهم اليومي لتلقي دورس تلاوة القرآن الكريم.
رحب بنا فضيلة المفتي وصادف موعدنا معه وصول وفد من مسلمي المحافظات الرواندية للقائه.
وفي ما يلي نص الحوار:
هناك روايتان، الأولى تقول إن الإسلام دخل إلى رواندا عام 1896 عن طريق عمال مساعدين استقدمهم المستعمرون الألمان عندما دخلوا عبر تنزانيا، واجتاحوا رواندا. كان معهم كوادر من تقنيين ومهندسين من المسلمين. والبعض يعتبر أن دخول هؤلاء هو أول دخول للإسلام إلى رواندا.
وتقول الرواية الثانية إن الإسلام دخل رواندا عام 1890 تقريبا عبر التجار العرب الذين كانوا يترددون على هذه المنطقة، وخاصة غربي تنزانيا، وكانوا يصلون لأقصى الكونغو في منطقة كاسونغو. وهؤلاء التجار كانت لديهم صلات واتصال مع الروانديين، وكانوا يبيعون الملابس والملح للروانديين ويزودونهم بالسلاح وفق البعض، ويشترون منهم العاج.
لكن كانت العلاقات طيبة بين الطرفين، وعندها بدأ الإسلام بالانتشار بين الروانديين، وبدؤوا في دخول الإسلام وبناء المساجد الصغيرة. والمحقق أن دخول الإسلام في ذاك الوقت سبق دخول المسيحية بنحو 10 سنوات. وغالبية التجار كانوا عربا من عُمان على الأكثر، وفي تنزانيا على سبيل المثال نجد عربا من أصول يمنية وعُمانية.
متى بدأ الاهتمام بدراسة الإسلام من شريعة وفقه؟ وهل لقيتم تعاونا من العالم العربي؟منذ دخول الإسلام إلى البلاد، بدأ المسلمون يؤسسون مدارس قرآنية في المساجد وأماكن مختلفة. وفي بداية سبعينيات القرن الماضي، بنى المسلمون أول مدرسة ضمت صفوفا حتى المرحلة المتوسطة، وبدأ الطلاب يدرسون فيها.
وهنا أذكر حادثة أن الملك السعودي الراحل فيصل بن عبد العزيز عندما زار أوغندا، أشار له الرئيس الأوغندي الأسبق عيدي أمين آنذاك، بوجود مسلمين فيها، فأرسل مبعوثا إليها. فلم يجد المبعوث من يترجم له، فاستعان بمترجمين من بوروندي التي كانت ورواندا آنذاك تحت إدارة واحدة بلجيكية.
بوروندي كانت أكثر تطورا حينها، فأتى منها مترجم اسمه يحيى، وأنا نفسي تتلمذت على يده. لذلك، رأى المسلمون حاجة لتأسيس المعهد الإسلامي للعلوم الشرعية، الذي سيدرّس أبناءهم اللغة العربية والمواد الشرعية والعلوم الإسلامية، كان ذلك عام 1974.
والمعهد لا يزال قائما، وهو الوحيد في رواندا لتخريج الدعاة، ونحن كلنا ممن لدينا معرفة باللغة العربية درسنا فيه.
التحقت بالمعهد عام 1982، وكان عدد الطلاب لا يتجاوز 100. أتيت طالبا من خارج العاصمة، ومن كان يأتي للانضمام للمعهد كان لزاما عليه توفير مكان للإقامة، وأذكر كيف كان المسلمون يفتحون أبواب منازلهم للطلبة الوافدين ليتلقوا العلوم الشرعية ويفيدوا إخوانهم من المسلمين.
الآن، لدينا قرابة 350 طالبا في المعهد، الذي تخرج منه أكثر من 5 آلاف، من بينهم قرابة 200 استمروا في تحصيل العلوم الشرعية في دول عربية وإسلامية. بعد تخرجي من المعهد، واصلتُ دراستي في ليبيا، ودرست أصول الفقه في كلية الشريعة 4 سنوات.
حاليا، يمكن تقدير أن نسبة المسلمين من عموم المواطنين في رواندا تصل لنحو 15%. هناك من يقول إنها أقل ولا تتعدى 4% لكنها نسبة غير دقيقة.
كيف تصف التعامل على المستوى الرسمي مع المسلمين؟أؤكد أن وضع المسلمين في رواندا أكثر من ممتاز، نجد احتضانا كاملا من الحكومة والمؤسسات، ولا نعاني من أي تمييز بحقنا. نحن مواطنون كغيرنا، ولا نلمس أي نوع من أنواع التضييق أو غير ذلك. ولوضع كلامي في سياق، لابد من تقديم فكرة عما كانت عليه الأمور قبل عام 1994.
أولا، النظرة إلى الروانديين المسلمين قبل ذلك التاريخ كانت تتسم بالتمييز الحاد، منذ الاستقلال عام 1962 حتى سنة 1994. عانى الروانديون المسلمون في تلك الحقبة من تهميش واضطهاد، لم يكن يُسمح لهم بأي نشاط تنموي أو اقتصادي أو ثقافي. كانوا محرومين من حرية العبادة، والبعض يلقي باللائمة في ذلك على فكرة أن المسلمين الأوائل في البلاد دخلوا مع المستعمرين.
ثم بدأت الأمور تزداد سوءا، مع عدم السماح للإسلام بالانتشار، إذ تم وضع غالبية المسلمين في مخيمات، تشبه مخيمات اللاجئين، رغم أنهم من أبناء البلاد. ولتعميق التمييز ضدهم، كان يُطلق عليهم "سواحليين"، لأن المسلمين يتحدثون السواحلية، وهي لغة المسلمين الأوائل في رواندا، الذين أتوا من تنزانيا.
طُردوا من قراهم، ونُقلت غالبيتهم إلى تلك المخيمات التي بمجرد دخولها يسقط عن الفرد حق المواطنة، ولا يُسمح له بالدراسة أو تملك الأراضي. باختصار، يصبح الشخص غير موجود.
استمررنا في هذه الحياة المريرة حتى عام 1994، مع دخول جبهة تحرير رواندا إلى البلاد لإنهاء الإبادة الجماعية ضد أقلية التوتسي. منذ ذلك الوقت، تبدلت أمورنا جذريا. وجدنا انفتاحا من المستويات الرسمية، وبدأ دمج المسلمين في الوظائف والمناصب العليا، وإلحاقهم بالمدارس والجامعات.
وقبل عام 1994، كان عدد المسلمين الذين تمكنوا من دخول الجامعات لا يتجاوز 6 أشخاص على مستوى الدولة، أما من وصلوا إلى المرحلة الثانوية، فلم يتجاوز عددهم 35 شخصا.
ثم تغيرت الأمور، فالآن لدينا الآلاف من الروانديين المسلمين من خريجي الجامعات، ومثلهم من خريجي الدراسات العليا الحائزين درجة الأستاذية (الدكتوراه). وأكثر من ذلك، أول وزير داخلية بعد إنهاء الإبادة الجماعية كان مسلما، كان شيخي الذي تتلمذت على يده في مراحل دراسة العلوم الشرعية، عبد الكريم الهرري.
صحيح، لم يكن أحد يتوقع أن مسلما يمكنه أن يصل لمنصب رفيع، فما بالك بتولي وزارة الداخلية. بالنسبة للمجتمع المسلم في رواندا، كان الأمر مفاجئا على نحو غريب.
ثم بدأنا نلمس تغييرات على مستوى سريع وعالٍ، بحيث تجدون الآن المسلمين في وظائف رسمية حالهم كحال جميع المواطنين الروانديين. تخيل، حتى الزي الذي أرتديه (طاقية) لم يكن مسموحا به في حال تمكنا من دخول أي دائرة رسمية لإجراء أي معاملة.
ففي طفولتي -على سبيل المثال- رافقتُ والدي إلى دائرة حكومية مرة، وقبل دخلونا، نزع الطاقية ووضعها في جيبه، وعندما سألته عن السبب، أجابني بأنه ليس مسموحا لنا أن نرتديها في الإدارات.
ما دور المسلمين خلال الإبادة الجماعية ضد التوتسي؟دور الإسلام والمسلمين في رواندا ينطلق وينبثق من تعاليم الدين والشريعة. عندما كانت الحكومة تخطط وتنظم الإبادة الجماعية ضد التوتسي، دعت حتى المسلمين إلى الانضمام إلى المليشيات والمشاركة في عمليات القتل. تم الاجتماع حينها بمفتي البلاد الشيخ محمد موبيزا، لكن الموقف كان واضحا، أن الإسلام، ديننا الحنيف، لا يسمح لنا بتبني أفكار كهذه، لأن ديننا يفرض علينا احترام الإنسان وحرمة الحياة.
لذلك، دعا المفتي ممثلي المسلمين في جميع المحافظات وعقدوا اجتماعا عام 1992. وحذر جميع الأئمة من خطورة ما يتم تدبيره لبلادنا. وقال لهم إنه يتم التخطيط لفتنة ويجب أن نكون واعين وحذرين، وألا ننجر لها سواء بين أوساط المسلمين أو تجاه إخواننا المواطنين من قبائل وأديان أخرى.
وتمت صياغة رسالة بُعثت لرئاسة الجمهورية والحكومة، وتم تعميمها في رواندا، بأن المسلمين لن يقبلوا المشاركة في أي مجموعة مسلحة أو حزب أو أيديولوجيا تحرض على القتل بناء على الانتماء القبلي. وذكّرت الرسالة إخواننا في الوطن، من مسلمين وغيرهم، بأن لا أحد يختار الانتماء للقبيلة أو العائلة، بل هو تدبير من الله عز وجل.
وكانت الهيئة العليا للمسلمين حينها واضحة، وطلبوا من جميع الأئمة عدم الانتماء للأحزاب، لأنها تسير على طريق منافية للشريعة، وحذروا من أن من يريد التمسك بانتماء حزبي من الأئمة أو الشيوخ، فعليه أن يترك منصبه في منظومة المسلمين.
كما ذكّرت الهيئة رئيس البلاد آنذاك بأن الشعب ينظر إليه على أنه أب له، وبأن عليه التصرف كذلك. ونصت الرسالة على أن الرئيس إذا اختار الالتزام بهذه الضوابط، فسيقف المسلمون في صفه، وإذا اختار مخالفة رؤية المجتمع المسلم للمواطنة، فسيواجهونه.
وعندما بدأت المذبحة، أظهر المسلمون درجة عالية من الوعي، واستمر الأئمة في توعية المسلمين بخطورة ما يجري التحضير له، فقرر المسلمون حماية الناس والمساجد. آنذاك كان الجميع مستهدفا على مستوى التفرقة القبلية، المسلم وغير المسلم.
طبعا كانت هناك حالات معدودة شاذة، لكن السواد الأعظم رفض القتل والإبادة والفظائع والمشاركة فيها. كما قام المسلمون بدور فاعل في الدفاع عن المضطهدين والملاحقين، لا سيما في المنطقة الشرقية.
هناك إمام مسجد في قرية عند نهر، تقابلها على الضفة الأخرى قرية ثانية، عندما بدأ الهجوم على تلك القرية، وبدأت جثث الضحايا تُرمى في النهر، كان لا بد من جهاد لإنقاذ أرواح الأبرياء. نظم المسلمون أنفسهم واجتازوا النهر باتجاه تلك القرية وقاتلوا المهاجمين، ودافعوا عن التوتسي.
وفي تلك القرية لم يكن التوتسي من المسلمين، فأنقذوا 1300 شخص منها، وعادوا بهم إلى المسجد، وقُتل كثير من المسلمين وهم يدافعون عن أهلها. ومن بينهم، قاتل أحد الشبان حديث العهد بالإسلام والده الذي كان من أفراد المليشيا التي ترتكب المجزرة، كان يقاتل مع المسلمين دفاعا عن الأبرياء ضد أبيه.
وهذا أروع مثال كيف أن الإسلام يترفع عن النزعات القبلية، وكيف أن ديننا أعلى من أي انتماء قبلي. لذلك، تحولت المساجد إلى مأوى للناجين، حيث وجدوا الأمان.
قبل الإبادة، كان عدد المسلمين لا يتجاوز 2% من السكان، وبعدها تمت الإضاءة على الدور النبيل الذي قام به المجتمع المسلم. والمسلمون بدورهم، بدؤوا بحركة دعوية قوية مع إخوانهم، بدأ الناس يفهمون الإسلام. حينها، وبعد انتهاء المجازر، سمعنا على لسان المسؤولين مقولات شهيرة بأنه "لو كان عدد المسلمين الروانديين أعلى، لما حدثت الإبادة الجماعية ضد التوتسي".
وبدأنا نلمس تقربا واضحا من الحكومة، حتى أن حكام المقاطعات أكثروا من الطلب منا إرسال قوافل دعوية لتأتي وتعلم الناس الإسلام.
مثلا في إحدى المناطق شرق البلاد، استشرت الجريمة وانتشرت الدعارة، وعجزت الشرطة عن السيطرة على الانفلات، وحدث أن توجهت القوافل الدعوية هناك، فدخل قرابة 500 شخص الإسلام، ومنهم مجرمون سابقون. ولاحظت السلطات بعدها غياب تسجيل أي انتهاك أو دعاوى، وبدأت تتساءل ما الذي جرى؟ هل انتقلت العصابات من تلك المنطقة؟ فأعلمهم أحد المسـؤولين المحليين أن رؤساء العصابات دخلوا الإسلام.
فتقصت الشرطة حقيقة الأمر ووجدت أن المجرمين باتوا في هيئة حسنة ويتميزون بالانضباط، بل ويقودون حملات تحسين في مناطقهم، فرفعت تقريرا يوثق ذلك ويخلص إلى أن الإسلام غيّر وجه المنطقة. لذلك، وحتى يومنا هذا نستمر في قوافل الدعوة بالتنسيق والمشاركة والترحيب من الحكومة.
ما الذي يقدمه المسلمون لمجتمعاتهم راهنا، ولدولتهم؟المسلمون شاركوا ويشاركون بفاعلية، منذ وقف الإبادة الجماعية بحق التوتسي، في تنمية الدولة، ويعملون بجد لتمتين السلم المجتمعي. وفي المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، نحرص دوما على تذكير أتباعنا بدورهم في الحفاظ على ما وصلنا إليه من سلم وأمن والطريق أمامنا طويلة، كما غيرنا من الروانديين.
خسرت رواندا وخسرنا 1.2 مليون مواطن، والآن نعمل باسم الضحايا ونيابة عنهم لنحافظ على السلم، وتعزيز ما وصلت إليه دولتنا.
في خطب الجمعة، نذكّر المسلمين بسيرة نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، وبأنه يقول لنا إن من يصنع لنا معروفا نكافئه عليه، فكما قدمت لنا دولتنا بعد المجازر كل الدعم والمؤازرة، نقدم لها إخلاصنا وجهدنا ومشاركتنا في مسيرة التنمية واحترام القوانين، ونكرر كل هذا لتعزيز المواطنة وتمتين التعايش السلمي والوحدة بين أبناء الوطن الواحد.
ولا بد من كلمة أخيرة لفخامة الرئيس بول كاغامي، إذ نشكره على رعايته لمسلمي رواندا ونتمنى له السداد والتوفيق في طريق استدامة التنمية، وتحقيق المساواة، وإعادة حقوقنا بصفتنا مواطنين في وطننا.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: ترجمات حريات الإبادة الجماعیة ضد من المسلمین المسلمین فی فی رواندا کان عدد لم یکن
إقرأ أيضاً:
محللون سياسيون: ثورة 30 يونيو كانت بوابة مصر لمرحلة جديدة من البناء والتنمية
في لحظة فارقة من تاريخ الأمة المصرية، خرج الملايين في الثلاثين من يونيو عام 2013 ليكتبوا سطراً جديداً في دفتر الإرادة الشعبية، معلنين رفضهم لحكم جماعة لم تنجح في إدارة الدولة، وأعادوا التوازن لمسار وطن كاد أن ينزلق نحو المجهول، حيث كانت الثورة لحظة تجلٍ حقيقية لوحدة الشعب مع مؤسسات الدولة، وعلى رأسها القوات المسلحة، التي لبّت النداء حفاظًا على كيان الدولة وهويتها.
واعتبر خبراء ومحللون سياسيون في تصريحات لوكالة أنباء الشرق الأوسط أن ثورة 30 يونيو جاءت بمثابة تصحيح للمسار، واستعادة لروح الدولة الوطنية التي كادت أن تُختطف، ومنذ ذلك اليوم، دخلت مصر مرحلة جديدة من البناء والتنمية، شملت إطلاق مشروعات قومية كبرى في مختلف القطاعات، من البنية التحتية والطاقة، إلى الإسكان والصحة والتعليم، في محاولة جادة لتعويض ما فاتها والانطلاق نحو المستقبل بثبات.
وذكر الخبراء أن ثورة 30 يونيو لم تكن مجرد حراك شعبي، بل كانت بداية عهد جديد تتسم فيه الدولة المصرية بالقوة والاستقرار، فقد استعادت مصر دورها الإقليمي والدولي، وعززت كافة مؤسساتها، وباتت تجربة التحول بعد الثورة نموذجًا يُدرّس في كيفية إعادة بناء الدول بعد الفوضى، بالإرادة الشعبية والرؤية الاستراتيجية.
وفي هذا الإطار، تقول الدكتورة نيفين وهدان أستاذة العلوم السياسية إن الملايين من أبناء الشعب المصري خرجوا في الثلاثين من يونيو عام 2013 دفاعًا عن هوية الدولة، واستعادة لوطن كاد يُختطف من جماعة لم تؤمن يومًا بمفهوم الوطن، ولا بفكرة الدولة الحديثة، حيث كانت ثورة 30 يونيو لحظة فاصلة أعادت ضبط المعادلة الوطنية، وفتحت الطريق نحو مشروع مصري خالص، يقوم على استعادة الدولة، وتحصينها، وبناء مستقبلها بسواعد المصريين.
وأضافت أن المصريين نجحوا بدعم مؤسساتهم الوطنية في إيقاف مسار كارثي كان يُهدد وحدة البلاد واستقرارها، إذ لم تكن المعركة ضد حكم فاشل فحسب، بل كانت معركة وجود ضد مشروع ظلامي سعى لاختطاف الدولة وتفكيك مؤسساتها، وفرض واقع غريب عن طبيعة الشخصية المصرية ومسارها التاريخي.
وذكرت أنه حين تولد الرئيس عبد الفتاح السيسي مسؤولية البلاد لم يكن أمامه سوى طريق واحد وهو إعادة بناء الدولة من جذورها، وقد جاء ذلك من خلال إطلاق مشروع وطني شامل، أعاد رسم خارطة الجمهورية الجديدة، سياسيًا، اقتصاديًا، اجتماعيًا، وتنمويًا.
وأبرزت أن الجمهورية الجديدة لم تكن شعارًا إنشائيًا، بل رؤية عميقة متكاملة تنطلق من مفهوم الدولة الوطنية المدنية، التي تُعيد الاعتبار لمفهوم المواطنة والعدالة، وتعتمد على بنية قوية وحديثة، وقدرات بشرية مدربة، وإرادة سياسية واعية.
ولفتت إلى أن الجمهورية الجديدة نجحت في إطلاق مشروعات عملاقة، من العاصمة الإدارية، إلى البنية التحتية، وحياة كريمة التي تمثل تحوّلًا نوعيًا في فلسفة العدالة الاجتماعية، كما أعادت الدولة بناء مؤسساتها على أسس من الكفاءة والحوكمة والشفافية، مع فتح المجال أمام تمكين المرأة والشباب، وتمثيلهم الفعّال في الإدارة والبرلمان والمجتمع.
ونوهت بأنه على الصعيد الخارجي، أثبت الرئيس السيسي أنه ليس فقط قائدًا لبناء الداخل، بل زعيم الهندسة الدبلوماسية، حيث أدار ملفات مصر الإقليمية والدولية بحكمة ودقة، واستطاع أن يُعيد لمصر مكانتها المركزية، من دون أن تقع في فخ الاستقطاب، أو تفقد استقلال قرارها، فكانت القاهرة حاضرة في كل قضايا المنطقة تسعى إلى التهدئة ودعم خيارات الشعوب في تقرير مصيرها، ووصفت ما تحقق خلال 12 عامًا بأنه تحوّل حضاري شامل، أعاد تعريف دور الدولة في حياة المواطن، ودوره في مستقبل بلاده.
من جانبه، قال الدكتور محمد الطماوي الخبير في العلاقات الدولية إنه في الثلاثين من يونيو عام 2013، خرج ملايين المصريين إلى الشوارع لا يطلبون تغييرا شكليا، بل استعادة وطن، فقد كانت مصر أمام لحظة فارقة، إما أن تترك الدولة تختطف لصالح مشروع طائفي يطمس هويتها التاريخية، أو أن تعود إلى شعبها، دولة وطنية مدنية قادرة على احتواء جميع أبنائها، وكان الخيار الشعبي واضحا، لتبدأ مسيرة تصحيح المسار وترميم ما أفسدته الفوضى.
وأضاف الطماوي أنه منذ ذلك اليوم، دخلت مصر مرحلة جديدة من البناء والاستقرار بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي، تجسدت عمليا في مشروع الجمهورية الجديدة الذي لا يقوم على الشعارات، بل على مشروعات ومؤشرات وأرقام راسخة تؤكد أن الدولة لم تكتف باستعادة مؤسساتها، بل أعادت تشكيل نفسها اقتصاديا وتنمويا وعمرانيا.
وتابع أنه في عام 2013، كان الناتج المحلي الإجمالي لمصر لا يتجاوز 288 مليار دولار، ويعاني من تباطؤ شديد ونقص في النقد الأجنبي وارتفاع في معدلات التضخم والبطالة، أما في عام 2023، ارتفع الناتج المحلي إلى 396 مليار دولار، بزيادة تقارب 37%، رغم تعرض الاقتصاد لصدمات عالمية كبرى، أبرزها جائحة كورونا، والحرب الروسية الأوكرانية، وأزمة سلاسل الإمداد العالمية.
واستطرد قائلا: "أما الاحتياطي النقدي الأجنبي، الذي كان قد انخفض إلى أقل من 15 مليار دولار في منتصف 2013، شهد تعافيًا ملحوظًا، حيث تجاوز 48 مليار دولار في 2025، بحسب البنك المركزي المصري، مما منح الاقتصاد قدرًا من المرونة في مواجهة التحديات الخارجية".
ولفت إلى أنه من أبرز تجليات الجمهورية الجديدة كانت في المشروعات القومية الكبرى، التي أعادت توزيع التنمية ودمج المحافظات في جسد الدولة، فقد تم إنشاء أكثر من 40 مدينة جديدة، على رأسها العاصمة الإدارية الجديدة، التي تقام على مساحة 700 كم²، وتستوعب أكثر من 6.5 مليون نسمة، وتضم مقر الحكومة والبرلمان والحي الدبلوماسي، إلى جانب النهر الأخضر، الذي يعد أكبر حديقة مركزية في الشرق الأوسط.
وأشار الطماوي إلى أن الدولة لم تغفل أيضا البعد الاجتماعي في معادلة التنمية، حيث توسعت برامج الحماية الاجتماعية، وبلغ عدد المستفيدين من برنامجي "تكافل وكرامة" أكثر من 5.2 مليون أسرة بحلول عام 2024، مقارنة بـ 1.7 مليون أسرة فقط عام 2015، كما تمت مضاعفة مخصصات الدعم النقدي والغذائي، ضمن رؤية شاملة للعدالة الاجتماعية وتخفيف آثار الإصلاحات الاقتصادية.
وذكر أن الدولة المصرية استعادت مكانتها على الساحة الدولية، من خلال دبلوماسية فاعلة، واستضافة فعاليات دولية كبرى، مثل منتدى شباب العالم ومؤتمر المناخ COP27 في شرم الشيخ، كما وقعت مصر اتفاقيات استراتيجية لتحويلها إلى مركز إقليمي للطاقة، أبرزها مشروع الربط الكهربائي مع أوروبا عبر البحر المتوسط، بتكلفة تفوق 4 مليارات يورو.
وخلص الطماوي إلى أن ثورة 30 يونيو لم تكن نهاية فصل بقدر ما كانت بداية جديدة، لاستعادة الدولة، ثم إعادة بنائها، ثم انطلاقها بثقة نحو المستقبل، وبينما نحتفل بمرور 12 عامًا على تلك اللحظة المفصلية، فإن الواجب الوطني يحتم علينا مواصلة التماسك والوعي، والحفاظ على ما تحقق، لأن التحديات لا تزال قائمة، والطموحات أكبر من أن تتوقف عند ما أُنجز، الجمهورية الجديدة ليست مشروع سلطة، بل عقد وطني جديد بين الدولة والمواطن، قوامه التنمية، والعدالة، والسيادة، والكرامة.
من ناحيته، قال الدكتور عمرو حسين الباحث في العلاقات الدولية، إن ثورة الثلاثين من يونيو المجيدة، أعادت كتابة التاريخ المصري الحديث، وعبّرت عن وعي شعب لا يقبل الخضوع ولا يسمح باختطاف إرادته أو العبث بهويته.
وأضاف حسين أن ثورة 30 يونيو كانت صيحة شعبية مدوية ضد مشروع اختطاف الدولة المصرية لحساب جماعة لم تؤمن يومًا بالدولة الوطنية، ولا بمفهوم المواطنة، ولا بالقيم الحضارية التي تشكل وجدان هذا الشعب العظيم، حيث خرج الملايين في مشهد غير مسبوق، حاملين العلم المصري، وهاتفين بإرادة حرة من أجل إنقاذ الوطن واستعادته من براثن الفوضى والانقسام.
وشدّد على أن ما تحقق بعد 30 يونيو من إنجازات في شتى المجالات هو ثمرة هذا القرار التاريخي الذي اتخذه الشعب المصري بوعيه، وحمته قواته المسلحة برجالها المخلصين.
وأبرز أن 30 يونيو ليست مجرد ذكرى، بل هي رمز لإرادة شعب لا يُهزم، ورسالة للعالم بأن مصر قادرة دائمًا على النهوض، وتجاوز التحديات، والدفاع عن كيانها الوطني وهويتها الحضارية.
واختتم الدكتور عمرو حسين تصريحه بالتأكيد على أن ثورة 30 يونيو كانت بمثابة معجزة سياسية وشعبية أنقذت مصر من مصير مجهول، وكتبت شهادة ميلاد جديدة لوطن يستحق الحياة، فبفضل هذه الثورة، عادت الدولة لتقف شامخة، وتحقق ما لم يكن يتخيله أحد في سنوات معدودة، حيث تم إنجاز مشروعات عملاقة غيرت وجه مصر، وجعلت العالم يقف احترامًا لتجربة بلد قرر أن يحيا بعزة وكرامة رغم التحديات.
اقرأ أيضاًثورة 30 يونيو.. 12 عامًا على الانطــلاق «قضية اقتحام السجون»
ثورة 30 يونيو.. 12 عامًا على الانطــلاق «مواجهـة مع مرسي»
في ذكرى ثورة 30 يونيو العظيمة.. «مصطفى بكري»: مصر عادت للمصريين وسنمضي للأمام