جريدة الرؤية العمانية:
2025-07-05@03:36:31 GMT

رسائل إلى رئيس الوحدة (2)

تاريخ النشر: 21st, May 2024 GMT

رسائل إلى رئيس الوحدة (2)

 

 

د. صالح الفهدي

لا تحارب مُخالفيك

اجتمعَ أحدُ رؤساء الوحدات بمجموعةٍ من موظفيه، فأبدَى أحدهم رأيًا لا يوافقُ هواهُ، ولا ينسجمُ مع توجهاته، فطلبَ منهُ أن ينهضَ من كرسيه، ليتقدَّم نحوه فيعيدُ ما قاله له عن قربٍ حتى يَسمعهُ جيِّدًا، فتقدَّمَ وأعادَ إلى مسامعه ما أبدى من وجهةِ نظرٍ مغايرةٍ لكلام رئيس الوحدة.

وبعد الاجتماع، وجَّه الرئيس بإحالةِ ذلك الموظف إلى التقاعد، مُستنكرًا عليه أن يُعارضه في الرأي، ويخالفهُ في سياسته التي يقودُ بها الوحدة!

لا شكَّ أنَّ الرئيس المُشَخْصِن المستبد برأيهِ هو أفشل الرؤساء الذين يديرون وحداتهم بغير كفاءة؛ لأنه رئيس يؤمن بالمنطق الفرعوني الذي أورده القرآن الكريم على لسان فرعون: "مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ" (غافر:29). مثل هذا الرئيس سيكون أشبه بـ"المغناطيس" للمنافقين، المتزلِّفين حوله، أولئك الذين يوافقونه على كلِّ شاردةٍ وواردة، حتى إن كانوا يرون داخل أنفسهم أن الرأي خاطئ، بيدَ أنَّهم يتملَّقون لأجلِ رضاه، ويتقرَّبون لأجلِ كسبِ ودِّه، وليس ذلك لأجل تقديرٍ واحترامٍ له، ولا لأجلِ مصلحةِ الوحدة، وإنَّما لأجلِ مصالحهم، كي ينالوا ما يطمحون، فليقرر الرئيس ما شاء لأن النتيجة أيًّا ما كانت ستقعُ عليه، أمَّا هم فسينالونَ بغيَّتهم، بثمنِ نفاقهم وتزلَّفهم!

رئيس الوحدة الحصيف هو الذي يستمعُ للآراء التي تُخالفه، ويرى ما فيها من وجوه الصوابِ، فلعلَّه رأى الأمر من جهةٍ، ورآهُ غيره من جهةٍ أُخرى هي أدعى للسلامة، وأحرى للدقَّة، فيجنِّبه مغبَّة الوقوع في الخطأ، فيكون ذلك لصالح رئيس الوحدة، ولصالح الوحدةِ عامَّةً، ثم إنَّ هذه النقاشات التي تحتملُ الاختلاف في الآراء تدور داخل غُرفٍ مُغلقة، لا يُعلم عنها شيئًا، إن كان الرئيس يظنُّ أن الاختلاف ينالُ من هيبةِ منصبه، بيدَ أن القرارَ إن اتُّخذ فسيكون معلومًا للجميع، وحينها يتحمَّل رئيس الوحدة النتائج الكارثية إن لم يقدِّر -في غرف الاجتماعات- الآراء المخالفة لرأيه.

وهنا.. أذكرُ رئيسَ وحدةٍ عندما يجتمع بلجنة شؤون الموظفين لا يجرؤ أحدُ على مخالفةِ الرأي الذي يُبديه، وإلَّا تلقَّى عبارةً مُهينةً مُحرجةً تنتقده من الرئيس، لهذا صار الجميع يتوخون عدم إبداء الرأي، ويلزمون الصمت في حضوره، ويؤمِّنون على ما يقوله، ليس موافقةً وإنَّما خشيةَ الإحراجِ منه!

أما المنافع التي يجنيها رئيس الوحدة من تقدير الآراء المخالفة فهي كالتالي:

أولًا: ترسيخ مبدأ الشورى والإقناع في طرح الآراء وعرضِ الأفكار.

ثانيًا: إشعار الآخرين بقيمة أفكارهم، وتقدير آرائهم وذلك بالاستماع إليهم، والتحاور معهم بأسلوبٍ راقٍ، ومخالفتهم بطرقٍ تحفظُ حقَّهم في إبداء الرأي كمثل أن يقول رئيس الوحدة: "وجهة نظر طيبة، ولكن لديَّ وجهة نظر أُخرى"، أو يقول: "أنا نظرتُ إلى الأمر من الوجهة التالية"، أو "أشكرك على إبداءِ الرأي، واسمح لي أن أبدي وجهة نظر مختلفة".

ثالثًا: تشيع النقاشات التي يسودها الاختلاف جوَّ الأسرة الحريصة على مصلحةِ الوحدة، والمهتمة بتطويرها، والمعنيَّة بأمر تحسينِ أدائها.

رابعًا: رفع الحواجز عند قبول الآراء، وإشعار الجميع بأنَّ لديهم القدرة على مخالفة الرئيس فيما يتعلَّق بمصلحةِ الوحدة، وكلُّ ذلك يتمُّ بروحٍ من الودِّ والسماحة والرحابة كذلك بتوفر الاحترام والتوقير لرئيس الوحدة.

رابعًا: اختلاف الآخرين معك باعتبارك رئيسا للوحدة، يعدِّد الآراء، وينوِّع وجهات النظر، ويثري الأفكار، مما يعني إغناء المواضيع، والنظر إليها بشموليةٍ وسَعةٍ، وهو ما يصبُّ في نهاية الأمر لصالح الوحدة.

خامسًا: تقبُّلك لوجهات نظر مخالفة عن وجهةٍ نظرك، تجعلك رئيسًا محبوبًا في نظر المخالفين؛ لأنك أتحتَ لهم الفرصة لتنمية مهاراتهم، وقدَّرت إسهاماتهم.

سادسًا: تشيعُ -بقبولك وجهات النظر المخالفة- ثقافة التسامح مع الآراء المخالفة، وفصل العام عن الخاص، وإبعاد الشخصنة عن الوحدة، فيكونُ الاختلافُ مهنيًّا لا شخصيًّا وهو ما يعني تبديد ثقافة الشخصنة، وإحلال ثقافة تقبل الرأي الآخر.

الرئيس الحاذق هو الذي يتمسَّكُ بمن لا يجاريه في رأيه حتى وإن كان مخطئًا؛ فهؤلاءِ لا يعنيهم التزلُّف ولا التملُّق، وإنما تعنيهم مصلحة الوحدة، وهنا فإنَّ الرئيس يجب أن يرتقي بفكرهِ وضميره إلى مستوى المصلحة الوطنية التي تُحتِّم عليه أن لا يقرِّب المتزلفين، وإنَّما الذين يبدون آراءً ثرية وإن كانت مخالفة لآرائه،؛ فالرابح الحقيقي ليس هو فلانٌ من الناس وإنَّما هو الوطن، وهذا هو الواجبُ الأعظم.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

«رئيس جامعة الأزهر»: واذكروه كما هداكم دعوة لدوام الشكر على نعمة الهداية التي لا تُقدّر بثمن

أكد الدكتور سلامة داود، رئيس جامعة الأزهر، أن قوله تعالى: ﴿وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ﴾ يمثل دعوة إيمانية عميقة لتقدير نعمة الهداية التي أنعم الله بها على عباده، وهي نعمة لا يمكن للإنسان أن يوفي حقها أو يجازيها شكرًا مهما طال عمره أو اجتهد في عبادته.

وأوضح رئيس جامعة الأزهر، خلال حلقة برنامج "بلاغة القرآن والسنة"، المذاع على قناة الناس، اليوم الجمعة، أن الكاف في "كما هداكم" هي للتسوية، أي أن على العبد أن يذكر الله بقدر ما أنعم عليه به من الهداية، وهو أمر يستحيل إدراكه في الحقيقة، لأن الهداية هي أعظم النعم على الإطلاق، ومن أعظم دلائل رحمة الله بعباده.

وأشار رئيس الجامعة إلى أن القرآن الكريم حذف متعلق الهداية في الآية، فلم يقيّدها بمناسك الحج وحدها، بل جاء النص عامًا ليشمل كل أبواب الهداية: إلى التوحيد، والصلاة، والزكاة، والحج، والأخلاق، ليعيش المؤمن دائمًا في ظلال هذا الفضل الإلهي الواسع.

وأضاف أن قوله تعالى: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ﴾ يعبر بلغة القرآن عن عِظم النقلة من حال الضلال إلى نور الهداية، حيث استخدم القرآن "من" للدلالة على الاندماج السابق في زمرة الضالين قبل الهداية، وهو أسلوب قرآني بليغ يجعل المؤمن دائم التذكر لحالته السابقة ويقدّر نعمة الإيمان التي يعيش فيها.

وقال الدكتور سلامة داود: "لا تسأل عن من عطب وهلك، ولكن سل من نجا: كيف نجا؟ فالهداية تحتاج إلى توفيق وسعي، وتحتاج إلى أن يعيش الإنسان في كنف رعاية الله وهداه، ولا ينبغي أن نحصر الشكر في موسم الحج وحده، بل علينا أن نوسّع دائرة النظر لنرى نعم الله في كل جوانب حياتنا، وفي كل لحظة من لحظات الإيمان والعمل الصالح".

مقالات مشابهة

  • «رئيس جامعة الأزهر»: واذكروه كما هداكم دعوة لدوام الشكر على نعمة الهداية التي لا تُقدّر بثمن
  • رئيس مجلس الوزراء يهنئ الرئيس الأمريكي
  • الرئيس المشاط يهنئ رئيس جمهورية الجزائر بذكرى العيد الوطني
  • قرارات جمهورية وتكليفات حكومية.. رسائل قوية من الرئيس السيسي للمصريين والعالم
  • أكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال محادثتهما يوم الخميس اهتمامهما المتبادل بتنفيذ عدد من المشاريع الاقتصادية بين روسيا والولايات المتحدة. بوتين وترامب يؤكدان الاهتمام بمشاريع مشتركة في مجالي الطاقة والفضاء Sputnik ووفقا لم
  • عبد النباوي يُنتخب رئيسًا لجمعية المحاكم العليا التي تتقاسم ‏استعمال اللغة الفرنسية
  • الرئيس الشرع: الهوية التي نطلقها اليوم تعبر عن سوريا التي لا تقبل التجزئة ولا التقسيم الواحدة الموحدة
  • هذه الرتب التي قلدها الرئيس تبون
  • رسائل الرئيس السيسي لزيلينسكي: الدعوة لحلول دبلوماسية وقف إطلاق النار بغزة وتعزيز التعاون الثنائي
  • رئيس مركز قنا: أوقفنا حالتي بناء مخالف على مساحة 290 مترًا بقرية دندرة