اللاجئون بين المسؤولية المجتمعية والتحديات الدولية
تاريخ النشر: 25th, May 2024 GMT
يواجه العالم اليوم العديد من القضايا المعاصرة، والمتغيّرات السريعة المتلاحقة، بدءًا من أزمة فيروس كورونا التي أحدثت هزّة عميقة في جميع جوانب الحياة، وصولًا إلى الحروب والصراعات الدولية التي أدت إلى اضطرابات كبيرة وأثرت على العديد من البلدان. هذه الظروف المعقدة خلّفت وراءها العديد من القضايا والتحديات.
من بين أبرز هذه التّحديات التي تفرض نفسها بقوّة على الساحة العالميّة اليوم هي قضية نزوح اللاجئين.
فالحروب والنزاعات المسلّحة، بالإضافة إلى الاضطهاد والفقر والظروف الاقتصادية الصعبة، دفعت ملايين الأشخاص إلى مغادرة بلدانهم والبحث عن مأوى آمن في دول أخرى. وقد قدّرت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، أنّ عدد اللاجئين والنازحين حول العالم بلغ حوالي 114 مليون شخص بحلول سبتمبر/أيلول 2023، ويمثل هذا زيادة 1.6 مليون عن نهاية عام 2022.
وقد أفاد تقرير المفوضية بأن الحرب في أوكرانيا، والصراعات في السودان، وجمهورية الكونغو الديمقراطية وميانمار، وأفغانستان، من الأسباب الرئيسية للنزوح القسري من النصف الأوّل في عام 2023.
تتنوّع الجوانب المحيطة بظاهرة اللجوء بين الإيجابيّة والسلبيّة، مما يتطلب تفكيرًا عميقًا وتحليلًا شاملًا. إذ تنتهج الدول طرقًا وأساليب مختلفة للتعامل مع ملفّ اللاجئين، فمنها من يتبنّى سياسة العزل في أماكن مخصصة، مثل المخيمات والمعسكرات، ومن بين هذه الدول الأردن التي تضمّ واحدًا من أشهر مخيمات اللاجئين السوريين في العالم، وهو مخيم الزعتري.
كذلك، تستضيف بنغلاديش مئات الآلاف من اللاجئين الروهينغا الفارّين من الاضطهاد العنصري، والعنف في ميانمار في مخيمات ضخمة، مثل مخيم كوكس بازار. ومنها من يفضّل الدمج مع المواطنين مثل كندا، ومصر اللتين تحتلان مكانة هامة في استضافة العديد من اللاجئين من مختلف الجنسيات.
جوانب مضيئةرغم التحديات التي يواجهها ملف اللاجئين، هناك جوانب مضيئة تظهر من خلال جهود الدول المضيفة؛ لضمان سلامة وإيواء اللاجئين. تشمل هذه الجهود فتح الأبواب، وتوفير الحماية والمساعدة اللازمة، بالإضافة إلى تقديم الرعاية الصحية والتعليم والسكن والدعم النفسي والاجتماعيّ.
كما قدّمت بعض الدول فرصَ العمل والتدريب والاندماج، ما أسهمَ في خلق حراك اقتصاديّ، وإضافة صناعات وآفاق جديدة للتجارة. علاوةً على ذلك، أدّى الاندماج الثقافي والفكري بين اللاجئين والسكّان الأصليين إلى تعزيز التعاون الثقافي والاجتماعي، وخلق نوعٍ من التّعايش بين الطرفَين.
هذه الجهود ليست فقط لصالح اللاجئين، بل تسهم أيضًا في تعزيز التنمية المستدامة والاستقرار الاقتصادي والاجتماعي في المجتمعات المضيفة. كما تضمن بيئةً آمنة ومستدامة لحياة اللاجئين، وتساهم في بناء مستقبل أفضل لهم وللمجتمعات التي يعيشون فيها.
تحديات المواردرغم الجوانب الإيجابية التي تشهدها استضافة اللاجئين، فإن هناك بعض التحديات التي تواجه الدول المضيفة، سواء فيما يتعلق بالناحية الاقتصادية أم الاجتماعية أو السياسية. فعادة ما يصل اللاجئون دون موارد كافية أو دعم، ويحتاجون بشدّة إلى الإسكان والغذاء والرعاية الصحيّة والتعليم.
وهذا يفرض عبئًا كبيرًا على البنية التحتيّة والخِدمات العامة في الدول المضيفة، وقد يؤدّي إلى توترات اجتماعيّة واقتصادية.
بالإضافة إلى التّحديات الاجتماعية والاقتصادية، تواجه الدول أيضًا تحديات سياسية فيما يتعلّق بنزوح اللاجئين. فقد يؤدي هذا الأمر إلى توترات داخليّة، وصراعات محتملة بين اللاجئين والمجتمعات المحلية، وقد يثير قضايا التمييز والتعصّب والعنصرية من قِبل المجتمعات المضيفة، مما يزيد من صعوبات إعادة توطينهم واندماجهم.
بالتالي، ينبغي على المجتمع الدولي العمل بتعاون شامل لمعالجة قضايا اللاجئين، وتقديم الدعم اللازم للبلدان المضيفة؛ بهدف تحقيق توازن مستدام بين استقبال اللاجئين، وضمان استدامة ورفاهية المجتمعات المضيفة والسكان المحليين.
ما الآليات التي يجب استخدامها لإدارة الملف بشكل فعّال؟
لضمان إدارة فعّالة لملف اللاجئين، يجب على الدول تبني آليات محددة لتنظيم استقبال اللاجئين وإقامتهم في البلاد. بالإضافة إلى ذلك، ينبغي على الدول تعزيز التعاون الدولي من خلال تبادل المعلومات والخبرات فيما يتعلق بإدارة تدفقات اللاجئين، وتحسين البنية التحتية وتقديم خدمات عامة، مثل: الإسكان والتعليم والرعاية الصحية لضمان توفير بيئة مستقرّة ولائقة لهم.
كما ينبغي توفير فرص توظيف وتدريب للأشخاص المتأثّرين بالأزمة الحالية، ما يساهم في دمجهم بشكل أفضل في المجتمع. كما يجب تعزيز التفاهم بين اللاجئين والمجتمع المحلي من خلال تقديم برامج التوعية حول اللاجئين وخلفياتهم الثقافية، وتنظيم ورش عمل وندوات وفعاليات تعريفية بالمجتمع المحلي، بهدف تعريفهم بالثقافات المختلفة وتعزيز الاحترام المتبادل.
كما يجب على الدول العمل على مكافحة التمييز والعنصرية وتعزيز قيم التسامح والمساواة من خلال تنفيذ حملات توعية للتصدي للتحيز والتمييز الثقافي. يتعين أيضًا تعزيز القيم العالمية لحقوق الإنسان والتعايش السلمي، من خلال التركيز على التعليم والتثقيف بشأن هذه القضايا.
كما ينبغي التأكيد على دعم اللاجئين نفسيًا وتوفير برامج الرعاية والتأهيل لتعويض ما واجهوه من أهوال نفسية وجسدية، حتى يتمكنوا من الاندماج في المجتمع الجديد بسلام.
بالاعتماد على هذه الآليات، يمكن للدول تحقيق إدارة فعّالة لتدفقات اللاجئين، وتحسين ظروفهم المعيشية، مما يساهم في تعزيز الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي في المجتمعات المضيفة.
وأخيرًا؛ ينبغي علينا أن نتذكّر أن ملفّ اللاجئين ليس مجرد إحصاءات وأرقام، بل قضية إنسانية تحتاج إلى التعاطف والتفكير الشامل. لذلك، يجب التعامل مع اللاجئين بإنسانية وعدالة، والعمل على توفير الحماية والدعم لهم، سواء على المستوى القومي أو الدولي. ولا يمثل هذا فقط التزامًا إنسانيًا، بل يعد أيضًا استثمارًا في المستقبل.
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات بالإضافة إلى العدید من من خلال
إقرأ أيضاً:
حكايات سودانيين هربوا من الرصاص ببلادهم ليواجهوا الجوع في تشاد
في مخيم "كارياري" شرقي تشاد، يواجه آلاف اللاجئين السودانيين واقعا مريرا، فبعد رحلة شاقة وطويلة قطعوها سيرا على الأقدام للوصول إلى تشاد هربا من الرصاص القاتل، وجدوا أنفسهم بمواجهة معاناة مريرة في ظل نقص أساسيات الحياة من مأوى ومأكل وشراب.
وفي وسط الصحراء، اضطر اللاجئون السودانيون للاستعاضة عن الخيام بأغصان الأشجار والعصي الجافة، في حين يكابدون الصعاب لتأمين بعض الطعام والماء لسد جوع وعطش أطفالهم.
وفي ظل الواقع المأساوي والمؤلم الذي وجدت فاطمة نفسها وأسرتها فيه، أصبحت هذه السيدة مضطرة لصنع حياة من العدم، لذلك استخدمت قطع القماش المهترئة التي تملكها وبعض العصي الجافة التي جمعتها من العراء لبناء مأوى بسيط يأوي عائلتها المكونة من 8 أفراد، بعد أن عزّت الخيام وتأخرت المساعدات.
وفي مخيم كارياري تتشابه قصص الهروب من جحيم الحرب في السودان، لكن التفاصيل تحمل وجعا خاصا لكل أسرة.
وتروي فاطمة لمراسل الجزيرة فضل عبد الرازق، بكثير من المرارة تفاصيل رحلة اللجوء المريرة إلى تشاد والتي استمرت 15 يوما سيرا على الأقدام، ولم تكن مشقتها في طول المسافة فحسب، بل واجهت مع أسرتها "قطاع الطرق" الذين يترصدون الفارين.
تقول فاطمة بلهجة سودانية مثقلة بالخوف الذي لم يغادرها بعد "الطريق كان مليئا بالمسلحين، يطلبون المال قسرا، ومن لا يملك المال لا يمر، لفينا ودرنا وسيرنا على الأقدام حتى وصلنا إلى هنا".
مأوى من لا مأوى لهالضغط الهائل على المنظمات الإنسانية جعل من الاستجابة السريعة أمرا أشبه بالمستحيل، خاصة مع تزايد الأعداد يوميا، بينما الموارد تتضاءل، ليجد اللاجئون أنفسهم وجها لوجه مع الطبيعة القاسية.
وتصف إحدى اللاجئات للجزيرة المشهد بدقة مؤلمة: "نحن نجلس في الوادي، "بلا طعام، ولا أي مقومات للحياة" وتضيف أن الناس "يفترشون الأرض ويلتحفون الشجر".
نداءات الاستغاثة التي تطلقها هؤلاء النسوة تتلخص في مطلب واحد: "ساعدونا لنبقى على قيد الحياة".
إعلانوإذا كان المأوى "ناقصا"، فإن الحصول على شربة ماء بات معركة يومية، وترصد كاميرا الجزيرة صفوفا تمتد لعشرات الأمتار أمام نقاط توزيع المياه.
إذ يقف اللاجئون ساعات طوال تحت شمس تشاد الحارقة، وفي نهاية هذا الانتظار المرهق، قد لا يحصل الفرد إلا على لترات قليلة، لا تكاد تبلغ الحد الأدنى من معدل الاستهلاك الآدمي اليومي.
بصيص أملوسط هذا المشهد القاتم، تبرز قصص صغيرة للنجاة، تحكي لاجئة أخرى "زينب"، كيف تمكنت بعد عناء من تسجيل اسمها في قوائم برنامج الأغذية العالمي.
وتصف البطاقة التي يمحنها لها برنامج الأغذية العالمي، أنها "بطاقة الحياة"، إذ ستتمكن من شراء بعض المواد الغذائية من السوق المحلي، لتسد رمق أطفالها بعد جوع طويل.
ويختصر هؤلاء الفارون من الموت يومهم في "كارياري" بين محاولات ترقيع مأواهم الهش، والوقوف في طوابير الانتظار الطويلة.
وعلى الرغم من قسوة الواقع، يظل الأمل هو الزاد الوحيد؛ الأمل في أن تكون هذه المحطة القاسية بداية لطريق أكثر أمنا واستقرارا، بعيدا عن دوي الرصاص الذي خلفوه وراء ظهورهم.
وتتفاقم المعاناة الإنسانية في السودان جراء حرب بين الجيش السوداني والدعم السريع اندلعت منذ أبريل/نيسان 2023 بسبب خلاف بشأن توحيد المؤسسة العسكرية، ما تسبب في مقتل عشرات الآلاف ونزوح 13 مليون شخص.