بعد أن انتهت المواجهة العسكرية بين إيران و"إسرائيل"، عادت قضية العدوان على غزة لتأخذ وضعها المركزي من جديد.
وربما وجد نتنياهو بيئة أفضل لعقد صفقة في قطاع غزة، خصوصا بعد ارتفاع شعبيته في ضوء العدوان على إيران ومحاولة ضرب مشروعها النووي، والتي تمّ النظر إليها كإنجاز نوعي كبير، وهو ما يوفر له هامشا أوسع للمناورة مع تراجع قدرة اليمين الديني المتطرف للضغط عليه في هذا الملف.
وعبَّر مقالٌ نشره مؤخرا آفي إشكنازي، الخبير في الشؤون العسكرية في جريدة معاريف، عن أجواء متصاعدة ترغب في إنهاء الحرب، مشيرا إلى أنّ "إسرائيل" تغرق في مستنقع غزة، وأن البقاء لم يعد مبررا، ويفتقد إلى هدف واضح، مع وجود جيش منهك. وأكدت المعنى نفسه آرئييلا رينغجل هوفمان في مقال نشرته في صحيفة يديعوت أحرونوت. وأشار استطلاع للرأي نشره موقع واللا العبري في 25 حزيران/ يونيو 2025 (بعد انتهاء العدوان على إيران) إلى أنّ 67 في المئة من الجمهور الإسرائيلي يرغبون بإنهاء الحرب على غزة.
ربما تدفع هذه المعطيات نتنياهو إلى خفض سقف توقعاته من غزة، ومحاولة تفعيل دينامية أكثر انسجاما مع الرغبات الأمريكية ومع حلفائه الغربيين. وربما يتم السعي لتفعيل صيغة معدلة لمقترح ويتكوف، مع محاولة تحسين الشروط الإسرائيلية مقارنة باتفاق الهدنة السابق
يدفع في هذا الاتجاه أن الفرصة التي وفرها ترامب لنتنياهو لخرق الهدنة، ولتجريب حظه في سحق المقاومة، قد تجاوزت ثلاثة أشهر دون تحقيق نتائج ملموسة؛ بل إن استخدام جيش الاحتلال كافة أشكال التوحش في أقصى مداها من قتل وتجويع وتشريد وتدمير، بقدر ما زادت المعاناة الإنسانية للأبرياء في قطاع غزة بقدر ما زادت، في الوقت نفسه، في إظهار الجانب البشع للاحتلال وزيادة عزلته، لدرجة أن حلفاءه الطبيعيين التاريخيين في البلدان الغربية رفضوا هذه الممارسات وأدانوها، وطالبوا بوقف العدوان، مع تحرك عدد منهم باتجاه الاعتراف بالدولة الفلسطينية.
من ناحية أخرى، فإن ترامب زادت رغبته، في ضوء ضرب برنامج إيران النووي، في تسريع مسار التطبيع والتسوية في المنطقة. وبينما كان يرى أنّ سحق حماس والمقاومة سيسهم في تهيئة الأجواء للتطبيع، إلا أنه أصبح واضحا لديه أن هذا هدف بعيد المنال، وأن إطالة أمد الحرب على غزة لن تسمح له بتسويق مشروعه التطبيعي، ولا بتوسيع "اتفاقات أبراهام"؛ وأن وقف الحرب والوصول إلى صفقة أصبح أمرا أكثر جدوى، بالإضافة إلى أن سياسته في تخفيض الدعم الأمريكي الخارجي تصبُّ باتجاه عدم إعطاء دولة الاحتلال شيكا مفتوحا دائما من الدعم العسكري والمادي الأمريكي.
ثم إنَّ الآليات البديلة للسيطرة والتحكُّم التي حاول الاحتلال فرضها في قطاع غزة، مثل آلية إيصال المساعدات عن طريق مؤسسة أمريكية "مؤسسة غزة.."، أو تشجيع العصابات والمافيات (ياسر أبو شباب..) وحمايتها وتوفير الغطاء لها للحلول مكان حماس.. كلها فشلت فشلا ذريعا، وأثبتت عدم جدواها. فقد استخدمت آلية المساعدات في "هندسة التجويع" وكآلية لإذلال الناس، وتحولت إلى مصائد قتل وموت؛ حيث استشهد على مداخلها في أقل من شهر أكثر من 510 شهداء وجرح نحو 3,800 آخرين. وَوُوجهت هذه الآلية برفض وإدانة عالمية، كما فشلت عصابة أبو شباب وغيرها، وانحسرت ولم تجد لها حاضنة سوى الغطاء الإسرائيلي المبتذل.
أما تصاعد أداء المقاومة وعملياتها النوعية في الآونة الأخيرة، وكان من أبرزها عملية خان يونس التي اعترف الجيش الإسرائيلي بمقتل سبعة من جنوده وجرح 16 آخرين فيها، فقد أعطى مؤشرا قويا على صلابة المقاومة بعد أكثر من 620 يوما على العدوان على القطاع. وقد ترافق هذا مع التقارير العديدة التي تشير إلى حالة الإنهاك التي يعاني منها الجيش الإسرائيلي، وتوصية الكثير من القادة العسكريين بمن فيهم رؤساء أركان سابقين مثل غادي أيزنكوت، وهيرتسي هاليفي، وإيهود باراك بوقف الحرب.
السلوك الإسرائيلي:
الفجوة ما زالت قائمة، وأن الوصول إليها قد يأخذ وقتا، وأن الصفقة قد تأخذ شكلا مؤقتا، أو شكلا جزئيا، أو شكلَ التنفيذِ على مراحل، مع وجود احتمالات لنقض الاحتلال لعهوده متى رأى مصلحة في ذلك، أو تفسير الاتفاق كما يحلو له. وهو ما يعني أنّ المقاومة تحتاج إلى مزيد من الضبط للضمانات والشروط وآليات التنفيذ
ربما تدفع هذه المعطيات نتنياهو إلى خفض سقف توقعاته من غزة، ومحاولة تفعيل دينامية أكثر انسجاما مع الرغبات الأمريكية ومع حلفائه الغربيين. وربما يتم السعي لتفعيل صيغة معدلة لمقترح ويتكوف، مع محاولة تحسين الشروط الإسرائيلية مقارنة باتفاق الهدنة السابق. وستبقى "العُقَد" المرتبطة بإنهاء الحرب، والانسحاب الكامل من القطاع، ونزع أسلحة المقاومة، وإخراج حماس من المشهد السياسي الفلسطيني، عناصر ضغط ومساومة وابتزاز حتى اللحظة الأخيرة، وحتى استنفاد الجانب الإسرائيلي أسهمه وسهامه.
سلوك المقاومة:
في المقابل، ليس لدى المقاومة، بعد كل هذه التضحيات، وبعد أن أصبحت تمثل آمال الشعب الفلسطيني وحالة إلهام عالمية، من بدائل سوى الاستمرار في الصمود والمقاومة، ولا يمكنها توقيع اتفاقٍ يكون مكافأة نتنياهو على جرائمه، ولكنها ستلجأ للضغط باتجاه إنزاله عن الشجرة؛ ولذلك من المتوقع أن تسعى حماس وقوى المقاومة إلى:
- تصعيد المقاومة وزيادة تكاليف الاحتلال وتحويله إلى عملية فاشلة تتصاعد خسائرها مع الزمن، وتيئيس الاحتلال من تحقيق أهدافه.
- إفشال الحلول البديلة مثل عصابات أبو شباب وغيرها، وتقوية التماسك المجتمعي.
- إفشال "هندسة التجويع" وآلية الإذلال المفروضة في نظام المساعدات.
- التصلُّب في الثوابت والمرونة فيما دون ذلك، مع جعل إنهاء الحرب وخروج الاحتلال من القطاع، وتوفير احتياجات الشعب الفلسطيني، وجعل اليوم التالي في قطاع غزة شأنا فلسطينيا داخليا، معالم يتم الاسترشاد بها في أي صفقة قادمة.
* * *
هذا يعني أنّ الفجوة ما زالت قائمة، وأن الوصول إليها قد يأخذ وقتا، وأن الصفقة قد تأخذ شكلا مؤقتا، أو شكلا جزئيا، أو شكلَ التنفيذِ على مراحل، مع وجود احتمالات لنقض الاحتلال لعهوده متى رأى مصلحة في ذلك، أو تفسير الاتفاق كما يحلو له. وهو ما يعني أنّ المقاومة تحتاج إلى مزيد من الضبط للضمانات والشروط وآليات التنفيذ، ومزيد من التدقيق في النصوص، كما يعني إبقاء اليد على الزناد.
x.com/mohsenmsaleh1
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه إيران إسرائيل صفقة المقاومة إيران إسرائيل مقاومة صفقة عزة مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات اقتصاد سياسة صحافة سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة رياضة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة العدوان على فی قطاع غزة على غزة
إقرأ أيضاً:
هل تجبر عمليات المقاومة نتنياهو على إبرام صفقة شاملة في غزة؟
أجمع محللون سياسيون على أن إستراتيجيات المقاومة الأخيرة تفرض ضغوطا متزايدة تدفع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو المطلوب لدى المحكمة الجنائية الدولية إلى التفكير جديا في صفقة شاملة لوقف إطلاق النار في قطاع غزة.
وعرضت الجزيرة مؤخرا مشاهد تفجير كتائب القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) ناقلتي جند إسرائيليتين في كمين بخان يونس جنوبي القطاع، مما أسفر عن مقتل 7 جنود داخلهما، بينهم ضابط.
وفي هذا السياق، قال الكاتب والباحث السياسي الإسرائيلي يوآف شتيرن إن ما يحدث هو سيناريو كبير "قد يكتمل خلال أسبوع أو أسبوعين، وقد يتوج بزيارة نتنياهو إلى واشنطن".
وأوضح شتيرن لبرنامج "مسار الأحداث" أن هذا السيناريو يشمل أولا وقفا لإطلاق النار وتبادلا للأسرى في غزة، وربما انسحابا إسرائيليا من القطاع.
وتتضمن هذه الصفقة المحتملة عناصر متعددة الأبعاد، إذ أكد شتيرن أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب يريد أيضا أن يكون هناك عفو لنتنياهو من محاكمته قبل أن الوصول إلى نهايتها، وقد تشمل أيضا الذهاب إلى انتخابات مبكرة.
عودة المقاومة
وفي الإطار ذاته، اتفق المحللون على أن عودة المقاومة الفلسطينية بقوة وتنفيذها عمليات نوعية ناجحة خلال الأيام الماضية تشكل العامل الضاغط الرئيسي في المعادلة الحالية.
وفي هذا الإطار، أكد الكاتب والمحلل السياسي إياد القرا أن المقاومة سجلت "صورا مبهرة تثبت أنها حاضرة وقوية"، مما يشكل عاملا ضاغطا كبيرا على المجتمع الإسرائيلي.
وبناء على هذه التطورات الميدانية طرحت العمليات العسكرية الأخيرة -وفق القرا- تساؤلات كبيرة داخل المجتمع الإسرائيلي عما يفعل الجيش الإسرائيلي في غزة.
وأشار إلى أن الجيش الإسرائيلي "إذا كان يبحث عن 20 جنديا أحياء في قطاع غزة فقد عاد بـ28 جنديا إسرائيليا في أكياس، بعضهم تبخر بفعل الانفجارات".
إعلان
قيود وضغوطات
ومن زاوية عسكرية، أكد الخبير العسكري العميد إلياس حنا أن الجيش الإسرائيلي يواجه قيودا حقيقية في قدراته التشغيلية تدعم ما ذهب إليه القرا، كما لا يمكن أن تقاتل كافة الفرق العسكرية في الوقت ذاته داخل القطاع.
وعلى هذا الأساس، أكد حنا أن أي عمل عسكري حقيقي يجب أن يكون هجوما شاملا متكاملا يترافق مع الطيران والتقدم البري، لكن هذا الأمر لم يعد قادرا عليه جيش الاحتلال لأسباب عدة، فضلا عن أن خصائص هذه الحرب مختلفة تماما وتتطلب وقتا طويلا.
وأعرب عن قناعته بأن المقاومة قادرة على الاستمرار، مشيرا إلى توفر العوامل الأساسية للمقاومة، وهي: الإرادة والوسائل والملاذات الآمنة"، إضافة إلى أن الأنفاق لم يُدمر منها أكثر من 30% بالحد الأقصى، وأن المقاومة قادرة على رفع الثمن.
وبالتوازي مع التحديات العسكرية أجمع المحللون على أن نتنياهو يواجه ضغوطات متزايدة من داخل ائتلافه الحكومي.
وفي هذا السياق، أشار الكاتب المختص في الشؤون الإسرائيلية إيهاب جبارين إلى أن نتنياهو اصطدم بجدار الواقع بعد أن اعتاد الهروب إلى الأمام في العمليات العسكرية بدلا من حل مشاكله وأزماته.
وأوضح جبارين أن نتنياهو أمام 3 حلول حاسمة تتمثل في:
قدرته على المناورة. الأدوات والمساعدات المتاحة من واشنطن. الثمن والتنازلات التي يمكنه أن يدفعها.وفي ضوء هذه المعطيات، أعرب جبارين عن قناعته بأن إسرائيل باتت أقرب إلى انتخابات مبكرة، ولكن يبقى السؤال "هل ستكون صفقة تغلفها انتخابات أم تصعيد في غزة يفجر المشهد؟".
وعلى الصعيد الدولي، يرى القرا أن الولايات المتحدة بدأت تستمع إلى أصوات مقربة من حماس بشأن ما يحدث في غزة.
ووفق القرا، فإن المشكلة الحقيقية مرتبطة بغزة ولا يمكن تجاهلها أو تجاوزها، مؤكدا أن ترجمة التصريحات الأميركية إلى فعل حقيقي "تحتاج إلى قرار نتنياهو بإرسال وفد إلى الدوحة أو القاهرة، حيث يمكن التوصل إلى اتفاق خلال 24 ساعة".