لجريدة عمان:
2025-05-10@16:39:10 GMT

الطغيان .. وإن طال

تاريخ النشر: 27th, May 2024 GMT

فعليًا نحن الآن على مفترق طرق في مرحلة ما بعد 7 أكتوبر، لسنا نحن فقط، بل العالم كله يواجه لحظات حاسمة ومصيرية، وهي لحظات معاكسة تماما لكل محطات الانكسار العربي الذي يكمل 75 عامًا من التراجع والهوان والذل والتعذيب في الشعوب.

لحظات فارقة في التاريخ تصنع لمرحلة مهمة وجديدة منه، وما قبل هذا التاريخ ليس كما بعده، وهي تنذر بأفول الطغاة والاستبداد واندحارهم كما هي في التاريخ، بعد أن خدعوا العالم من ادعاء نزولهم على القمر إلى بحثهم عن المقاومين بين جثث 15 ألف طفل شهيد.

مرحلة تشهد ارتفاع الكراهية في المجتمعات الغربية ضد التضليل والإبادة والحرمان من مقومات الحياة كالغذاء والدواء وحق العيش بكرامة، وتضليل ينسف روايات الذين يروّجون للحريات والمثلية وأحلام المجتمعات المدينة العصرية، للذين استطاعوا على مدى قرنين من الزمان وهم يملؤون رؤوسنا بانتصاراتهم الوهمية القديمة والحديثة، وللذين وثقوا تفوقهم في الحربين العالميتين الأولى والثانية في العصر الحديث ونعتوا الشعوب الأصلية التي استولوا على بلدانها بالتخلف والتوحش ولا زالوا جاثمين فيها.

7 أكتوبر أعاد كتابة القضية الفلسطينية وكأنها تولد من جديد، بغض النظر عن أولئك الذين ساندوا ودعموا الاحتلال وهبُّوا لنجدته من الانهيار الكلي بعد أن امتلأت قناعاتهم أن الأمة العربية لن تقوم لها قائمة ولن تتفوق على الأسطورة الصهيونية.

الوضع يختلف اليوم أمام هذا الصمود الجبار والكبير لفئة قليلة من المؤمنين بقضيتهم أمام جيش العالم، للذين يتساوى الموت والحياة في نظرهم، للذين يرون أنه لا حياة دون كرامة؛ لأنه الوطن وترابه والتوقان للحرية التي تمارسها شعوب العالم باستثنائهم هم فقط.

الانتكاسات المتتالية لجيش الاحتلال الإسرائيلي تقربه من الفشل يوما بعد آخر وتستهلكه وتعجز أمامه كل الحيل التي جربها في استعادة أسراه والذين لحقوا بهم من يومين وزاد عددهم عن السابق، وزادت معها معاناة قادته لما وصلوا إليه من تردٍّ وتخبُّط وتزايد الانقسامات فيه وفي مجتمعه المصطنع.

هذه الحرب المريرة على كل فلسطيني وفلسطينية رغم خسائر الأرواح والجرحى والموت والفواجع اليومية وتدمير الشجر والحجر والمدر، فإنها تقربه يومًا بعد آخر من حلم النصر، فكل المعطيات ليست في صالح المعتدي وسوف يصعب عليه الاستمرار في نهج الوحشية والإبادة الجماعية اليومية لهذا الشعب الأعزل الذي عوضه الله في صحو ضمير العالم وأعاد قضيته إلى الواجهة، كقضية ملحة تعضدها الشعوب النقية التي فاجأت العرب في نصرتها واعترافها المتأخر لعديد دولها والتي تمثل بداية الاعتراف الكلي.

رغم كل الظروف منذ 100 عام ومعاناة أهلنا في فلسطين من قبل احتلال أرضه المقدسة، فإن الحق وإن تأخر سوف يعود لأهله، وإن الله سيعوضهم على صبرهم الطويل وتحملهم كل ما يواجهوه يوميا من تغييب وإعدام وقتل وتشريد وهدم للبيوت وإبادة لشيخ وطفل وامرأة، سيعوضهم عن كل ألم مر وكل فراق للأحبة وكل نهب للأرض وتدمير للزرع وطغيان معتديه وإعدامات أبنائه أمام أحبائهم، سيعوضهم بقوة الإيمان والعقيدة والقدرة على مواجهة عدوهم بالصبر والبأس؛ لأنهم يسطرون ملحمة وفاء لحياة أجيال قادمة.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

كيف يتلاعب المستبدين بماضي الشعوب تمهيداً لقمعها؟

لم يبالغ المؤرخ الفرنسي جاك لوغوف، وهو يتحدث عن خوف الجماهير من فقدان ذاكرتها، وهو خوف يعبّر عن نفسه ـ غالبًا ـ بشكل باثولوجي، ويفتح الباب على مصراعيه، كما يقول، "لتجار الحنين للماضي، الأمر الذي جعل الذاكرة والحنين إلى الماضي واحدة من أكثر الأشياء الرائجة في المجتمع الاستهلاكي".

وللسبب ذاك، ولأسباب أخرى، يجب ألا نترك الذاكرة مطية لتجار الحنين أو حراس المعابد القديمة، كما يتوجب ألا نتركها فريسة للعبث السياسي وللسلطوية والفلكلورية والانتقائية.

إن العمل الذي صدر مؤخرًا للباحث المغربي زهير سوكاح : "دراسات الذاكرة في العلوم الإنسانية والاجتماعية. مقاربات وقضايا جديدة" (دار خطوط وظلال 2025) يندرج في إطار هذا السياق، وهو جاء ليردم فجوة كبيرة في العلوم الإنسانية والاجتماعية العربية بشأن هذا الموضوع، وذلك على الرغم من أن الحرب المعلنة وغير المعلنة على المجتمعات العربية هي حرب على ذاكرتها أيضًا.

ففي مكان ما، هم بصدد صناعة ذاكرة جديدة لنا، ذاكرة بلا ذاكرة أو ذاكرة مشوهة، غربلتها النيوليبرالية وعبثت بهويتها المتعددة عقود الاستبداد والتخلف، عاجزة ليس فقط عن التذكر ولكن أيضًا عن النسيان.

يمتلك سؤال الذاكرة الجمعية، إذن، أهمية قصوى في السياق العربي اليوم. إنه سؤال يتقاطع عنده مجموع الأسئلة الأخرى: أي علاقة بالحداثة الغربية؟ كيف نقرأ تراثنا الحضاري؟ في أي مجتمع نريد أن نعيش؟ أي شكل من أشكال السلطة السياسية وأي علاقة بها؟

إعلان

وما يتفرع عن هذه الأسئلة من قضايا أخرى، كثيرة، تمتد من العلاقات بين الجنسين، بين الأجيال داخل الأسرة وخارجها، القيم التي تسود المجتمع، بنية المؤسسات الاجتماعية، العلاقة بين الدين والسياسة.. إلخ.

والواقع أننا إذا التفتنا إلى قرن من التفكير العربي، فسنجده قد انشغلَ منذ بداياته بهذا السؤال، وكان واعيًا بمركزيّته، ولكنّه في أغلب الأحيان سينحو منحًى توفيقيًا أو استغرابيًا أو سلفيًا، فتلك هي الأجوبة الثّلاثة التي سيقدّمها عن هذا السؤال.

دون أن يعني ذلك أنّنا لا نقف أيضًا على تيار رابع داخل الفكر العربيّ، وهو الذي يمكننا – ولا غروَ- أن نصفه بالنقدي، ذلك الذي نلتقيه مع محمد أركون و"نقد العقل الإسلامي" أو "الجابري و"نقد العقل العربي" وعبدالله العروي، والذي يمكننا أن نقرأ مشروعه باعتباره "نقدًا للعقل اللاتاريخي". إذ أدرك هؤلاء المفكرون أنّ الموقف من الماضي يحدد بشكل عضوي موقفنا من الحاضر والمستقبل.

ولكن، وعلى الرغم من أهمية هذه المساهمات الفكرية وغيرها، من مثل تلك التي قدمها الخطيبي في تفكيكه لذاكرة الجسد، هذا الغائب الكبير، للثقافة العربية المعاصرة، فإنّ الأوان قد آن لنتجاوز اللغة النضالية والروح الأيديولوجية والتشرذم الإبستمولوجي التي طبعت قرنًا من التفكير العربي، وبلغة أخرى، لقد آن الأوان لنفكر في الذاكرة بشكل علمي، وبتعبير آخر: إن علينا أن نؤسس نوعًا من علم الذاكرة.

وهو علم يتوجب أن ينبثق من السياق العربي وأسئلته، وفي حوار نقدي مع حقل دراسات الذاكرة في الغرب، ولمّا أقول نقديًا، أعني أنه يجب ألا نتعامل مع المنجز الغربي في هذا السياق بمنطق الموضة، كما درجنا على فعل ذلك، بل أن نكون على وعي شديد، بأن أسئلتنا قد تختلف كما قد تلتقي مع أسئلته، وأن الأجوبة التي قد ننتهي إليها في مرحلة معينة، لن تكون بالضرورة نسخة طبق الأصل عن تلك التي انتهوا إليها في الغرب.

إعلان

إن هذا الكتاب- والذي أنجزه باحث متمرّس بالموضوع، انتبه إلى ضرورة تبيئة هذا العلم عربيًا، لما له من أهمّية قصوى بالنسبة لسياقنا- يمثل أول مدخل باللغة العربية حول حقل "دراسات الذاكرة" Memory Studies، وهو ينفتح على مقاربات بتخصصية، تمتد من التاريخ إلى الأدب والسوسيولوجيا.. إلخ.

ويتوقف عند مختلف الأبعاد الاجتماعية والثقافية والتاريخية للذاكرة، مؤكدًا أن حقل دراسات الذاكرة لا يهتم بالتمثلات الفردية والجمعية للماضي فقط، بل يتوقف عند نتائج تلك التمثلات على حاضر الناس وينعكس أيضًا في تصوراتهم للمستقبل.

إن استدعاء الماضي يرتبط بالحاضر وحاجاته، والمؤرخ، كما كتب جاك لوغوف، "خاضع للزمن الذي يعيش فيه"، وهو يكرّر هنا ما أشار إليه موريس هالبڤاكس، وهو يؤكد أن "الذاكرة لا تُحيي الماضي ولكن تُعيد تشكيله".

لا يمثل الماضي كُلًا جوهرانيًا، كما تحاول أن تقنعنا بذلك القراءات الأرثوذكسية أو الأيديولوجية أو حتى الانتقائية وغير المنهجية، فالأمر لا يتعلق هنا بذاكرة تابثة، فالذاكرة، شأنها في ذلك شأن كل الأشياء الأخرى، لا تسلم من لعبة التاريخ ومكره.

إنها تخضع لتحولات مستمرة، وقد تتعرض لاستعمالات وتأويلات مغرضة، مثل تلك الذاكرة الطائفية التي تلقي بظلالها المقفرة اليوم على الحاضر العربي.

ألم يكتب المؤرخ الفرنسي جان شينو أن الطبقات المهيمنة تتلاعب بالماضي، وأن "النظام السياسي ينظم الزمن الماضي ويشكل صورته وفقًا لمصالحه السياسية والأيديولوجية"؟، مؤكدًا أن قراءات الماضي أو المعرفة التاريخية، "يمكن أن تعمل في خدمة المحافظة الاجتماعية وفي خدمة النضالات الشعبية… وكل واحد يختار ماضيه، وهذا الاختيار ليس بريئًا".

يتحول الماضي دومًا إلى نوع من الوصاية أو الإكراه، حين نربطه بقراءة محددة، مُختزَلة ومُختزِلة، أو حين نصبغ عليه صلاحية فوق تاريخية. فبقدر ما تؤدي خسارة الذاكرة الجمعية عند الشعوب والأمم إلى اضطرابات خطيرة في الهوية الجمعية، كما يؤكد ذلك لوغوف، بقدر ما يهدد تضخمها، أو تحولها، في تعبير هيغل، إلى " عبء تاريخي"، ما يمكن أن نصطلح عليه بـ "الحقوق التاريخية للأجيال المقبلة"، ويحكم على هذه الهوية الجمعية بالجمود.

إعلان

ولقد كان لوغوف منتبهًا إلى ذلك، وهو يدعونا إلى العمل من أجل "أن تستخدم الذاكرة الجمعية لتحرير البشر، لا استعبادهم"، وهو الأمر نفسه الذي سيتوقف عنده بول ريكور وهو يتحدث عن "الذاكرة المتلاعب بها"، وعن سوء استعمال الذاكرة والنسيان من طرف السلطة، أو ما يسميه بالذاكرة المجروحة أو الأداتية، لأنه قد تم الانحطاط بها إلى مستوى الأداة الأيديولوجية، وهنا يقف ريكور على ذلك التداخل "بين إشكالية الذاكرة وإشكالية الهوية، الجمعية منها والشخصية"، وهي إشكالية تطرح نفسها بقوة في السياق العربي، ولكن بشكل مؤدلج ومزيف، أو بشكل يجعلنا نعيش الذاكرة باعتبارها هوية، وليس في هوية لها ذاكرة.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • نقلة تاريخية في كرة القدم النسائية.. «فيفا» يفتح الباب أمام 48 منتخباً في المونديال
  • جراهام أرنولد مدربًا جديدًا لمنتخب العراق
  • سايكس بيكو.. جريمة مايو التي مزّقت الأمة
  • أمريكا عدوة البشرية
  • برلمانية: مشاركة الرئيس في عيد النصر بموسكو يعكس تقدير العالم لدور مصر
  • الأمة.. إشكالية الهوية فيما بعد التاريخ (1)
  • لحظات تحبس الأنفاس لزوجين ينزلقان من قمة جبل في الصين .. فيديو
  • كيف يتلاعب المستبدين بماضي الشعوب تمهيداً لقمعها؟
  • ملعب ماراكانا الأسطوري يستضيف نهائي كأس العالم للسيدات
  • عام على رفح.. المدينة التي محاها القصف وبقيت تنتظر العالم