نظرية الطيور المهاجرة

منذ تأسيسه، سعى المشروع الصهيوني إلى بناء دولة تقوم على ثنائية "الوعد بالأمن" و"الوعد بالرخاء"، باعتبارهما حجر الزاوية في جذب يهود الشتات واستدامة البنية السكانية للدولة المحتلة الناشئة. غير أن تطور الأحداث الأخيرة، خصوصًا ما بعد عملية "طوفان الأقصى"، كشفت عن تصدع متزايد في هذه العقيدة، تُرجم عمليًا في انكشاف أمني، وتراجع في منسوب الثقة المجتمعية، وظهور مؤشرات خطيرة على ظاهرة الهجرة المعاكسة.



يتطلب فهم هذا التحول قراءة في الخلفيات العقائدية والتاريخية التي بُني عليها الأمن الإسرائيلي، في ضوء المقاربات النظرية في العلاقات الدولية، التي ترى أن بقاء الدول يعتمد على قدرتها على تأمين ذاتها في بيئة دولية فوضوية، وأن الأمن شرط لبقاء الدولة وليس مجرد وظيفة من وظائفها.

 الأمن كركيزة تأسيسية للدولة العبرية.. مراجعة سريعة للتاريخ

تأسست إسرائيل عام 1948 كمشروع كولونيالي-ديني يستند إلى شرعية مزدوجة: دينية رمزية تزعم الحق التاريخي في "أرض الميعاد"، وواقعية سياسية برعاية استعمارية (بريطانيا، ثم الولايات المتحدة) كرّست عبر "وعد بلفور" والانتداب البريطاني البنية التحتية للمشروع الصهيوني.

في ضوء الهزائم والضربات التي أصابت المشروع الأمني الإسرائيلي، لجأت إسرائيل إلى ما يمكن توصيفه بسياسة "الإبادة الجماعية المنظمة" في قطاع غزة، والتي تستهدف تدمير البنية السكانية والاجتماعية الفلسطينية بغرض إعادة تشكيل الحالة النفسية للمجتمع الإسرائيلي واستعادة الشعور بالأمان.وقد شكلت الوكالة اليهودية للهجرة الذراع التنفيذي لهذا المشروع، إذ لم يكن تأسيس إسرائيل ممكنًا من دون الحشد الديمغرافي المكثف. وبالفعل، اعتمدت الاستراتيجية الصهيونية على "نقل السكان" عبر إقناع يهود الشتات بالهجرة إلى فلسطين، من خلال آليتين متكاملتين:

ـ الوعد بالأمن: أي أن "إسرائيل" ستكون الملاذ الأخير والوحيد الآمن لليهود، خاصة بعد المحرقة النازية (الهولوكوست) وفشل أوروبا في حمايتهم؛

ـ والوعد بالرخاء: عبر "سلة المهاجر"، التي تضمنت حوافز اقتصادية واجتماعية مثل السكن، العمل، التأمين الصحي، التعليم، والدمج المؤسسي في الحياة العامة.

تجلت هذه العقيدة الأمنية في مقولة بن غوريون: "لا وجود لإسرائيل من دون تفوقها العسكري"، وهو ما ينسجم مع مفهوم "الردع الاستراتيجي"الذي أصبح بمثابة الدين المدني للمؤسسة العسكرية والسياسية الإسرائيلية، حيث يُفترض أن يحول الردع دون تفكير أعداء إسرائيل في مهاجمتها، تحت طائلة الرد الكاسح والمباغت.

ضمن هذا السياق، فإن وجود الدولة بات مشروطًا بتحقيق أمن مطلق (Absolute Security)، وهو مفهوم يتنافى مع منطق الأمن الجماعي أو التوازن الردعي الذي تقترحه النظريات الليبرالية في العلاقات الدولية، ويجعل من إسرائيل حالة استثناء أمني دائم.

زلزال 7 أكتوبر ـ انهيار الردع الاستراتيجي ونشوء ظاهرة الهجرة المعاكسة

تأسس الأمن الإسرائيلي على عقيدة الردع الاستراتيجي، والتي تقوم على فرضية أن قوة الجيش وتفوقه تمنع أي طرف معادٍ من التفكير في الاعتداء، خصوصًا عبر إحداث ردود كاسحة وفورية. استنادًا إلى نظريات الواقعية الجديدة في العلاقات الدولية، حيث تُعد الدولة هنا لاعبًا عقلانيًا يسعى لتحقيق أقصى درجات الأمن والبقاء عبر تفوق عسكري بدون منافس إقليمي.

إلا أن عملية "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر مثلت حدثًا صادمًا، حيث قوضت هذه العقيدة، ومع فشل العدوان الإسرائيلي في القضاء على حركات المقاومة وفي استرجاع اسراه بالقوة، تراجعت الثقة في الأجهزة الأمنية والعسكرية.

كما أدى هجوم 7 أكتوبر إلى ضرب الثقة الجمعية في قدرة الجيش على حماية السكان، وتحطيم ما يُسمى "الهالة الأمنية"، الأمر الذي يشير إلى انهيار عقيدة الوطن الآمن واختراق الحواجز النفسية والاستراتيجية.

ظاهرة الهجرة المعاكسة كدليل على انهيار الشعور بالأمن

على المستوى الديموغرافي والاجتماعي، كان لهذا الانهيار الأمني تداعيات عميقة عبر مسارعة أعداد كبيرة من اليهود المقيمين داخل إسرائيل إلى مغادرتها، حيث تشير تقديرات حديثة إلى أن أكثر من 700 ألف شخص قد غادروا الأراضي المحتلة منذ أكتوبر، وهو رقم غير مسبوق مقارنة بالأعوام السابقة، بالإضافة إلى ارتفاع طلبات الحصول على جنسيات ثانية، خصوصًا من دول أوروبية مثل البرتغال وإسبانيا، حيث تقدم إسرائيليون بطلبات انتساب لجنسيات جديدة هربًا من الواقع الأمني المتدهور ، مع تسجيل ظاهرة التخلي عن الجنسية الإسرائيلية للتخلص من عبء الضرائب ، وهو ما يعكس رغبة حقيقية في قطع الصلة بالدولة، لا لأسباب اقتصادية فحسب، بل أيضًا بسبب شعور عميق بعدم الأمان والمستقبل المهدد.

تلك الظاهرة تجسد عمليًا ما تصفه نظريات العلاقات الدولية ب "الأمن الداخلي" (Internal Security)
الذي لا يقل أهمية عن الأمن الخارجي، لأن استقرار الدولة وبقاؤها مرتبطان بشكل مباشر بثقة مواطنيها وقدرتهم على الشعور بالأمان.

من منظور التاريخ السياسي، لا تعد هذه الظاهرة جديدة بالمعنى الكلي، إذ إن الاستعمار الاستيطاني في مناطق متوترة أمنيًا اجتماعيًا ينتج توترات ديمغرافية متكررة، وخصوصًا ظواهر النزوح والهجرة المعاكسة، كما حصل في مستعمرات أخرى عبر التاريخ (مثل المستعمرات الأوروبية في أمريكا وأفريقيا)، لكن الذي يميز الحالة الإسرائيلية هو الأبعاد الدينية والوجودية، حيث يعتبر الأمن والاستقرار في هذه الأرض رمزًا لهوية قومية ودينية لا تقبل التفاوض، وهو ما يجعل الهجرة المعاكسة تهديدًا وجوديا يتجاوز البعد الديموغرافي إلى عمق الهوية الوطنية.

استراتيجية الإبادة الجماعية .. محاولة استعادة الأمن عبر تصفير الاخطار

في ضوء الهزائم والضربات التي أصابت المشروع الأمني الإسرائيلي، لجأت إسرائيل إلى ما يمكن توصيفه بسياسة "الإبادة الجماعية المنظمة" في قطاع غزة، والتي تستهدف تدمير البنية السكانية والاجتماعية الفلسطينية بغرض إعادة تشكيل الحالة النفسية للمجتمع الإسرائيلي واستعادة الشعور بالأمان.

تُعد الولايات المتحدة الحليف الأبرز والأقوى لإسرائيل، حيث توفر الدعم العسكري، السياسي، والاقتصادي، في إطار شراكة استراتيجية متجذرة، ويشمل الدعم الأمريكي توفير الأسلحة، الذخيرة، والاستخبارات، فضلاً عن الغطاء السياسي في المحافل الدولية، وتعكس هذه العلاقة استراتيجية تعتمد على موازنة مصالح الأمن القومي الأمريكي مع الالتزامات الحليفة.هذه الاستراتيجية التي تنسجم مع المفهوم الواقعي الجديد الذي يرى في القوة لا مجرد أداة دفاع، بل وسيلة لاستعادة توازن النفوذ والتأثير، حيث تتحول القوة إلى أداة تهديد وترهيب من أجل إعادة فرض الهيمنة، ومن هنا نفهم خطاب رئيس الوزراء نتنياهو الذي يركز على "النصر المطلق" فهو ليس مجرد خطاب عسكري تقليدي، بل هو رسالة موجهة للمجتمع الإسرائيلي بغرض إعادة بناء الإحساس بالأمان الداخلي، عبر ترويج فكرة القضاء التام على ما يُعتبر مصدر التهديد، أي قطاع غزة، وفرض معادلة جديدة تقوم على عدم وجود حياة طبيعية للفلسطينيين في القطاع، ورفض أي حلول تفاوضية أو سياسية، والتمسك بسياسة الحسم العسكري حتى على حساب أرواح الأسرى الإسرائيليين، ناهيك عن انتهاك .

قواعد القانون الدولي الإنساني بشكل ممنهج، والإصرار على استخدام جميع الأساليب العسكرية التي  تندرج تحت تعريف "لإبادة الجماعية" أو "جرائم ضد الإنسانية"، والعمل من أجل التهجير القسري الذي يعد جريمة حرب وفق اتفاقيات جنيف.

غير أن هذا التصعيد القانوني والسياسي هو الذي عزز حالة العزلة الدولية المتزايدة على إسرائيل، رغم الدعم الأمريكي، ومحاولة ترامب البديلة عبر طرح فكرة تهجير كل سكان غزة إلى بلدان أخرى في العالم.

غير أن هذه المحاولة فشلت سريعا في ظل تشبت الفلسطينيين بأرضهم، حتى مع استمرار مسلسل التقتيل اليومي للفلسطينيين، مما سيدفع إسرائيل الى محاولة يائسة جديدة لاسترجاع صورة القوة التي فقدتها. وذلك عبر الذهاب إلى إزالة الخطر الأكبر الذي تراه يهدد وجودها، وهو إيران.

العدوان العسكري على إيران.. محاولة للتغيير القسري للسلطة في إيران

من أجل استعادة الشعور بالأمن عند المواطن الإسرائيلي في الداخل راهنت إسرائيل بشراكة كاملة مع الولايات المتحدة وبريطانيا ودول أوروبية اخرى على توجيه ضربة عسكرية مباغتة لإيران، تقضي فيها على قيادات الصف الأول السياسية والعسكرية والعلمية في مجال الطاقة النووية، من أجل احداث صدمة كبيرة تسقط النظام وينتهي كل شيئ.

 انطلاقا من يقينها بأن القوة العسكرية والاستخباراتية التي تمكنت من جمعها في التحالف شبه المعلن المشار إليه سيمكنها من ذلك.

وكان الهدف هو ضرب ما تعتبره "رأس الأفعى" المتمثل في النظام الإيراني، الذي يُنظر إليه كتهديد وجودي لها بالإضافة إلى كونه الداعم الرئيس لحركات المقاومة المسلحة ضد إسرائيل.

هذا الرهان الذي تبين أنه مقامرة غير واقعية البتة (وهوما يحتاج إلى تفصيله في مقال خاص)، أدى إلى تعقيد الموقف الاستراتيجي الإسرائيلي، وجعل الأزمة الراهنة تعكس مأزقاً حقيقا في استراتيجية الأمن الوجودي لإسرائيل، بحيث وجدت نفسها غير قادرة على حسم الصراع أو فرض شروطها عبر القوة العسكرية وحدها، وهو ما دفعها إلى استجداء التدخل الأمريكي  العلني المباشر.

الولايات المتحدة الحليف الاستراتيجي للاحتلال بين الدعم والخوف من التورط

تُعد الولايات المتحدة الحليف الأبرز والأقوى لإسرائيل، حيث توفر الدعم العسكري، السياسي، والاقتصادي، في إطار شراكة استراتيجية متجذرة، ويشمل الدعم الأمريكي توفير الأسلحة، الذخيرة، والاستخبارات، فضلاً عن الغطاء السياسي في المحافل الدولية، وتعكس هذه العلاقة استراتيجية تعتمد على موازنة مصالح الأمن القومي الأمريكي مع الالتزامات الحليفة.

لكن، على الرغم من الدعم المعلن، تظهر واشنطن ترددًا واضحًا في الدخول بشكل مباشر في الصراع المسلح، بسبب الضغوط الدستورية والسياسية الأمريكية، إضافة إلى أن الحساسية الأخلاقية تجاه الحروب الخارجية تفرض قيوداً على دور الولايات المتحدة، وهو ما استعاضت عنه بما تسميه ب"الضربات الاستراتيجية" (كالاستهدافات المحدودة لمنشآت نووية) بما يمثل محاولة للحفاظ على التوازن بين الدعم لإسرائيل وعدم التصعيد المباشر، لكن الغرض الرئيسي من هذه الضربات يندرج بدوره ضمن هدف استعادة الشعور بالأمن لدى المهاجر اليهودي.

وهو ما ينسحب على الموقف الأوروبي أيضا، رغم تباينه في الخطاب، بحيث يميل إلى دعم إسرائيل عسكريًا ودبلوماسيًا، لكنه يواجه تصاعدًا في الحراك الشعبي الرافض للمجازر في غزة، هذه الضغوط المتنامية تضع واشنطن أمام معادلة صعبة بين دعم حليفها وإدارة الأزمات الإقليمية.

والخلاصة:

أن الحالة الإسرائيلية تؤكد أن تراجع الإحساس بالأمان والتشكيك في قدرة الدولة على إنهاء التهديدات الوجودية التي تحيط بها، سيتسبب في انهيار عقيدة الوطن الآمن التي تأسست عليها دولة الاحتلال، وأن القوة العسكرية للدولة أو تدفق الدعم الدولي لها، ليس كافيا لاستعادة التوازن النفسي للمهاجر اليهودي الذي وجد نفسه بعد سبعة عقود أمام حقائق صادمة.

إن الطيور تهاجر بحثا عن الاستقرار، فهي لا تستقر في أرض تفتقر إلى الطمأنينة، ولا تبني أعشاشها إلا حيث تنمو مشاعر الأمن والأمان، وقد كشف العدوان الأخير عن هشاشة الرؤية الأمنية للمشروع الصهيوني، حيث باتت ظاهرة الهجرة المعاكسة دليلاً على انهيار القاعدة النفسية لتشكل الدولة، مما يعيد طرح أسئلة وجودية حول مستقبل هذا الكيان في ظل تراجع مقومات الإحساس بالأمن.. ويشير واقع الهجرة المعاكسة أن الاستقرار الحقيقي لا يمكن بناؤه على العسكر و الاستخبارات والقوة وحدها، وأن فكرة "الوطن النهائي" هي بمثابة سراب سرعان ما سيتبخر كما تبخرت أسطورة الجيش الذي لا يقهر.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير الإسرائيلي تداعيات حرب إيران إيران إسرائيل حرب تداعيات سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة العلاقات الدولیة الولایات المتحدة من أجل وهو ما الذی ی

إقرأ أيضاً:

انفجار صور.. الشرارة التي قد تشعل بركان لبنان.. .!!

حادث دموي يفتح أخطر ملف في البلاد.. وسؤال واحد يفرض نفسه: تفكيك السلاح أم الانزلاق إلى جحيم الحرب الأهلية؟

الانفجار الذي هزّ الجنوب

في بلد يختزن الأزمات كما تختزن الأرض حمم بركان خامد، جاء انفجار مخزن سلاح قرب مدينة صور في الجنوب اللبناني ليهزّ المشهد برمته. لم يكن الأمر مجرد حادث عرضي، بل جاء كجرس إنذار مدوٍّ في لحظة سياسية وأمنية شديدة الهشاشة. التقارير الأولية أشارت إلى أنّ المخزن يتبع لحزب الله، وأنّ الانفجار وقع أثناء محاولة تفكيك أو نقل محتوياته، ما أسفر عن سقوط ضحايا بينهم ستة من عناصر الجيش اللبناني، إلى جانب إصابات بين مدنيين.

-- معضلة السلاح خارج الدولة

هذا الحادث لا يمكن فصله عن السياق الأوسع للصراع الداخلي والخارجي الذي يعيشه لبنان، فالبلد الغارق في أزمات اقتصادية وانهيار مؤسسات الدولة، يواجه منذ سنوات معضلة سلاح الفصائل، وفي مقدمتها سلاح حزب الله، الذي يُعَدّ بالنسبة لخصومه سلاحًا خارج الشرعية، وبالنسبة لمؤيديه "ضمانة ردع" أمام إسرائيل. انفجار صور جاء في وقت تتزايد فيه الضغوط الإقليمية والدولية على الحزب، مع تصاعد العمليات الإسرائيلية في العمق اللبناني، وارتفاع نبرة المطالبة بتطبيق القرار 1701 بحذافيره، بما يشمل حصر السلاح بيد الدولة. خلفية تاريخية: الجنوب وسلاح الظل

منذ انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية عام 1990، ظل الجنوب اللبناني منطقة حساسة عسكريًا وأمنيًا، وبعد انسحاب إسرائيل عام 2000، تعزز نفوذ حزب الله في تلك المنطقة، ليس فقط كقوة مقاومة، بل كسلطة فعلية تمتلك شبكة مخازن وأنفاق ومنصات صاروخية موزعة بين القرى والبلدات. وقد شهدت السنوات الماضية عدة حوادث مشابهة لانفجار صور، أبرزها انفجار مخزن في بلدة خربة سلم عام 2009، وحوادث متفرقة في أعوام لاحقة، كانت غالبًا تُبرَّر بأنها عرضية أو بسبب خلل فني. هذه المخازن كانت دائمًا موضع جدل داخلي ودولي، إذ يرى خصوم الحزب أنها تُعرّض المدنيين لخطر دائم وتضع الجنوب في قلب المواجهة مع إسرائيل، فيما يعتبرها الحزب جزءًا من معادلة الردع التي منعت تل أبيب من شن حرب جديدة شاملة منذ 2006. ومع كل حادث، يتجدد السؤال الكبير: هل يمكن للبنان أن يحسم معضلة السلاح خارج الدولة من دون أن ينفجر داخليًا؟

-- سيناريوهات ما بعد الانفجار

المشهد الآن مفتوح على احتمالات خطيرة: تصعيد داخلي قد يُستغل فيه الحادث سياسيًا من قبل قوى لبنانية معارضة للحزب لفتح ملف سلاحه في الشارع والبرلمان، ما قد يجر البلاد إلى مواجهة سياسية وربما أمنية، أو تسخين جبهة الجنوب إذا تسارعت ردود فعل الحزب على الضربات الإسرائيلية الأخيرة، ما يزيد احتمالية انزلاق لبنان إلى حرب شاملة مع إسرائيل، خاصة إذا استمرت عمليات استهداف المخازن والبنية التحتية العسكرية، أو حرب أهلية مقنّعة في ظل الانقسام الطائفي والسياسي الحاد، حيث أي شرارة قد تشعل اشتباكات متنقلة بين مناطق محسوبة على أطراف متنازعة، في تكرار شبيه بمشاهد 1975 لكن بأدوات وأجندات جديدة.الدور الفرنسي والحسابات الدولية

منذ انفجار مرفأ بيروت عام 2020، تحاول فرنسا لعب دور الوسيط بين القوى اللبنانية المتصارعة، واضعة ملف السلاح على طاولة النقاش وإن بشكل غير مباشر، تجنبًا لنسف أي تفاهمات. باريس، المدعومة أوروبيًا، تطرح مبادرات لحصر السلاح بيد الدولة مقابل دعم اقتصادي وسياسي للبنان، لكن هذه الجهود تصطدم برفض قاطع من الحزب وحلفائه، وبواقع إقليمي يجعل أي تفكيك للسلاح جزءًا من معادلة أكبر تشمل إيران وسوريا. إلى جانب فرنسا، تتحرك الولايات المتحدة وبعض دول الخليج بضغط سياسي واقتصادي متدرج، بينما تتعامل إسرائيل مع الملف بأسلوب الضربات الموضعية لفرض أمر واقع أمني في الجنوب.

-- لبنان على فوهة البركان

لبنان اليوم يقف على فوهة بركان، حيث تتقاطع نيران الخارج مع حسابات الداخل، وتتحرك الملفات الملغّمة من السلاح إلى الاقتصاد بلا أي غطاء وطني جامع. انفجار صور ليس مجرد حادث، بل قد يكون بداية فصل أكثر سخونة في تاريخ بلد اعتاد أن يعيش بين حافة الحرب وهاوية الانهيار، ويبقى السؤال: هل تنجح الجهود الدولية في تفكيك السلاح وضبطه تحت سلطة الدولة، أم أن لبنان يسير بخطى سريعة نحو جحيم حرب أهلية جديدة؟ إنّ رائحة البارود التي ملأت سماء صور قد تكون مقدمة لعاصفة لا تبقي ولا تذر، وحين يشتعل البركان، لن يملك أحد ترف السيطرة على مساره أو حجم دمارِه.. .، !!

-- محمد سعد عبد اللطيف - كاتب وباحث في الجيوسياسية والصراعات الدولية، ، !!

مقالات مشابهة

  • من أجل وطن يسوده السلام بين الدولة والمواطن
  • من أجل وطن يسوده السلام بين الدولة والمواطن (1)
  • الصحفي الشجاع الذي أقلق إسرائيل
  • هاشم: للاقلاع عن لغة التحريض التي يريدها البعض
  • الداخل الإسرائيلي على وشك الانفجار: عائلات الأسرى تهدد بخطوة غير مسبوقة خلال أيام
  • انفجار صور.. الشرارة التي قد تشعل بركان لبنان.. .!!
  • من مجدلزون... فيديو لسيارات الإسعاف التي تقلّ شهداء الجيش
  • تركيا: خطط إسرائيل لاحتلال قطاع غزة تهدد الاستقرار الإقليمي |تفاصيل
  • الاستعمار الداخلي.. حين يتحول الوطن إلى سجن بأيدٍ محلية
  • مصدر مسؤول في الحكومة السورية عن مؤتمر قسد: هذا المؤتمر خرق للاستحقاقات التي باشرت الحكومة السورية في تنفيذها بما في ذلك تشكيل هيئة العدالة الانتقالية وبدء أعمالها، ومسار الحوار الوطني الذي أطلقته الحكومة السورية في شباط الماضي والمستمر حتى إيصال البلاد إ