مقدمة نشرة اخبار تلفزيون ان بي ان
في لبنان العين على استحقاقات الداخل - ومنها رئاسة الجمهورية - وعلى الاستحقاقات الميدانية في الجبهة الجنوبية مرورا بالتداعيات المتسارعة للعدوان الاسرائيلي على قطاع غزة وصولا الى أوروبا التي تشهد انقلابا دفع باليمين المتطرف الى التصدر في الانتخابات التي جرت على مستوى الاقليم.
في الشأن الرئاسي تتزاحم المبادرات والتحركات من دون تحقيق اي اختراق جدي وقد التحق بركبها رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل قبل ان ينهي الحزب التقدمي الاشتراكي وكتلة الاعتدال الوطني مساعيهما.
باسيل يمم اليوم وجهه شطر عين التينة حيث يفترض ان يكون قد استمع تكرارا إلى موقف الرئيس نبيه بري: لا عودة عن التشاور كشرط لدعوة النواب الى جلسة لانتخاب رئيس للجمهورية فالتشاور هو الممر الإلزامي لإنجاز الاستحقاق ولابد منه اولا وثانيا وثالثا وأحد عشر كوكبا ...
وبعد خروجه من الاجتماع مع الرئيس بري حرص باسيل على القول إنه لا يحمل مبادرة بل مسعى لدى الجميع لتأمين الاستحقاق الدستوري واكد انه تفاهم ورئيس المجلس على ان التفاهم أهم بكثير من الانتخاب.
على جبهة الحدود اللبنانية - الفلسطينية لم تطرأ عوامل جديدة على المشهد الميداني الذي سجل وثبة إضافية للمقاومة في مفاجآتها وسياستها الردعية.
وبمقتضى هذه المفاجآت تكرر التصدي للطيران الحربي الاسرائيلي بصواريخ ارض - جو فوق الأراضي اللبنانية.
وفي الوقت نفسه فرضت مسيرات المقاومة حضورها في الأجواء الفلسطينية الشمالية حيث يلاحق هاجسها العدو بمستوييه العسكري والسياسي
هذا الهاجس عكسته وسائل الاعلام العبرية حين اشارت الى ان مسيرة نجحت في نشر القلق لدى ما يزيد عن مئتي الف مستوطن في عكا وشمال حيفا حيث هرع عشرات الآلاف منهم الى الملاجئ.
وربما كانت هذه السياسة الردعية والهجومية من جانب المقاومة قد دفعت العدو إلى التراجع خطوة الى الوراء في التهديد بعملية واسعة في لبنان إذ نقلت وكالات أنباء عالمية عن مسؤول اسرائيلي قوله ان الحرب في لبنان ليست حتمية واضاف اننا ابدينا انفتاحا على الجهود الدبلوماسية الأميركية والفرنسية.
أضف الى ذلك ان البيت الداخلي الاسرائيلي ليس بخير وقد جاءت استقالات عدد من الوزراء في مقدمهم بيني غانتس لتزيد طين الإنقسامات والخلافات بلة
وعلى ايقاع هذه الانقسامات يحط رئيس الدبلوماسية الأميركية انتوني بليكن اليوم في تل ابيب في ثامن زيارة من نوعها منذ بدء عملية طوفان الأقصى.
بلينكن الذي يلتقي بنيامين نتنياهو ووزير حربه يوآف غالانت وغانتس تندرج زيارته ضمن جولة بدأها من مصر وتقوده لاحقا الى الأردن فقطر.
أبعد من مصر واسرائيل والأردن وقطر انجذب جانب من الاهتمامات الى الانقلاب الشعبي الذي انفجر في أوروبا حيث تقدم اليمين المتطرف في انتخابات البرلمان الأوروبي.
الصفعة الأقوى كانت في فرنسا حيث مني معسكر الرئيس ايمانويل ماكرون بهزيمة كبيرة أجبرته على حل البرلمان والدعوة الى انتخابات مبكرة ولسان حاله يقول: صعود القوميين يشكل خطرا على فرنسا وأوروبا.
مقدمة نشرة اخبار تلفزيون ام تي في
أي تداعيات لمشهدية أوروبا الانتخابية على أوروبا والشرق الأوسط ولبنان؟ سؤال ينتظر الإيجابات العملية بعد ما أفرزته صناديق الاقتراع، مع تقدم اليمين المتطرف وتراجع الأحزاب التقليدية.
وأي ترددات على إسرائيل والشرق الأوسط ولبنان أيضا، بعد الانسحابات من الكابينات الإسرائيلي؟
لا شك أن اتضاح صورة هذه التبدلات يتطلب أسابيع، في الوقت الذي تبدو المنطقة في سباق مع الوقت بين المساعي السياسية والديبلوماسية والحلول العسكرية.
أما محليا، فقد توزع الاهتمام اليوم بين حراكي اللقاء الديموقراطي والتيار الوطني الحر. لكن المعطيات تشير الى أن الحركة الرئاسية بلا بركة حتى اللحظة. لاسيما في ضوء التباينات التي ما زالت تتظهر على لسان المبادرين أنفسهم. فرئيس مجلس النواب نبيه بري مصر على حواره، والقوات تصر على الالتزام بالدستور.
وباسيل رد على رئيس تيار المردة بالقول "كنا بواحد ما بيعرف يعد صرنا بإثنين". . ما يعني أن خلطة انهاء الشغور تحتاج الى مزيد من المساعي المحلية والدولية لتكتمل. أما البداية فمن نتائج الانتخابات الأوروبية.
مقدمة نشرة اخبار تلفزيون المنار
ما بعد بعد هرمز باتت عيون المقاومين، فيما تعداد اجيالها المتساقطة من السماء بات امرا معتادا لدى اللبنانيين.
سقط خامس ارقامها اليوم، وسيتبعه المزيد، وما يصيب الخبراء الصهاينة وجنرالاتهم ان هرمز تحترق بسلاح المقاومة الاسلامية وتهوي من عليائها، فيما مسيرات المقاومة تعبر الى مواقع وتجمعات جنودهم مطيحة بكل اجراءات الدفاعات الجوية وطائراتهم الحربية، كما فعلت اليوم من نهاريا الى الجولان المحتلين محققة اصابات مؤكدة.
ولم يكفهم رعب المسيرات الانقضاضية وخسائرها الموجعة، بل بات خوفهم على طائراتهم الحربية التي بدأت تلاحقها صواريخ المقاومة الاسلامية مجبرة اياها على مغادرة السماء اللبنانية.
الى سماء فلسطين المحتلة حيث الضباب الثقيل يعمي الرؤية السياسية الصهيونية، وكلما ظنوا انهم انجزوا جاءتهم الضربات التي تزيد من احباطهم، والجديد ما حققته سواعد المقاومين في رفح، الذين اطبقوا بعبواتهم الناسفة على مجموعة صهيونية تحصنت بمنزل من طبقات عدة، ففجروا المبنى بتلك المجموعة موقعين عناصرها بين قتيل وجريح.
حادث مؤلم وصعب قال الاعلام العبري، فيما اقر به جيشهم المصاب من قتلاه الى استقالة قائد فرقة غزة – الذي يعتبر في هذه الحرب رأس الحربة. اما الحراب السياسية فتتوالى على جسدهم السياسي المشظى، وليس آخرها استقالة بني غانتس وفريقه من الحكومة، الصامدة بغطاء الكنيست المنهكة مع النزف العسكري وتحركات الشارع المتصاعدة.
في الحراك الاميركي السياسي بعد ذاك العسكري الملطخ بدماء شهداء مجزرة النصيرات، حضر وزير الخارجية انتوني بلينكن الى المنطقة محرضا على حماس، مطالبا دول المنطقة بالضغط عليها للقبول بوقف اطلاق النار.
ومع اصرار الاميركي على عدم وقف جوقة كذبه المستمرة على طول ايام الحرب، ردت حماس معتبرة ان موقف بلينكن المنحاز للصهاينة وجريمة الحرب التي يرتكبونها يمثل عقبة حقيقية أمام التوصل إلى الاتفاق.
مقدمة نشرة اخبار تلفزيون او تي في
من أمام قصر العدل في بيروت، صوت صارخ في برية اللاعدالة اللبنانية: لا تعاقبوا القاضية الشريفة التي ترفع لواء محاربة الفساد والدفاع عن حقوق المودعين، بل لاحقوا المرتكبين أينما كانوا، وأنزلوا بهم القصاص العادل، إذا أردتم أن يستقيم الميزان، وأن تبقى شعلة الأمل ببناء دولة حقيقة في لبنان مضاءة، حتى تحين الساعة. أما في تمام الساعة السابعة من مساء الغد، فالموعد في ساحة السابع من آب في العدلية، في تحرك دعا اليه التيار الوطني الحر دعما لقضية القاضية غادة عون.
ومن على منبر عين التينة، رسم رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل حدود تحركه التشاوري مع مختلف الكتل النيابية، مشددا على أنه لا يطلق مبادرة جديدة، بل يدعو الى استغلال الفرصة الجدية السانحة اليوم لانتخاب رئيس للجمهورية.
وفي رد غير مباشر على كلام رئيس تيار المردة سليمان فرنجية الذي تحدث أمس عن تسوية خارجية، رأى باسيل أن الكلام عن انتظار تسويات خارجية لإنجاز الاستحقاق الرئاسي هو أمر غير عقلاني.
غير ان الصورة الأكثر تعبيرا اليوم، أتت من البيت المركزي لحزب الكتائب في الصيفي، حيث حل وفد التيار برئاسة باسيل ضيفا على قيادة حزب الكتائب، بحضور ممثلين عن الكتل التي تقاطعت على انتخاب الوزير السابق جهاد ازعور. أما المحطتان المقبلتان غدا، ففي منزل رئيس تيار الكرامة النائب فيصل كرامي، وفي المجلس النيابي مع نواب التغيير.
اما على خط حزب الله، فلفت كلام نقله موقع الانتشار لنائب الامين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم، اكد فيه فصل العمليات العسكرية عن الاستحقاق الرئاسي، والاستعداد لعملية الانتخاب فور حصول التفاهم اللبناني، مجددا اعتبار فرنجية خيارا اول. اما عن الخيار الثالث، فقال: قبل الحديث عن ذلك، فليتفقوا على اجراء الحوار.
غير ان اللافت في كلام قاسم كان استبعاده اي تسوية حاليا في المنطقة، في ضوء غياب التصور لليوم التالي سواء لدى الاميركيين او غيرهم.
مقدمة نشرة اخبار تلفزيون ال بي سي
زلزال انتخابي أوروبي ولاسيما في فرنسا، بصعود اليمين المتطرف، ما دفع الرئيس ماكرون إلى حل البرلمان داعيا الى انتخابات تشريعية في الثلاثين من هذا الشهر والسابع من الشهر المقبل.
الفريق المنتصر بدأ سلسلة مشاورات استعدادا لهذه الانتخابات.
صحيفة لو فيغارو كشفت عن اجتماع هذا المساء بين Jordan Bardella ومارين لوبان مع Marion Maréchal، التي تم انتخابها عضوا في البرلمان الأوروبي، وقالت لو فيغارو إن المسؤولين الثلاثة يعتزمون مناقشة الانتخابات التشريعية المبكرة التي يأمل ماكرون أن تعيد خلط الأوراق وإلا يكمل السنوات الثلاث المتبقية من ولايته ضعيفا.
فرنسا التي ستنهمك في انتخاباتها التشريعية وفي الألعاب الاولمبية بين السادس والعشرين من تموز والحادي عشر من آب، هل ستجد حيزا من الوقت لمواصلة اهتمامها بالملف اللبناني؟ هل يغيب لبنان عن شاشة الاهتمام الفرنسي؟
وقد يلحق الاهتمام الأميركي بالاهتمام الفرنسي مع دخول الولايات المتحدة مدار الانتخابات الرئاسية.
في حرب غزة، وزير الخارجية الاميركي مجددا في المنطقة، وباكورة مواقفه اتهام حماس بالعرقلة قائلا: " إذا كنتم تريدون وقف إطلاق النار، فاضغطوا على حماس لتقول نعم".
حماس سارعت إلى الرد بلسان سامي أبو زهري رئيس الدائرة السياسية الذي اعتبر أن موقف بلينكن منحاز لاسرائيل.
في الحركة السياسية الداخلية، من منصة عين التينة، قصف رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل جبهتي معراب وبنشعي.
رد على كلام رئيس تيار المردة أمس، فقال: "من يريد أن يطرح نفسه رئيسا أو جعجع "بدكن يعرف يحسب صح ويعرف مين الأول، كنا بواحد ما بيعرف يعد صرنا بتنين".
مقدمة نشرة اخبار تلفزيون الجديد
لم تتغير قواعد الاشتباك انما رفع حزب الله من تقنيات منظومته الصاروخية التي اصبحت حاصلة حتى اليوم على مؤهل " اسقاط سبع مسيرات " اسرائيلية، ثلاث منها هي فخر سلاح الجو الإسرائيلي المدعوة " هيرمز 900" ، وقد استضافت ارض اقليم التفاح مخلفاتها اليوم بعدما كمنت عناصر المقاومة للطائرة المحملة بالصواريخ، وفور وصولها الى دائرة النار استهدفها سلاح الجو . وإذ أخذت قيادات العدو العلم والخبر بتطور هذه التقنيات، وباتت على تآخ مع المعادلة الردعية، فإن الاشارة الاخطر التي وجهها حزب الله كانت بتهديد طائرة ال "إف 16 " الاميركية الصنع .
فطائرة الصقر القاتل اصبحت للمرة الاولى تحت مرمى الصواريخ ، ولم يخف الحزب في احد بياناته قبل ايام أن صواريخ ارض- جو الدفاعية تمكنت من التصدي لطائرة حربية إسرائيلية من نوع "اف 16 " ودفعها الى التراجع خلف الحدود مع فلسطين المحتلة وعملية التحييد هذه عن الاجواء اللبنانية حملت رؤوسا سياسية عسكرية مسننة ورسائل لمن يعنيهم الامر جو ارض بان طائرة الجيل الرابع القناصة النفاثة قد يتم قنصها في اي وقت، وعلى اي من الارتفاعات ولاسيما ان الحزب يمتلك المؤهلات الصاروخية لاسقاطها، وبينها بحسب الخبير العسكري علي حمية : صياد اثنان و سام 22 .
إلا أن المقاومة لا تزال في مرحلة التحذيرات فهي " تضرب .. ليهربوا " اما المراحل المقبلة فقد تحمل المفاجآت وفقا لتقديرات كان اعلنها الامين العام للحزب السيد حسن نصرالله .وعلى النيران الارضية يتحرك كل من مجلس الامن الدولي ووزير خارجية اميركا انطوني بلينكن الذي حث دول المنطقة طالبا منها "الضغط على حماس" لقبول مقترح هدنة في غزة. وتوجه بلينكن إلى "الحكومات في أنحاء الشرق الاوسط بالقول: إذا كنتم تريدون وقف إطلاق النار، فاضغطوا على حماس لتقول نعم".
ومع وصول بلينكن الى تل ابيب، فإنه لم يوجه الدعوة المماثلة الى قيادات الحرب العسكريين والسياسيين الاسرائيليين والضغط على حماس حملته واشنطن الى مجلس الامن الذي يعقد جلسة للتصويت على قرار بايدن وقد صاغت الولايات المتحدة هذا المشروع الذي يتضمن دعوة الى وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة "حماس" في قطاع غزة. لبنانيا مشاريع اقتراحات اختلطت في ما بينها وشهدت الاوتوسترادات السريعة على تنقل الوفود من الاشتراكي الى العوني وبما أن كل الطرق تؤدي الى عين التينة فقد سلكها النائب جبران باسيل للالتفاف على الطرقات الفرعية والرئيسية معا .
وأنتجت الزيارة توافقا بين بري وباسيل ، إذ قال رئيس مجلس النواب للجديد : جبران افضل من غيرو.واضاف بري : باسيل تقدم في موقفه من خلال التنازل عن بعض شروطه إذ لم يتحدث عن البرنامج ولا المواصفات بل فقط عن بناء الدولة وحماية لبنان.. لذلك فهو متقدم وطري في موقفه ومع ان احدا لم يفهم على رئيس التيار او على مبادرته وافكاره وطروحاته باستثناء حربه على جعجع وفرنجية المعلنة والواضحة فإن تفاهم بري ورئيس التيار اليوم ينذر بارانب قادمة ، فعناوين التفاهم عامة لكن الشيطان يكمن في باسيل.
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: التیار الوطنی الحر رئیس التیار جبران باسیل عین التینة رئیس تیار على حماس
إقرأ أيضاً:
الحرب العالمية الثانية.. الصراع الدموي الذي يشكل العالم إلى اليوم
مقدمة الترجمة
يقدم المؤرخ العسكري البريطاني أنتوني بيفور نظرية لتفسير الصراعات الآنية من خلال الحرب العالمية الثانية، التي يرى أن أصداءها تشكل السياسات العالمية إلى اليوم.
ويرى بيفور، في مقاله المنشور بمجلة "فورين أفيرز"، أن جميع القوى/الدول الفاعلة في الحرب تقريبا تقدم روايتها الخاصة حولها، وأن بمقدور تلك الرواية أن تفسر السياسات الراهنة لتلك القوة/الدولة في عالم اليوم. يشمل ذلك الولايات المتحدة وروسيا وأوروبا وحتى الصين التي ورثت مقعد الإمبراطورية اليابانية في أعقاب الحرب.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2ما دور الجامعات الإسرائيلية في قتل وتعذيب الفلسطينيين؟list 2 of 2حافة الهاوية.. تصدُّعات المكان والوجدان في صراع الهند وباكستانend of listيركز بيفور بشكل كبير على روسيا، وهو يقرأ أفكار بوتين وسياساته اليوم باعتبارها إرثا وامتدادا لأفكار وسياسات ستالين، خاصة في الفضاء الجيوسياسي. ولا يخف المؤرخ البريطاني بطبيعة الحال تحيزه إلى الرواية الغربية، لدرجة أنه يبرر إلقاء الولايات المتحدة القنبلة الذرية فوق ناغازاكي وهيروشيما على أنه قرار ينطوي على "موازنة أخلاقية صعبة"، زاعما أنه أنقذ أعدادا كبيرة من البشر، أضعاف أولئك الذين قتلتهم القنابل الأميركية.
نادرا ما يكون التاريخ مرتبا أو منظما، حيث تتداخل العصور وتستطيل الأعمال غير المكتملة من حقبة إلى أخرى. كانت الحرب العالمية الثانية حربًا لا مثيل لها من حيث حجم تأثيرها على حياة الناس ومصائر الأمم، وكانت في الوقت نفسه مزيجا من الصراعات التي صنعتها الضغائن العرقية والوطنية التي أعقبت انهيار 4 إمبراطوريات وإعادة رسم الحدود في مؤتمر باريس للسلام بعد الحرب العالمية الأولى.
إعلانوقد ذهب العديد من المؤرخين إلى أن الحرب العالمية الثانية (بحدودها الزمنية التي نعرفها اليوم بين عامي 1939 و1945) كانت مجرد جزء من حرب طويلة ممتدة منذ عام 1914 (تاريخ اندلاع الحرب العالمية الأولى) حتى عام 1945، أو ربما حتى انهيار الاتحاد السوفياتي عام 1991.. حرب أهلية عالمية نشبت أولا بين الرأسمالية والشيوعية، ثم بين الديمقراطية والدكتاتورية.
لا شك أن الحرب العالمية الثانية جمعت خيوط تاريخ العالم معا، بفضل نطاقها المتسع جغرافيا والدور الذي لعبته في تسريع نهاية حقبة الاستعمار في أفريقيا وآسيا والشرق الأوسط. ولكن رغم تقاسم معظم الدول لهذه التجربة ودخولها في ذات النظام الذي بُني في أعقابها، فإن كل دولة مُشارِكة في النظام خلقت روايتها الخاصة لذلك الصراع الكبير وتمسكت بها حتى النهاية.
وحتى مسألة بسيطة نظريا مثل: متى بدأت الحرب؟ لا تزال موضع جدل، ففي الرواية الأميركية مثلا، بدأت الحرب تأخذ مسارا جديا فقط عندما دخلت الولايات المتحدة على خط الصراع في أعقاب الهجوم الياباني على بيرل هاربور يوم 7 ديسمبر/كانون الأول 1941، وبعد إعلان "الدكتاتور" الألماني أدولف هتلر الحرب على واشنطن بعد ذلك ببضعة أيام.
من جانبه، يصر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على أن الحرب بدأت في يونيو/حزيران 1941، عندما غزا هتلر الاتحاد السوفياتي، متجاهلاً الغزو السوفياتي والنازي المشترك لبولندا في سبتمبر/أيلول 1939، والذي يمثل بداية الحرب بالنسبة لمعظم الأوروبيين.
وهناك من يُرجعون بدايات الحرب إلى تواريخ أبعد من ذلك، فبالنسبة للصين، بدأ الأمر عام 1937، مع اندلاع الحرب الصينية اليابانية، أو ربما قبل ذلك مع الاحتلال الياباني لإقليم منشوريا (التابع للصين) في عام 1931. هذا ويعتقد كثيرون من اليساريين في إسبانيا أن الأمر بدأ في عام 1936 مع إطاحة الجنرال فرانكو بالجمهورية، مما أدى إلى اندلاع الحرب الأهلية الإسبانية.
إعلانتشكل هذه الرؤى العالمية المتضاربة مصدرا للتوتر وعدم الاستقرار في السياسة العالمية. ينتقي الرئيس الروسي بوتين من التاريخ الروسي ما يناسبه، فيجمع بين تكريم التضحيات السوفياتية في "الحرب الوطنية العظمى"، كما تُعرف الحرب العالمية الثانية في روسيا، وبين الأفكار "الرجعية" للروس البيض القيصريين المنفيين بعد هزيمتهم على يد الشيوعيين الحمر في الحرب الأهلية الروسية خلال الفترة 1917- 1922.
هذه الأفكار "القيصرية" تقدم مبررات دينية للهيمنة الروسية على كامل الكتلة الأوراسية، "من فلاديفوستوك (في أقصى الشرق الروسي) إلى دبلن (إيرلندا في أقصى الغرب الأوروبي)"، على حد قول ألكسندر دوغين، المنظر والأيديولوجي الأقرب إلى بوتين، كما تؤصل لكراهية متجذرة لأوروبا الغربية الليبرالية (جدير بالذكر أن هذه الأفكار تنتشر نسبيا وسط الدائرة المقربة من الرئيس الأميركي دونالد ترامب).
في غضون ذلك، أعاد بوتين تأهيل صورة الزعيم السوفياتي خلال فترة الحرب العالمية الثانية جوزيف ستالين، الذي يُعد، كما اعترف الفيزيائي السوفياتي المنشق أندريه ساخاروف، مسؤولاً مباشرا عن قتلى بالملايين، أكثر من هتلر نفسه.
ويذهب الرئيس الروسي إلى حد الإصرار على أن الاتحاد السوفياتي كان بوسعه أن يحقق النصر في الحرب ضد ألمانيا النازية بمفرده، بينما يعترف ستالين وغيره من الزعماء السوفيات أن الاتحاد لم يكن ليتمكن من الصمود دون المساعدات الأميركية. ويدرك هؤلاء الزعماء أن الحملة الجوية الاستراتيجية التي شنتها الولايات المتحدة وبريطانيا ضد المدن الألمانية أجبرت الجزء الأكبر من القوات الجوية الألمانية على العودة والانسحاب من الجبهة الشرقية، الأمر الذي منح السوفيات التفوق الجوي.
وعلاوة على كل ذلك، يرفض بوتين الاعتراف بأهوال العصر الستاليني. وكما أخبرتني ماري سوامز ابنة رئيس الوزراء البريطاني الأسبق ونستون تشرشل في حفل عشاء عام 2003، فإن تشرشل سأل ستالين خلال اجتماع غير رسمي في أكتوبر/تشرين الأول 1944 عن الأمر الذي يندم عليه الزعيم السوفياتي أكثر من ندمه على أي شيء آخر في حياته.. أخذ ستالين بعض الوقت للتفكير قبل أن يجيب بهدوء: "قتل الكولاك"- أي الفلاحين أصحاب الأراضي.
إعلانبلغت هذه الحملة ذروتها مع المجاعة الكبرى "هولودومور" في عامي 1932 و1933، حيث تسبب ستالين عمداً في المجاعة الأوكرانية، مما أسفر عن مقتل أكثر من 3 ملايين شخص، وغرس الكراهية لموسكو بين العديد من الناجين وذرياتهم.
على صعيد آخر، أنتجت الحرب العالمية الثانية توازنا غير مستقر في كثير من الأحيان داخل المعسكر الغربي بين أوروبا والولايات المتحدة، بعدما أجبرت الحرب وطموحات هتلر للهيمنة؛ المملكةَ المتحدة على التخلي عن الدور الذي عينته لنفسها كشرطي العالم، والتوجه إلى الأميركيين طلبا للمساعدة.
كان البريطانيون فخورين حقا بدورهم في النصر النهائي للحلفاء، ولكنهم حاولوا إخفاء الألم الناجم عن تراجع نفوذهم العالمي من خلال ترديد المقولة المبتذلة القائلة بأن بريطانيا "تحملت فوق طاقتها" في الحرب، وكذا من خلال التمسك "بعلاقتها الخاصة" مع الولايات المتحدة.
كان تشرشل منزعجًا من احتمال عودة القوات الأميركية إلى ديارها بعد انتهاء الحرب في المحيط الهادئ عام 1945، ورغم أن المواقف الأميركية ظلت تتذبذب بين السعي إلى دور عالمي نشط والارتداد إلى الانعزالية، فإن التهديد القادم من موسكو ضمِنَ استمرار انخراط واشنطن بشكل عميق في أوروبا حتى انهيار الاتحاد السوفياتي عام 1991.
واليوم، دخلت أول حرب قارية كبرى في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية عامَها الرابع، ويرجع هذا جزئيا إلى القراءة الانتقائية التي يتبناها بوتين للتاريخ الروسي، في حين تهدد الصراعات القاتلة في الشرق الأوسط وأماكن أخرى بالانتشار على نطاق أوسع، وفي الوقت نفسه، يبدو أن إدارة ترامب تتخلى عن القيادة العالمية للولايات المتحدة في خضم "حالة مزاجية مرتبكة".
قبل 80 عامًا، مهدت نهاية الحرب العالمية الثانية الطريق لنظام دولي جديد يرتكز على احترام السيادة الوطنية والحدود، ولكن الآن، ربما حان الوقت أخيرا لدفع فاتورة باهظة نتيجة التناقض الأميركي، والاستسلام الأوروبي، وشهية "الانتقام" الروسية.
من المؤكد أن القسوة الشديدة التي اتسمت بها الحرب العالمية الثانية ظلت محفورة في ذاكرة أجيال عديدة، حيث كان ذلك أول صراع حديث يفوق ضحاياه المدنيون -بكثير- أعداد قتلاه المحاربين، ولم يكن ذلك ليصبح ممكنا إلا من خلال نزع الصفة الإنسانية عن العدو على أساس أيديولوجي، وإثارة النزعات القومية إلى حدها الأقصى، والترويج للعنصرية باعتبارها أمرا مسلما به، فضلا عن "الحرب الطبقية" اللينينية التي أيدت إبادة جميع المعارضين.
إعلانومن اللافت للنظر أن الدبلوماسيين السوفيات كافحوا بعد الحرب لمنع ذكر الحرب الطبقية -التي شملت عمليات القتل الجماعي التي ارتكبها الاتحاد السوفياتي ضد الأرستقراطيين والبرجوازيين والفلاحين مالكي الأراضي- في اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1948 بشأن الإبادة الجماعية.
وإجمالا، لقي قرابة 85 مليون شخص حتفهم خلال الحرب العالمية الثانية، من ضمنهم أولئك الذين قضوا بالمجاعة والمرض. لقد قتلت ألمانيا النازية الملايين، بينما فقدت بولندا خُمس سكانها (نحو 6 ملايين شخص) خلال الحرب.
وبشكل أكثر بشاعة، خسر الصينيون ما يزيد على 20 مليون إنسان، وكان عدد القتلى الصينيين من المجاعة والمرض أكبر من عدد القتلى نتيجة الصراع في ساحة المعركة، بينما تتراوح أعداد قتلى السوفيات بين 24 و26 مليونا.
كان ستالين يدرك في عام 1945 أن إجمالي الخسائر تجاوز 20 مليون إنسان، ولكنه اعترف بثلث هذه الخسارة فقط (7.5 ملايين قتيل)، محاولا على ما يبدو إخفاء الحجم الحقيقي للرعب الذي أطلقه ضد شعبه.
بيد أنه في هذا المقام لا يكفينا أن نتذكر الموتى الذين أخفى قاتلوهم عمدا هويات العديد منهم، فقد غيّر الصراع أيضا حياة الناجين وأسرى الحرب والمدنيين المسجونين في المعسكرات بطرق يتعذر الإحاطة بها. في كثير من الأحيان، كان أولئك الذين استسلموا لمصيرهم في قائمة الضحايا الأوائل، بينما كان الناجون من أولئك الذين لديهم تصميم شديد على العودة إلى أسرهم، والتمسك بمعتقداتهم، وتقديم شهاداتهم على جرائم يتعذر الحديث عنها من فرط بشاعتها.
وحتى تكتمل الصورة القاتمة، لم يتمكن العديد من الجنود الأسرى من العودة إلى ديارهم. بادئ ذي بدء، قُبض على أفراد الجيش الأحمر السوفياتي الذين جُنِّدوا قسرا من قبل الجيش الألماني أثناء وجودهم في فرنسا بزيهم العسكري الألماني وسُلِّموا إلى الضباط السوفيات الذين أعدموا القادة في الغابات ونقلوا البقية إلى الاتحاد السوفياتي، حيث حُكم عليهم بالعمل بالسخرة في الشمال المتجمد.
إعلانوبعد أيام قليلة من استسلام ألمانيا، أمرت القوات البريطانية في النمسا بتسليم أكثر من 20 ألف يوغسلافي مناهض للشيوعية في المنطقة الخاضعة لسلطتها إلى السلطات اليوغسلافية الشيوعية، التي أطلقت النار عليهم ثم دفنتهم في مقابر جماعية.
كما سلّمت القوات البريطانية السلطات السوفياتية بعض أبناء الكزاخ (أحد الأعراض السلافية الشرقية) وهم مواطنون سوفيات لكنهم قاتلوا من أجل ألمانيا. ومن المؤكد أن الحكومة البريطانية كانت تعلم أن عقوبة قاسية تنتظر هؤلاء الجنود، لكنها خشيت أن يؤدي السماح لهم بالرحيل إلى احتفاظ السلطات السوفياتية بأسرى الحرب البريطانيين الذين حررهم الجيش الأحمر في بولندا وشرق ألمانيا.
وبالمثل، جمع الجيش الأحمر 600 ألف جندي ياباني في شمال الصين ومنشوريا، وأرسلهم جميعًا إلى معسكرات العمل في سيبيريا حيث مارسوا أعمالا شاقة حتى الموت.
لعقود طويلة بعد الحرب، ظلت تلك الذكريات حية في أذهان أولئك الذين عاشوها بأنفسهم وتركت بصماتها القاسية في نفوسهم. وعلى إثر ذلك، جرى تشكيل النظام الذي تلا الحرب العالمية الثانية على يد أجيال كان هدفها منع وقوع مثل هذه المأساة مرة أخرى. ولكن بالنسبة لأولئك الذين لم يعيشوا هذا الصراع، وينظرون إلى الوراء من عالم اليوم، فإن عدد ضحايا الحرب العالمية الثانية ربما يكون مجرد رقم، وهم معذورون في ذلك لأنه يصعب استيعاب حقيقة مقتل عشرات الملايين. غير أن فقدان هذه الصلة المباشرة مع الماضي يعني بالتبعية فقدان العزم المشترك الذي أنتج -على مدار 80 عاما- سلاما متصلا، وإن كان غير كامل، بين القوى العظمى.
خلّفت الحرب العالم مكانًا مختلفًا تمامًا. وفي الدول المتحاربة، لم يبق سوى عدد قليل من الناس الذين لم يتأثروا مباشرة بويلات الحرب، فالعديد من النساء اللواتي قُتل خُطّابهن في الحرب لم يتزوجن أبدًا ولم ينجبن أطفالًا، بينما لم يتمكن الرجال العائدون من استيعاب حقيقة أن النساء تَولين إدارة كل شيء، مما جعلهم يشعرون أنهم عديمو القيمة.
إعلانوكان رد الفعل الأقوى في أوروبا القارية. ففي ألمانيا مثلا، سمع الرجال الذين سُجنوا أثناء الحرب للمرة الأولى عن عمليات الاغتصاب الجماعي التي ارتكبها الجيش الأحمر، وشعروا بالإهانة لأنهم لم يكونوا متاحين للدفاع عن نسائهم، ولم يتمكنوا أيضا من التكيف مع حقيقة أن النساء تعاملن مع الصدمة بالطريقة الوحيدة الممكنة وهي التحدث عنها إلى بعضهن بعضا.
وفي فرنسا وغيرها من البلدان المحتلة، تساءل الرجال الذين عادوا من السجون ومعسكرات العمل القسري في ألمانيا؛ كيف تمكنت النساء من البقاء على قيد الحياة دون أي وسيلة للدعم، وبدؤوا يشكون في علاقاتهن مع جنود العدو أو تجار السوق السوداء. وليس مستغربا أن هذه الاستجابات أدت إلى فترة من ردود الفعل الاجتماعية المدمرة استمرت طيلة أربعينيات وخمسينيات القرن العشرين.
في غضون ذلك، ظل الصراع السياسي العنيف مستمرا حتى بعد انتهاء الأعمال الحربية العدائية. في أغسطس/آب 1945، وبعد فترة طويلة من انتهاء القتال في المسرح الأوروبي، بدأ الاتحاد السوفياتي إطلاق سراح الجنود الإيطاليين العاديين الذين أسرهم في الجزء الأخير من حملة قوى المحور للسيطرة على ستالينغراد. لكن هؤلاء الجنود أُرسلوا إلى أوطانهم بدون ضباطهم، لأن زعيم الحزب الشيوعي الإيطالي ناشد موسكو تأخير عودة السجناء الأعلى رتبة الذين قد يدينون الاتحاد السوفياتي علناً ويضرون بفرص الحزب في الانتخابات المقبلة.
وبينما تجمعت الجماعات الشيوعية في محطات السكك الحديدية بإيطاليا للترحيب بالجنود العائدين، كانوا يتوقعون منهم أن يكونوا أكثر تعاطفا مع قضيتهم. لكنهم فوجئوا برؤية الجنود الذين كتبوا عبارة "تسقط الشيوعية" (Abbasso Comunismo) على عربات القطار، ليندلع الاشتباك في المحطات. وعلى إثر ذلك، اعتبرت الصحافة الشيوعية الجنود العائدين الذين انتقدوا الاتحاد السوفياتي بأي شكل من الأشكال؛ أنهم "فاشيون".
إعلانلقد أزيلت الحدود أو أعيد رسمها خلال الحرب وبعدها، ولم يعد الكثير من النازحين يعرفون جنسياتهم بعدما جرى اقتلاع أعداد كبيرة من السكان، وفي بعض الأحيان مدن بأكملها، أو إخلائها، أو قتل جميع سكانها على يد الجماعات شبه العسكرية والشرطة السرية والقوات المسلحة. ولا أدل على ذلك مما حدث في عام 1939، حين دُفع البولنديون من منطقة لفيف (Lwów) التي أصبحت فجأة ضمن حدود الغرب الأوكراني؛ إلى المناطق المهجورة في كزاخستان أو سيبيريا حيث تُركوا لمواجهة الموت.
خضعت لفيف البولندية للاحتلال السوفياتي مرتين، كما احتلها النازيون الذين أرسلوا اليهود إلى معسكرات الموت. وفي أعقاب الحرب، حصلت المدينة على اسم أوكراني جديد، وهو لفيف "Leviv" (بنطق متقارب تقريبا ولكن باختلاف اللغة والهجاء).
وفي مؤتمر يالطا في فبراير/شباط 1945، حين التقى زعماء بريطانيا والاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة لمناقشة شكل أوروبا بعد الحرب، أجبر ستالين قوى الحلفاء على قبول إزاحة بولندا بأكملها إلى الغرب، واستقبال المقاطعات الألمانية السابقة على الجانب الغربي، على أن يستوعب الاتحاد السوفياتي المقاطعات البولندية إلى الشرق. ولإكمال تنفيذ هذه الخطة، نفذ الجيش الأحمر أكبر عملية تهجير قسري ممنهج للسكان في العصر الحديث، حيث نقل أكثر من 13 مليون ألماني وبولندي وأوكراني من مناطقهم.
ومع استمرار مناقشات يالطا إلى مؤتمر بوتسدام في أغسطس/آب 1945، أصبحت رغبة ستالين في توسيع الأراضي السوفياتية أكثر وضوحا، مبديا اهتمامه بتولي السيطرة على المستعمرات الإيطالية السابقة في أفريقيا، ومقترحا الإطاحة بنظام فرانكو في إسبانيا.
وحين داعبه السفير الأميركي لدى الاتحاد السوفياتي آنذاك، أفريل هاريمان، على هامش المحادثات قائلا "لا بد أنه من دواعي سرورك أن تكون في برلين الآن بعد كل ما عانته بلادك"، أجابه ستالين بجمود قائلا: "لقد وصل القيصر ألكسندر إلى باريس".
إعلانلم تكن تلك الملاحظة من ستالين مجرد مزحة على الإطلاق، ففي العام السابق، أمرت القيادة السوفياتية بوضع خطط لغزو فرنسا وإيطاليا والاستيلاء على المضائق بين الدنمارك والنرويج. وخلال عام 1945 قال الجنرال السوفياتي سيرغي شتيمينكو، في إحدى محادثاته: "لقد كنا نتوقع أن يتخلى الأميركيون عن أوروبا التي تغط في الفوضى، وأن تصاب بريطانيا وفرنسا بالشلل بسبب مشاكلهما الاستعمارية".
لقد اعتقد القادة السوفيات أن هذا من شأنه أن يخلق فرصة سانحة لهم، لذا فإنهم لم يتخلوا عن خططهم إلا بعد معرفة أن الولايات المتحدة كانت قريبة من بناء القنبلة الذرية، رغم أن شهيتهم للتوسع ظلت قائمة.
ومن المؤكد أن الحرب العالمية الثانية كانت بمثابة فجر العصر النووي، حيث نظر الكثيرون إلى اختراع القنبلة الذرية برعب، واعتبروا قصف الولايات المتحدة لهيروشيما وناغازاكي جريمة حرب. ورغم ذلك فإن استهداف هاتين المدينتين اليابانيتين في أغسطس/آب 1945 كان ينطوي على خيار "أخلاقي" بالغ الأهمية.
فقبل أن تؤدي عمليات القصف إلى تسريع نهاية الحرب، كان الجنرالات اليابانيون يرغبون في مواصلة القتال بدلاً من قبول شروط الاستسلام التي أصدرتها قوى الحلفاء في إعلان بوتسدام في يوليو/تموز، وكانوا مستعدين للتضحية بملايين المدنيين اليابانيين من خلال إجبارهم على مقاومة غزو الحلفاء باستخدام الرماح المصنوعة من الخيزران والمتفجرات المثبتة على أجسادهم فقط.
وبحلول عام 1944، كان حوالي 400 ألف مدني يموتون شهرياً بسبب المجاعة في مناطق شرق آسيا والمحيط الهادئ وجنوب شرق آسيا التي احتلتها القوات اليابانية. كان الحلفاء يريدون أيضًا إنقاذ أسرى الحرب الأميركيين والأستراليين والبريطانيين الذين كانوا يلقون حتفهم في المعسكرات اليابانية، أو كانوا يتعرضون للذبح على يد خاطفيهم بأوامر من طوكيو.
إعلانوهكذا، ورغم أن القنبلة الذرية حصدت أرواح أكثر من 200 ألف ياباني، فإن هذا السلاح الرهيب ربما أنقذ عدداً أكبر بكثير في "مفارقة أخلاقية مقلقة".
في النهاية، لا شك أن الحرب العالمية الثانية أعادت ضبط مسار السياسة العالمية، سواء إلى الأفضل أو الأسوأ (على اختلاف موقع الناظر وانتمائه). وفي نهاية المطاف، مهدت هزيمة اليابان الطريق أمام صعود الصين الحديثة، وكان انهيار الإمبراطوريات البريطانية والهولندية والفرنسية في عامي 1941 و1942 بمثابة شهادة وفاة لأوروبا الإمبريالية، كما حفزت تجربة الحرب الاتجاه نحو التكامل الأوروبي، وفي الوقت نفسه، ارتفعت مكانة الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي إلى مصاف القوى العظمى.
كذلك، أدت الحرب العالمية الثانية إلى ظهور الأمم المتحدة، التي كان من أهدافها الرئيسية حماية سيادة الدول، ومنع العدوان المسلح والاستيلاءِ على الأراضي بالقوة. كانت الأمم المتحدة حلما يراود الرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت، وكان مستعدًا للسماح لستالين بالسيطرة الكاملة على بولندا لتحقيق هذا الحلم. ولكن في فبراير/شباط من العام الحالي (2025)، أدارت الولايات المتحدة ظهرها للمبادئ التأسيسية للأمم المتحدة، وصوتت إلى جانب موسكو، ورفضت إدانة "العدوان" الروسي على أوكرانيا.
كما أدت الحرب العالمية الثانية إلى نشوب الحرب الباردة، ويقول بعض المؤرخين إن هذا الصراع الجديد بدأ في عام 1947 باتفاقية كلاي-روبرتسون (نسبة إلى لوسيوس د. كلاي، الحاكم العسكري للولايات المتحدة، والجنرال برايان روبرتسون، نائب الحاكم العسكري البريطاني) التي كانت بداية تخلي الحلفاء الغربيين عن ألمانيا الموحدة و"تخليق" ألمانيا الغربية مما أثار جنون ستالين.
إعلانشهد ذلك العام تصاعد التوترات، حيث أصدر ستالين في سبتمبر/أيلول أمراً للأحزاب الشيوعية الأوروبية بتجهيز أسلحتها استعداداً للحرب المستقبلية، وهو ما وضع الأساس للحصار السوفياتي لبرلين في العام التالي.
غير أن الأصول الحقيقية لتلك الأحداث تعود إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير، وتحديدا إلى يونيو/حزيران 1941 حين أصيب ستالين بصدمة نفسية بسبب عملية بارباروسا، الغزو الذي قادته النازية ضد الاتحاد السوفياتي، والذي بدأ في ذلك الوقت. ومنذ ذلك الحين، بدا ستالين عازما على أن يحيط نفسه بدول تابعة في وسط أوروبا وجنوبها حتى لا يتمكن أي غازٍ من مفاجأة الاتحاد السوفياتي مرة أخرى.
لقرون عديدة، كانت روسيا مهووسة بفكرة السيطرة على جيرانها لمنع تطويقها، وكان اهتمام ستالين منصبًّا بالأساس على بولندا. وفيما يبدو فإن بوتين حافظ على العقلية نفسها، لكن اهتمامه تركز على أوكرانيا، موطن الحدود الأكثر ضعفا لروسيا، والتي يراها بوتين جزءا لا يتجزأ من بلاده.
وعندما تحرك الرئيس الروسي بناء على هذا "الادعاء" لغزو أوكرانيا في عام 2022، أعاد إلى الأذهان سمة من سمات زمن الحرب العالمية الثانية التي كانت غائبة إلى حد كبير عن السياسة العالمية منذ ذلك الحين. لقد ساهم الزعماء الأفراد، الذين تمتع العديد منهم بدعم الأنظمة الشمولية التي سيطروا عليها، في تشكيل مسار ذلك الصراع الواسع. من تشرشل إلى روزفلت إلى ستالين، أعادت مؤامرات الزعماء ومكائدهم إحياء فكرة "الرجل العظيم" الذي يحرك مجرى التاريخ في المخيلة الشعبية.
وفي السنوات الأخيرة، أصبح نفوذ الزعماء السياسيين أقل نسبيا. ويرجع ذلك إلى حقيقة أن النظام الاقتصادي العالمي يقيد -إلى حد كبير- حرية تصرفهم، وهو الأمر الذي يفعله أيضا الفحص المستمر لقراراتهم من قبل وسائل الإعلام، والذي يجعل الكثيرين منهم أكثر حذرا. ولعقود من الزمن، بدا الأمر كما لو أن شخصيات الزعماء لن تتمكن مرة أخرى من تحديد مسار الأحداث بالطريقة التي فعلتها إبان الحرب العالمية الثانية، لكن بوتين غيّر هذا الوضع، وترامب، الذي يتخذ من بوتين قدوة له، يغيّر هذا الوضع أيضا.
إعلانواليوم، بينما احتفلت روسيا بيوم النصر في 9 مايو/أيار، يصر بوتين على استغلال قصة "الحرب الوطنية العظمى" التي تخوضها بلاده إلى أقصى حد. ويلمح بوتين إلى إمكانية إعادة تسمية مدينة فولغوغراد باسمها السابق ستالينغراد -وهو الاسم الذي تغير في عام 1961 كجزء من حملة الزعيم السوفياتي نيكيتا خروشوف لإزالة آثار الستالينية- بغية تسليط الضوء على انتصار الجيش الأحمر على "غزاة" المحور في معركة ستالينغراد عام 1943، وهي نقطة التحول النفسية العظيمة في الحرب من وجهة نظر بوتين والروس.
في واقع الأمر، لا توجد مجموعة واحدة من الاستنتاجات التي يمكن استخلاصها من الحرب العالمية الثانية، فالحرب بطبعها تتحدى التعميم ولا يمكن إدراجها تحت تصنيفات سهلة أو ثابتة. وتجلب الحرب عددا لا يحصى من القصص حول المأساة، والفساد، والنفاق، والأنانية، والخيانة، والاختيارات المستحيلة، والسادية، لكنها تنطوي أيضًا على حكايات عن التضحية بالنفس، والرحمة، والبشر الذين تمسكوا بإيمانهم بالإنسانية رغم الظروف المروعة والقمع الوحشي. وسيظل المثال الذي يقدمه هؤلاء جديرًا دائمًا بالتذكر والمحاكاة، بغض النظر عن مدى قتامة الصراعات التي نشهدها في عالم اليوم.
_____________________________
هذا المقال مترجم عن فورين أفيرز ولا يعبر بالضرورة عن الجزيرة نت