جريدة الرؤية العمانية:
2024-06-16@11:43:38 GMT

رسائل إلى رئيس الوحدة (2)

تاريخ النشر: 21st, May 2024 GMT

رسائل إلى رئيس الوحدة (2)

 

 

د. صالح الفهدي

لا تحارب مُخالفيك

اجتمعَ أحدُ رؤساء الوحدات بمجموعةٍ من موظفيه، فأبدَى أحدهم رأيًا لا يوافقُ هواهُ، ولا ينسجمُ مع توجهاته، فطلبَ منهُ أن ينهضَ من كرسيه، ليتقدَّم نحوه فيعيدُ ما قاله له عن قربٍ حتى يَسمعهُ جيِّدًا، فتقدَّمَ وأعادَ إلى مسامعه ما أبدى من وجهةِ نظرٍ مغايرةٍ لكلام رئيس الوحدة.

وبعد الاجتماع، وجَّه الرئيس بإحالةِ ذلك الموظف إلى التقاعد، مُستنكرًا عليه أن يُعارضه في الرأي، ويخالفهُ في سياسته التي يقودُ بها الوحدة!

لا شكَّ أنَّ الرئيس المُشَخْصِن المستبد برأيهِ هو أفشل الرؤساء الذين يديرون وحداتهم بغير كفاءة؛ لأنه رئيس يؤمن بالمنطق الفرعوني الذي أورده القرآن الكريم على لسان فرعون: "مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ" (غافر:29). مثل هذا الرئيس سيكون أشبه بـ"المغناطيس" للمنافقين، المتزلِّفين حوله، أولئك الذين يوافقونه على كلِّ شاردةٍ وواردة، حتى إن كانوا يرون داخل أنفسهم أن الرأي خاطئ، بيدَ أنَّهم يتملَّقون لأجلِ رضاه، ويتقرَّبون لأجلِ كسبِ ودِّه، وليس ذلك لأجل تقديرٍ واحترامٍ له، ولا لأجلِ مصلحةِ الوحدة، وإنَّما لأجلِ مصالحهم، كي ينالوا ما يطمحون، فليقرر الرئيس ما شاء لأن النتيجة أيًّا ما كانت ستقعُ عليه، أمَّا هم فسينالونَ بغيَّتهم، بثمنِ نفاقهم وتزلَّفهم!

رئيس الوحدة الحصيف هو الذي يستمعُ للآراء التي تُخالفه، ويرى ما فيها من وجوه الصوابِ، فلعلَّه رأى الأمر من جهةٍ، ورآهُ غيره من جهةٍ أُخرى هي أدعى للسلامة، وأحرى للدقَّة، فيجنِّبه مغبَّة الوقوع في الخطأ، فيكون ذلك لصالح رئيس الوحدة، ولصالح الوحدةِ عامَّةً، ثم إنَّ هذه النقاشات التي تحتملُ الاختلاف في الآراء تدور داخل غُرفٍ مُغلقة، لا يُعلم عنها شيئًا، إن كان الرئيس يظنُّ أن الاختلاف ينالُ من هيبةِ منصبه، بيدَ أن القرارَ إن اتُّخذ فسيكون معلومًا للجميع، وحينها يتحمَّل رئيس الوحدة النتائج الكارثية إن لم يقدِّر -في غرف الاجتماعات- الآراء المخالفة لرأيه.

وهنا.. أذكرُ رئيسَ وحدةٍ عندما يجتمع بلجنة شؤون الموظفين لا يجرؤ أحدُ على مخالفةِ الرأي الذي يُبديه، وإلَّا تلقَّى عبارةً مُهينةً مُحرجةً تنتقده من الرئيس، لهذا صار الجميع يتوخون عدم إبداء الرأي، ويلزمون الصمت في حضوره، ويؤمِّنون على ما يقوله، ليس موافقةً وإنَّما خشيةَ الإحراجِ منه!

أما المنافع التي يجنيها رئيس الوحدة من تقدير الآراء المخالفة فهي كالتالي:

أولًا: ترسيخ مبدأ الشورى والإقناع في طرح الآراء وعرضِ الأفكار.

ثانيًا: إشعار الآخرين بقيمة أفكارهم، وتقدير آرائهم وذلك بالاستماع إليهم، والتحاور معهم بأسلوبٍ راقٍ، ومخالفتهم بطرقٍ تحفظُ حقَّهم في إبداء الرأي كمثل أن يقول رئيس الوحدة: "وجهة نظر طيبة، ولكن لديَّ وجهة نظر أُخرى"، أو يقول: "أنا نظرتُ إلى الأمر من الوجهة التالية"، أو "أشكرك على إبداءِ الرأي، واسمح لي أن أبدي وجهة نظر مختلفة".

ثالثًا: تشيع النقاشات التي يسودها الاختلاف جوَّ الأسرة الحريصة على مصلحةِ الوحدة، والمهتمة بتطويرها، والمعنيَّة بأمر تحسينِ أدائها.

رابعًا: رفع الحواجز عند قبول الآراء، وإشعار الجميع بأنَّ لديهم القدرة على مخالفة الرئيس فيما يتعلَّق بمصلحةِ الوحدة، وكلُّ ذلك يتمُّ بروحٍ من الودِّ والسماحة والرحابة كذلك بتوفر الاحترام والتوقير لرئيس الوحدة.

رابعًا: اختلاف الآخرين معك باعتبارك رئيسا للوحدة، يعدِّد الآراء، وينوِّع وجهات النظر، ويثري الأفكار، مما يعني إغناء المواضيع، والنظر إليها بشموليةٍ وسَعةٍ، وهو ما يصبُّ في نهاية الأمر لصالح الوحدة.

خامسًا: تقبُّلك لوجهات نظر مخالفة عن وجهةٍ نظرك، تجعلك رئيسًا محبوبًا في نظر المخالفين؛ لأنك أتحتَ لهم الفرصة لتنمية مهاراتهم، وقدَّرت إسهاماتهم.

سادسًا: تشيعُ -بقبولك وجهات النظر المخالفة- ثقافة التسامح مع الآراء المخالفة، وفصل العام عن الخاص، وإبعاد الشخصنة عن الوحدة، فيكونُ الاختلافُ مهنيًّا لا شخصيًّا وهو ما يعني تبديد ثقافة الشخصنة، وإحلال ثقافة تقبل الرأي الآخر.

الرئيس الحاذق هو الذي يتمسَّكُ بمن لا يجاريه في رأيه حتى وإن كان مخطئًا؛ فهؤلاءِ لا يعنيهم التزلُّف ولا التملُّق، وإنما تعنيهم مصلحة الوحدة، وهنا فإنَّ الرئيس يجب أن يرتقي بفكرهِ وضميره إلى مستوى المصلحة الوطنية التي تُحتِّم عليه أن لا يقرِّب المتزلفين، وإنَّما الذين يبدون آراءً ثرية وإن كانت مخالفة لآرائه،؛ فالرابح الحقيقي ليس هو فلانٌ من الناس وإنَّما هو الوطن، وهذا هو الواجبُ الأعظم.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولاند يترشح للانتخابات التشريعية

قدم رئيس الجمهورية الفرنسية السابق، فرانسوا هولاند، ترشحه للانتخابات التشريعية المبكرة التي ستجرى يومي 30 يونيو و7 يوليوز القادم في فرنسا.

وقال هولاند، في تصريح صحفي لتبرير هذا القرار غير المسبوق في تاريخ فرنسا: “في ظرف استثنائي، قرار استثنائي”.

وسيترشح الرئيس الفرنسي السابق في دائرة كوريز، مشيرا إلى “خطورة” المرحلة الراهنة مع احتمال فوز التجمع الوطني، المنتصر في الانتخابات الأوروبية التي أجريت يوم 9 يونيو.

وسيحمل هولاند ألوان الحزب الاشتراكي المجتمع في إطار تحالف “الجبهة الشعبية الجديدة”، وهو تحالف يساري تشكل في سياق صعود اليمين المتطرف في فرنسا.

وهذه هي المرة الأولى في فرنسا التي يترشح فيها رئيس دولة سابق للانتخابات التشريعية. يذكر أن رؤساء الجمهورية في فرنسا يصبحون أعضاء في المجلس الدستوري بعد انتهاء ولايتهم في الإليزيه.

مقالات مشابهة

  • الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولاند يترشح للانتخابات التشريعية
  • إسبانيا تبعث رسائل الوعيد للمرشحين لليورو بدك شباك كرواتيا بثلاثية
  • مليشيات الحوثي تعترف بفشلها الأمني وتستجدي المواطنين مساعدتها
  • حزب الإصلاح البريطاني يتقدم على المحافظين لأول مرة في استطلاعات الرأي
  • سوق صبيا الداخلي.. وجهة للمتسوقين لشراء مستلزمات العيد
  • مَن يُنزل القوى السياسية عن شجرات مواقفها المتصّلبة؟
  • رئيس جامعة حلوان يفتتح المعمل المركزي لخدمة البحث العلمي
  • زيتوني: سياسة رئيس الجمهورية خلقت صناعة حقيقية
  • إزالة 4 تعديات علي أراضي زراعية بالمنيا
  • كيف واجه بطل مسلسل دواعي السفر الشعور بالوحدة؟.. 10 نصائح بسيطة