دمشق- دعا المبعوث الأميركي توماس باراك من دمشق الخميس 29 مايو 2025، سوريا واسرائيل الى "اتفاق عدم اعتداء" بين الطرفين، في وقت تضع السلطة الجديدة نصب عينيها دفع عجلة التعافي الاقتصادي وإعادة الاعمار بعد 14 عاما من اندلاع نزاع مدمر.

وفي اتفاق يعد الاعلى قيمة بعيد رفع العقوبات الأوروبية والاميركية، وقعت دمشق مع ائتلاف ضم شركتين قطرية وأميركية وشركتين تركيتين الخميس مذكرة تفاهم للاستثمار في مجال الطاقة بقيمة سبعة مليارات دولار.

وبعد تعيينه في منصبه، وصل الدبلوماسي الأميركي الذي يتولى منصب سفير واشنطن لدى أنقرة، الى دمشق، في خطوة أعقبت فتح البلدين صفحة جديدة من العلاقات بعيد رفع العقوبات الاقتصادية إثر قطيعة استمرت منذ عام 2012.

وأعرب باراك في تصريح بثته قناة العربية السعودية، عن اعتقاده بأن "مشكلة اسرائيل وسوريا قابلة للحل وتبدأ بالحوار"، مقترحا من دمشق البدء بـ"اتفاق عدم اعتداء" بين الطرفين.

منذ إطاحة الرئيس بشار الأسد في الثامن من كانون الأول/ديسمبر، شنّت إسرائيل مئات الضربات على مواقع عسكرية في سوريا، مبررة ذلك بالحؤول دون وقوع الترسانة العسكرية في ايدي السلطات الجديدة. وطالت ضرباتها الأخيرة الشهر الحالي محيط القصر الرئاسي على خلفية أعمال عنف ذات طابع طائفي.

كما توغلت قواتها داخل المنطقة العازلة المنزوعة السلاح في الجولان، والواقعة على أطراف الجزء الذي تحتله الدولة العبرية من الهضبة السورية. وتتقدم قواتها بين الحين والآخر الى مناطق في عمق الجنوب السوري.

وكان الرئيس الانتقالي أحمد الشرع أكد مرارا ان سوريا لا ترغب في تصعيد مع جيرانها، ودعا المجتمع الدولي للضغط على اسرائيل من أجل وقف اعتداءاتها. وأشار الشهر الحالي في باريس إلى أن دمشق تجري عبر وسطاء "مفاوضات غير مباشرة" مع اسرائيل بهدف تهدئة الأوضاع.

وجاءت تصريحات باراك بعد رفعه الخميس بحضور وزير الخارجية السوري اسعد الشيباني العلم الأميركي في دار سكن السفير الأميركي في دمشق، القريب من مقر السفارة.

- "تحقيق السلام" -

وكان روبرت فورد آخر دبلوماسي شغل منصب السفير الأميركي في دمشق، حين اندلع النزاع السوري منتصف آذار/مارس 2011. وفرضت بلاده عقوبات على مسؤولين سوريين بعد شهر من اندلاع الاحتجاجات السلمية، احتجاجا على قمعها بالقوة.

ومطلع تموز/يوليو 2011، تحدى فورد السلطات بزيارته مدينة حماة (وسط) التي كان الجيش قد حاصرها إثر تظاهرة ضخمة. وأمطره المتظاهرون بالورود الحمراء، ما أثار غضب دمشق التي اتهمت واشنطن بالتدخل في التحرك ضد السلطات ومحاولة تصعيد التوتر.

وعدّت الخارجية السورية فورد من بين عدد من السفراء الأجانب "غير المرحب" بهم، قبل أن يغادر سوريا "لأسباب أمنية" مطلع تشرين الأول/أكتوبر 2011. وتدهوت إثر ذلك العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.

ومنذ إطاحة الأسد في الثامن من كانون الاول/ديسمبر، تحسّنت العلاقات تدريجا بين البلدين.

والتقى الشرع والشيباني باراك في نهاية الاسبوع في مدينة اسطنبول على هامش زيارتهما تركيا، في إطار جهود دمشق "لإعادة بناء العلاقات الاستراتيجية" مع واشنطن، وفق الرئاسة السورية.

وأعلن ترامب الأربعاء رسميا تعيين باراك مبعوثا الى دمشق.

وقال، وفق منشور لوزارة الخارجية، على منصة أكس "يدرك توم أن ثمة إمكانات كبيرة للعمل مع سوريا على وقف التطرف، وتحسين العلاقات، وتحقيق السلام في الشرق الأوسط".

وجاء ذلك بعدما التقى ترامب الشرع في 14 أيار/مايو في الرياض، حيث أعلن رفع العقوبات التي كانت مفروضة على دمشق.

وخلال اللقاء، حضّ ترامب الشرع على تطبيق خطوات عدة بينها "توقيع  اتفاقات ابراهام مع إسرائيل"، والتي طبّعت بموجبها الإمارات والبحرين والمغرب علاقاتها مع الدولة العبرية في 2020.

ومنذ وصوله الى دمشق، أكد الشرع مرارا ان سوريا لا ترغب في تصعيد مع جيرانها، ودعا المجتمع الدولي للضغط على اسرائيل من أجل وقف اعتداءاتها. وأشار الشهر الحالي في باريس إلى أن دمشق تجري عبر وسطاء "مفاوضات غير مباشرة" مع اسرائيل بهدف تهدئة الأوضاع.

- بنى متهالكة -

وتأمل السلطة الجديدة، بعد 14 عاما من اندلاع نزاع مدمر، جذب الاستثمارات في مختلف القطاعات لا سيما بعد رفع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي للعقوبات المفروضة على سوريا.

وفي مؤتمر صحافي أعقب توقيع سوريا اتفاقا في مجال الطاقة مع ائتلاف من اربع شركات دولية بقيمة سبعة مليارات دولار، قال وزير الطاقة محمّد البشير إن توقيع الاتفاق يشكل "تطبيقا عمليا لرفع العقوبات عن سوريا".

ويتيح الاتفاق، وفق البشير، "الاستثمار في قطاع الطاقة لتوليد خمسة آلاف ميغاواط"، في وقت تتمكن السلطات حاليا من توفير نحو 2400 ميغاواط فقط.

ودعا "جميع الشركات الاقليمية والدولية والمحلية وجميع المستثمرين للتوجه الى الاستثمار داخل سوريا"، التي قال إنها "تشكل فرصا استثمارية واعدة في جميع القطاعات".

وورثت السلطة الجديدة بنى تحتية متهالكة ومؤسسات عاجزة عن توفير أدنى الخدمات الرئيسية، في وقت تصل ساعات التقنين منذ سنوات الى عشرين ساعة يوميا.

وبعد إطاحة الأسد، عاد 1,87 مليون سوري فقط، من لاجئين ونازحين، الى مناطقهم الأم، بحسب المنظمة الدولية للهجرة التي أشارت إلى أن "نقص الفرص الاقتصادية والخدمات الأساسية يشكل التحدي الأبرز" أمام عودتهم.

ولا يزال نحو 6,6 ملايين شخص نازحين داخليا، وفق المصدر ذاته.

ومع رفع العقوبات الغربية عن سوريا، لا سيما الأميركية، تعوّل السلطات الجديدة على دعم الدول الصديقة والغربية لإطلاق مرحلة إعادة الإعمار، والتي قدرت الأمم المتحدة كلفتها بأكثر من 400 مليار دولار.

المصدر: شبكة الأمة برس

كلمات دلالية: رفع العقوبات

إقرأ أيضاً:

هل اقترب الصدام بين تركيا وإسرائيل في سوريا؟

أثارت خطط تركيا لتعزيز قدراتها العسكرية ودعمها الإدارة السورية الجديدة بعد سقوط نظام بشار الأسد ارتباكا وامتعاضا إسرائيليا، وسط تساؤلات عما إذا كانت أنقرة وتل أبيب في طريقهما إلى الصدام المباشر.

وبعد 4 سنوات من تقديم طلب للحصول عليها، أبرمت تركيا -بموافقة ألمانية- صفقة لشراء 40 مقاتلة من طراز "تايفون"، مما زاد من الهواجس الإسرائيلية.

كما ضاعف إعلان وزارة الدفاع التركية طلب الإدارة السورية مساعدتها في تنمية قدراتها الدفاعية المخاوف داخل إسرائيل من تعاظم القدرات العسكرية لتركيا وتنامي دورها الإقليمي.

وكانت معارك كلامية قد اندلعت بين أنقرة وتل أبيب حتى وصل الأمر بوزير الخارجية التركي هاكان فيدان إلى اتهام إسرائيل بزعزعة أمن سوريا واستغلال الورقة الطائفية لمنع التمكين لنظام مركزي قوي.

مشروع تركي منافس

وتنبع المخاوف الإسرائيلية من وجود 3 مشاريع في المنطقة (إسرائيل، وتركيا، وإيران)، لكن الحرب الأخيرة أزاحت طهران ليبقى المشروع التركي الوحيد المنافس لنظيره الإسرائيلي، وفق رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة الخليل بلال الشوبكي.

ويشكل الموقف التركي بالنسبة لسوريا إزعاجا لإسرائيل، إذ ترفض أنقرة "خلق بيئة تفتت سوريا إلى دويلات، وتسمح لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) شمال شرقي سوريا بتهديد أمن تركيا"، كما قال الشوبكي لبرنامج "ما وراء الخبر".

وأقر الكاتب والباحث السياسي محمود علوش بأن تركيا تشكل تحديا إستراتيجيا لإسرائيل، إذ بدأت البيئة التنافسية المتزايدة في العلاقات منذ عقدين تقريبا مع تعاظم دور الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وتعزيز بلاده حضورها في الشرق الأوسط.

ووفق علوش، فإن سوريا تنظر إلى تركيا شريكا إستراتيجيا، كما أنها مهمة لتحقيق التوازن الذي يساعد دمشق على حماية نفسها في المنطقة، لذلك يحاول الرئيس أحمد الشرع بناء شراكات تقوم على توازن الإقليم والعلاقات مع واشنطن.

إعلان

ورفض المحاضر بجامعة الدفاع الوطنية التركية محمد أوزكان الحديث عن تنافس تركي إسرائيلي، إذ تأتي صفقة مقاتلات "تايفون" في إطار تعزيز قدراتها العسكرية وأسطولها الجوي وتقوية الخطط الدفاعية بين الحلفاء داخل حلف شمال الأطلسي (ناتو).

لكنه لم يُنكر أن الحرب بين إيران وإسرائيل تسببت بـ"خلخلة" الموازين في المنطقة، مما عزز رغبة تركيا في زيادة قدراتها ومقدراتها العسكرية وتأمين حدودها وسلامة أراضيها.

وحسب أوزكان، هناك تعارض في الرؤى بين أهداف تركيا وإسرائيل في سوريا، فالأولى تريد إرساء دولة قوية ومستقرة على حدودها، في حين "تحاول تل أبيب تعريف وتحديد طموحات الدول الأخرى".

الصدام وشيك؟

أما بشأن المخاوف من صدام وشيك، فأعرب الشوبكي عن قناعته بأن التفاهمات ممكنة بين أنقرة وتل أبيب في سوريا، مستدلا بالتنسيق السابق بين روسيا وإسرائيل، لكن المعضلة الإسرائيلية تبقى "ألا تسمح لتركيا بعدم عرقلة مشاريعها في سوريا".

أما علوش فقال إن التنافس بين إسرائيل وتركيا نقلهما إلى صدام جيوسياسي وشيك في سوريا، وهو ما أدركته أنقرة، لذلك "لم يعد الحديث حاليا عن اتفاقية دفاع مشترك وبناء قواعد عسكرية لها داخل سوريا".

وبناء على ذلك، فإن تركيا تراهن على الرئيس الأميركي دونالد ترامب في إدارة الخلاف مع إسرائيل في سوريا، مشيرا إلى أن الولايات المتحدة تريد توازنا تركيا إسرائيليا هناك.

كما أن واشنطن "ستمنع انزلاق التنافس إلى صدام"، مستدلا بالتفاهمات الإسرائيلية التركية التي جرت برعاية أميركية "وإن كانت لا تزال هشة".

وذهب أوزكان في الاتجاه ذاته، إذ قلل من احتمالات أي صدام محتمل بين تركيا وإسرائيل في ظل وجود علاقات جيدة بين الرئيسين التركي والأميركي وتقارب رؤية بلديهما تجاه سوريا، كما أن تركيا باتت في موقف قوي يجعلها تلعب دورا في سوريا.

لكن التحدي الأكبر لتركيا -وفق علوش- يبقى استغلالها وجود ترامب في البيت الأبيض من أجل إنجاز تفاهم مع إسرائيل بشأن سوريا.

مقالات مشابهة

  • ويتكوف: الأوضاع في سوريا في طريقها إلى التسوية
  • ماكرون يحذّر الشرع: على سوريا تجنّب دوامة العنف من جديد
  • تصاعد التوتر بين تركيا وإسرائيل في سوريا
  • باراك: سنواصل العمل على تحقيق الرخاء في سوريا
  • أزمة داخلية تهدد كيان الاحتلال.. باراك يدعو للعصيان المدني
  • إيهود باراك يدعو لعصيان مدني لإسقاط حكومة نتنياهو
  • عاجل | حماس: نستغرب تصريحات المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف السلبية من موقف الحركة
  • هل اقترب الصدام بين تركيا وإسرائيل في سوريا؟
  • المبعوث الأميركي: حماس تتصرف بأنانية وترفض الوصول لاتفاق بشأن غزة
  • حماس تؤكد وجود فرصة لوقف النار.. وإسرائيل تدرس رد الحركة