بيروت – سبايدرمان، سوبرمان، باتمان، الرجل الحديدي، كابتن أميركا، وشخصيات أخرى، كلها لأبطال خارقين يتعلق بهم أطفالنا وقد يقلدونهم. لكن هذا الهوس قد لا يكون مفيدا أبدا، فبدلا من الميل إلى الصفات الإيجابية كالشجاعة والكرم والصدق، قد يميل الأطفال إلى العدوانية والعنف.

ولأن "أبطال الشاشات" يشغلون مساحة في حياة أطفالنا، خاصةً في سنوات نموهم وتطورهم.

لا بد من مناقشة هذه الظاهرة، فهل لهذا التعلق تأثير سلبي على شخصياتهم؟ وما واجب الوالدين في حماية أطفالهما وتعريفهم بالخط الفاصل بين الخيال والواقع؟

خيال وفضول

توضح الاستشارية الأسرية ألكسندرا زهار أن الطفل في سن صغيرة يتمتع بفضول وخيال واسع، فأفكاره تكون مليئة بشخصيات أبطاله المفضلة التي يشاهدها باستمرار، ويسعى دوما لتقليدها، فهي قدوته ومثاله الأعلى.

وتضيف "هؤلاء الأبطال قد يعلمون الأطفال قيما رائعة كالشجاعة والصدق والشعور بالمسؤولية تجعلهم أفرادا صالحين، من خلال توظيف قوتهم في مساعدة الآخرين ورفع الظلم عنهم بدون استخدام العنف".

أحيانا يضيع الطفل في عالمه الخاص بعيدا عن حقائق الحياة بسبب اعتقاده بأن عالم الأبطال الخارقين حقيقي (شترستوك)

وتشير زهار للجزيرة نت إلى أنه في بعض الأحيان قد يضيع الطفل في عالمه الخاص، بعيدا عن حقائق الحياة، بسبب اعتقاده بأن عالم الأبطال الخارقين حقيقي، وقد يتصرف بالطريقة نفسها أيضا، وهذا ما يجعل الطفل موهوما.

ووفق زهار، من الضروري تعريف الأطفال بأن الأبطال الخارقين موجودون بيننا أيضا في الحياة، وليس في الخيال فقط، فكل شخص قادر على تأدية عمله بصورة جيدة ومساعدة الناس في الحفاظ على حياتهم، هو بطل خارق واقعي، قد يكون ضابطا أو رجل إطفاء أو طبيبا مثلا، ولا ضير من جعل الطفل يقابلهم عن قرب، ويتعرف عليهم بملابسهم الرسمية، حتى لو شعر بالخوف أو الخجل في بداية الأمر.

وتضيف زهار قائلة إنه "يجب تعزيز المهارات الإيجابية المهمة التي يكتسبها الطفل من الشعور بالثقة والقوة لمساعدة الآخرين، وإمكانية التشاور لحل المشكلات، إضافة للتفريق بين الخير والشر باتباع الطريق الصحيح".

ما التأثيرات السلبية على حياة الأطفال؟

وأوضحت زهار أن سبب التعلق الشديد بالأبطال الخارقين وتقليد سلوكهم بدون توجيه أو إرشاد، يعلم الطفل العنف والتصرفات العدوانية بسبب رؤيته المستمرة لقتال الأبطال.

ومن الممكن أن يسيطر الغضب والتوتر على سلوك الطفل وكلامه عند ترديده بعض أقوال وعبارات أبطاله (مثل "أنا غاضب" – "أنا مستاء".. إلخ). وهذا السلوك النفسي الذي يسيطر على الطفل قد يجعله متنمرا على أقرانه الأقل منه قوة، الأمر الذي يكتسبه من خلال شعوره بتفوقه وقوته التي لا مثيل لها وأنه البطل الذي لا يقهر ولا يقبل بالهزيمة.

الآثار السلبية خطيرة على الأطفال بل وتهدد سلامتهم مثل تقليد "الخارقين" في القفز من المرتفعات (شترستوك)

وفي هذا الإطار عرض موقع "موم جانكشين" مقالا عن تأثير الأبطال الخارقين على الأطفال، فهو قد يكون إيجابيا، من خلال تعزيز فكرة القضاء على الشر وإحلال الخير في العالم، فبعض الشخصيات الخارقة (الإيجابية) يمكن أن تساعد الأطفال على التمييز بين أعمال الخير وأعمال الشر، وهذا الأمر يعد مفيدا لا سيما في سن صغيرة، فينشأ الطفل على حب فعل الخير ورفض الشر.

وفي هذا الشأن لاحظ الدكتور لانس جاريسون، اختصاصي علم نفس الأطفال -من خلال دراسته الهادفة لمعرفة التأثير السلبي والإيجابي لهوس الأطفال بالأبطال الخارقين- أن الصفات المفضلة لدى الأطفال في أبطالهم هي الشجاعة والشهامة والكرم والصدق وتحقيق العدالة، وهذا ما يدفعهم للشعور بالراحة والثقة أكثر في حياتهم، لكن من المهم جدا أن يناقش معهم الآباء الجوانب الإيجابية والسلبية في بعض الأحيان، للتمكن من تطوير شخصياتهم، وتلافي أي مشاكل نفسية.

وحذر جاريسون من أن "الآثار السلبية قد تكون خطيرة على الأطفال بل وتهدد سلامتهم، مثل تقليدهم في القفز من المرتفعات أو اللعب بالأدوات الحادة التي تسبب إصابات خطيرة، إضافة إلى ممارسة السلوك العدواني والعنف ضد أقرانهم".

وأوضح أن الأبطال الخارقين الآن يشاركون في دوامة من العنف على الشاشات، ليس لها نهاية، ويدخلون في مشاجرات ومعارك مع أشرار لا ينتهون، ويحبون حمل الأسلحة، كما أنهم نادرا ما يذكرون أنهم يحاربون من أجل الخير ومصلحة الإنسانية، وبخاصة شخصيات (أبطال) يتمتعون بقوى سحرية غير واقعية على غرار الطيران أو إطلاق النار من العينين أو السير في الهواء.

ألكسندرا زهار: تقليد ألعاب "الأبطال الخارقين" قد يعرض الطفل -أو خصمه الذي يلعب معه- لأضرار جسدية (الجزيرة) نصائح مهمة

وقدمت زهار في حديثها للجزيرة نت بعض النصائح للوالدين لحماية الأطفال من التأثير السلبي للأبطال الخارقين، منها:

تحذير الأطفال من استخدام الأدوات المؤذية التي ترافق لعب الأبطال الخارقين، ومنها العصي والسيوف وغيرها من الأدوات. تقليد ألعاب "الأبطال الخارقين" قد يعرض الطفل لأضرار جسدية هو أو خصمه الذي يلعب معه، وتنتهي اللعبة بتبادل ألفاظ سيئة بينهما؛ لذلك من الضروري تعريف الطفل بأن هذه الألعاب مؤذية، والأفضل الاستعاضة عنها بألعاب بعيدة عن السلوك العدواني. في بعض الأحيان قد يضيع الطفل في عالمه الخيالي الخاص، بعيدا عن واقع الحياة، ويتصرف بطريقة مشابهة للأبطال الخارقين على الشاشة، وهذا أمر سلبي. لهذا يجب على الوالدين أن يوضحوا للطفل الفرق بين الخيال والواقع.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: الطفل فی من خلال

إقرأ أيضاً:

مختصون: حماية الطفل في البيئة الرقمية مسؤولية تكاملية بين الأسرة والمدرسة

أوضح مختصون أن حماية الطفل في البيئة الرقمية مسؤولية تبدأ من الأسرة، وتتكامل مع المدرسة، وترتكز على وعي نفسي وتربوي عميق، وتؤكد رؤى هؤلاء المختصين في استطلاع أجرته "عُمان" أن الحل لا يكمن في المنع أو التدخل المتأخر، بل يبدأ من بناء علاقة قائمة على الثقة والتواصل، وتطوير مهارات الطفل والأسرة معًا لمواجهة عالم تتقاطع فيه الفرص مع المخاطر.

المحتوى العنيف

قالت فهيمة السعيدية عضوة جمعية الاجتماعيين العمانية: إن الاستخدام الواسع للتقنيات الرقمية دون تنظيم أو وعي يفرض تحديات مباشرة على سلوكيات الأطفال، خصوصًا عند تعرضهم المتكرر لمحتوى عنيف أو متطرف، مشيرة إلى أن هذا النوع من المحتوى ينعكس بوضوح على النمو الاجتماعي والنفسي والأخلاقي؛ إذ يتولد لدى الطفل ميل أكبر لاستخدام العنف اللفظي أو الجسدي في التعامل مع الآخرين باعتباره وسيلة لحل الخلافات أو التعبير عن الغضب.

وبيّنت أن مشاهدة الأطفال المستمرة للمحتوى العنيف تؤدي إلى ارتفاع مظاهر التنمر بأشكاله المختلفة، وإلى تراجع السلوكيات الاجتماعية الإيجابية مثل التعاون والمساعدة والتعاطف، وتنمية النزعات العدائية لديهم؛ حيث إن بعض الأطفال قد يتأثرون بالأفكار المتطرفة التي تظهر في بعض المنصات الرقمية، مما ينعكس على شعور الانتماء الوطني والديني، ويزيد من احتمالية الانخراط في سلوكيات غير مسؤولة أو مهددة للسلامة.

وحول تعرض الأطفال لتنمر إلكتروني، أوضحت السعيدية أنه يمكن رصد ذلك من خلال مجموعة من العلامات النفسية والسلوكية، من بينها القلق المفاجئ، والخوف عند تلقي رسائل على الهاتف، أو إظهار توتر ملحوظ عند اقتراب أحد أفراد الأسرة من الجهاز، وبيّنت أن بعض الأطفال يميلون إلى العزلة والانسحاب الاجتماعي، وقد تظهر عليهم أعراض جسدية كالإرهاق المستمر، وفقدان الشهية، أو آلام البطن والصداع دون سبب طبي واضح. كما أكدت أن التراجع المفاجئ في المستوى الدراسي يعد من المؤشرات المهمة، إذ يلجأ بعض الأطفال إلى التغيب عن المدرسة أو إهمال الواجبات الدراسية بسبب الضغط النفسي الذي يرافق تجربة التنمر الرقمي.

علاقة حوارية

وأشارت إلى أن الأسرة قادرة على بناء علاقة حوارية داعمة من خلال تبنّي أسلوب تواصل إيجابي يتيح للطفل التحدث بأريحية عن تجاربه في الإنترنت، وبيّنت أن مشاركة الوالدين لخبراتهم الرقمية، أو مناقشة المحتوى الذي يفضله الطفل، يعزز ثقته ويجعله يعتبر الأسرة خط الدفاع الأول في حال تعرضه لأي مشكلة، وأن الأنشطة الرقمية المشتركة مثل لعب ألعاب يحبها الطفل أو تصفح مواقع يفضلها تخلق مساحة آمنة للحوار، مضيفة إن إشراك الطفل في وضع قواعد الاستخدام الآمن للأجهزة يرسخ لديه الشعور بالمسؤولية ويقوي العلاقة التواصلية داخل الأسرة.

علامات الخطر الرقمية

أوضح الدكتور سالم بن راشد البوصافي مشرف إرشاد نفسي بتعليمية مسقط أن المدرسة تشكل خط حماية مهمًا بجانب الأسرة، إذ تتعامل مع حالات المحتوى غير الآمن أو التنمر الإلكتروني وفق منهجين متكاملين: الوقائي والعلاجي، مبيّنًا أن المنهج الوقائي يقوم على نشر ثقافة الوعي الرقمي بين الطلبة من خلال الحصص التوجيهية والبرامج الإرشادية والإذاعة المدرسية، بهدف ترسيخ قيم الاحترام والمسؤولية في التفاعل الإلكتروني، وتشجيع الطلبة على الإبلاغ عن أي تجربة ضارة.

وأشار إلى أن المنهج العلاجي يُفعّل فور رصد حالة تنمر، حيث يتم تقييم الوضع من حيث الخطورة النفسية والاجتماعية، وأن الأخصائي النفسي والاجتماعي في المدرسة يقدم الدعم العلاجي للطالب المتعرض للتنمر، من خلال الجلسات الإرشادية الفردية التي تسهم في تعزيز الشعور بالأمان واستعادة التوازن الانفعالي.

وبيّن البوصافي أن الطالب المتسبب في التنمر يخضع لبرامج تهدف إلى تعديل السلوك وتعزيز القدرة على ضبط الذات والانفعالات، إلى جانب رفع وعيه الرقمي وتأكيد احترامه لحقوق الآخرين، كما أن التعاون بين الأسرة والمدرسة يمثل ركيزة أساسية لضمان بيئة رقمية آمنة للطفل، وأن المتابعة المستمرة من الطرفين تعد أحد أهم ضمانات الحماية.

دور الإرشاد الأسري

تشير ابتسام الحبسية أخصائية نفسية بوزارة التنمية الاجتماعية إلى أن التغيرات التي فرضتها الثورة الرقمية دفعت الأسر لمواجهة تحديات غير مسبوقة، حيث لم يعد التعامل مع التكنولوجيا مقتصرًا على المنع أو الرقابة، بل أصبح ضروريًا أن تمتلك الأسرة فهمًا عميقًا لسلوك الطفل في العالم الرقمي، موضحة أن البرامج الإرشادية الحديثة في سلطنة عُمان باتت تركز على التنشئة الرقمية الواعية، وذلك ضمن مبادرة شملت جميع محافظات سلطنة عُمان بهدف تعزيز مهارات الوالدين في التعامل مع البيئة الرقمية.

وأوضحت الحبسية أن ردود فعل الوالدين تجاه سلوك الأبناء الرقمي غالبًا ما تكون نابعة من قلق طبيعي، لذلك يجب أن يتم تدريبهم على تقنيات تساعدهم على التهدئة وإعادة تأطير الموقف قبل معالجة سلوك الطفل، مؤكدة أن هذه المهارات تعزز وجود بيئة أسرية هادئة تقل فيها الصدامات الناتجة عن الغضب أو سوء الفهم.

وبيّنت أن تمكين الأسرة من التفكير التحليلي خلال التعامل مع المحتوى يعد أحد أقوى أدوات الحماية؛ إذ يساعد الوالدين والأبناء على التمييز بين الموثوق والمضلل، ويجب على الأسرة أن تُدرَّب على طرح أسئلة عند مشاهدة أي محتوى، من بينها: هل هذا المصدر موثوق؟ ما هدف الرسالة؟ هل ما يُعرض حقيقي أم مبالغ فيه؟ حيث إن هذه القدرة الذهنية ستسهم في حماية الجميع من الوقوع في التضليل أو الخوف المبالغ فيه.

التواصل الآمن

أوضحت الحبسية أن الأسرة تحتاج إلى قراءة "الإشارات الحمراء" التي قد تدل على تعرض الطفل لمحتوى ضار، لكن الأهم هو توفير قناة تواصل يشعر فيها الطفل بأنه مسموع وآمن، وبيّنت أن أسلوب الحديث هو العامل الفارق، فطرح الأسئلة بلهجة اتهامية يغلق أبواب الحوار، بينما الأسلوب الهادئ يبعث الطمأنينة ويشجع الطفل على الإفصاح.

وأشارت إلى أن التواصل الآمن يُبنى عبر تفاصيل صغيرة لكنها مؤثرة، مثل مشاركة الطفل محتوى يحبه، أو فتح نقاش حول لعبة جديدة، أو المرافقة الهادئة عند ملاحظة سلوك غير معتاد، مؤكدة أن بناء علاقة تقوم على الثقة يبدأ بالحضور العاطفي، بمعنى أن يشعر الطفل بأن والديه قريبان من عالمه الرقمي دون أن يمارسا دور الرقيب الصارم، وبيّنت أن مشاركته في وضع قواعد رقمية مشتركة مثل تحديد أوقات الاستخدام أو مراجعة التطبيقات يجعله شريكًا في القرار، مما يقلل من التوتر والتمرد.

كما أشارت إلى أن لحظة تعرض الطفل لموقف مزعج تعد اختبارًا حقيقيًا للعلاقة، إذ تمثل ردة فعل الوالدين العنصر الحاسم فيما إذا كان الطفل سيحكي أو سيخفي الأمر، وأكدت أن استخدام عبارات مثل "أشكرك على صراحتك" أو "دعنا نتحدث معًا عن كيفية منع تكرار ذلك" كفيل بطمأنة الطفل وتعزيز ثقته.

وبيّنت ابتسام الحبسية أن بناء علاقة تواصل آمنة ليست خطوة واحدة، بل هي ممارسات يومية تتشكل من نبرة لطيفة، وسؤال بسيط، وقواعد واضحة، لتقول للطفل في كل مرة كلمات بمعنى: "أنت محبوب حتى إذا أخطأت".

مقالات مشابهة

  • «حافظ على صحة أطفالك».. طرق الوقاية من نزلات البرد والإنفلونزا الموسمية
  • برنامج توعوي بحقوق الطفل في ولاية البريمي
  • لأمهات.. 3 كشوفات مهمة تساعد على معرفة قصر القامة عند الأطفال- (فيديو)
  • بـ 10 حيل مجرّبة.. كيف تزيد من شغف الأطفال بالمذاكرة؟
  • فعاليات مميزة في اليوم الثاني من مبادرة «مطروح الخير» بقرية أبو شروف
  • هند الخالدي.. حكاياتها ملهمة للأجيال
  • مختصون: حماية الطفل في البيئة الرقمية مسؤولية تكاملية بين الأسرة والمدرسة
  • حكم اصطحاب الأطفال لصلاة الجمعة.. الأزهر للفتوى يوضح
  • أفضل طرق لتدفئة الأطفال في برد الشتاء
  • كمادات الأمان.. سر خفض حرارة الأطفال دون مخاطر