اعتداءات حوثية مستمرة على المقابر والمعالم الأثرية اليمنية
تاريخ النشر: 6th, May 2024 GMT
شهدت المعالم الأثرية والتاريخية في اليمن وبشكل خاص المحافظات الخاضعة لسيطرة مليشيا الحوثي عملية تجريف وتدمير ونهب واسعة منذ انقلاب الجماعة تتزعمها مافيا تهريب للآثار تقودها قيادات حوثية.
وفي آخر الاعتداءات وعمليات السطو بحق الآثار، اعتدى مسلحون حوثيون على إحدى المقابر الأثرية في مدينة جبلة التاريخية بمحافظة إب (وسط اليمن).
وقالت مصادر محلية، إن عناصر مسلحة تابعة لمليشيا الحوثي اعتدت على إحدى المقابر الأثرية في مدينة جبلة، للبحث عن "كنوز" تزعم أنها مدفونة في تلك المقابر، ونشبت خلافات بين عناصر المليشيا أثناء عمليات الحفريات واندلعت على إثرها اشتباكات داخلية في صفوفهم.
وتعيد الحادثة إلى الأذهان سلسلة عمليات سطو وعبث ممنهج طالت المواقع والمعالم الأثرية في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين كان احدثها، إقدام ميليشيا الحوثي الإرهابية على هدم مسجد النهرين التاريخي والأثري المدرج في قائمة التراث العالمي لدى منظمة اليونسكو الواقع بالقرب من سائلة صنعاء القديمة في صنعاء بذريعة ترميمه وتوسعته.
ويعتبر مسجد النهرين التاريخي الذي شيد في صدر الاسلام ويتجاوز عمره ألفا وثلاثمائة عام، احد ابرز المعالم الأثرية بصنعاء وقد تم توسعته في القرنين الحادي عشر والثالث عشر الهجري.
وفندت مصادر مطلعة، رواية مليشيا الحوثي ودوافعها عن هدم مسجد النهرين الأثري وتحويله إلى رُكام بذريعة ترميمه وتوسعته لانحراف قبلته وبسبب تأثره بالأمطار وانهدم جزء منه، والذي تم هدمه بالكامل بدلا من ترميمه من قبل مليشيا الحوثي ممثلة بهيئة الأوقاف والهيئة العامة للمدن التاريخية التابعة لها.
وأكدت المصادر أن عملية الهدم تمت على خلفية اعتقاد المليشيا ان المسجد فوق مدافن لكنوز عظيمة وجواهر كثيرة بناء على روايات كتب تاريخية عن مدينة صنعاء القديمة ومنها انه في عهد الإمام المتوكل محمد بن يحيى (1844 – 1849) تم حفر صرح مسجد النهرين ووجد في تلك الحفرة تمثال من ذهب في عام 1847م وأن تحت هذا المسجد كنوزاً عظيمة.
ليس هذا فحسب فقد تحدثت تلك الكتب ومنها كتاب تاريخ اليمن المسمى “فرجة الهموم والحزن في حوادث وتاريخ اليمن” للقاضي العلامة عبدالواسع بن يحيى الواسعي عن مدافن وكنوز كثيرة وعظيمة في اماكن عديدة وسراديب مدفونة بمدينة صنعاء القديمة وبساتينها وبالقرب من الجامع الكبير.
وهو ما يفسر تعرض مدينة صنعاء التاريخية وعلى وجه الخصوص المنازل القديمة الواقعة بمحيط الجامع الكبير بمدينة صنعاء القديمة لعمليات كثيرة لحفر انفاق ينفذها عناصر حوثية وبعض الأهالي بحثاً عن الرقوق القرآنية والكنوز الدفينة والآثار القديمة والتاريخية المزعومة التي تغذيها تلك الروايات وأحلام الثراء منذ انقلاب مليشيا الحوثي في 21 سبتمبر 2014 حتى العام الجاري.
وحذر باحثون ومهتمون في مجال الآثار من انهيار وسقوط منازل أثرية في صنعاء القديمة جراء كثرة عمليات الحفر الحوثية التي تتعرض لها المدينة والذي بات يهدد سلامة المباني التاريخية والموروث الحضاري لمدينة صنعاء القديمة التي أعلنت "اليونسكو" عام 2015 إدراجها على قائمة التراث العالمي المهدّد بالخطر.
وحمل الباحثون وسكان صنعاء، هيئة المدن التاريخية وسلطة الأمر الواقع "الحوثيين" المسؤولية القانونية الكاملة، كون ما يحدث من خراب وتدمير ونبش وتشويه داخل مدينة صنعاء القديمة يقع تحت اعينهم وفي نطاق اختصاص الهيئة التي لم تحرك ساكنا.
ويتهم مهتمون في مجال الآثار، قيادات حوثية بارزة (تنتمى إلى صعدة)، بتهريب أكثر من 4800 قطعة ومخطوطة أثرية، يعود تاريخها لمئات السنين، إلى كل من إيران ولبنان ودول أخرى بعد سرقتها من متاحف ومواقع أثرية واقعة تحت سيطرة الجماعة، علاوة على استحواذها حتى اليوم على قطع آثار كثيرة، من بينها تماثيل برونزية كبيرة وصغيرة ونقوش وعملات ذهبية وفضية وتمائم نحاسية وألواح حجرية ورؤوس سهام وغيرها.
ومنذ بداية الحرب تشهد أغلب المحافظات الخاضعة لسيطرة مليشيا الحوثي والمقابر والحصون والمواقع الأثرية اعتداءات متكررة وحفريات من قبل عصابات مرتبطة بالحوثيين تنشط في مهمة تهريب الآثار والبحث عن المكنوزات.
المصدر: وكالة خبر للأنباء
كلمات دلالية: مدینة صنعاء القدیمة ملیشیا الحوثی
إقرأ أيضاً:
المقابر أولى بالزيارة.. حين يستقبل الغزيون العيد على عتبات الفقد
قاسٍ هو العيد على أم محمد السحار، قاسٍ كأنما تصحو فيه على ألف نداء من الغياب. تجلس بثوبها الأسود على حافة قبرٍ هشّ، تحيطه الأعشاب البرية والأنقاض، لكنها لا ترى إلا وجوهًا أربعة محفورة في الذاكرة.. وجوه أبنائها الذين اختطفهم العدوان الصهيوني من بين يديها، واحدًا تلو الآخر، وكأنها كانت في سباق مستمر مع الموت، ولم تفز إلا بوهم الذكرى.
بصوت مرتجف تروي لـ«عُمان»: «في صباح عيد الأضحى المبارك الماضي، جلسنا سويًّا على مائدة الفسيخ وقلاية البندورة.. كانوا يمازحونني، يضحكون بصوتٍ عالٍ، ويتبادلون الطرائف. اليوم أجلس وحدي، آتيهم بفسيخ بارد وحزن حار، أقرأ الفاتحة وأستودعهم للسماء».
قصة أم الشهداء الأربعة
أحمد، الابن الأكبر، طبيب لم يغادر ميدانه. استشهد وهو يضمّد جراح الغزيين في مستشفى العودة، شمال قطاع غزة. تذكره أمه وهي تشير إلى صورة له موضوعة على القبر: «كنت أصرخ عليه عبر الهاتف: خليك بالبيت.. الدنيا نار! يرد عليّ: ما بقدر.. المرضى أولى. جاءني بعد ساعات ملفوفًا بالكفن، لا صوت، لا ضحكة، لا وداع».
ثم جاء صلاح، رجل الأمن الذي وقف على باب بيته حين باغتته طائرة حربية، فقضى قبل أن يرى طفله الوحيد يمشي على قدميه. «قال لي قبل يومين: ماما، العيد هالسنة غير.. رح نعمل حفلة كبيرة. وكان صادق.. بس حفلة الشهداء، مش الأحياء»، تقولها وتكتم دمعة خشيت أن تنهار.
أما أمجد، فقد رحل وهو يحمل خبزًا لأسرته النازحة قسرًا إلى مركز إيواء «اليمن الحزين». لم يعد الخبز، ولم يعد أمجد. «كنت أنتظر خبز العيد، لكن وصلني وجهه.. باردًا، مثل رغيف لم يُخبَز قط»، تهمس الأم وتشد على مسبحتها.
وآخرهم كان إبراهيم، عائدًا من جنوب القطاع إلى شماله بعد أن حاول الفرار من القصف.. لكن الصواريخ لم تترك له نجاة. «كل يومين، كانوا يجيبوا لي خبر واحد.. صرت أخاف من طرق الباب، من صوت الهاتف، من ضوء الفجر»، تقول وهي تنظر إلى القبر المشترك الذي ضم أبناءها الأربعة ووالدهم، كأنهم في قاعة الانتظار الأخيرة.
المقابر.. أولى بالزيارة من العيدية
في أول أيام عيد الأضحى المبارك، بينما تلبس المدن ثوب الفرح، ترتدي غزة كفن الحزن. تتقاطر العائلات نحو المقابر بدل الحدائق، يحملون الورود لا الهدايا، يتبادلون العبرات لا التهاني. النساء ينثرن الزهور، الرجال يقرأون الفاتحة، الأطفال يسألون عن معنى «شهيد».
في «مقبرة الشيخ رضوان» بمدينة غزة، كان المشهد أقرب إلى صلاة جماعية للغائبين. لا أحد يوزع الحلوى، لكن الجميع يتناول وجعًا مريرًا مشتركًا.
«العيد صار مناسبة نزور فيها من فارقونا.. مش نحتفل باللي معنا»، يقول الحاج أبو سامر عبدالعال خلال حديثه لـ«عُمان»، والذي فقد زوجته وابنته في قصف بيتهم في حي الشجاعية.
يقف الرجل الخمسيني أمام قبر زوجته ويخاطبها كأنها تسمعه: «يا أم سامر، جبتلك فستان العيد اللي كنتي بدك تلبسيه.. ما لحقتي تلبسيه، بس حطيته على قبرك.. الله يعوض عليك في الجنة».
العيد هنا لم يعد عيدًا، بل تاريخًا مؤرّخًا بالحزن، يكتب فيه الغزيون أسماء شهدائهم، ويحدثونهم عن الأحوال، عن القصف الأخير، عن الجراح الجديدة التي تتوالى بلا توقف.
رنا.. العيد المذبوح عند باب البيت
رنا الشرفا، فتاة في الرابعة عشرة من عمرها، كانت تنتظر العيد كما تنتظر الزهرة المطر. جهزت ملابسها، رتبت جدائلها، وأعدّت «عيديتها» لتوزيعها على إخوتها الصغار. في تلك الليلة، سقط صاروخ على بيت جيرانهم، فانهار حائط على والدها.
تروي لـ«عُمان» وهي ترتجف: «كنت أحضر الحناء لأمي وأضحك، وفجأة سمعت صوت الموت. صراخ، تراب، دم، وكنت أركض وأنا حافية.. ثم رأيته. كان أبي لا يتحرك. لم أقل وداعًا».
تغالب دموعها وتكمل: «العيد صار مثل كابوس. كل سنة نحاول نحتفل، بس في حدا ناقص.. دايمًا في صورة محطوطة على الطاولة بدل وجه». تقول رنا إنها كتبت رسالة ووضعتها تحت وسادة والدها في القبر: «كتبت له فيها: بابا، اشتريت لك العطر اللي كنت تحبه.. بس راح يبقى معايا. ما حدا يقدر يتعطر به غيرك».
أبو نضال.. «التهنئة أصبحت للعزاء»
في خان يونس، جلس عبدالله ابو شبيكة على كومة من الركام حيث كان بيته. كان يأمل أن يجتمع بأبنائه الثلاثة وزوجته في هذا العيد، بعدما نزحوا إلى خيمة في منطقة المواصي، قرب شاطئ بحر خانيونس، هربًا من القصف على المنازل. لكن صواريخ الاحتلال لاحقتهم، فاستشهدوا جميعًا في قصف استهدف المخيم الذي احتموا به، ليصلوه إليه في نعوش بدلًا من أن يعودوا إليه أحياء.
«ما لحقت أبوسهم. أتوا بهم ملفوفين بالكفن. قالوا لي: هؤلاء أولادك. ما صدقت.. أمسكت بيد واحد، كانت دافئة.. قلت ممكن أن يكون حيا، لكن كان الإعتقاد وهم».
يقول بحسرة، ثم يكمل: «العيد في غزة مثل جنازة موسمية. نغسل وجوهنا بدموعنا، نرتدي السواد، ونتبادل العزاء بدل التهاني».
يرى أن المجازر لم تترك مجالاً للحياة: «حتى الأطفال ما عادوا يطلبوا عيدية.. صاروا يسألوا: متى رح نلحق بابا؟».
سارة.. «أنا العيد الذي لم يأتِ»
سارة حسن، أمٌ شابة فقدت زوجها وطفلتها الرضيعة في قصف على مستشفى الشفاء. تقول: «جئت أضع الطفلة في الحضانة، ما لحقت أرجع.. قصفوا المكان. زوجي كان هناك.. عايدني برسالة صوتية قبل دقائق من استشهاده».
تمسح دمعة تسقط على خدها وتضيف: «العيد صار رقمًا يضاف إلى الحزن.. صار محطة نحكي فيها لمن فقدناهم كم اشتقنا».
تقول إن ابنتها كانت تدعى «عيد»؛ لأنها وُلدت في أول أيام العيد قبل عامين، ولكنها رحلت قبل أن تكمل عامها الثاني: «دفنت معها العيد، والفرح، وقلبي».
الطفل يحيى.. «العيد؟ يعني نروح نزور أخوي»
يحيى أبو العبد، طفل في الثامنة، فقد شقيقه التوأم في غارة على منزلهما. سُئل عن معنى العيد، فأجاب ببساطة: «العيد يعني نلبس تياب حلوة ونروح نزور أخوي في القبر.. ماما بتبكي وأنا بقرأ له سورة يس».
يحيى يحتفظ بلعبة صغيرة قال إنها كانت لأخيه: «ما بلعب فيها.. هي إله، مش إلي. بحطها كل عيد على قبره».
رغم صغر سنه، يشعر بثقل الفقد، ويقول: «كنت أضحك كتير، بس بعد ما راح، ضحكتي راحت»
العيد الذي لم يأتِ بعد
«هيهات أن ينهي الموت الحكاية».. هكذا تهمس أم محمد وهي ترفع يدها بالدعاء على قبر أبنائها. بالنسبة لها، لا قيمة للزينة ولا طعم للحلوى، فالعيد الحقيقي مؤجل حتى اللقاء. اللقاء الذي تصفه بـ«عيد لا قصف فيه ولا ألم»، حيث ترى أبناءها الأربعة من جديد.
في غزة، لا يموت العيد تمامًا، لكنه ينام تحت الركام، ينتظر صحوة لا تشوبها صافرات إنذار. وبينما يحتفل العالم، تظل غزة على عهدها.. تمشي فوق الجراح، وتغني للغائبين: «لن ننساكم.. العيد قادم لا محالة، وسنحتفل معكم، هناك، حيث لا حروب».
العيد في غزة.. بين الفقد والصمود
العيد في غزة لم يعد مناسبة دينية فحسب، بل لحظة للتماس العاطفي العميق مع الغياب. في كل بيت حكاية شهيد، وفي كل شارع ذكرى صاروخ، وفي كل قلب مكان فارغ لم يملأه الزمن. المقابر تحولت إلى ساحات لقاء، والزائرون يحملون الدعاء بدل التهاني، والدعاء هنا ليس ترفًا روحيًا بل تمسّكًا بما تبقى من إنسانية.
تبدلت طقوس العيد في غزة؛ مائدة الفطور باتت بلا ضحكات، الحدائق استُبدلت بالمقابر، الهدايا استُبدلت بصور الشهداء، وحتى تكبيرات العيد صارت تختنق بالبكاء. ومع ذلك، يظل الغزيون متمسكين بطوق الحياة، يزرعون الزهور على القبور، يروون الحكايات لأطفالهم، ويحفظون أسماء الشهداء كأنها أنشودة وطن لا ينكسر.