لجريدة عمان:
2025-05-18@10:38:32 GMT

هدوء أرق من الصمت

تاريخ النشر: 27th, May 2024 GMT

ما لهذه الساحات قاتمة، ما لهذه المآذن خرساء وما لتلك الجامعات خامدة، صمت يخيم على الجنبات، صمت كصمت القبور والمدافن.. ليس إلا الفراغ المدلهم... تلتفت فلا ترى غير السكون.. وما لتلك وما لنا وعلينا، نبدو هكذا وكأننا خشب مسندة... هدوء أرق من الصمت كما قال الشاعر عبد العزيز المقالح.

الصورة تبدو هكذا.. في الغرب تحضر فلسطين بقوة وتتسارع صور المجازر البشعة وبشكل غير مسبوق تتداول التفاصيل الدامية على وسائل التواصل الاجتماعي، وفي الشرق الصور ضبابية خاطفة متداخلة الملامح.

في الغرب تثور الساحات وتنتفض الجامعات والميادين. وفي الشرق تصمت الميادين والساحات ولا يتحرك شيء، يخرج عشرات الآلاف من الطلاب منددين بالمذابح وجريمة الإبادة في غزة، وتصمت الجامعات العربية وتقف بلا حراك. في الغرب ترتفع الأصوات المنددة ويظهر مفكرون وفنانون يعبرون عن صدمتهم للمعايير المزدوجة التي تمارسها دولهم وسكوتها عن المجازر والإبادة التي تمارسها إسرائيل في حق الشعب الفلسطيني، في الغرب أيضاً يماط اللثام وتسقط كل ادعاءات الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، يُلوّح ملك بلجيكا بالعلم الفلسطيني من شرفته، وتحضر الكاتبة اليابانية الشابة (رغم أن اليابان دولة من الشرق ولكن تنتهج الفكر الغربي) أوتا ستيفاني كانتو لحفل استلامها جائزة يوكيو ميشما اليابانية، واحدة من أعرق الجوائز الأدبية في اليابان والتي فازت بها عن روايتها إيدوري ميسكي وهي ترتدي الكوفية الفلسطينية. تتوارى الشخصيات العربية وتختفي، لكنهم متفائلون قانعون بأن تحولا عميقا في الفكر وتحرير العقول وتصفيتها من الأوهام والشوائب والكذب معركتها قد بدأت، وأكثر المتفائلين فيهم يقول بأن ذلك ما يعول عليه وما يجب التركيز عليها. يقول قائل آخر أن الحرب على غزة أوجدت مناخاً مختلف في إزاحة الغشاوة وتحرير الفكر وتزايد الوعي عما تفعله آلة الحرب والزيف الذي يمارسه الغرب بقيادة الولايات المتحدة على العقل البشري. نطرب ونزهو فرحين ونبتهل لله أن يوفق جنوب أفريقيا في دعواها ضد الكيان ونقول يا رب، وتشرئب أعناقنا صوب محكمة العدل الدولية في لاهاي، نتشبث بقشة خوفاً من الغرق، نقف صامتين في مكاننا مزهوين بما نحن فيه مغشية أبصارنا ترهقها قترة.

سؤال يقف عالقا في الحلقوم ويبدو الأكثر حدة وحرقة بل وكأنه سؤال وجودي، لماذا يقف العربي صامتاً لا يحرك ساكناً أمام هذا الطوفان من المذابح والمجازر، ماذا نحن فاعلون أمام هذه العسكرة والقوة الصلبة التي لا تبقي ولا تذر، هل نراهن على هذا التحول الفكري إن صح وقلنا ذلك؟ وهل يجدي نفعاً ويوقف الهيمنة الغربية علينا ويحرر لنا فلسطين ويوقف هذه المجازر، هل يكفي هذا التعاطف والتضامن؟ من أين يأتي هذا الخراب؟ لماذا كل ذلك، كيف وصل بنا الحال إلى هذا الوضع؟ لعلنا نقترب من تلك الصورة الباهتة وتفكيك إطارها ليتبين لنا ما تخفية أو هكذا ربما نعيد قراءات ما بين سطور الأشياء.

الحقيقة المرة والبشعة التي نراها ماثلة أمامنا أن الإنسان والعقل العربي تتجلى حقيقته وكأنه تعرض لعملية تخدير وكأن الحمية والشهامة والشجاعة نُزعت منه وتكالبت عليه كل أصناف القهر والتجويع وأصبح عرضه تلاحقه الأزمات من اختناق اقتصادي وتجويع ولهث يومي نحو لقمة العيش، إلى تجهيل تعليمي، وتغييب فكري، نتج عنه مواطن عربي مغربل مغسول دماغه لاهثا خلف المادة والكماليات والاستهلاك المُفرط، والانشغال بالتافه، لا يعنيه شيء مما يدور حوله. صمت المواطن العربي في كل الأرجاء من المحيط إلى الخليج فعمت ظاهرة الصمت.

منطق التعامل مع الآخر يختلف، الغرب بشكل عام يتعامل معنا بوجهين، وجه قبيح لا ملامح له يصدر لنا القتل والدمار والإرهاب، ومعاييره المزدوجة، وغرب آخر مشرق إنساني يتعاطف ويقف معنا، وقد يكون أكثر حدة في النقد والتعامل مع غربه الوقح القبيح. وهذه في الحقيقة نتاج عقود من النضال والثورات والفكر والفهم والديمقراطية.

شيء آخر يمتاز به الغرب أيضاً أن هناك أفقا وفضاءات وقوى أخرى تبرز عندما يتعطل العمل السياسي ويضيق أفق الحوار وتغيب العدالة فيتصدى الطلبة وغيرهم من منظمات المجتمع المدني لتلك القوى الشريرة ويخرجون في مظاهرات عارمة معبرين عن رفضهم لما يحدث وذلك لا يبدو غريباً ولا مختلف، فهو ديدن الغرب.

القوة، نحن لا نملك القوة. على صعيد العلاقات الدولية الهوة تتسع بين الدول العربية ودول العالم الأخرى. منبع ذلك وسره يكمن في القوة. القوة التي نفتقدها أو الغلبة كما وصفها ابن خلدون هي المكمن. العالم لا يعترف إلا بالأقوياء، هذا هو المنطق وهذه هي الحقيقة الساطعة التي لا تحتاج إلى تفسير أو تأويل وكل ما عدا ذلك ليس إلا أوهام وخزعبلات. يتجلى لنا ذلك في كل ما نراه حاليا تنتهك سيادات الدول ويقتل الناس وتدمر ممتلكاتهم ويعاث في الأرض فساداً وجوراً. الأقوياء وحدهم يسيطرون على العالم وهم وحدهم من يقول كلمة الفصل ولا شيء يعلو على القوة. ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة قالها الزعيم جمال عبد الناصر. الدول التي تملك القوة هي من يتحكم ويسيطر وهي من تدفع وتدافع عن مصالحها وتحمي شعوبها وثرواتها من خلال القوة، سواء كانت قوة عسكرية أو اقتصادية أو تكنولوجية، ورغم أن مفهوم القوة بدأ عليه بعض التغير وفقا للتطور حيث تراجعت أهمية البعد العسكري فاسحة المجال لقوى أخرى لا تقل تأثيراً عن القوة العسكرية، فبرزت القوة الناعمة التي أخذت تتجه إلى أحداث بعض التغيرات في العلاقات الدولية. لكن تبقى القوة الصلبة هي السريعة التأثير والحسم، فالدول العظمى والمتقدمة لا تحسم معاركها بالفكر أو السياسة أو المفاوضات أو القوى الناعمة بل تلجأ مباشرة إلى استخدام القوة الصلبة وخصوصًا القوة العسكرية.

أعتقد أزف علينا الوقت نحن العرب ولابد من الوحدة والاتحاد وإعداد القوة لنواجه العالم وإلا ما يحدث في غزة غير مستبعد حدوثة في أرجاء أخرى من الوطن العربي. مستقبلنا لن يكون مشرقاً إلا إذا انتهجنا القوة منهجاً في تعاملنا مع الآخر، وأن نرى العالم ونتعامل معه من خلال نفس الوسائل التي يرانا ويعاملنا بها. لن نكون متفائلين وفي الوقت نفسه لا يمكن أن نكون متشائمين ونحن نرى البطولات التي تسطرها المقاومة في غزة التي تنبئ بغد مشرق.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: فی الغرب

إقرأ أيضاً:

عادل إمام يحتفي بيوم ميلاده الـ 85 في هدوء والعائلة تُغلق الباب أمام مفاجآت الأصدقاء

خاص

يحتفل الفنان المصري عادل إمام، يوم 17 مايو الجاري، بيوم ميلاده الـ85، وسط أجواء عائلية بسيطة بعيدًا عن الأضواء والمظاهر الاحتفالية المعتادة.

ورغم تحضيرات عدد من نجوم الوسط الفني لمفاجأته بتجمع خاص في منزله، جاء رد عائلته مغايرًا تمامًا، بإعلانها عدم إقامة أي احتفال عام هذا العام.

وكشف المخرج عصام إمام، شقيق “الزعيم”، في تصريح صحفي أن الاحتفال سيبقى محصورًا في نطاق ضيق، يضم زوجة الفنان وأبناءه وأحفاده وعددًا محدودًا من المقربين فقط، مؤكدًا أن هذا النهج تتبعه العائلة منذ عام 2020، بناءً على رغبة عادل إمام الشخصية.

وأثارت التصريحات موجة من التساؤلات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، خصوصًا مع تداول تقارير عن نية عدد من أصدقائه المقربين، من بينهم النجمات لبلبة، يسرا، نبيلة عبيد، وإلهام شاهين، زيارته يوم ميلاده، في محاولة لإحياء المناسبة بطريقة خاصة بعد سنوات من الغياب عن اللقاء المباشر به.

ورغم تلك المبادرات، أشارت مصادر مقربة إلى أن الأسرة فضلت البقاء على قرارها بعدم استقبال أي وفود خارج العائلة، في ظل حالة الخصوصية التي يعيشها الفنان منذ سنوات، مع الحديث عن محاولات لإقناع أبنائه بالسماح بزيارة قصيرة لأصدقائه، إلا أن جميعها باءت بالفشل.

ويُذكر أن عائلة الفنان انتقلت مؤخرًا للإقامة برفقته في منزله بالساحل الشمالي، لقضاء إجازة الصيف هناك، مبتعدة عن منزله المعتاد في منطقة المنصورية بالجيزة، حيث اعتاد عدد من المقربين زيارته بشكل دوري خلال الأعوام الماضية.

مقالات مشابهة

  • هدوء يسود الساعات الأولى من انتخابات بعلبك
  • الذكرى الـ77 للنكبة: كسر الصمت في أضعف الإيمان
  • هكذا تواجه روسيا الغرب المنقسم
  • مؤشرات وول ستريت على أعتاب السوق الصاعدة مع هدوء مخاوف الحرب التجارية
  • نجوم من هوليوود ينضمون إلى رسالة تدين الصمت حيال الإبادة الجماعية في غزة
  • كيف أعاد الرئيس السيسي رسم خريطة القوة النارية من الغرب إلى الشرق؟
  • عادل إمام يحتفي بيوم ميلاده الـ 85 في هدوء والعائلة تُغلق الباب أمام مفاجآت الأصدقاء
  • وعود بمناصب مقابل الصمت
  • سر جنون اللابوبو.. دمية الوحوش التي غزت العالم وتباع بآلاف الدولارات
  • عُمان التي أسكتت طبول الحرب