شاءت حكمة الله تعالى أن يكون في الدين بعض العبادات أفضل من بعض، وفي الإسلام عدد من العبادات هي أعظم شعائره على الإطلاق بها قوامه وعليها مداره، وهذه العبادات ما تسمى "أركان الإسلام"، وهي 5 تنوعت صور أدائها، فمنها ما يؤدى كل يوم 5 مرات وهي الصلاة، ومنها ما يؤدى كل سنة، مثل صيام رمضان وبعض أنواع الزكاة، ومنها ما يؤدى مرة واحدة في العمر وهو شعيرة الحج.



والحج فريضة من أقدس فرائض الإسلام وشعيرة عظيمة من شعائره الكبرى، وعبادة متميزة من عباداته الأربع، وركن أساس من أركانه الخمسة، وقد دل على فرضيته القرآن الكريم، والسنة المستفيضة المتواترة عن رسول الله التي نقلتها الأمة جيلا عن جيل إلى يومنا هذا كما دل عليه الإجماع المتيقن من جميع مذاهب الأمة. (الحج والعمرة، د. يوسف القرضاوي، ص 12).

وهو عبادة متميزة لأنها عبادة بدنية ومالية، فالصلاة والصيام عبادتان بدنيتان والزكاة عبادة مالية، والحج عبادة تجمع بين البدنية والمالية، لأن الإنسان يبذل فيها جهدا ببدنه، ويبذل فيها ماله. (الحج والعمرة، د. يوسف القرضاوي، ص 12).

وفي كل مظهر من مظاهر الحج وفي كل مجال من مجالاته تتجلى فيه العبودية لله ويظهر أثرها بارزا ملحوظا، ففي أداء الشعائر والتلبس بالطاعات من تجرد عن الثياب وحسر عن الرؤوس وفي الطواف بالبيت واستلام أركانه وفي موقف عرفات ومزدلفة ومنى في ذل وخضوع وتضرع وخشوع، وفي رمي الجمار والذبح أو النحر وما إليه في جميع ذلك مظهر العبودية لرب العباد وبارئهم، وإفراد له بالعبادة وحده دون سواه.

تلك العبودية هي سر علة الوجود وهدفه الأسمى، قال تعالى "وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ. مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ. إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْـمَتِينُ" (سورة الذاريات: الآيات 56 ـ 58) (الإيضاح في مناسك الحج والعمرة، ص30).

صفة حج رسول الله صلى الله عليه وسلم

عـزم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ على الحج، وأعلم الناس أنه حاج، فتجهزوا ـ وذلـك في شهر ذي القعدة سنة عشر ـ للخروج معه، وسمع بذلك من حول المدينة، فقدموا يريدون الحج مع الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ ووافاه في الطريق خلائق لا يحصون، فكانوا من بين يديه ومن خلفه، وعن يمينه، وعن شماله مد البصر، وخرج من المدينة نهارا بعد الظهر لخمس بقين من ذي القعدة يوم السبت، بعد أن صلى الظهر بها أربعا(1).

وخطبهم قبل ذلك خطبة علمهم فيها الإحرام، وواجباته، وسننه، ثم سار وهو يلبي، ويقول: "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد، والنعمة لك، والملك، لا شريك لك" والناس معه يزيدون، وينقصون، وهو يقرهم، ولا ينكر عليهم، ولزم تلبيته، ثم مضى حتى نزل بـ(العرج) ثم سار حتى أتى (الأبواء) فوادي (عسفان) في (سرف) ثم نهض إلى أن نزل بـ(ذي طوى)، فبات بها ليلة الأحد، لأربع خلون من ذي الحجة، وصلى بها الصبح، ثم اغتسل من يومه، ونهض إلى مكة فدخلها نهارا من أعلاها، ثم سار، حتى دخل المسجد، وذلك ضحى (2)، فاستلم الركن ـ صلى الله عليه وسلم ـ فرمل ثلاثا (3)، ومشى أربعا، ثم نفذ إلى مقام إبراهيم (4) عليه السلام. فقرأ: "وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ" (سورة البقرة: الآية 125).

فجعل المقام بينه وبين البيت، وكان يقرأ في الركعتين: ثم رجع إلى الركن (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) * (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ)، ثم خرج من الباب إلى الصفا، فلما دنا من الصفا؛ قرأ: (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ) (سورة البقرة: الآية 158).

وبدأ بما بدأ الله به، فبدأ بالصفا، فرقي عليه، حتى إذا رأى البيت؛ استقبل القِبلة، فوحّد الله، وكبّره، وقال: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده"، ثم دعا بين ذلك، قال مثل هذه 3 مرات، ثم نزل إلى المروة، حتى إذا انصبت(5) قدماه في بطن الوادي؛ سعى، حتى إذا صعدتا(6)؛ مشى، أتى المروة، ففعل على المروة كما فعل على الصفا، حتى إذا كان آخر طوافه على المروة قال "لو أني استقبلتُ من أمري ما استدبرتُ لم أسق الهدي، وجعلتها عمرة، فمن كان منكم ليس معه هدي؛ فليحل، وليجعلها عمرة".

فقام سراقة بن مالك بن جعشم، فقال: يا رسول الله! ألعامنا هذا أم للأبد؟ فشبك رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أصابعه واحدة في الأخرى، وقال: "دخلت العمرة في الحج" مرتين، "لا بل لأبد أبد"(7).

وأقام بمكة 4 أيام: يوم الأحد، والإثنين، والثلاثاء، والأربعاء، فلما كان يوم الخميس ضحى؛ توجه بمن معه من المسلمين إلى منى، ونزل بها، وصلى بها الظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء، والفجر، ومكث قليلا حتى طلعت الشمس، وأمر بقبة من شعر تضرب له بنمرة(8)، فسار رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولا تشك قريش إلا أنه واقف عند المشعر الحرام(9)، كما كانت قريش تصنع في الجاهلية، فأجاز(10) رسول الله (صلى الله عليه وسلم) حتى أتى عرفة، فوجد القبة قد ضربت له بنمرة فنزل بها، حتى إذا زاغت الشمس؛ أمر بالقصواء، فرحلت له، فأتى بطن الوادي(11).

وخطب الناسَ، وقال: "إن دماءكم، وأموالكم حرام عليكم، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع، ودماء الجاهلية موضوعة، وإن أول دم أضع من دمائنا دم ابن ربيعة بن الحارث، كان مسترضعا في بني سعد، فقتلته هذيل، وربا الجاهلية موضوع، وأول ربا أضع ربانا، ربا العباس بن عبد المطلب، فإنه موضوع كله، فاتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمان الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولكن عليهن ألا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه(12)، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربا غير مبرح(13)، ولهن عليكم رزقهن، وكسوتهن بالمعروف؛ وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به، كتاب الله، وأنتم تسألون عني، فما أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد أنك بلغت، وأديت، ونصحت، فقال بإصبعه السبابة، يرفعها إلى السماء، وينكتها(14) إلى الناس: اللهم اشهد! اللهم اشهد!، ثلاث مرات"(15).

ثم أذن، ثم أقام، فصلى الظهر، ثم أقام، فصلى العصر، ولم يصلِّ بينهما شيئا، ثم ركب رسول الله -صلى الله عليه وسلم ـ حتى أتى الموقف، فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات(16) وجعل حبل المشاة بين يديه(17)، واستقبل القبلة، فلم يزل واقفا حتى غربت الشمس، وذهبت الصفرة قليلا حتى غاب القرص(18).

وهناك أنزلت عليه: "الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا" (سورة المائدة: من الآية 3)، فلما غربت الشمس؛ أفاض من عرفة، وأردف أسامة بن زيد خلفه، ودفع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقد شنق للقصواء الزمام، حتى إن رأسها ليصيب مورك رحله، وهو يقول: أيها الناس! عليكم السكينة(19).

وكان يلبي في مسيره ذلك، لا يقطع التلبية حتى أتى المزدلفة، وأمر المؤذن بالأذان فأذن، ثم أقام، فصلى المغرب قبل حط الرحال، وتبريك الجمال، فلما حطوا رحالهم؛ أمر، فأقيمت الصلاة، ثم صلى العشاء، ثم نام، حتى أصبح، فلما طلع الفجر صلاها في أول الوقت، ثم ركب حتى أتى المشعر الحرام، فاستقبل القبلة، وأخذ في الدعاء والتضرع، والتكبير، والتهليل، والذكر، حتى أسفر جدا(20)، وذلك قبل طلوع الشمس.

جاء عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لما رجع من غزوة تبوك، فدنا من المدينة، فقال: إن بالمدينة أقواما، ‌ما ‌سرتم ‌مسيرا، ولا قطعتم واديا إلا كانوا معكم، قالوا: يا رسول الله، وهم بالمدينة؟ قال: وهم بالمدينة، حبسهم العذر.ثم سار من مزدلفة، مردفا للفضل بن عباس، وهو يلبي في مسيره، وأمر ابن عباس أن يلتقط له حصى الجمار 7 حصيات، فلما أتى بطن مُحَسِّر(21)؛ حرك ناقته، وأسرع السير(22)، فإن هنالك أصاب أصحاب الفيل العذاب، حتى أتى منى، فأتى جمرة العقبة، فرماها راكبا بعد طلوع الشمس، وقطع التلبية(23).

ثم رجع إلى منى، فخطب الناس خطبة بليغة، أعلمهم فيها بحرمة يوم النحر، وتحريمه، وفضله عند الله، وحرمة مكة على جميع البلاد، وأمر بالسمع، والطاعة لمن قادهم بكتاب الله، وأمر الناس بأخذ مناسكهم عنه، وأمر الناس ألا يرجعوا بعده كفارا، يضرب بعضهم رقاب بعض، وأمر بالتبليغ عنه(24).

ثم انصرف إلى المنحر بمنى، فنحر 63 بدنة بيده، وكان عدد هذا الذي نحره عدد سنين عمره ـ صلى الله عليه وسلم ـ ثم أمسك وأمر عليا أن ينحر ما بقي من المئة، فلـما أكمل ـ صلى الله عليه وسلم ـ نحره استدعى الحلاق، فحلق رأسه، وقسم شعره بين من يليه، ثم أفاض إلى مكة راكبا، وطاف طواف الإفاضة(25)، فصلى بمكة الظهر، فأتى بني عبد المطلب يسقون على زمزم، فقال: "انزعوا بني عبد المطلب، فلولا أن يغلبكم الناس على سقايتكم؛ لنزعت معكم"، فناولوه دلوا، فشرب منه(26).

ثم رجع إلى منى من يومه ذلك، فبات بها، فلـما أصبح؛ انتظر زوال الشمس، فلما زالت مشى من رحله إلى الجمار، فبدأ بالجمرة الأولى، ثم الوسطى، ثم الجمرة الثالثة ـ وهي جمرة العقبة ـ وخطب الناس بمنى خطبتين: خطبة يوم النحر، وخطبة ثانية في ثاني يوم النحر(27)، وهو يوم النفر الأول، وهي تأكيد لبعض ما جاء في خطبتي عرفة، ويوم النحر بمنى.

هذا، وقد تأخر رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ حتى أكمل رمي أيام التشريق الثلاثة، ثم نهض إلى مكة، فطاف للوداع ليلا سحرا، وأمر الناس بالرحيل، وتوجه إلى المدينة(28).

هذه حجة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بتفاصيلها تجلي لنا الصورة كأننا نراه صلى الله عليه وسلم، وأكمل الخير أن يتابع الحاج النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في كل أفعاله وأقواله وأحواله، حتى ينال الفضل العظيم والخير الكثير، إلا إذا منع ذلك بعض الموانع التي تحصل في عصرنا هذا نتيجة أسباب قاهرة مثل الزحام الشديد وغيره.. مما يمنع المسلم من الإتيان بكل ما ورد عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في حجه.

ولكن لا شك أن للحاج الذي نوى متابعة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في كل أفعاله ثم لم يستطع لبعض الظروف أجر نيته في الخير كاملة إن شاء الله تعالى، كما جاء عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لما رجع من غزوة تبوك، فدنا من المدينة، فقال: إن بالمدينة أقواما، ‌ما ‌سرتم ‌مسيرا، ولا قطعتم واديا إلا كانوا معكم، قالوا: يا رسول الله، وهم بالمدينة؟ قال: وهم بالمدينة، حبسهم العذر. (صحيح البخاري، 06/08)؛ فكان لهم الأجر بسبب نيتهم مع أنهم لم يخرجوا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في سفره وغزوه.

مراجع

ـ (1)  انظر: صحيح السيرة النبوية ، ص 664 ، والسيرة النبوية، للندوي، ص 386.
ـ  (2) انظر: السيرة النبوية، للندوي، ص 387.
ـ (3)  الرمل: إسراع المشي مع تقارب الخطى.
ـ (4)  نفذ إلى مقام إبراهيم: أي: بلغه ماضيا في زحام.
ـ (5)  انصبت قدماه: انحدرت.
ـ (6)  صعدتا: ارتفعت قدماه عن بطن الوادي.
ـ (7)  صحيح السيرة النبوية، ص 659.
ـ (8)  نمرة: موضع بجنب عرفات، وليست من عرفات.
ـ (9)  المشعر الحرام: جبل بمزدلفة كانت قريش تقف عليه، ولا تقف مع العرب في عرفات، ولكن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقف في عرفات.
ـ (10)  فأجاز: جاوز المزدلفة ولم يقف بها، وإنما توجه إلى عرفات.
ـ (11)  بطن الوادي: وادي عرنة، وليست عرنة من أرض عرفات عند العلماء، إلا مالكا قال: من عرفات.
ـ (12)  أي: لا يجوز للمرأة أن تدخل أحدا إلى بيت زوجها من قريب، أو بعيد، أو امرأة إلا من يرضى عنهم زوجها.
ـ (13)  الضرب المبرح: الشديد الشاق.
ـ (14)  ينكتها: يقلبها، ويرددها إلى الناس مشيرا إليهم.
ـ (15)  انظر: صحيح السيرة النبوية، ص 661.
ـ (16)  الصخرات: صخرات في أسفل جبل الرحمة، وهو الجبل الذي بوسط أرض عرفات.
ـ (17)  حبل المشاة: مجتمعهم، وقيل: جبل المشاة: ومعناه طريقهم حيث تسلك الرجالة.
ـ (18)  حتى غاب قرص الشمس: حتى غابت الشمس، وذهبت الصفرة.
ـ (19)  انظر: صحيح السيرة النبوية، ص 662.
ـ (20)  الضمير في (أسفر) يعود على الفجر المذكور، وقوله: (جدا) بكسر الجيم؛ أي: إسفارا بليغا.
ـ (21)  سمي بذلك لأن قيل: أصحاب الفيل حسر فيه.
ـ (22)  انظر صحيح السيرة النبوية، ص 662، والسيرة النبوية، للندوي، ص 389.
ـ (23)  انظر: صحيح السيرة النبوية، للندوي، ص 389.
ـ (24)  المصدر السابق نفسه، ص 390.
ـ (25)  انظر: السيرة النبوية، للندوي، ص 390.
ـ (26)  صحيح السيرة النبوية، ص 663.
ـ (27)  انظر: السيرة النبوية، ص 390.
ـ (28)  انظر: السيرة النبوية، للندوي، ص 390.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير العبادات حج مسلمون تعاليم عبادات أفكار أفكار أفكار سياسة سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة رسول الله ـ صلى الله علیه وسلم ـ النبی ـ صلى الله علیه وسلم ـ یوم النحر حتى إذا

إقرأ أيضاً:

أمريكا اللاتينية تدعم جهود ترامب ضد فنزويلا.. لماذا عليه الحذر؟

نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" مقالا لمحرر "أمريكان كورتلي" بريان وينتر تناول التصعيد في الكاريبي ونذر الحملة الأمريكية ضد فنزويلا.

 وقال وينتر إن إمبراطورية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الجديدة لن تعمر طويلا.

وأشار في مقاله، إلى قصيدة الشاعر النيكاراغوي روبن داريو التي كتبها عام 1904 ووجها إلى الرئيس تيودور روزفلت "إلى روزفلت"، والذي استخدم "العصا الطويلة" لدعم القوة وإنشاء دولة جديدة هي بنما كي يؤمن سيطرة أمريكا على محور القناة هناك، في تذكير واضح لاستراتيجية ترامب الجديدة لضرب قوارب يزعم أنها لمهربي مخدرات قرب شواطئ فنزويلا. 

وأضاف وينتر أن قصيدة داريو أصبحت قطعة أدبية كلاسيكية في الحركة المعادية للإمبريالية التي اجتاحت أمريكا اللاتينية في القرن الماضي. وهي قصيدة أثرت على فيدل كاسترو الذي أصبح زعيم كوبا والمتمرد النيكاراغوي أوغستو سيزار ساندينو والزعيم الفنزويلي هوغو شافيز من بين آخرين. واليوم تنشر أمريكا قوتها العسكرية والإقتصادية في أمريكا  اللاتينية بطريقة لم تر منذ عدة عقود. 

فقد أرسل ترامب اسطولا إلى جنوب الكاريبي لتدمير القوارب التي يقول إنها محملة بالمخدرات في طريقها إلى الولايات المتحدة، وهدد بضرب أهداف في داخل فنزويلا، في محاولة واضحة للإطاحة بالزعيم الفنزويلي  نيكولاس مادورو. 

ومنح الرئيس ترامب  "رئيسه المفضل" خافيير ميلي، رئيس الأرجنتين 20 مليار دولار كحزمة إنقاذ مالي، وتعهد باستعادة قناة بنما وطالب المكسيك باتخاذ مواقف متشددة ضد تهريب المخدرات والمهاجرين وإلا واجهت تعرفات جمركة مرهقة. 

كما وحاول الضغط على المحكمة البرازيلية العليا لرفض قضية ضد حليفه السابق جائير بولسونارو ودعم المرشح المحافظ في هندوراس بالإنتخابات الرئاسية وضغط على الدول في نصف الكرة الأرضية لرفض التأثير الصيني.



ويرى الكاتب أن نهج ترامب الحالي يشبه تعبيرا حديثا لـ "عقيدة مونرو"، وهي العقيدة التي صاغها في عام 1823الرئيس الخامس وتقوم على رفض القوى الخارجية فيما تعرف بحديقة الولايات المتحدة الخلفية. 

وأوضح وينتر أنه لو كان هناك ورثة لروبين داريو في أمريكا اللاتينية فقد التزموا بالصمت. وكان الرد على ما تعرف بـ "عقيدة دون رو" أو عقيدة ترامب، صامتا في الحد الأدنى، إن لم يكن داعما بشكل كبير. 

وحتى لو وجد استعراض العضلات الذي يقوم به ترامب أرضية خصبة في نصف الكرة الأرضي، يخاطر المخططون في واشنطن لو تجاوزوا حدودهم  بزرع بذور العداء لأمريكا والذي سيستمر حتى بعد نهاية فترة الإدارة الحالية.

وبين وينتر، أن العديد من الدول التي كانت في السابق تشعر بالغضب الشديد من سطوة النفوذ الأمريكي، تبنت علنا الاهتمام المتجدد للإدارة الأمريكية بالمنطقة. وتشمل قائمة الحكومات المتحالفة مع ترامب جمهورية الدومينيكان، حيث تدخلت القوات الأمريكية من عام 1916 إلى عام 1924 ومرة أخرى من عام 1965 إلى عام 1966؛ وبنما، موقع الغزو الأمريكي عام 1989 والأرجنتين والإكوادور وغويانا، من بين دول أخرى. 

وفي استطلاع حديث للرأي، قالت نسبة 53% من المشاركين في جميع أنحاء أمريكا اللاتينية إنهم سيدعمون التدخل العسكري الأمريكي للإطاحة بمادورو.

وقد أحبط تراجع اليسار في أمريكا اللاتينية عددا من قادته، وقال رئيس كولومبيا غوستافو بتيرو، أحد أكبر نقاد الرئيس ترامب على منصات التواصل الإجتماعي، متحسرا:"ما سبب صمت التقدمية والحكومات؟". 

وحذرت صحيفة "كلارين" اليسارية في تشيلي، من أنه "من الضروري جدا، أن تستعيد أمريكا اللاتينية صوتا موحدا في مواجهة هذه الاعتداءات". وفي القمة التي عقدت مؤخرا بين زعماء أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي وأوروبا، فشلت الجهود الرامية إلى إقناع حكومات المنطقة بالتوقيع على إعلان يدين صراحة حملة القصف البحري التي تشنها الولايات المتحدة.

وتساءل وينتر عن سبب حالة الخنوع، مشيرا إلى أن صمت العديد من القادة بالمنطقة نابع بالتأكيد من مخاوفهم الخاصة وتجنب الوقوع في مرمي سهام ونيران ترامب. 

وبالنسبة للآخرين، خاصة رئيسة المكسيك كلوديا شينباوم، فبلدها يعتمد اقتصاديا على الولايات المتحدة، حيث ترى في الصمت البراغماتي، الخيار الوحيد المتوفر لديها، بحسب الكاتب.

ولعل السبب الرئيسي وراء الصمت، وفق رأي وينتر هو أن الكثير من الأمريكيين اللاتينيين يدعمون موقف ترامب المتشدد من عصابات تهريب المخدرات. 

وعلى الرغم من أن الجريمة المنظمة ليست قضية جديدة، إلا أنها تفاقمت بشكل ملحوظ خلال العقد الماضي، وخلال تلك الفترة، تضاعفت كمية الكوكايين المنتجة في أمريكا اللاتينية على الأقل. 

وتنوعت أنشطة عصابات المخدرات الغنية بالسيولة لتشمل الابتزاز والتعدين غير المشروع والاتجار بالبشر.

واشتعل العنف حتى في دول مثل كوستاريكا والإكوادور، اللتين كانتا تعتبران في السابق واحات من الهدوء النسبي. 

وتظهر استطلاعات الرأي المتتالية أن الجريمة تجاوزت البطالة أو الرعاية الصحية لتصبح الشاغل الرئيسي للناخبين في معظم أنحاء المنطقة. 

ويبدو أن سياسات أمريكا اللاتينية تتجه أكثر نحو اليمين نتيجة لذلك، فقد تعهد خوسيه أنطونيو كاست، المرشح الأوفر حظا للفوز في جولة الإعادة في كانون الأول/ديسمبر لرئاسة تشيلي، ببناء حاجز حدودي على غرار ترامب لمنع دخول المهاجرين الذين يلقي باللوم عليهم في ارتفاع معدلات الجريمة.

أما رودريغو باز بيريرا، أول رئيس غير اشتراكي لبوليفيا منذ نحو عقدين، فقد أعاد العلاقات الدبلوماسية الكاملة مع واشنطن، ورحب بوفد من المسؤولين الأمريكيين في حفل تنصيبه لمناقشة الصفقات المحتملة في مجال التعدين ومكافحة المخدرات. 



ومع حصول الشخصيات المحافظة على نتائج جيدة في الانتخابات المقبلة في بيرو وكولومبيا وكوستاريكا والبرازيل، فمن الممكن تخيل أمريكا اللاتينية وهي تتحالف بشكل أقوى مع ترامب بعد عام من الآن.

ومع ذلك، فالمشاعر المعادية للإمبريالية الراسخة التي تنعكس في شعر داريو تدعونا للحذر. ففي عام 1912، وبعد ثماني سنوات من نشر داريو لقصيدته، طلب السياسيون المحافظون في نيكاراغوا، وحصلوا على، فرقة من القوات الأمريكية باسم استعادة القانون والنظام. وستبقى تلك القوات الأمريكية هناك لمعظم العقدين التاليين، وهي فترة شهدت أيضا إرسال الولايات المتحدة قوات إلى كوبا والمكسيك وهندوراس وهاييتي وجمهورية الدومينيكان. 

وقد تركت هذه التدخلات العسكرية نتوءات عميقة من الاستياء العام التي ساعدت لاحقا في تغذية الحركات المناهضة لأمريكا من ثورة فيدل كاسترو إلى تمرد الساندينيستا في نيكاراغوا، وعقدت المصالح التجارية والدبلوماسية الأمريكية في جميع أنحاء أمريكا اللاتينية لمعظم القرن العشرين. 

ولا أحد يتوقع من ترامب، الذي خاض حملته الانتخابية على وعد بإبقاء الولايات المتحدة بعيدة عن الحروب الخارجية غير الضرورية، أن يرسل قوات إلى موجة احتلال في القرن الحادي والعشرين. 

وتابع الكاتب، أن أمريكا اللاتينية أصبحت منطقة أكثر ديمقراطية مما كانت عليه قبل جيل أو جيلين، وهذا يعني أن الزعماء قادرون على العمل مع واشنطن دون الحاجة إلى مواجهة اتهامات بأنهم "باعة وطن"، أو الذين يتاجرون بوطنهم بشكل غير مشروع.

ومن الخطأ بمكان افتراض زوال النفور التاريخي من قبضة العم سام الثقيلة. فقد حصر ترامب جهوده العسكرية في الغالب في استهداف فنزويلا، وهي دولة ديكتاتورية لم يبق لها من الأصدقاء سوى القليل في المنطقة. 

وأردف، أنه إذا ما وسع نطاق حملته لمكافحة المخدرات لتشمل دولا ديمقراطية مثل المكسيك وكولومبيا، وهو احتمال طرحه مؤخرا أمام الصحافيين، فقد يؤدي ذلك إلى رد فعل عنيف أكبر بكثير. 

كما أن أي محاولات أخرى من جانب ترامب لترجيح كفة أصدقائه في الانتخابات المقبلة قد تأتي بنتائج عكسية، كما حدث مؤخرا في البرازيل، حيث لم يفشل الضغط الأمريكي في إبقاء بولسونارو خارج السجن فحسب، بل غذى أيضا موجة من القومية عززت شعبية الرئيس اليساري للبلاد، لويس إيناسيو لولا دا سيلفا. 

ويتفاوض بعض القادة أنفسهم، الذين يكبحون جماح استفزازات ترامب، بهدوء مع بيجين وشركاء محتملين في أوروبا والشرق الأوسط، على أمل إيجاد بدائل لقوة مهيمنة يجدونها متسلطة وغير موثوقة بشكل متزايد. فعندما تستخدم واشنطن عصا غليظة جدا في أمريكا اللاتينية، فالتكلفة يمكن قياسها ليس فقط بالسنوات، بل بالعقود.

مقالات مشابهة

  • ملتقى السيرة النبوية بالجامع الأزهر يوضح أثر أبو بكر الصديق في بناء الدولة الإسلامية على العدل والمساواة
  • ما حكم حمل الناس في سيارة لزيارة قبر أم الرسول وأخذ الأجرة على ذلك؟
  • الإفتاء: رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نورٌ بإجماع المسلمين
  • تعلن محكمة جبن أن على المدعى عليه إبراهيم موسى محسن الحضور إلى المحكمة
  • تعلن محكمة الجعفرية أن على المدعى عليه إبراهيم يوسف المزف الحضور إلى المحكمة
  • شاهد بالفيديو.. الأخوين أصحاب “الترند” يعودان لخطف الأضواء من جديد ويطربان والدتهما بمدح الرسول صلى الله عليه وسلم
  • هل يمكن رؤية النبي صلى الله عليه وسلم يقظة؟
  • ملتقى السيرة النبوية بالجامع الأزهر يناقش: "من مواقف أبي بكر الصديق بعد وفاة النبيﷺ " غداً
  • الوضوء وفق الطريقة النبوية الشريفة.. تفاصيل
  • أمريكا اللاتينية تدعم جهود ترامب ضد فنزويلا.. لماذا عليه الحذر؟