بايدن ونتنياهو.. كيف تحكم المخاوف السياسية طريقة التعامل مع غزة؟
تاريخ النشر: 28th, May 2024 GMT
نشرت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية تقريرا تحدثت فيه عن العلاقة بين بايدن ونتنياهو وتأثيرها على سياسة جيش الاحتلال تجاه غزة.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن الرأي المهذب في دوائر السياسة الخارجية الأمريكية يعتبر من المسلم به أن عملية صنع القرار لدى بنيامين نتنياهو في زمن الحرب تخضع لسيطرة الحاجة الماسة إلى التشبث بالسلطة.
وأضافت، "أن رئيس وزراء إسرائيل ليس الزعيم العالمي الأكثر أهمية الذي قد يعتمد بقاؤه في منصبه على مسار الحرب في غزة، وسيكون هذا هو الرئيس بايدن، الذي يتخلف عن دونالد ترامب في استطلاعات الرأي والذي تمزق قاعدته السياسية نفسها بسبب حرب الشرق الأوسط".
وفي "اجتماعات هذا الشهر في تل أبيب والقدس، ظهر أن التصور الأمريكي لنتنياهو ينعكس في التصور الإسرائيلي لبايدن ــ أن حاجته إلى البقاء في منصبه (والتصميم على إيقاف ترامب) تشوه حكمه الاستراتيجي"، وفقا للصحيفة.
وتابعت،" ولنأخذ على سبيل المثال الاحتكاك الحالي بشأن خطة اليوم التالي لغزة".
وتقول الحكمة التقليدية في واشنطن، "إن رئيس الوزراء الإسرائيلي يرفض التفكير في مستقبل للقطاع يشمل الحكم المدني الفلسطيني بسبب شركائه في الائتلاف اليميني المتطرف".
وأظهر استطلاع للرأي أجري الشهر الماضي "أن 22.5 بالمئة من اليهود الإسرائيليين يريدون "إقامة مستوطنات يهودية" في غزة، التي أخلتها إسرائيل في سنة 2005".
لكن نتنياهو رفض هذه الفكرة، بما في ذلك في مقابلة أجرتها معه شبكة "سي إن إن" هذا الأسبوع والتي دعا فيها إلى إعادة إعمار غزة من قبل الدول العربية المعتدلة و"إدارة مدنية يديرها سكان غزة"، بمجرد إزالة حماس.
وبينت الصحيفة في تقريرها، "أن من الناحية العملية، من المحتمل أن يكون هؤلاء الغزيون متحالفين، ضمنا أو صراحة، مع السلطة الفلسطينية -على الرغم من أن قول ذلك من المحرمات في إسرائيل، حتى بالنسبة لمعارضة نتنياهو الوسطية-".
وقالت، "إن خط رئيس الوزراء متوافق بما فيه الكفاية مع رغبات إدارة بايدن ومؤسسة الدفاع الإسرائيلية، بحيث يصعب فهم شدة صراع اليوم التالي على أسس استراتيجية بحتة".
وأوضحت الصحيفة، "أن رؤية بايدن لغزة ما بعد الحرب تأرجحت سياسيا، فقد أيد في البداية هدف إسرائيل المتمثل في الإطاحة بحماس بعد مذبحة السابع من شهر تشرين الأول/ أكتوبر".
"ومع ذلك، بدأ في الأشهر الأخيرة يصر على عدم قيام الجيش الإسرائيلي بغزو رفح، المدينة التي تقول إسرائيل إن القوات العسكرية الكبيرة المتبقية لحماس تحصن فيها"، وفقا للصحيفة.
وبحسب الصحيفة، "فإن هذا كالإنذار يبدو أنه يعني ضمنا يوما لاحقا مختلفا: يوم يتعين فيه تشكيل أي حكومة جديدة للقطاع بالتفاوض مع حماس. ومن وجهة النظر الإسرائيلية، كان محور بايدن يرتكز على السياسة أكثر من الاستراتيجية. ويريد الرئيس الأمريكي نهاية – أي نهاية – للحرب في موسم الانتخابات".
ويبدو أن بايدن قد وافق على الغزو الإسرائيلي لرفح بعد أن أثار استخدامه لشحنات الأسلحة كوسيلة ضغط ضجة.
وأشارت إلى أن النفوذ الجديد الذي تمارسه الإدارة على نتنياهو لوقف الحرب هو احتمال اعتراف السعودية بإسرائيل، وهو ما أصبح ممكناً بفضل الضمانات الأمنية الأمريكية للرياض.
ووصفت صحيفة "نيويورك تايمز"، نقلاً عن مسؤولين لم تذكر أسماءهم، المفاوضات على النحو التالي: "يمكن لنتنياهو إما قبول الصفقة الضخمة والتحرك نحو السلام الإقليمي والتعاون الأمني المحتمل مع المملكة العربية السعودية الذي يمكن أن يواجه إيران، خصمهما المشترك - أو رفضها وإدامة دورة العنف الإسرائيلي في غزة وعزلة إسرائيل في المنطقة.
وبحسب واشنطن بوست، فمن المؤكد أن الأمر يبدو وكأنه لا يحتاج إلى تفكير عندما تضعه بهذه الطريقة. ليت نتنياهو العنيد يتعاون بدلاً من الحسابات السياسية.
وذكرت الصحيفة، "أن لدى بايدن حساباته السياسية الخاصة هنا، إذ يريد كل رئيس أن يبدو وكأنه صانع سلام قبل يوم الانتخابات، وخاصة الرئيس الذي تميزت فترة ولايته الأولى بالفوضى والحرب في الخارج، وليس من الواضح تماما حتى الآن ما إذا كانت الصفقة السعودية الإسرائيلية التي يفكر فيها بايدن هي جائزة استراتيجية لإسرائيل أم جائزة سياسية لإدارته".
ففي نهاية المطاف، سعى نتنياهو إلى توثيق التعاون الإسرائيلي مع السعودية لمدة عقد من الزمن، في حين تولى بايدن منصبه سعيًا إلى خفض مستوى العلاقات الأمريكية مع المملكة، وفقا للتقرير.
وأكدت الصحيفة أنه لا يمكن أن يكون قراره بوقف بعض شحنات الأسلحة إلى إسرائيل قد ألهم الحماس للرياض بشأن قيمة التحالف مع واشنطن والقدس.
وتابعت، "يمكننا أن نغفر للإسرائيليين إذا تساءلوا عما إذا كان بايدن قد نجح بالفعل في حل مشاكل المنطقة عمليا، أو ما إذا كان يسعى إلى تحقيق إنجاز ورقي على جدول زمني انتخابي".
وبينت الصحيفة، أن التفاوض مع رئيس دولة حليفة على أساس المصالح الوطنية شيء، ولكنه شيء أمر آخر إذا كنت تعتقد أن شريكك المفاوض يبحث في المقام الأول عن بقائه السياسي الشخصي أو حتى يحاول إنهاء بقائك السياسي.
وكما يخشى المحللون الأمريكيون الليبراليون من أن نتنياهو يحاول رفع مستوى ترامب، يخشى المحللون الإسرائيليون المحافظون من أن بايدن يحاول رفع مستوى معارضي نتنياهو.
وفي القدس وواشنطن، أظن أن هذه الشكوك سوف تنمو في الأشهر المقبلة، مع اقتراب الانتخابات الأمريكية وعودة المنافسة السياسية إلى إسرائيل مع تصدع حكومة الوحدة الوطنية في زمن الحرب.
واختتمت الصحيفة بالقول إن التحالف بين الولايات المتحدة وإسرائيل، كما يحب قادة البلدين أن يقولوا، متجذر جزئيا في الالتزام المشترك بالحكومة الديمقراطية.
ومن المفارقات القاسية أن المطالب التي تفرضها ديمقراطية كل دولة على قادتها هي على وجه التحديد المصدر الرئيسي للاحتكاك بين هذه البلدان، وفقا للصحيفة.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة إسرائيلية بايدن غزة نتنياهو غزة نتنياهو بايدن العدوان صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة
إقرأ أيضاً:
ليست مسرحية بل لعبة العروش السياسية
صراحة نيوز – كتب زيدون الحديد
في مشهد يعيد إلى الأذهان ما يمكن أن تفعله القوى العظمى حين تتقاطع مصالحها مع نار الحرب، جاء وقف إطلاق النار بين الكيان الصهيوني وإيران ليمثل لحظة سياسية بالغة الدلالة، ليس فقط على مستوى الإقليم، بل على مسرح النظام الدولي بأسره.
ففي الوقت الذي اعتقد فيه البعض أن شرارة الحرب الأخيرة بين الجانبين لم تكن إلا مسرحية سياسية أو تصفية حسابات أمنية محدودة، جاءت الطريقة التي أدير بها وقف التصعيد لتكشف عن حقيقة مغايرة وهي ان اللعبة أكبر من مجرد صراع حدودي أو حرب استخبارية، وانما لعبة قوى كبرى، والتي يدير دفتها من يمتلك القدرة على إطلاق رصاصة البدء وصافرة النهاية.
تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب جاءت لتضيف بعدا آخر للقراءة السياسية، فبينما دعا في خطاباته العلنية إلى التهدئة وضبط النفس، أطلق في المقابل تصريحات اعتبرها البعض متناقضة، لكنها برأيي الشخصي حملت رسالة صريحة وهي أن لا قانون فوق القانون الأميركي، وأن قانون القوة هو الحاكم الأول والأخير في معادلة الصراع.
وهنا أقول انه وفي الوهلة الأولى كانت تظهر التصريحات متضاربة بين تحذير من التصعيد وتأكيد على “حق الولايات المتحدة في حماية مصالحها وحلفائها”، ولكنها لم تكن إلا جزءا من تكتيك سياسي متعمد من ترامب، الذي اعتاد استخدام الأسلوب الرمزي الموارب، فكان يوجه رسائل مباشرة للقوى الإقليمية والدولية مفادها أن الولايات المتحدة وحدها من يملك القرار الفصل، متى تبدأ الحرب، ومتى تفرض التهدئة، وكيف ترسم ملامح المشهد اللاحق.
فخطاب ترامب هو تجسيد عملي لفكرة أن الولايات المتحدة ليست ملزمة بأي معيار دولي حين يتعلق الأمر بمصالحها الإستراتيجية، وأنها — متى شاءت — قادرة على خلط الأوراق وتغيير قواعد الاشتباك وفقا لإرادتها.
وهكذا، أثبتت الإدارة الأميركية عبر تصريحات ترامب الأخيرة، أن الهيمنة لا تتطلب بالضرورة الحرب، بل يكفي أن تمتلك واشنطن القرار لتشعل أو تطفئ فتيلها، في لحظة تقرر فيها وحدها متى تكون القوة هي القانون، فترامب، الذي لطالما تباهى بقدرته على صناعة المشهد السياسي كما يشاء، بدا وكأنه أراد تذكير العالم أن قرار الحرب والسلم في هذه المنطقة، ومهما تعددت القوى الإقليمية، ما يزال في جيب الولايات المتحدة، وأن واشنطن — سواء كان ديمقراطيا أو جمهوريا في البيت الأبيض — هي اللاعب الأوحد القادر على توقيت اندلاع المواجهات أو إسدال الستار عليها.
من هنا، فإن من كان يظن أن الحرب الأخيرة مسرحية عبثية أو مواجهة محدودة بلا أبعاد إستراتيجية، كان مخطئا، بل الحقيقة أنها كانت واحدة من أذكى الألعاب السياسية التي أديرت بعناية، ليجري خلالها اختبار توازن القوى في الإقليم، وقياس استعدادات الحلفاء والخصوم، ومن ثم إعادة ضبط الإيقاع بما يخدم مصلحة الكبار.
ما جرى لم يكن استعراضا ميدانيا، بل رسالة أميركية مزدوجة أولا، للداخل الأميركي الذي يراقب تراجع نفوذ واشنطن في بعض الملفات العالمية وثانيا، لحلفاء الولايات المتحدة وخصومها على السواء، بأن واشنطن، وإن أرهقتها حروب أو زعزعتها انتخابات، قادرة على استعادة قرار الهيمنة متى شاءت.
في المحصلة، ما بين قصف ووقف، ودمار وهدوء، ما تزال اللعبة الكبرى تدار بعقل بارد من غرف القرار في واشنطن، بينما تتقاذف الشعوب كلفة الحسابات الجيوسياسية، في مشهد لن يكون الأخير في تاريخ هذه المنطقة.