عادة ما يكون الفحص المجهري بالأشعة تحت الحمراء المتوسطة منخفض الدقة، مقارنة بالتقنيات الأخرى مثل المجهر الفلوري فائق الدقة. فالمجهر الفلوري يتجاوز حد حيود الضوء (أصغر مسافة يمكن تحديدها بين نقطتين في الصورة)، مما يسمح بتصوير الهياكل البيولوجية بدقة أعلى بكثير، ويحقق دقة تصل إلى عشرات النانومترات (1 نانومتر يمثل واحد على مليون من المليمتر)، أما الفحص المجهري بالأشعة تحت الحمراء المتوسطة فيقتصر على نحو 3 ميكرومترات (1 ميكرومتر يمثل واحد على ألف من المليمتر)، وهي المشكلة التي تغلّب عليها باحثون من جامعة طوكيو اليابانية ونجحوا في تعزيز دقته لتصل إلى 120 نانومترا، مما مكّنهم من رؤية أوضح بـ30 مرة للأجزاء الداخلية من بكتيريا "الإشركية القولونية".

ويهدف الفحص المجهري بالأشعة تحت الحمراء المتوسطة إلى تحليل العينات بناء على تفاعلها مع الأشعة تحت الحمراء المتوسطة، فيستخدم مجهرا مزودا بمصدر ضوء الأشعة تحت الحمراء وكاشف لتحليل العينات. وتتفاعل الأشعة تحت الحمراء مع العينة مما يسبب اهتزازات جزيئية مميزة للروابط الكيميائية المختلفة الموجودة بها. ومن خلال قياس امتصاص أو انعكاس ضوء الأشعة تحت الحمراء بواسطة العينة بأطوال موجية تصل إلى 3 ميكرومترات، يمكن الحصول على معلومات مفصلة عن تركيبها الكيميائي وبنيتها.

رسم توضيحي لبكتيريا تُضاء بالأشعة تحت الحمراء المتوسطة الجديدة (نيتشر فوتونكس) 5 مزايا حركت جهود التطوير

واهتم الباحثون بتطوير تلك التقنية على الرغم من أن المجهر الفلوري فائق الدقة يتيح دقة أعلى، وذلك لعدة أسباب ذكرها الباحثون في الدراسة المنشورة بدورية "نيتشر فوتونكس"، وهي:

 أولا: يتمتع الفحص المجهري بالأشعة تحت الحمراء بالقدرة على تصوير الهياكل الخلوية دون الحاجة إلى وضع علامات على العينات أو إتلافها، بينما يتطلب الفحص المجهري الفلوري فائق الدقة ذلك، وهذه العلامات يمكن أن تكون مواد سامة للعينات في بعض الأحيان وتغير سلوكها الطبيعي. ثانيا: يوفر معلومات هيكلية وكيميائية عن العينات التي تُدرس، وهذا يمكن أن يكون ذا قيمة لا تقدر بثمن في البحوث البيولوجية، ويمكن أن يوفر فهمُ التركيب الكيميائي للمكونات الخلوية نظرة ثاقبة عن وظيفتها وسلوكها. ثالثا: يسمح بتصوير الخلايا الحية دون الحاجة إلى ظروف قاسية مثل وضع العينات في الفراغ (أي إزالة الهواء أو أي غازات أخرى من البيئة المحيطة بالعينة)، وهذه القدرة ضرورية لدراسة العمليات البيولوجية الديناميكية في الوقت الحقيقي. رابعا: يمكن لضوء هذه الأشعة اختراق العينات البيولوجية بشكل أعمق مقارنة بالضوء المرئي المستخدم في الفحص المجهري الفلوري، ويتيح هذا الاختراق الأعمق تصوير عينات أكثر سمكا، مثل الأنسجة أو الأغشية الحيوية. خامسا: التطبيقات الأوسع لهذه التقنية، فبينما يتفوق الفحص المجهري الفلوري فائق الدقة في بعض التطبيقات مثل تصوير هياكل محددة ذات علامات محددة بدقة عالية، فإن هذه التقنية لها مكانتها في التطبيقات التي تكون فيها المعلومات الكيميائية وعدم التدخل الجراحي وتصوير الخلايا الحية ذات أهمية قصوى. فعلى سبيل المثال يمكن استخدامه لدراسة التمثيل الغذائي الخلوي والتفاعلات الدوائية وعلم الأمراض بطرق لا يستطيع المجهر الفلوري إجراءها. ماذا فعل الباحثون لتطوير التقنية؟

من أجل تطوير تقنية الفحص المجهري بالأشعة تحت الحمراء المتوسطة حتى تحقق دقة عالية تكتمل معها المزايا، أعلن الباحثون عن مجموعة من التدخلات التي نفذوها في دراستهم، بما مكنهم من رؤية أوضح للهياكل الداخلية من بكتيريا "الإشركية القولونية".

ووفق الدراسة، عمل الباحثون على ما يلي:

أولا: استخدم الفريق البحثي تقنية تسمى "الفتحة الاصطناعية"، والتي تتضمن الجمع بين عدة صور مأخوذة من زوايا مضيئة مختلفة لإنشاء صورة شاملة أكثر وضوحا، وتعمل هذه الطريقة على تحسين دقة وتفاصيل الصور الملتقطة بواسطة المجهر. ثانيا: معالجة امتصاص الضوء، ففي المعتاد يتضمن الفحص المجهري للأشعة تحت الحمراء المتوسطة وضع العينة بين عدستين، مما يمتص عن غير قصد بعضا من ضوء الأشعة تحت الحمراء المتوسطة، وهو ما يقلل من جودة الصورة، وللتخفيف من هذه المشكلة وضع الباحثون العينة -وهي بكتيريا "الإشريكية القولونية"- على لوح سيليكون يعكس الضوء المرئي وينقل ضوء الأشعة تحت الحمراء، وسمح لهم هذا التدخل باستخدام عدسة واحدة، مما أدى إلى تحسين إضاءة العينة والحصول على صور أكثر تفصيلا.

ويقول الأستاذ بمعهد علوم وتكنولوجيا الفوتون بجامعة طوكيو "تاكورو إيديغوتشي" والباحث الرئيسي بالدراسة، في بيان نشره الموقع الإلكتروني للجامعة: إن "الدقة المحسنة للمجهر تفتح إمكانيات لمختلف مجالات البحث، وخاصة في العلوم الطبية الحيوية، فعلى سبيل المثال يمكن أن يساعد في دراسة مقاومة مضادات الميكروبات، وهي قضية عالمية ملحة، وبالإضافة إلى ذلك، فإن إجراء المزيد من التحسينات على هذه التقنية -مثل استخدام عدسات أفضل وأطوال موجية أقصر للضوء المرئي- يمكن أن يدفع الدقة المكانية إلى أقل من 100 نانومتر، مما يتيح مراقبة أكثر وضوحا لعينات الخلايا".

فحص الأجزاء الداخلية للبكتيريا بالتقنية الجديدة يفيد في فهم أسباب مقاومتها للعلاج (أدوب ستوك) دراسات إضافية تمهد للبعد التطبيقي

ولا يزال البعد التطبيقي لهذا التطوير يحتاج إلى مزيد من الدراسات في رأي أستاذ علوم الضوء بجامعة بني سويف المصرية "محسن القاضي". وفي حديث هاتفي مع "الجزيرة نت" يقول القاضي إن الباحثين سيحتاجون إلى إجراء المزيد من الدراسات التي تهدف إلى خفض كلفة تلك التقنية، حتى تكون هناك سهولة في الوصول إليها مقارنة بطرق التصوير الأخرى عالية الدقة، كما سيحتاجون إلى إجراء دراسات لتوسيع نطاق الاستخدام لتشمل التطبيقات المحتملة للمجهر بالأشعة تحت الحمراء المتوسطة خارج نطاق البحوث البيولوجية، وكيف يمكن تكييف هذه التقنية لمواجهة التحديات في علوم المواد أو المراقبة البيئية أو المجالات الأخرى.

ويضيف أنه من الأسئلة الهامة التي يجب معالجتها أيضا في الدراسات القادمة؛ التأثيرات طويلة المدى لتعرض عينات الخلايا الحية للأشعة تحت الحمراء المتوسطة، وكيف يمكن تحسين بروتوكولات الاستخدام لتقليل أي ضرر محتمل أو آثار ناتجة أثناء التصوير، كما سيكون من المهم معرفة كيفية ترجمة نتائج الدراسات إلى تطبيقات عملية أو منتجات تجارية تفيد الرعاية الصحية أو التكنولوجيا الحيوية أو الصناعات الدوائية.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: ترجمات حريات هذه التقنیة یمکن أن

إقرأ أيضاً:

خطوة تأخرت كثيرا.. «خبير»: تقرير فرنسا عن الإخوان أوضح أنها جماعة تظهر غير ما تبطن

أكد ماهر فرغلي الباحث المتخصص في شؤون الجماعات الإرهابية، أن رفع فرنسا السرية عن تقرير بشأن «الإخوان الإرهابية»، خطوة تأخرت كثيرا، موضحا أنه كان هناك دعوات كثيرة لإعلان جماعة الإخوان إرهابية، ولكن فرنسا لم تتخذ هذه الخطوة إلا بعد ما تبين لها علاقة الإخوان بالإرهاب.

وأوضح خلال مداخلة هاتفية ببرنامج «الحياة اليوم»، عبر قناة «الحياة»، مع الإعلامية «لبنى عسل»، أن التقرير الذي رفعت فرنسا سريته كان واضحا بشأن الإخوان أنها تظهر غير ما تبطن، وتتوغل في المجتمع الفرنسي، في الضواحي الفرنسية والمجتمعات المغلقة، وتستخدم فقه الأقليات للتوغل بين الأقلية.

وتابع: «تحدثوا عن اتحاد المنظمات الإسلامية الذي يندرج تحته أكثر من 200 جمعية في أوروبا تدار من فرنسا، وسمير فالح كان يدير الاتحاد، ثم تحول اسمه إلى مجلس مسلمي أوروبا، الذي يدير شؤون جماعة الإخوان الإرهابية في كل أوروبا».

اقرأ أيضاًاليوم.. استكمال محاكمة يحيى موسى و114 عنصرًا من جماعة الإخوان الإرهابية

لـ 25 يونيو.. تأجيل محاكمة 57 متهمًا في قضية إعادة هيكل اللجان النوعية لـ «الإخوان الإرهابية»

اليوم.. استكمال استئناف 6 متهمين في قضية «اللجان الإعلامية لتنظيم الإخوان»

مقالات مشابهة

  • لأول مرة في التاريخ.. مشاهد فائقة الدقة للهالة الشمسية (صور وفيديوهات)
  • علماء يلتقطون صورا جديدة للشمس بدقة 8 كيلوبكسلات
  • كبير القحاطة في أوضح لحظات التطابق مع مشروع الغزو والاحتلال
  • ترامب يحذر نتنياهو من تنفيذ خطوات قد تضر بالمفاوضات مع إيران
  • تحذير من “أشباه الأجبان” في الأسواق ومطالب بتطبيق القانون على المنتج المحلي
  • Rased.. مشروع طلابي يفتح آفاقاً جديدة للحماية الرقمية الذكية
  • الإعلام الرقمي.. بين سرعة النشر وغياب الدقة
  • «طرق دبي» تطبق الحجز المسبق لفحص المركبات
  • «طرق دبي»: خدمة الحجز المسبق لمواعيد فحص المركبات إلزامية بدءاً من 2 يونيو
  • خطوة تأخرت كثيرا.. «خبير»: تقرير فرنسا عن الإخوان أوضح أنها جماعة تظهر غير ما تبطن