لم تعد القصص المروية في مخيم جباليا شمال غزة خفية عن وسائل الإعلام المختلفة التي علا صوتها مع انطفاء زخم الهجوم الإسرائيلي وانكساره أمام صمود المقاومة الفلسطينية وعنفوان عملياتها النوعية، إذ وصلت إلى إطلاق جنود الاحتلال "النيران الصديقة" على زملائهم  بالخطأ، فضلا عن أسر المقاومة جنودا إسرائيليين وتوثيق ذلك بمقاطع الفيديو.

تبدأ الحكاية عندما اضطر قادة الفرقة 98 الإسرائيلية لاستدراك التعثر الهجومي الذي مُنيت به الفرقة في هجومها على مخيم جباليا، وذلك عبر الزج بوحدات قتالية من اللواء 35 (لواء المظليين) الذي يعد من جنود النخبة في الجيش الإسرائيلي.

وفي تفاصيل الحكاية -حسب مصادر الجزيرة نت- أن ضربات المقاومة النوعية في جباليا اضطرت وحدات المظليين إلى تغيير طرق القتال والتحول إلى لواء مشاة، وذلك عكس ما كان موجودا في ألوية المدرعات التي قادت القتال في اليوم الأول من الهجوم على المخيم.

تكتيكات المقاومة

وفي تصريحات خاصة للجزيرة نت، قال المختص في الشؤون العسكرية والأمنية أسامة خالد إن المشاهد التي تخرج للإعلام ليست إلا جزءا يسيرا مما يحدث في الميدان، وأضاف أن هذه الملاحم القتالية للمقاومة تعود إلى ما يلي:

حرمان جيش الاحتلال من تحقيق مبدأ المفاجأة في بداية الهجوم نحو شرق مخيم جباليا، واكتشاف خططه تجاه التقدم نحو العمق والأهداف المتوقعة لهجومه. روح القتال العالية التي تتجسد في حالة الإقدام والتسابق على تكبيد الاحتلال خسائر كبيرة بكل الوسائل القتالية المتاحة. توظيف الإعلام العسكري في الميدان، الذي أكده حجم المواد القادمة من هناك، مع التوثيق الدقيق عبر المرافقة الدائمة للكاميرا مع السلاح نحو الهدف، وحتى في مرحلة الإعداد. اتباع مزيج من التكتيكات الدفاعية المختلفة، مثل إعاقة تقدم قوات الاحتلال والمراوحة بين الدفاعين المتحرك والثابت، مع التركيز على الاستدراج المحسوب، وتحويل هذه القوات إلى صناديق حديدية محاصرة بالنيران المضادة للدروع. وبالتالي إفشال الخطط التكتيكية وكسب مزيد من الوقت في ترميم الخرق الحاصل في الجهاز الدفاعي، وتحريك القوات وفق تطور الموقف والحاجة القتالية الحقيقية وسترها بعيدا عن نظر العدو ونيرانه. السيطرة الواعية تحت الضغط المعادي من نيران مكثفة وستائر دخانية وأحزمة نارية ونيران مدفعية على محاور التقدم، مع التنسيق بين المستويين التكتيكي والعملياتي، واتباع مبدأ الدعم المتبادل بين الكتائب مناطقيا. توظيف أسلحة الدعم القتالي بعد نحو 8 شهور من بدء الحرب، حيث رأينا النيران القوسية بالهاون والصواريخ القصيرة والقنص والطيران المسيّر وغيرها من الأسلحة. العمل بمبدأ الدفاع في العمق، فلم تنجر المقاومة إلى الدفاع الثابت المستميت على القشرة الخارجية لجباليا، التي سيكون فيها الغلبة للاحتلال نظرا لما يمتلكه من وسائل قتالية متعددة ومتقدمة، بل اختارت منطقة دفاعية مجهزة جيدا في العمق ومليئة بالكمائن ومحاصرة الجسم الرئيسي لقوات الاحتلال وكسر هجومها بهجمات مكثفة بالنيران والقوات. عدم إغفال أهمية استخدام النيران الدفاعية البعيدة والقريبة، حيث تواصل ضرب إسرائيل في عسقلان وسديروت ومفلاسيم وغيرها، وخرجت الرشقات من بين الدبابات الإسرائيلية المتقدمة في جباليا لتؤكد صلابة المدافع وتحديه. جيش الاحتلال يرفض الكشف عن الأسباب الحقيقية لاستهداف جنوده في جبهات قطاع غزة "نيران صديقة"

ونتيجة لهذه الإستراتيجية التي اتبعتها المقاومة في جباليا فإنه نتج عنها ما يمكن تسميته "بقعة القتال الملوثة"، حسب تعبير أسامة خالد، الذي قال إن هذه البقعة اختلط فيها العدو والصديق؛ مما صعّب المهمة على القوات الغازية في إدارة عملية التنسيق بين الوحدات القادمة حديثا والموجودة سابقا.

وأضاف المختص في الشؤون العسكرية والأمنية أنه في ظل ضغط المقاومة على الوحدات المتقدمة، اضطر فصيل قتالي من الكتيبة 202 المظلي للتقدم لإنشاء غرفة قيادة مؤقتة، مما جعل الكتيبة 82 مدرعة تتعامل بارتباك شديد وتخوف من احتمالية التفاف معادٍ عليها، فقامت بالقصف المباشر وقتل وإصابة قوة المظليين من الكتيبة 202.

من جانبه، يقول الكاتب والمحلل السياسي ماجد إبراهيم إن من الصعب تصديق روايات الاحتلال الإسرائيلي في ظل المعارك الطاحنة مع المقاومة، وفي ظل الفيديوهات التي تبثها عن الاستهداف المركز لآليات جيش الاحتلال وجنوده.

وأضاف إبراهيم -في تصريحات خاصة للجزيرة نت- أن رواية الاحتلال عن "النيران الصديقة" محاولة لحرف الأنظار عن خسائره البشرية وأخطائه العسكرية، فضلا عن أن هذه الأخطاء لم تكن لتحصل لولا الإرباك الذي يتعرض له الاحتلال بسبب الخطط والتكتيكات العسكرية المحكمة والمميتة وعمليات الخداع التي تمارسها المقاومة.

7 أكتوبر من جديد

وأرجع الكاتب والمحلل السياسي هذا التطور العسكري في مخيم جباليا إلى ما يلي:

كان جيش الاحتلال يظن أنه يواجه كتيبة واحدة في جباليا، لكنه وجد نفسه في مواجهة 3 كتائب للقسام، ويواجه مقاومة أشد من تلك التي واجهها في بداية الحرب قبل نحو 8 أشهر. وقوع عدد من جنود الاحتلال في أنفاق جباليا بين قتيل وجريح وأسير، كما أعلنت كتائب القسام. ما يحدث في جباليا يمكن اعتباره "7 أكتوبر من جديد"، لأن قوات الاحتلال تعرضت لكمين مركب خسرت فيه عددا من جنودها رغم الجاهزية العالية والتسليح الجيد، على خلاف المفاجأة التي تعرضت لها في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023. الاحتلال يواجه مقاومة شديدة في رفح، وتكللت بإطلاق صواريخ لأول مرة منذ بدء المعركة هناك، وانطلقت هذه الصواريخ من على بعد أمتار من تواجد الجنود في رفح، بما يؤكد أن المقاومة لا تزال تحتفظ بقدراتها الصاروخية وقدراتها في القنابل والقذائف التي تتصيد دبابات الاحتلال.

وأشار إبراهيم إلى أن ما يظهره الاحتلال من مظاهر القوة باستهداف مخيم النازحين في رفح ليس إلا تنفيسا عن هزيمته الميدانية والنفسية أمام المقاومة، ولا يمكن أن يؤثر على معادلة القوة بين الطرفين، وسيؤدي إلى المزيد من عزلة الاحتلال السياسية دوليا، وتسريع محاكمته وإدانته في محكمتي العدل والجنائية الدوليتين.

خلافات سياسية

وعن تأثير المشهد العسكري في جباليا وغيرها من الجبهات في قطاع غزة، قال المحلل ماجد براهيم إن الخلافات السياسية التي تعصف بالاحتلال على صعيد الاستمرار في الحرب وقضية اليوم التالي تزيد الضغط السلبي على قوات الاحتلال التي دخلت أصلا إلى غزة في ظل شح بنك أهدافها العسكرية، ولم تتمكن من تعزيزها من خلال احتلال قطاع غزة.

وأضاف المصدر نفسه أنه مع مرور الوقت يتأكد فشل قوات الاحتلال في تحقيق الهدفين الرئيسيين لهذا العدوان؛ وهما القضاء على حركة المقاومة الإسلامية (حماس) واستعادة الأسرى بالقوة.

وختم المحلل السياسي تصريحاته بأن هذا سيؤثر بقوة عند الحديث عن احتمال استئناف مفاوضات الأسرى، لأن المقاومة باتت في وضع أفضل عسكريا وميدانيا، بما يوفر لها أفضلية في المفاوضات للتمسك بمطلبي وقف الحرب والانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات قوات الاحتلال جیش الاحتلال مخیم جبالیا فی جبالیا قطاع غزة

إقرأ أيضاً:

تأجيل لعبة "كيرن" حتى 2026.. استوديو The Game Bakers يفضل الإتقان على السرعة

أعلن استوديو التطوير الفرنسي The Game Bakers عن تأجيل إطلاق لعبة التسلق والبقاء المنتظرة "كيرن" (Cairn) إلى الربع الأول من عام 2026، بعد أن كان من المقرر إصدارها في 5 نوفمبر 2025.

الاستوديو الذي اشتهر بإبداعه في ألعاب مثل Furi وHaven، برّر قرار التأجيل برغبة فريق التطوير في تحسين اللعبة وصقل تفاصيلها ومعالجة الأخطاء التقنية قبل الإطلاق الرسمي. وجاء على لسان المدير الإبداعي إيمريك ثوا (Emeric Thoa) قوله: "بعد خمس سنوات من العمل المتواصل، لا معنى للتسرع الآن. نحن نريد أن نشعر بالفخر تجاه اللعبة التي نُطلقها، حتى لو تطلّب ذلك الانتظار قليلًا."

وأضاف ثوا أن قرار التأجيل ليس ممتعًا للفريق أو اللاعبين، لكنه يبقى الخيار الأفضل مقارنةً بإصدار لعبة مليئة بالمشكلات.

لعبة كيرن ليست مجرد مغامرة بقاء عادية، بل تُقدّم تجربة جديدة في محاكاة التسلق الواقعي بأسلوبٍ مفعم بالتحديات النفسية والبدنية. تعتمد اللعبة على مبدأ التركيز الكامل، إذ لا تحتوي على واجهة مستخدم أو مؤشرات مساعدة، بل يُطلب من اللاعب قراءة لغة جسد الشخصية وتنفسها لمعرفة مستوى الإجهاد أو الخطر.

هذا النهج الواقعي يجعل "كيرن" واحدة من أكثر ألعاب التسلق صعوبة وتحديًا، وتُقارن كثيرًا بلعبة Jusant من استوديو Don't Nod، إلا أن "كيرن" تبدو أكثر كثافة وإثارة، مع تركيز أعمق على التجربة الفردية الصافية دون أي عناصر مشتتة.

ورغم تأجيل الإصدار، فإن اللعبة تُحقق بالفعل نجاحًا لافتًا في مرحلتها التجريبية. فقد استقطب الإصدار التجريبي أكثر من 600 ألف لاعب على كل من الحاسب الشخصي وPlayStation 5، وهو رقم كبير بالنظر إلى أن اللعبة ما تزال قيد التطوير.

وأعلن الاستوديو عن تحديث جديد للإصدار التجريبي في 13 أكتوبر الجاري، يتضمن إضافة تسجيلات “أشباح” للاعبين المحترفين وأعضاء الفريق، بحيث يمكن للاعبين الآخرين تتبع هذه الأشباح لتجربة مسارات جديدة أو تحسين تقنياتهم في التسلق.
هذه الميزة تعكس ابتكارًا ذكيًا يدمج بين عنصر المنافسة الفردية والتعلم الجماعي، بطريقة تشبه ما قدمته ألعاب السباقات الشهيرة مثل Mario Kart التي سمحت بتتبع “الأشباح” لتحسين الأداء.

فلسفة الإتقان قبل الإطلاق

قرار The Game Bakers لا يأتي بمعزل عن سياق أوسع في صناعة الألعاب. ففي السنوات الأخيرة، تعرّضت العديد من الشركات الكبرى لانتقادات حادة بسبب إصدار ألعاب غير مكتملة، ما جعل عبارة "نُصلحها لاحقًا" شعارًا غير محبّب بين اللاعبين.

أما "كيرن"، فتبدو مثالًا على النهج المضاد لهذا الاتجاه، حيث يختار الاستوديو تأجيل الإطلاق لتقديم منتج نهائي متقن ومستقر.
وهذا القرار يعكس احترامًا واضحًا للجمهور وثقة في جودة اللعبة التي أمضى الفريق أكثر من خمس سنوات في تطويرها.

نظرة نحو المستقبل

حتى الآن، لم يُحدد الموعد النهائي لإطلاق "كيرن"، لكن من المؤكد أنها ستصدر خلال الربع الأول من 2026، على منصات PC وPS5 فقط في المرحلة الأولى.
ومع التفاعل الكبير مع النسخة التجريبية والإشادات التي حظيت بها الفيزياء الواقعية وحركات التسلق الدقيقة، يبدو أن الانتظار سيكون مبررًا تمامًا.

في النهاية، يُثبت استوديو The Game Bakers أن الإبداع لا يقاس بسرعة الإطلاق، بل بقدرة المطورين على تقديم تجربة تليق بتوقعات اللاعبين. ومع اقتراب 2026، ينتظر عشاق الألعاب واحدة من أكثر تجارب التسلق واقعية وإثارة في تاريخ الألعاب الحديثة.

مقالات مشابهة

  • غزة.. أسطورة الصمود التي كسرت هيبة الاحتلال وأعادت للحق صوته
  • أبو زيد: مفاوضات شرم الشيخ قد تطيح بعقيدة الاحتلال العسكرية
  • مغردون: لماذا تخشى إسرائيل الإفراج عن الطبيبين أبو صفية والهمص؟
  • ناشط مغربي: اتفاق غزة ثمرة صمود المقاومة والجبهة اليمنية التي أربكت العدو الصهيوني
  • لماذا غابت الفيديوهات التي توثق ما يجري في الأقصى؟
  • تأجيل لعبة "كيرن" حتى 2026.. استوديو The Game Bakers يفضل الإتقان على السرعة
  • تل أبيب تنهي عمليتها العسكرية في غزة وتعلن بدء مرحلة ما بعد حماس
  • الشرطة بغزة ستبدأ الانتشار بالمناطق التي انسحب الاحتلال منها
  • داخلية غزة: سنبدأ الانتشار بالمناطق التي ينسحب منها الاحتلال
  • انسحاب جيش الاحتلال من مخيم الشاطئ وخروج لواء عتصيوني بمدينة خان يونس