لجريدة عمان:
2024-06-02@05:54:57 GMT

قضايا مجتمعية مُلحة

تاريخ النشر: 18th, May 2024 GMT

في عمومها، تنشأ الظواهر والمشكلات الاجتماعية من ثلاثة منابع رئيسية: أولها اختلال نسيج المجتمع، وثانيها غياب الفهم المشترك للقيم والأعراف المجتمعية بين الأجيال، وثالثها اختلال دور المؤسسات الاجتماعية الفاعلة. هذه المصادر الأساسية التي تكون في الأساس سببًا للمشكلات الهيكلية -أي تلك المشكلات التي تمس البناء الاجتماعي أو يمتد تأثيرها ليشمل عديد الأنساق الاجتماعية- ولا شك أن هناك مصادر أخرى ثانوية للظواهر والمشكلات الاجتماعية؛ مثل العامل المصدر الثقافي الخارجي، ونشوء التمييز في المجتمع، والضغوط الاقتصادية على الأسرة، وسواها؛ لكن هذه المصادر تحتكم أيضًا في حقيقتها إلى المصادر الأساسية للظواهر والمشكلات الاجتماعية.

ما يعنينا هنا القول أن المجتمع الحيوي هو الذي تتحقق فيه ثلاثة اعتبارات مهمة في نظره إلى الظواهر والمشكلات الاجتماعية: فهو يركز على الظواهر والمشكلات الهيكلية، ويعطيها أهمية نسبية في النقاش والتناول ووضع الحلول ضمن سياساته العامة، وهو كذلك حين يناقش الظواهر والمشكلات الاجتماعية يستطيع تحقيق الاعتراف الاجتماعي العام بالظاهرة أو المشكلة، ويجعل كافة الأنساق والأفراد تستشعر تلك الظاهرة أو المشكلة، وهو كذلك يستطيع محاكمة الأصل الحقيقي للظاهرة أو المشكلة (المصدر الأول)؛ ولنضرب مثلًا في مجتمعاتنا العربية عمومًا هناك حديث موسع من قبل علماء الاجتماع والمفكرين والمربين عن تأثير الانفتاح الثقافي على طرق وأساليب تربية الأبناء في مختلف المراحل العمرية - وهي قضية مجتمعية شائكة بلا شك - لكن حين البحث عن مصدر المشكلة تكاد الأطروحات تنحصر في اتهام وسائط الإعلام المختلفة بكونها الحامل الثقافي لذلك التأثير؛ والواقع أنه يجب مساءلة النسيج الثقافي للمجتمع أيضًا، وقدرة الواقع العربي على إنتاج محتويات ثقافية مؤثرة وعابرة للحدود والقيم، ومنعة المربين ومستويات تعليمهم وتفكيرهم، والحاجات غير المشبعة لدى الأبناء والوسائط التي يغذون تلك الحالات من خلالها. وهنا سنجد أن طرح الأسئلة الدقيقة إزاء الظواهر والمشكلات الاجتماعية يستطيع أن يستكشف جذرها ويحسن من وسائل التصدي والمعالجة.

لنضرب بعض الأمثلة من ثلاث (قضايا مجتمعية ملحة) في المجتمع العُماني، نعتقد بضرورة نقاشها بشكل أوسع، كونها تشكل آثارًا على كافة مكونات البناء الاجتماعي؛ ومنها قضية التسول، التي أصبحت اليوم وللأسف ظاهرة شائعة في مختلف المحافظات، ورغم الجهود الحكومية لدرئها إلا أنها أصبحت فعلًا معاينًا بأشكال وأساليب مختلفة. إن هذه القضية مركبة جدًا؛ فكيف يمكن فيها التفريق بين دوافع (الوافدين) وبين دوافع (المواطنين) الذين يلجؤون لهذا الفعل؟ وكيف يمكن فيها التفريق بين مسوغات (المحتاج فعلًا) ومسوغات (من يستخدم العاطفة الاجتماعية) وكيف يمكن فيها التفريق بين المتسولين الذين يستخدمون بضاعة بسيطة على أطراف الشوارع وبين أولئك الذين يتسولون الناس بشكل مباشر؟ وكيف يمكن كذلك فهم استخدام الطفولة في هذه القضية المركبة؟ هذه أسئلة تترك للبحث والتقصي الذي يجب أيضًا أن يفضي إلى فهم الخلل في منظومة السياسات الاجتماعية وكفاءتها في درء هذه القضية. ولكن حين نتحدث عن كونها قضيةً مركبةً فعلينا أيضًا أن ندرك تأثيراتها على الأبعاد الاقتصادية والتربوية؛ فحين نسافر على سبيل المثال إلى بعض الدول الأخرى فأستطيع القول: إن أحد المحددات التي لا تجعلك ترغب في العودة إلى مدينة معينة هو انتشار المتسولين فيها وإزعاجهم للسياح أو مرتادي المدينة؛ وعليه فإن هذه القضية مهما كانت الدوافع الواقفة خلفها تؤثر على الصورة العامة للبلاد وخاصة المدن الرئيسية، وعلى الأماكن التي يتكاثر فيها المتسولون وقد تضعف جذب الناس إليها، وتؤثر على الإنفاق داخل السوق، وتعطل بعض المشاريع الاقتصادية في الأسواق.

كما أن التعرض المباشر لمشاهد التسول وخاصة من قبل الأطفال قد يخلق أيضًا لدى ذات الفئة من غير المتسولين قبولًا لهذا الفعل باعتباره فعلًا شائعًا، عوضًا عن السلوكيات الأخرى التي قد تنشأ نظير استغلال حاجة التسول. ورغم وجود الحلول العديدة التي بذلتها بعض الدول -بما فيها دول منطقة الخليج العربي- للحد من هذه الظاهرة، إلا أن التدخل المناسب يرتبط بكشف الدوافع والمسوغات والتركيبة الاجتماعية لفعل التسول، والتي هي في حقيقتها تختلف من سياق اجتماعي واقتصادي لآخر.

ومن القضايا التي تستلزم طرح ذات الأسئلة كونها ترتبط باستقرار المجتمع هو شيوع الطلاق -خاصة في المرحلة المبكرة من الزواج- وارتفاع مستويات الطلاق عمومًا في المجتمع، والذي يشي بضرورة فهم الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية والقيمية الكامنة خلف ذلك، والتبعات الظاهرة والمتوقعة لأثر ذلك على البنى الأسرية والاجتماعية. وعلى الجانب الآخر هناك قضية الاستقرار الوظيفي، والتي تكاد تكون قضية مركزية في النقاش العام خلال الفترة الماضية، فالنظر إلى هذه القضية ينبغي أن ينطلق من كونها قضية أمن مجتمعي وأسري، وأمن اقتصادي بالنسبة للأسر والمجتمع عمومًا، وما قد ينشأ عن غيابها من تداعيات قد تكون كلفته الاقتصادية والاجتماعية وكلفته على مؤسسات الدولة عالية، ولكنها غير محسوبة. من هذه النماذج هذه دعوة إلى توسيع النقاشات عن قضايانا الاجتماعية الملحة، وعدم سحب المنطق الاقتصادي على حساب المنطق الاجتماعي للمجتمع. فالاستقرار المجتمعي رافعة أساسية ومهمة لزيادة الإنتاجية، وتعظيم العوائد الاقتصادية، ولا يمكن إهمال الظواهر والمشكلات الاجتماعية بوصفها مهددات للاستقرار الاقتصادي. يمكننا التفكير -كما دعونا سابقًا- في عقد المختبرات الاجتماعية، بحيث تكون منصات منهجية لتحديد وتوصيف الحالة الاجتماعية الراهنة بما يعترضها من ظواهر ومشكلات، والتمهيد لحلول على مستوى السياسات والتدخلات والسلوكيات التي تضمن على الأقل ألا تتسلل الظواهر الناشئة إلى بقية أجزاء الجسد الاجتماعي. كما أنه في الحالة المحلية ينقصنا التركيز على نوعية مهمة من الدراسات الاجتماعية، وهي تلك الدراسات التي تتقصى كلف المشكلات والظواهر الاجتماعية، وتقدم لصانع السياسة الكلفة الفعلية على المؤسسات والاقتصاد والعمليات التي تنشأ نتيجة تلك الظاهرة أو المشكلة.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: هذه القضیة أو المشکلة

إقرأ أيضاً:

بترونيلا وايت.. الصحفية التي دمرتها الحركة النسوية

صحفية وكاتبة ومذيعة بريطانية عرفت بكتاباتها وتعليقاتها الحاسمة على الكثير من الموضوعات، وهي إحدى أكثر الشخصيات الصحفية الذائعة الصيت، أصبحت نائبة لرئيس تحرير مجلة سبيكتاتور عام 1997، وأيضا لها عمود أسبوعي في صحيفة صنداي تلغراف.

المولد والنشأة

ولدت بترونيلا وايت يوم السادس من مايو/أيار 1969 في سانت جونز وود، بلندن، نشأت في بيئة أدبية محاطة بالكتب وانغمست في عالم الكلمات، وغرس فيها هذا التعرض المبكر حبا عميقا لسرد القصص وشعورًا شديدا بالفضول نحو العالم من حولها.

يعرفها أصدقاؤها باسم بيتسي، والدها الصحفي والسياسي البريطاني وودرو وايت، كان نشطا في حزب العمال وعضوا في برلمان المملكة المتحدة سابقا وتوفي عام 1997.

نشأت بترونيلا متشبعة بمعتقدات الحركة النسوية، وبدأت تجربتها في الصحافة والتأليف في وقت مبكر من حياتها بسبب البيئة التي نشأت فيها، ومن هواياتها الغناء وكتابة الأغاني.

الدراسة والتكوين العلمي

أنهت دراستها الثانوية في مدرسة سانت بول للبنات، ثم التحقت بكلية ورستر أكسفورد في إنجلترا، ولكنها انسحبت منها بسبب التنمر والمضايقات المستمرة بسبب آرائها السياسية حسب روايتها، ثم التحقت بجامعة لندن وتخرجت فيها، وأصبحت تحرر مقابلات سياسية وتكتب مقالات لصحيفة ديلي ميل.

التجربة الصحفية

انطلقت مسيرتها المهنية من مجلة ذا سبيكتاتور، حيث خصص لها عمود لتكتب فيه، وعرفت بالتعامل بلا خوف مع الموضوعات المثيرة للجدل بذكاء وبلاغة.

تميز أسلوبها في الكتابة بمزيج من الفكاهة والجاذبية، مما جعل أعمدتها مسلية ومثيرة للتفكير.

من أبرز أعمالها مذكرتها التي قدمت فيها سردا شخصيا عميقا للأحداث المحيطة بوفاة الأميرة ديانا، عرضت فيها مهاراتها في نسج التجارب الشخصية مع تحليل اجتماعي وثقافي.

قدمت وايت مساهمات قيمة للإذاعة والتلفزيون، وعبرت عن رؤيتها للمناقشات حول الأحداث والظواهر الثقافية.

بترونيلا وايت قدمت مساهمات قيمة للإذاعة والتلفزيون منها البرنامج التلفزيوني صباح الخير بريطانيا (شترستوك)

قدرتها على التعبير عن الأفكار المعقدة بطريقة واضحة جعلتها شخصية مرغوبة في المشهد الإعلامي، وصوتا قديرا في الخطاب العام.

تميزت أعمالها بقدرتها على تسليط الضوء على القضايا الطارئة، وبالتزامها العميق بالحقيقة.

أثرت في حياة العديد من القراء والجماهير، وكسبت احترامهم وإعجابهم بتفانيها الثابت في السعي وراء المعرفة والفهم.

تركت مساهمات وايت في عالم الصحافة والأدب بصمة لا تمحى، بتعليقاتها الحاسمة في تشكيل الرأي العام وإثارة التفكير النقدي.

انقلاب على أفكار النسوية

نشرت وايت مقالا لها بصحيفة ديلي ميل البريطانية أبدت فيه ندمها وحسرتها على ما أسمته ضياع عمرها في اعتناق وممارسة مبادئ الحركة النسوية.

وقالت إنها تشبعت بمعتقدات الحركة النسوية لكن مع تقدمها بالعمر شعرت مع العديد من صديقاتها في الحركة بأن النسوية قد خذلتهن وخذلت جيلهن، وقالت إنه لا ينبغي السماح للنسوية بتدمير الأجيال القادمة.

وأشارت إلى أن العالم تغيّر بطريقة قد تجدها النسويات الأوائل غير مفهومة، وأعربت عن اعتقادها واعتقاد صديقاتها بأن الغرب قد تجاوز الفلسفة النسوية، وأنها أصبحت ضارة.

وأضافت أنها عندما التقت مجموعة من صديقاتها وجلسن يناقشن ما آلت إليه حياتهن، قائلة إن لديهن أشياء كثيرة مشتركة، فهن جميعهن في منتصف الـ50 من العمر ومهنيات ومتعلمات تعليما عاليا، ومع ذلك يشعرن بأن هناك فراغا كبيرا في حياتهن، "جميعنا عازبات ومن دون أطفال".

مقالات مشابهة

  • «ترشيد المنازل» تفوز بجائزة الشارقة للعمل التطوعي
  • 4: قراءة الفيلم
  • بدء فصل الصيف وظهور قمر الفراولة.. تعرف على أبرز الظواهر الفلكية خلال يونيو
  • بترونيلا وايت.. الصحفية التي دمرتها الحركة النسوية
  • القمر يعانق كوكب زحل في مشهد بديع .. الليلة
  • (رصد 4) يرفع جاهزيته مع القطاعات العاملة في موسم الحج
  • أم قرون ودواس الساسة الذكوريين!
  • خلال 24 ساعة.. ضبط 313 قضية مخدرات بالمحافظات
  • جهود قطاع أمن المنافذ بوزارة الداخلية خلال 24 ساعة
  • خارجية النواب: كلمة السيسي في المنتدى الصيني العربي تناولت قضايا مهمة