ليس كثيرًا على طرابلس أن تُعلن عاصمة للثقافة العربية، وهي التي كانت ولا تزال عاصمة للعيش الواحد، وعنوانًا للانفتاح الإنساني، مع ما في هاتين الميزتين من معالم ترقى إلى مستوى تاريخ عاصمة الشمال بشقّيه القديم والحديث، على رغم ما تعرّضت له هذه المدينة الغافية على زند المتوسط، والعابقة برائحة زهر الليمون، فاستحقت عن جدارة أن تكون فيحاء تنثر عطرها المجاني على القريب والبعيد.


لقد تعرّضت طرابلس وأهلها الطيبون لحملات تشويه مغرضة، فوصفت بأنها "قندهار" الشرق، وبأنها ملفى للمطلوبين وقطّاع الطرق والخارجين على القانون، وأنها مرتع للإرهاب بكل مقاييسه ومعاييره ليتبيّن لاحقًا وبالعين المجرّدة أن الذين يقفون وراء هذه الحملات هم من أصحاب السوابق، الذين لا يضمرون إلاّ الشرّ لمدينة السلام والألفة والمحبة، مدينة الثقافة العربية، لأن تاريخها يشهد لها وليست في حاجة إلى شهادة أحد ممن لا يقدّرون قيمة معنى أن تكون هذه المدينة الشمالية، التي تربط بين أقصى الشمال في عكار المتكئة على طيبة أهلها وعنفوانهم، وبين جبل يصل خضرة الأرز بزرقة السماء والبحر، وبين العاصمة بيروت وما بينهما من مدن شواطئها تحكي حكايات البطولة والمجد.
ما نكتبه بهذه السطور المتواضعة ليس شعرًا بمقدار ما هو حقيقة ملموسة يفقه معناها الحقيقي من عاش فيها ردحًا من الزمن في طفولته وشبابه، فكانت مرتعًا لأحلامه الكبيرة. ومن بين هؤلاء أصدقاء كثر، أذكر من بينهم الوزير الراحل جان عبيد، الذي تربطني بشقيقه ميلان صداقة فكر وقلب.
فعائلة عبيد واحدة من بين عائلات مسيحية كثيرة سكنت في طرابلس، وهي التي تُعرف بمدينة الكنائس السبع. ومن عرف المطران أنطون العبد، مطران طرابلس وتوابعها للموارنة، يعرف تمام المعرفة ماذا كان يعني هذا المعنى العميق لفكرة العيش الواحد بين أهل هذه المدينة، التي ظُلمت كثيرًا، ويعرف أيضًا كيف كانت العلاقة بين أهلها، بحيث أن لا أحد كان قادرًا على التفريق بين مسيحي ومسلم، وذلك لكثرة ما كان بينهما من قواسم مشتركة في طريقة عيش واحدة، وفي تداخل ترابطي بين عاداتهم، ومدى تعلّقهم بإرثهم الثقافي النابع من التعمّق الأدبي والروحي.
ليس كثيرًا على طرابلس أن تُعلن عاصمة للثقافة العربية ليس لسنة واحدة أو سنتين، بل عاصمة أبدية، بما ترمز إليه هذه الصفة من عناوين عريضة لتاريخ عابق بكل ما يوحي بأبدية علاقة أبنائها بالكتاب، وبما تزخر به من أعلام فكرية وأدبية وثقافية وعلمية وسياسية وانمائية.
فاسم ارتبط بأسماء كبار من بلادنا كان لهم الأثر المشرق في التأسيس للبنان الكبير بحضارته وإشراقاته وتمايزه ما بين دول المنطقة، وهو يكاد يكون الوحيد، الذي يجمع بين حضارتي الشرق بغناها الفكري والروحي والقداسي، وبين حضارة الغرب، فكانت طرابلس تلك الوصلة الوثيقة بينهما كامتداد لجسر طبيعي بين ضفتين متقابلتين وربما متناقضتين.
فطرابلس اليوم تنهض من كبوتها، وهي التي تجاهد لكي تكون في مصاف مدن البحر الأبيض المتوسط المتقدمة عمرانًا وازدهارًا وإنمائيا بفضل تعاون أبنائها على الخير، وقد يكون وراء هذه النهضة أيادٍ بيضاء لا تعرف شمالها ما فعلت يمينها، انطلاقًا من العمل الهادئ والصامت البعيد عن الضجيج والصخب و"البروباغندا"، واستنادًا إلى الإيمان بأن غد طرابلس وغد لبنان كله، على رغم ما يتعرّضان له من ضائقة اقتصادية، سيكون أفضل، وأن الأيام الآتية ستكون أكثر إشراقًا وأكثر صفاء من ذي قبل، وأن حقد الحاقدين سيرتد عليهم عاجلًا أو آجلًا.
مبروك لطرابلس لقبها الجديد، الذي يُضاف إلى ألقابها السابقة، وهي المستحقة الدائمة.      المصدر: خاص "لبنان 24"

المصدر: لبنان ٢٤

إقرأ أيضاً:

الأخوان بيلينغهام يصنعان التاريخ في كأس العالم للأندية

في لحظة خالدة في تاريخ كرة القدم، دخل الشقيقان جود وجوب بيلينغهام صفحات المجد كأول أخوين يسجلان في نفس النسخة من كأس العالم للأندية، ليؤكد هذا الثنائي الإنجليزي الشاب أن كرة القدم تجري في عروق عائلة لا تعرف حدودا للطموح.

جود، نجم ريال مدريد، وجوب، لاعب بوروسيا دورتموند، ساهما في تحقيق انتصارين مهمين لفريقيهما في دور المجموعات من البطولة، ليحملا اسم "بيلينغهام" إلى العالمية، ويثبتا أن التألق لا يقتصر على لاعب واحد في العائلة.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2سبب وضع أحذية بلاستيكية في أقدام كلاب الكشف بمونديال الأنديةlist 2 of 2نتيجة وملخص مباراة الأهلي ضد بورتو في كأس العالم للأنديةend of list

ما يجعل هذا الإنجاز أكثر إثارة أن هذه هي المرة الأولى التي يشارك فيها الشقيقان في نفس البطولة، ويسجلان فيها بفارق يوم واحد فقط، ليصنعا سابقة لم تسجل من قبل في تاريخ المسابقة التي انطلقت قبل 25 عاما.

جود بيلينغهام ساهم في فوز ريال مدريد على باتشوكا في الجولة الثانية لكأس العالم للأندية (رويترز)

ولم يتوقف الإنجاز عند ذلك، فقد أصبح جوب بيلينغهام أصغر لاعب إنجليزي يسجل في تاريخ كأس العالم للأندية، بعمر 19 عاما و271 يوما، محطما رقم شقيقه الأكبر جود، الذي سجل في البطولة ذاتها بعمر 21 عاما و358 يوما.

ويُقدَّر إجمالي القيمة السوقية للشقيقين بـ164 مليون جنيه إسترليني، وهو رقم يعكس مدى تأثيرهما في عالم كرة القدم رغم صغر سنهما، ويضعهما على رأس قائمة الإخوة الأغلى في اللعبة عالميا.

Every angle. Every touch. ????????

Jude Bellingham’s finish, exactly how it deserves to be seen. ⚽????

Watch the @fifacwc | June 14 – July 13 | Every Game | Free | https://t.co/i0K4eUu4lJ | #FIFACWC #TakeItToTheWorld #RMAPAC pic.twitter.com/sy2oRQ8gz1

— DAZN Football (@DAZNFootball) June 22, 2025

من جانبه، أعرب جود عن فخره بتألق شقيقه، مؤكدا بابتسامة مازحة أنه كان عليه الرد على من قالوا إن جوب "أفضل منه"، وهو ما يبرز روح التنافس الإيجابي بينهما ويعكس بيئة عائلية ملهمة.

إعلان

ومع تصدر ريال مدريد لمجموعته واقتراب دورتموند من التأهل، تبدو الفرصة مهيأة لمواجهة "أخوية" محتملة في الأدوار الإقصائية، قد تضيف فصلا جديدا من الإثارة إلى قصة بدأت ببساطة على شاشات التلفاز وانتهت بكتابة التاريخ في ملاعب العالم.

???? Every angle on Jobe Bellingham's first goal for @BVB

Watch the @FIFACWC | June 14 – July 13 | Every Game | Free | https://t.co/i0K4eUtwwb | #FIFACWC #TakeItToTheWorld #MSUBVB pic.twitter.com/EolKZPQE3v

— DAZN Football (@DAZNFootball) June 21, 2025

مقالات مشابهة

  • لم يحدث من قبل.. أقصر يوم في التاريخ هذا الصيف
  • إجابات امتحان التاريخ 2025 توجيهي فلسطين
  • عاصمة تأسيس
  • صغار صنعوا التاريخ في كأس العالم للأندية
  • إيران لم تسقط وإسرائيل تجاهلت دروس التاريخ
  • الترجي.. هل تواصل الكرة التونسية صناعة التاريخ بالفوز على تشلسي؟
  • ميادة الحناوي وأصالة في مهرجان جرش للثقافة والفنون.. الإعلان عن فعاليات الدورة الـ39
  • الأخوان بيلينغهام يصنعان التاريخ في كأس العالم للأندية
  • الإعلان عن فعاليات الدورة الـ 39 لمهرجان جرش للثقافة والفنون
  • الإعلان عن فعاليات الدورة الـ (39) لمهرجان جرش للثقافة والفنون 2025