أخطأت خطأ جسيمًا كلفني ليالي طويلة في مشفى الرعاية، كنت أتهيأ لمغادرة بيت من بيوت الفنانين التابع لبلدية رام الله، حيث أمضيت ستة أشهر في أحد البيوت القديمة هذه أحاول كتابة نص طويل، (لا أسميه رواية خوفا من هذا الجنس الأدبي الخطير والكاشف)، وضعت كل أغراضي في حقيبتي وخرجت مسلما المفتاح ( لعدي) حارس المكان.
داخل غرفتي كان همام بطل روايتي المصاب بالجذام يجلس على كرسي متعرقا ومتعبا، بينما كانت ناي تقف أمام النافذة تنظر إلى الخارج والدموع في عينيها، فغدا ستسافر إلى لندن تاركة القدس العتيقة التي تعشقها، أما الشاعر توفيق صائغ بطلي الثالث فقد كان مستلقيا على الأرض وهو يقرأ في الإنجيل بحثا عن إلهه الطيب.
وضعت بصعوبة أبطالي الثلاثة في كيس قماشي ضخم على ظهري أمام ذهول الحارس وارتجاف عينيه، خرجت، ببطء منحني القامة، وصلت بيتي بعد نصف ساعتين، أخرجت (همام) بحذر خوفا من أن يعديني جذامه، أسقطت (ناي وتوفيق) من الكيس بهدوء، كل في زاوية، حاولت أن أجلس، لكن ظهري كان ظل منحنيا، وشعرت بألم فظيع في أسفله يشبه حرقا أو نخزا بسكين، اتصلت بالإسعاف، حملني المسعفون على حمالة، وفي مشفى الرعاية شخّص الأطباء ألمي بتشنج كبير في عضلات أسفل الظهر.
هكذا أحسست وأنا أغادر مجبورا بسبب انتهاء مدة إقامتي في بيوت الفنانين، روايتي لم تنته بعد، أبطالي لم يكتمل نموهم المعرفي والعاطفي والإنساني، ما أكتبه هو مشروع رواية أو نص طويل، عن حادث صعب حدث في القدس أواخر الأربعينيات، تتداخل مع الحادث أحداث ثقافية وشخصية. خروجي السريع من بيت الفنانين هيج داخلي هواجس الروائي الحزين واللئيم والأناني والقاتل الذي يكتب روايته ببطء ومتعة خالقا الشخصيات مع المصائر والعلاقات، ويتركهم في أوضاعهم غير المكتملة في المقاهي والبيوت، ثم يعود اليهم وقتما شاء، متجاهلا مطالبهم وحاجاتهم.
يقول الروائي المصري نجيب محفوظ بما معناه في حوار صحفي متحدثا عن كمال عبد الجواد شخصيته الرئيسية في روايته الشهيرة الثلاثية أنه صنع هذه الشخصية بحب وخوف، وأنه كلما كتب صفحة عنها تركها، لينام أو حتى ليذهب إلى الحمام، يظل قلقا على صحتها وكرامتها، وإحساسها بالوحدة، وأن أجمل لحظات حياته كانت حين يكون قرب كمال، يطوره ويغذيه ويكمل نموه ويدير علاقاته مع العالم.
أما الروائي البرتغالي ساراماغو فيقول عن بطلة روايته الشهيرة (العمى): إن زوجة الطبيب، هي الوحيدة التي قررت أن امنحها البصر وسط غابة العمى التي شلّت المدينة، وأنه شعر بالأسف لأنه ورّطها في هكذا جنون، في الليل بينما هو نائم ظل ( ساراماغو) يحلم بزوجة الطبيب وهي توبخه باكية: لماذا اخترتني أنا؟ ألا تعرف أني هشة وحساسة،؟!.
علاقة الروائيين بشخصياتهم قد تكون مصدر متاعب عديدة متنوعة للروائي، قرأت مرة عن مرض شديد تعرض له الروائي الكولمبي ماركيز، بعد كتابته) لرواية خريف البطريق).
(مرضت مرضا شديدا بسبب الحساس بالذنب والحزن على الآلاف الذين قضوا على يد الطاغية، وأشعر بمسؤولية كبيرة عن ذلك، بل أشعر أحيانا أني طاغية من نوع ثقافي مارس تعذيبهم بطريقة أخرى..).
هو قدر الروائي إذن أن ينتج العدالة وينحاز للحق والجمال، ولكن للأسف لا سبيل إلى ذلك إلا بالتسبب بألم للآخرين.
في الليل الفائت شعرت بطفح جلدي على ظاهر يدي، إلهي هل يمكن أن يكون همام بطل روايتي قد نقل لي العدوى؟؟
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
هل يجوز أداء صلاة الشفع وقيام الليل بنية واحدة؟.. أمين الفتوى يجيب
قال الشيخ إبراهيم عبد السلام، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، إنه يجوز أداء صلاة الشفع والوتر وقيام الليل بنيّة واحدة بعد صلاة العشاء مباشرة، موضحًا أن أي صلاة نافلة يُؤديها المسلم بعد العشاء تُعد من صلاة الليل، ولها من الأجر والفضل العظيم ما ثبت في نصوص الشرع.
وأشار أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، خلال حلقة برنامج "فتاوى الناس"، المذاع على قناة الناس، اليوم السبت، إلى أن قيام الليل يشمل كل صلاة تؤدى بعد العشاء وحتى الفجر، سواء كانت ركعتي الشفع أو ركعة الوتر أو غيرها من النوافل، مؤكدًا أن كل ذلك يُعد من قيام الليل الذي ورد في فضله الكثير من الأحاديث.
وأوضح الشيخ إبراهيم عبد السلام أن هناك فرقًا بين قيام الليل والتهجد، قائلًا: "قيام الليل يشمل أي صلاة بعد العشاء، أما التهجد فله خصوصية في الوقت، إذ يكون في الثلث الأخير من الليل، وهو الوقت الذي يسبق الفجر مباشرة بساعة أو نحو ذلك".
واستشهد بقوله تعالى: "ومن الليل فتهجد به نافلةً لك عسى أن يبعثك ربك مقامًا محمودًا"، مبينًا أن هذا الثلث الأخير من الليل هو وقت التهجد الخاص الذي يتقرب فيه العبد إلى ربه بمزيد من الخشوع والانكسار.
وشدد أمين الفتوى على أنه لا مانع شرعًا من أداء الشفع والوتر وقيام الليل بنيّة واحدة بعد العشاء مباشرة، مؤكدًا: "لو صليت الشفع والوتر أو ركعتين بنية قيام الليل بعد العشاء، فلك أجر قيام الليل بإذن الله، والله لا يضيع أجر من أحسن عملا".
وقال: "صلاة الليل من أحب الأعمال إلى الله، ولو صليتها بعد العشاء مباشرة، تنال أجرها، لكن من أراد التهجد في الثلث الأخير فذلك فضل أعظم. نسأل الله القبول".