الدعوة الجديدة والخطرة لتغيير النظام في بكين
تاريخ النشر: 8th, May 2024 GMT
فريد زكريا
ترجمة: قاسم مكي
العالم متوتر هذه الأيام مع أوروبا المستنزَفة في أكبر حرب برية تشهدها منذ عام 1945 فضلا عن الصراع الذي لا يهدأ في الشرق الأوسط. لكن أهمية هذه التوترات تتلاشى إذا اشتعلت منطقة ثالثة في آسيا طرفاها الولايات المتحدة والصين.
في الحقيقة هذه التوترات (الآسيوية) هدأت في الشهور الأخيرة مع سعي واشنطن وبكين كلتيهما إلى تثبيت الاستقرار في علاقتهما.
في مقال بمجلة «فورين افيرز» يجادل كل من مات بوتينجر ومايك جالاجَر بأن على الولايات المتحدة تبنِّي سياسة احتواء على مثال تلك التي شهدتها الحرب الباردة تجاه الصين. إنها استراتيجية يلزم أن يكون هدفها تحقيق انتصار يشجع الشعب الصيني على «استكشاف نماذج جديدة للتنمية والحكم».
أقرَّ بوتينجر في برنامجي على شبكة «سي. أن. أن» في الأسبوع الماضي بأن «الاستراتيجية الفعالة للولايات المتحدة قد تقود بطبيعتها إلى نوع ما من انهيار النظام».
بوتينجر كان كبير مساعدي ترامب في السياسة الصينية وجالاجَر عضو سابق في الكونجرس ترأس لجنة مجلس النواب الخاصة بالصين. ومن المرجح أن تشكل آراؤهما سياسة إدارة الجمهوريين التالية.
يحاجج بوتينجر وجالاجر بأن استراتيجية الرئيس بايدن «إدارة التنافس مع الصين» لا تذهب بعيدا بما فيه الكفاية. ويتهم كاتبا مقال مجلة فورين افيرز إدارة بايدن باتباع سياسة وفاق من النوع الذي ساد في سبعينيات القرن الماضي تجاه الصين. ذلك في حين يتوجب عليها اتباع سياسة مماثلة لسياسة ريجان في الثمانينيات تستهدف دفع الصين إلى حافة الهاوية. وحسب الرجلين يجب علينا الترحيب بالمزيد من الاحتكاك والتوتر مع الصين.
هذا مقال مهم لأنه يُرسي بوضوح استراتيجية بديلة يجري اقتراحها بواسطة البعض في اليمين. بوتينجر وجالاجر بطرح أوراقهما على الطاولة يساعداننا على فهم الطبيعة الطائشة والخطرة وغير العملية تماما لسياستهما المفضلة.
الصين اليوم لا يكاد يوجد بها شبه يذكر بالاتحاد السوفييتي في سنوات السبعينيات والثمانينيات. كان الاتحاد السوفييتي امبراطورية غير طبيعية تشكلت بعد الحرب العالمية الثانية وبنموذج اقتصادي متهالك بدأ يفشل بحلول منتصف السبعينيات. والصين ثاني أكبر اقتصاد في العالم وأكبر بلد تجاري. واقتصاد الصين مختلط بعكس اقتصاد الاتحاد السوفييتي المملوك بأكمله للدولة. فهو يتشكل من القطاعين الخاص والعام. وتأتي 92% من صادرات الصين من قطاع خاص مزدهر بما في ذلك حوالي 42% من شركات بها مستثمرون أجانب. وعلى الرغم من متاعبه الأخيرة ما زال الاقتصاد الصيني ينمو بمعدل عند حوالي 5%. وغالبا بسبب حجمه سيظل ثاني أهم اقتصاد في العالم لعقود قادمة.
الاختلاف الأكثر جذرية أن اقتصاد الاتحاد السوفييتي كان اقتصاد موارد طبيعية يستمد معظم نموه من الصناعات الاستخراجية كالنفط والغاز والفحم الحجري والنيكل والألمنيوم. أما الصين فمركز لصناعات متنوعة. ولديها صناعة تقنية معلومات تتطور باطراد وتعنبر الثانية فقط بعد الولايات المتحدة.
في الحقيقة إذا نظرنا إلى الماضي سنجد بوضوح أن الاقتصاد السوفييتي توقف عن النمو في سنوات السبعينيات قبل أن يحصل على آخر دفقة حياة (حبل نجاة) عندما ارتفعت أسعار النفط إلى أربعة أضعاف. وبحلول الثمانينيات انهارت أسعار النفط. ثم انهار أيضا الاتحاد السوفييتي.
إذا عكفت الولايات المتحدة على تطبيق سياسة احتواء في الغالب ستجد نفسها وحيدة في ذلك. فالصين أكبر شريك تجاري لأكثر من 120 بلدا حول العالم وتتفوق كثيرا على الولايات المتحدة في عدد شراكاتها التجارية.
هذه البلدان في معظمها متلهفة للحفاظ على علاقات طيبة مع بكين. فحوالي 88% من النيجيريين على سبيل المثال يقولون إن الاستثمار الصيني نعمة لاقتصادهم. حتى البلدان الأوروبية وهي أقرب حلفاء أمريكا أوضحت بجلاء أنها تعتبر الصين بلدا شريكا بقدر اعتبارها منافسا. وفي العام الماضي نوَّه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بأن على أوروبا الحرص على عدم تقليد الولايات المتحدة في عدائها للصين حتى إذا تحقَّق السيناريو الأسوأ وهو اندلاع صراع حول تايوان.
ورغم انتقاده على إدلائه بهذه الملاحظات إلا أن رجل أعمال ألماني قال لي «نحن كلنا نؤمن سرا بما قاله ماكرون علنا»، كما زار المستشار الألماني أولاف شولتز الصين في الشهر الماضي بأمل تعميق الروابط الاقتصادية بين البلدين.
الاستراتيجيات الأمريكية لتغيير الأنظمة نادرا ما نجحت في الماضي. الأمثلة على ذلك كوبا وفنزويلا وكوريا الشمالية والعراق وأفغانستان. ومن المستبعد أن تنجح هذه المرة خصوصا في بلد كالصين حيث ينسب إلى النظام الحاكم على نطاق واسع تحقيق تقدم اقتصادي كبير لشعبها. فبعد عقود من الفقر والشقاء تضاعف متوسط الدخول في الصين تسع مرات (بنسبة 900%) بين عام 1978 وعام 2015.
العداء الحالي من اليمين يذكرني بالمطالب المتصاعدة لتغيير النظام في العراق قبل عشرين عاما. لكنها هذه المرة ستكون أسوأ، فنظرا إلى حجم الصين وارتباطها بالعالم ستضع استراتيجية احتوائها وإطاحة نظامها الولايات المتحدة في مسار مخيف. والمواجهة المُستديمة ستفكك اقتصاد العالم وتخاطر بعزل الولايات المتحدة وتزيد من احتمال نشوب حرب عالمية حول تايوان. لذلك من المفيد التفكير بعقل واعٍ قبل السير في هذا الطريق.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الولایات المتحدة فی الاتحاد السوفییتی
إقرأ أيضاً:
الولايات المتحدة ستكون الخاسر الأكبر من الانتصارات التجارية الأخيرة
يرى موقع "بلومبيرغ" أن الاتفاقات التجارية الأخيرة التي أبرمتها إدارة البيت الأبيض مع الاتحاد الأوروبي واليابان قد تأتي بنتائج عكسية وتصبح الولايات المتحدة الخاسر الأكبر من سياسة الرسوم الجمركية.
وقال الموقع في تقريره الذي ترجمته "عربي 21"، إن البيت الأبيض يتفاخر باتفاقه التجاري الجديد مع الاتحاد الأوروبي، بعد اتفاق مماثل مع اليابان، باعتباره انتصارًا كبيرا.
الخاسر الأكبر
ويفرض الاتفاقان رسومًا جمركية بنسبة 15 بالمائة على معظم الصادرات إلى الولايات المتحدة، إلى جانب شروط أخرى، ما يبدو وكأنه خطوة لإنهاء خطر الحرب التجارية المفتوحة وتجديد التأكيد على هيمنة الولايات المتحدة، وهو ما تفاعلت معه الأسواق المالية بشكل إيجابي.
لكن الموقع يعتبر أنه لا يوجد ما يستحق الإشادة، لأن الاتفاقين يشكلان خسارة لجميع الأطراف، وأفضل ما يمكن أن يتحقق هو أن تنتقل الإدارة الأمريكية إلى أولويات أخرى قبل أن تتسبب في مزيد من الأضرار.
من الناحية الاقتصادية البحتة، فإن الادعاء بأن الولايات المتحدة خرجت منتصرة من الاتفاقين هو ادعاء باطل، وفقا للموقع. فالرسوم الجمركية ما هي إلا ضرائب، وسرعان ما سيدفع المستهلكون الأمريكيون معظم الزيادة في التكاليف، إن لم يكن كلها.
ولا تكمن المشكلة فقط في أن الواردات ستصبح أكثر تكلفة، بل إن المنتجين الأمريكيين للسلع المنافسة سيتعرضون لضغط أقل من حيث المنافسة والابتكار، مما سيدفعهم أيضًا لرفع الأسعار. وبمرور الوقت، ستؤدي هذه العوامل إلى تراجع مستوى المعيشة في الولايات المتحدة، وسيكون الخاسر الأكبر من الرسوم الجمركية هو غالبًا البلد الذي فرضها.
تصاعد التوترات
يرى البعض أنه يمكن التعامل مع تكاليف الرسوم على المدى الطويل، طالما أن الاتفاقيات تضع حدًا للنزاعات التجارية.
وقد شددت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، التي أبرمت الاتفاق مع الولايات المتحدة نهاية الأسبوع، على هذه النقطة لتبرير خضوع الاتحاد الأوروبي للمطالب الأمريكية، مؤكدة أن الاتفاق وسيلة لاستعادة الاستقرار والتوقعات الواضحة للمستهلكين والمنتجين على حد سواء.
وأشار الموقع إلى أن كلا الاتفاقين، شأنهما شأن الصفقة التي أُبرمت سابقا مع المملكة المتحدة، يُنظر إليهما على أنهما اتفاقيات إطارية أكثر من كونهما صفقات نهائية.
وتنص الاتفاقية بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على منح بعض السلع الأوروبية إعفاء من الرسوم الجمركية في السوق الأمريكية، لكنها لم تحدد بعد ما هي هذه السلع.
وحسب الموقع، يشعر المواطنون في أوروبا واليابان بأن حكوماتهم قد استسلمت أمام الضغوط الأمريكية، مما يزيد احتمالات عدم الاستقرار وتصاعد موجات المعارضة السياسية.
وأضاف الموقع أنه حتى في حال إبرام هذه الاتفاقيات، ستظل هناك نزاعات قائمة لا تقتصر على التجارة فقط، وقد تواصل واشنطن استخدام الرسوم العقابية أو التهديدات الأمنية كأدوات ضغط، بما يعني أن الاستقرار الذي تتحدث عنه فون دير لاين سيكون وهميا.
وختم الموقع محذرا من أن شعور الإدارة الأمريكية بأن الاتفاقات التجارية الأخيرة دليل على قدرتها على فرض كلمتها بدلًا من بناء شراكات حقيقية، يهدد بتصاعد التوتر عالميا وقد يؤدي في نهاية المطاف إلى فشل الاستراتيجية الحالية.