قصص من جباليا.. لماذا يفضل الاحتلال رواية النيران الصديقة للتعبير عن إخفاقه؟
تاريخ النشر: 27th, May 2024 GMT
لم تعد القصص المروية في مخيم جباليا شمال غزة خفية عن وسائل الإعلام المختلفة التي علا صوتها مع انطفاء زخم الهجوم الإسرائيلي وانكساره أمام صمود المقاومة الفلسطينية وعنفوان عملياتها النوعية، إذ وصلت إلى إطلاق جنود الاحتلال "النيران الصديقة" على زملائهم بالخطأ، فضلا عن أسر المقاومة جنودا إسرائيليين وتوثيق ذلك بمقاطع الفيديو.
تبدأ الحكاية عندما اضطر قادة الفرقة 98 الإسرائيلية لاستدراك التعثر الهجومي الذي مُنيت به الفرقة في هجومها على مخيم جباليا، وذلك عبر الزج بوحدات قتالية من اللواء 35 (لواء المظليين) الذي يعد من جنود النخبة في الجيش الإسرائيلي.
وفي تفاصيل الحكاية -حسب مصادر الجزيرة نت- أن ضربات المقاومة النوعية في جباليا اضطرت وحدات المظليين إلى تغيير طرق القتال والتحول إلى لواء مشاة، وذلك عكس ما كان موجودا في ألوية المدرعات التي قادت القتال في اليوم الأول من الهجوم على المخيم.
وفي تصريحات خاصة للجزيرة نت، قال المختص في الشؤون العسكرية والأمنية أسامة خالد إن المشاهد التي تخرج للإعلام ليست إلا جزءا يسيرا مما يحدث في الميدان، وأضاف أن هذه الملاحم القتالية للمقاومة تعود إلى ما يلي:
حرمان جيش الاحتلال من تحقيق مبدأ المفاجأة في بداية الهجوم نحو شرق مخيم جباليا، واكتشاف خططه تجاه التقدم نحو العمق والأهداف المتوقعة لهجومه. روح القتال العالية التي تتجسد في حالة الإقدام والتسابق على تكبيد الاحتلال خسائر كبيرة بكل الوسائل القتالية المتاحة. توظيف الإعلام العسكري في الميدان، الذي أكده حجم المواد القادمة من هناك، مع التوثيق الدقيق عبر المرافقة الدائمة للكاميرا مع السلاح نحو الهدف، وحتى في مرحلة الإعداد. اتباع مزيج من التكتيكات الدفاعية المختلفة، مثل إعاقة تقدم قوات الاحتلال والمراوحة بين الدفاعين المتحرك والثابت، مع التركيز على الاستدراج المحسوب، وتحويل هذه القوات إلى صناديق حديدية محاصرة بالنيران المضادة للدروع. وبالتالي إفشال الخطط التكتيكية وكسب مزيد من الوقت في ترميم الخرق الحاصل في الجهاز الدفاعي، وتحريك القوات وفق تطور الموقف والحاجة القتالية الحقيقية وسترها بعيدا عن نظر العدو ونيرانه. السيطرة الواعية تحت الضغط المعادي من نيران مكثفة وستائر دخانية وأحزمة نارية ونيران مدفعية على محاور التقدم، مع التنسيق بين المستويين التكتيكي والعملياتي، واتباع مبدأ الدعم المتبادل بين الكتائب مناطقيا. توظيف أسلحة الدعم القتالي بعد نحو 8 شهور من بدء الحرب، حيث رأينا النيران القوسية بالهاون والصواريخ القصيرة والقنص والطيران المسيّر وغيرها من الأسلحة. العمل بمبدأ الدفاع في العمق، فلم تنجر المقاومة إلى الدفاع الثابت المستميت على القشرة الخارجية لجباليا، التي سيكون فيها الغلبة للاحتلال نظرا لما يمتلكه من وسائل قتالية متعددة ومتقدمة، بل اختارت منطقة دفاعية مجهزة جيدا في العمق ومليئة بالكمائن ومحاصرة الجسم الرئيسي لقوات الاحتلال وكسر هجومها بهجمات مكثفة بالنيران والقوات. عدم إغفال أهمية استخدام النيران الدفاعية البعيدة والقريبة، حيث تواصل ضرب إسرائيل في عسقلان وسديروت ومفلاسيم وغيرها، وخرجت الرشقات من بين الدبابات الإسرائيلية المتقدمة في جباليا لتؤكد صلابة المدافع وتحديه.ونتيجة لهذه الإستراتيجية التي اتبعتها المقاومة في جباليا فإنه نتج عنها ما يمكن تسميته "بقعة القتال الملوثة"، حسب تعبير أسامة خالد، الذي قال إن هذه البقعة اختلط فيها العدو والصديق؛ مما صعّب المهمة على القوات الغازية في إدارة عملية التنسيق بين الوحدات القادمة حديثا والموجودة سابقا.
وأضاف المختص في الشؤون العسكرية والأمنية أنه في ظل ضغط المقاومة على الوحدات المتقدمة، اضطر فصيل قتالي من الكتيبة 202 المظلي للتقدم لإنشاء غرفة قيادة مؤقتة، مما جعل الكتيبة 82 مدرعة تتعامل بارتباك شديد وتخوف من احتمالية التفاف معادٍ عليها، فقامت بالقصف المباشر وقتل وإصابة قوة المظليين من الكتيبة 202.
من جانبه، يقول الكاتب والمحلل السياسي ماجد إبراهيم إن من الصعب تصديق روايات الاحتلال الإسرائيلي في ظل المعارك الطاحنة مع المقاومة، وفي ظل الفيديوهات التي تبثها عن الاستهداف المركز لآليات جيش الاحتلال وجنوده.
وأضاف إبراهيم -في تصريحات خاصة للجزيرة نت- أن رواية الاحتلال عن "النيران الصديقة" محاولة لحرف الأنظار عن خسائره البشرية وأخطائه العسكرية، فضلا عن أن هذه الأخطاء لم تكن لتحصل لولا الإرباك الذي يتعرض له الاحتلال بسبب الخطط والتكتيكات العسكرية المحكمة والمميتة وعمليات الخداع التي تمارسها المقاومة.
7 أكتوبر من جديد
وأرجع الكاتب والمحلل السياسي هذا التطور العسكري في مخيم جباليا إلى ما يلي:
كان جيش الاحتلال يظن أنه يواجه كتيبة واحدة في جباليا، لكنه وجد نفسه في مواجهة 3 كتائب للقسام، ويواجه مقاومة أشد من تلك التي واجهها في بداية الحرب قبل نحو 8 أشهر. وقوع عدد من جنود الاحتلال في أنفاق جباليا بين قتيل وجريح وأسير، كما أعلنت كتائب القسام. ما يحدث في جباليا يمكن اعتباره "7 أكتوبر من جديد"، لأن قوات الاحتلال تعرضت لكمين مركب خسرت فيه عددا من جنودها رغم الجاهزية العالية والتسليح الجيد، على خلاف المفاجأة التي تعرضت لها في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023. الاحتلال يواجه مقاومة شديدة في رفح، وتكللت بإطلاق صواريخ لأول مرة منذ بدء المعركة هناك، وانطلقت هذه الصواريخ من على بعد أمتار من تواجد الجنود في رفح، بما يؤكد أن المقاومة لا تزال تحتفظ بقدراتها الصاروخية وقدراتها في القنابل والقذائف التي تتصيد دبابات الاحتلال.وأشار إبراهيم إلى أن ما يظهره الاحتلال من مظاهر القوة باستهداف مخيم النازحين في رفح ليس إلا تنفيسا عن هزيمته الميدانية والنفسية أمام المقاومة، ولا يمكن أن يؤثر على معادلة القوة بين الطرفين، وسيؤدي إلى المزيد من عزلة الاحتلال السياسية دوليا، وتسريع محاكمته وإدانته في محكمتي العدل والجنائية الدوليتين.
خلافات سياسية
وعن تأثير المشهد العسكري في جباليا وغيرها من الجبهات في قطاع غزة، قال المحلل ماجد براهيم إن الخلافات السياسية التي تعصف بالاحتلال على صعيد الاستمرار في الحرب وقضية اليوم التالي تزيد الضغط السلبي على قوات الاحتلال التي دخلت أصلا إلى غزة في ظل شح بنك أهدافها العسكرية، ولم تتمكن من تعزيزها من خلال احتلال قطاع غزة.
وأضاف المصدر نفسه أنه مع مرور الوقت يتأكد فشل قوات الاحتلال في تحقيق الهدفين الرئيسيين لهذا العدوان؛ وهما القضاء على حركة المقاومة الإسلامية (حماس) واستعادة الأسرى بالقوة.
وختم المحلل السياسي تصريحاته بأن هذا سيؤثر بقوة عند الحديث عن احتمال استئناف مفاوضات الأسرى، لأن المقاومة باتت في وضع أفضل عسكريا وميدانيا، بما يوفر لها أفضلية في المفاوضات للتمسك بمطلبي وقف الحرب والانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات قوات الاحتلال جیش الاحتلال مخیم جبالیا فی جبالیا قطاع غزة
إقرأ أيضاً:
الدويري: المقاومة تعمل بعمق قوات الاحتلال وحرب إيران لا تؤثر على غزة
قال الخبير العسكري والإستراتيجي اللواء المتقاعد فايز الدويري إن المقاومة الفلسطينية لا تزال تنفذ عملياتها في عمق انتشار قوات الاحتلال داخل قطاع غزة، مشيرا إلى أن الكمين الأخير لكتائب القسام -الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)- شرقي خان يونس جنوبي قطاع غزة يؤكد هذه الحقيقة الميدانية بوضوح.
وكانت قناة الجزيرة قد بثت الجمعة مشاهد حصرية لكمين نفذته كتائب القسام السبت الماضي شرق خان يونس ضمن عمليات "حجارة داود"، أسفر عن مقتل ضابط وجندي من لواء كفير وإصابة ضابطين آخرين من وحدة الاستخبارات، كما أظهرت المشاهد استهداف دبابة من المسافة صفر.
وأوضح الدويري في تحليل للمشهد العسكري بقطاع غزة أن الفيديو الذي بثته قناة الجزيرة يُظهر بجلاء خروج عناصر المقاومة من أحد الأنفاق وتنفيذهم لهجوم مركب استهدف آليات الاحتلال في منطقة الزنة، وهي منطقة يُفترض أنها خاضعة للسيطرة الإسرائيلية الكاملة، مما يكشف أن شبكة الأنفاق ما زالت فاعلة حتى اللحظة.
وأضاف أن هذا النوع من الكمائن يعكس حالة "العمل في العمق" داخل صفوف العدو، وهو ما يعدّ نجاحا استخباريا وميدانيا مهما، إذ تمكنت المقاومة من جمع معلومات دقيقة من خلال نقاط المراقبة المنتشرة في الميدان، ثم التخطيط والتنفيذ في إطار 3 مراحل: تثبيت، هجوم، ثم تفجير حقل الألغام بعد الانسحاب.
وأشار الدويري إلى أن الفيديو أوضح كيف خرج المقاومون من الأنفاق، وضعوا الحشوات المتفجرة، وتمركزت وحدة الاستهداف بقواذف "الياسين"، بينما وثّقت كاميرتان تفجير ناقلة جند وإشعال النار في الآليات، مما عزز مصداقية المشاهد التي بثت ودلّل على الجاهزية العالية للمجموعة المنفذة.
مناطق آمنة
وبيّن أن وجود المقاومة بهذا الشكل في مناطق من المفترض أنها "آمنة" لقوات الاحتلال يضع علامة استفهام كبرى على أداء الجيش الإسرائيلي، ويؤكد في الوقت ذاته أن أبناء المقاومة رغم ظروف الحرب يواصلون رصد التحركات المعادية والتحضير للرد في التوقيت المناسب.
إعلانوفي سياق الربط بين التصعيد الأخير بين إسرائيل وإيران، شدد الدويري على أن هذا التوتر الإقليمي لم يسحب تأثيره على سير العمليات في غزة، موضحا أن الاحتلال رغم إعادة توزيع بعض وحداته نحو الشمال والضفة الغربية ما زال يحتفظ بفائض قوة كبير داخل القطاع يسمح له بمواصلة العمليات.
وكان جيش الاحتلال قد أعاد انتشار بعض وحداته العسكرية بعد تصاعد التهديدات على الجبهة الشمالية تحسبا لتحرك من حزب الله، كما عزز إجراءاته الأمنية في الضفة الغربية، إلا أن الدويري أوضح أن غزة كانت ولا تزال تكفيها فرقة واحدة على أقصى تقدير، وهو ما لم يتغير جوهريا حتى الآن.
وأكد أن حجم الدمار الهائل وتهجير السكان لم يمنعا المقاومة من العمل، وهو ما تعكسه المعارك اليومية والكمائن المتكررة في مختلف مناطق القطاع، في ظل استمرار الاعتماد على سلاحَي الجو والمدفعية من جانب الاحتلال لتحقيق أهدافه من خلال فرض واقع ميداني في المناطق الحمراء.
وفي ما يخص الهدف الإستراتيجي من استمرار العمليات البرية، رأى الدويري أن الجيش الإسرائيلي يهدف إلى فرض تهجير قسري للسكان باتجاه مناطق تم تحديدها سلفا كمراكز لتوزيع المساعدات، تشمل 3 مناطق في الجنوب وأخرى وسط القطاع، مما يؤدي إلى تكدّس سكان غزة في نطاقات ضيقة يسهل التحكم فيها لاحقا.
الأهداف السياسيةوأشار إلى أن هذه التحركات تأتي أيضا في إطار السعي لتدمير شبكة الأنفاق وإزالة البنية السكنية التي تحتضن المقاومة، وذلك كمحاولة لتحقيق أهداف سياسية واضحة تتعلق بإعادة تشكيل الخارطة السكانية والجغرافية لقطاع غزة بشكل يخدم الخطط الإسرائيلية الطويلة الأمد.
وكانت كتائب القسام قد أعلنت في وقت سابق من الأسبوع الحالي تدمير 3 دبابات من طراز ميركافا بعبوات شديدة الانفجار شرق مخيم جباليا شمالي القطاع، كما استهدفت تجمعات للجنود والآليات في قيزان النجار بقذائف هاون وصواريخ قصيرة المدى من طراز "رجوم 114 ملم"، في دلالة على تنوع الوسائط القتالية المستخدمة.
ومنذ بدء العملية البرية في 27 أكتوبر/تشرين الأول 2023، واصلت المقاومة الفلسطينية تنفيذ كمائن محكمة وعمليات استنزاف واسعة النطاق ضد القوات الإسرائيلية، مع توثيق عشرات الهجمات الناجحة التي أوقعت خسائر بشرية كبيرة في صفوف الاحتلال وأعطبت أو دمرت مئات الآليات العسكرية.
وشدد الدويري على أن المعادلة في الميدان تشير إلى استمرار فاعلية المقاومة، رغم كل الضغوط العسكرية، وهو ما يعني -بحسب تعبيره- أن هدف القضاء الكامل على فصائل المقاومة لا يزال بعيد المنال، وأن ما يحدث يؤكد فشل إسرائيل في تحقيق حسم عسكري واضح حتى الآن.