هل باتت مشاركة الإسلاميين في المجالس البرلمانية شكلية لمجرد الحضور؟
تاريخ النشر: 14th, June 2024 GMT
لم تتوانَ حركات الإسلام السياسي عن المشاركة في الانتخابات البرلمانية حينما أُتيحت لها فرصة المشاركة في الدول العربية التي تسمح أنظمتها السياسية بمساحات وهوامش للممارسة الديمقراطية، وفي كثير من مشاركاتها في الانتخابات البرلمانية حققت تلك الحركات فوزا ملحوظا، وحضورا لافتا.
لكن بعد كل تجاربها ومشاركاتها في المجالس النيابية في كثير من الدول العربية، والتي ظهر من خلالها محدودية مساحات التغيير والتأثير، والتي لا تعدو المساحة التي تسمح بها الأنظمة السياسية في إدارتها للعملية الانتخابية برمتها، ما الذي خلصت إليه تلك الحركات جراء مشاركاتها السابقة؟
وكيف يمكن تقييم تجارب تلك الحركات في المشاركة البرلمانية.
في توضيحه لرؤية الحركات الإسلامية المشاركة في المجالس البرلمانية، قال القيادي في جماعة الإخوان المسلمين بالأردن، الدكتور رامي العياصرة "المشاركة في المجالس البرلمانية جزء من آليات ووسائل الحركات الإسلامية التي باتت تعرف بـ"حركات الإسلام السياسي"، مع أن جماعة الإخوان المسلمين حركة دعوية شاملة، ولكن لبروز وتقدم العمل السياسي ضمن مجالات الاهتمام العام في المجتمعات بعمومها ـ وليس عند الإسلاميين فحسب ـ أصبحت توصف بهذا الوصف".
وأضاف "معنى ذلك أن مشاركة الحركات الإسلامية السياسية هي مسألة مستقرة من حيث التأصيل ولكنها بكل تأكيد تخضع للتقييم من حيث القدرة على الإنجاز وتحقيق الأهداف المرحلية التي تسعى للوصول إليها ضمن رؤيتها".
وتابع حديثه لـ"عربي21" بالقول "ولتحديد الجدوى من العمل السياسي والبرلماني تحديدا لا بد من تحديد الأهداف أولا، ومعرفة المطلوب منها حتى نتمكن من القول بأنها ذات جدوى أو لا؟ وفي تقديري أن الحركات الإسلامية إن لم تتمكن من الإصلاح والتغيير ضمن الأدوات الدستورية ومن خلال المشاركة البرلمانية فإنها تستطيع التأثير وإحداث حالة من التوازن في أداء الأنظمة السياسية تجاه القضايا ذات الاهتمام والأولوية لدى الحركات الإسلامية".
د. رامي العياصرة قيادي في جماعة الإخوان المسلمين بالأردن
وذكر العياصرة أمثلة للقضايا موضع الاهتمام والألوية لدى الحركات الإسلامية، والتي منها "الحفاظ على الهوية الإسلامية للمجتمعات، والوقوف في وجه التطرف العلماني المعادي للإسلام والدفاع عن مؤسسة الأسرة، والجانب القيمي والأخلاقي وغيرها، إضافة إلى تعميق شرعية الحركات الإسلامية التي اسُتهدفت في الفترات الأخيرة، وحاولت بعض الأطراف الدولية والإقليمية العربية تصنيفها كحركات إرهابية".
وأكدّ أنه "لا يستطيع أحد يدرك أهمية وقيمة العمل السياسي أن يتجاوز إيجابيات المشاركة السياسية ضمن طبيعة وديناميكية النظام الديمقراطي نفسه، ولكن هذا لا يعني أنه ليس ثمة سلبيات لتلك المشاركة، نعم هناك سلبيات ولكنها تخضع للتقليل منها قدر الإمكان مع محاولة تعظيم الايجابيات بقدر الإمكان كذلك، ومن هنا تخضع حالة المراجعات الدائمة للموازنة بينها في محاولة الوصول الى الحالة الأكثر فائدة والاقل ضررا، وبالخلاصة فهي ليست مشاركة لأجل المشاركة".
وردا على سؤال إن كان ثمة مراجعات لمسار المشاركة، أوضح العياصرة أن "المراجعات وإعادة تقويم مسارات العمل السياسي، وبالذات البرلماني منه مطلوب في محاولة الوصول إلى أكبر حد من تحقيق المصالح والأهداف المتوخاة من تلك المشاركة، لكنها بكل الأحوال لا تعني الوصول إلى قرار بالعدول عن المشاركة السياسية، لأنها ميدان عمل يسير بالتوازي مع العمل في الميادين الأخرى.. وهذه الرؤية تنسجم مع فكرة الشمولية التي تميز دعوة الإخوان تحديدا ضمن الحركات الإسلامية الفاعلة، فليس ثمة تعارض وتضارب بل يتوجب التكامل بينها".
من جانبه لفت الأكاديمي المغربي، والقيادي بجماعة العدل والإحسان الدكتور أحمد الزقاقي إلى أن "تجارب مشاركة الإسلاميين في المجالس النيابية اختلفت من بلد لآخر، كما إن حجمها لم يكن على وزان واحد، وتعددت أسباب اتخاذ قرار المشاركة أيضا، ففي بلدان كانت مشاركة الإسلاميين حاجة دولة أو نظام ما لقياس شعبيتهم واستغلالها، وتلطيف مطالبهم".
وأردف "وفي أخرى كانت حاجة نظام غربي وبإيعاز منه بغرض إدماج "الإسلاميين المعتدلين" في "المنظومة الديمقراطية" قبل أن ينقلب على هذا النهج بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، وصار يرى فيهم خطرا عليه، وفي بلدان أخرى كانت نتيجة تطور طبيعي أوصلهم إلى الحكم (ماليزيا، تركيا)".
وواصل حديثه لـ"عربي21" بالقول "وفي البلاد ذات المرجعيات المتعددة (إسلامية، ماركسية، لبرالية علمانية..) كثيرا ما زُج بفريق من الإسلاميين في أتون الصراع السياسي على طريقة (فرق تسد) لترميم بنيان الاستبداد، والتمست المسوغات النظرية للمشاركة من القرآن الكريم (اجعلني على خزائن الأرض)، ومن السيرة النبوية (صلح الحديبية)، فكان قياسا فاسدا لأنه كان قياسا مع وجود الفارق" على حد قوله.
وتابع "كما أنهم أدلوا ـ في سياق الرد على من يقولون إن المشاركة تحتاج إلى شروط ـ بحجة أخرى وهي أن المشاركة تنضج وتحسن الشروط، إلا أن الشروط لم تتحسن ولم تنضج، لا سيما بعد "إفشال" الربيع العربي، ونتيجة لأخطاء فادحة صدرت من أحزاب إسلامية لم تحسن تدبير الاختلاف مع النخب التي تخالفها، ولم تحسن تدبير العلاقة بين الدعوي والسياسي، إذ تركت واجهة التربية مكشوفة، واستهلكتها المهام التنظيمية والسياسية والاجتماعية، وحسبت أنها تحكم وهي لم تحكم يوما..".
د. أحمد الزقاقي أكاديمي مغربي وقيادي بجماعة العدل والإحسان
وأكمل فكرته معللا رأيه السابق بالقول "لأن الجيش والأمن والمخابرات كانت في أيدي (الثعالب العجوزة) الماكرة والمؤتمرة بأوامر الاستكبار العالمي، وإن تقييما موضوعيا لأداء الإسلاميين المشاركين يفضي بنا إلى القول إن كثيرا منهم جيء بهم إلى (المجالس النيابية) ليبصموا لا ليحكموا" حسب تقييمه.
وعن المراجعات رأى الزقاقي أنها "اتخذت منحيين، فأمام عدم تحقق الأهداف المرجوة، وشراسة الاستبداد التمسوا مخرجا سهلا وهو القول بضرورة تطليق الإسلاميين للسياسة واهتمامهم بالدعوة فقط، والمنحى الثاني كفر أصحابه بالديمقراطية والديمقراطيين، وانخرط أصحاب هذا المنحى في سلوكيات عنيفة وضارة بالفرد والمجتمع".
وأضاف "وأثبتت الوقائع والأحداث صواب رؤية فريق من الإسلاميين كان يرى في المشاركة مضيعة للوقت، ويرى العمل وسط المجتمع والالتحام به، وعدم الخجل من الدفاع عن القطعيات الإسلامية والعقائد الإيمانية، والوقوف في وجه الفساد والاستبداد بسلمية وعدم المساومة على المبادئ".
وخلص الأكاديمي والباحث المغربي في حديثه إلى القول بأن طوفان الأقصى "خلص الإسلاميين من الكثير من الأساطير الضاغطة التي عمل الغرب على إشاعتها والترويج لها، ولا ريب في أن المقاومة ومواجهة عدو الأمة التاريخي سيعلي من شأنهم، ويقوي من رصيدهم، ليصبر شعار المرحلة والمستقبل تخليص الأمة من (الاحتلال الداخلي) و (الاحتلال الخارجي)".
بدوره أبدى الكاتب والإعلامي المغربي، نور الدين لشهب تحفظه على وصف مشاركة الإسلاميين بأنها لم تكن ذات جدوى، لافتا إلى أن الأمر كان على عكس ذلك إذ "ظهر أن الإسلاميين يمتلكون نخبة على درجة عالية من الثقافة السياسية، شخصيات تحظى بقدر كبير من الاحترام والمصداقية، ولها غيرة على مستقبل البلاد، وقامت بتصريف خطاب سياسي يتجاوز قبة البرلمان إلى باقي البلدان العربية والإسلامية".
وأضاف "واستطاع المتابعون والمراقبون والباحثون أن يتعرفوا على شخصيات لها مصداقية وغيرة على الوطن والأمة بشكل عام، وهذا ما عايناه في السنوات القليلة الماضية مع برلمانيين من الكويت والأردن ومصر وتونس والمغرب، برلمانيون كانوا دائما حاضرون في الدفاع عن الهوية والدين وقضية فلسطين، لا سيما الأخوة البرلمانيون من الأردن والكويت والمغرب".
وردا على سؤال "عربي21" بشأن ما يرجوه الإسلاميون من المشاركة في المجالس النيابية بعد أن أثبتت التجارب العديدة عقم ذلك المسار وعدم جدواه حسب معطيات تلك التجارب، قال لشهب "المشكل هنا لا يتعلق بالإسلاميين وحدهم، بل بالبيئة السياسية الحاضنة للعمل السياسي، وهي بيئة موبوءة بفعل استمرار الاحتلال الخارجي المتمثل في الضغط على الأنظمة وتهديد كيان الدولة القطرية".
نور الدين لشهب كاتب وإعلامي مغربي
ولفت إلى أن "الأمر يتعلق أساسا بالدولة القطرية الوظيفية ما بعد الاستقلال المنقوص، أو ما يسميه الزعيم محمد بن عبد الكريم الخطابي بـ"الاحتقلال" ناهيك عن الاختلال الداخلي، ويتعلق الأمر هنا بالاستبداد والتسلط في العالم العربي، ومدار الاحتلال والاختلال قائم أساسا على مناهضة روح الهوية المطلقة التي يمثلها الإسلاميون، أو الإسلام السياسي".
وتابع "وهو الذي يعد بنظرهم القادر على تعبئة الأمة والدفاع عن الهوية، وصون كيان الدولة كما وقع في بداية القرن مع المقاومة الوطنية المسلحة ضد الاحتلال، ولا يزال الأمر على ما هو عليه كما يتابع العالم في العراق وفلسطين وأفغانستان"، مؤكدا أن "عقم المسار لا يعني أن الإسلاميين المشاركين في اللعبة السياسية قد ركنوا إلى الذين ظلموا وأنهم فرطوا في الدعوة والخدمة العمومية للمجتمع، بل بالعكس فإن العمل السياسي غالبا ما يكون مسنودا برجال الدعوة والعمل الدعوي والخيري الذي يعتبر خزانا مهما للانتخابات".
وعن وجود مراجعات لمسار مشاركة الإسلاميين في المجالس البرلمانية، نفى الكاتب والإعلامي لشهب "وجود تلك المراجعات في أوساط أنصار المشاركة سواء في الجزائر أو الكويت أو الأردن أو حتى في المغرب، والفرق فقط في أن هناك من يضع شروطا للمشاركة، وهناك من يشارك دون شروط".
وأنهى كلامه بالتأكيد على أن "من مهام الإسلاميين اليوم الحفاظ على الوجود بأقل التكاليف خصوصا ما تعرض له الإسلاميون المشاركون في اللعبة السياسية الرسمية في مصر وتونس تحديدا، فالحركة الإسلامية تعمل على الحفاظ على تنظيماتها في هذه اللحظة التاريخية، وصحيح أن طوفان الأقصى قد أنعش الإسلاميين في المنطقة، لكن الصهينة المعولمة والأنظمة المتسلطة بالمنطقة، خاصة التي تقود ما يسمى بالثورات المضادة تلعب دورا ليس في صالح الإسلاميين".
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير تقارير المشاركة العربية عرب اسلاميون مشاركة آراء برلمانات تقارير تقارير تقارير تقارير تقارير تقارير سياسة سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة فی المجالس البرلمانیة الحرکات الإسلامیة المجالس النیابیة الإسلامیین فی العمل السیاسی المشارکة فی
إقرأ أيضاً:
متحف الشاي بمراكش: رحلة عبر نكهات رفيق المجالس المغربية
مراكش – ما أن تخطو قدماك عتبة متحف الشاي بمدينة مراكش، حتى تسمع صوت صبيب الماء المغلي في "البراد"، وتشم رائحة نباتات عطرية فواحة لا يخطئها أصحاب الذوق الرفيع.
تستقبلك شابة في مقتبل العمر بزيها التقليدي وبابتسامة ترحيب وحفاوة طبيعية، وقبل أن تطلب أي شيء يأتيك كأس شاي أول، يفوح منه عبق النعناع، وتعلوه رغوة، علامة على حسن إعداده.
يقول الشاب طارق آيت بنعبد الله أحد مسيري المتحف للجزيرة نت "نحرص أن نقدم في هذا المكان التاريخي المميز بهندسته المعمارية المغربية الأصيلة تجربة رائدة وفريدة لتذوق الشاي، تجمع بين أصالة الترحاب وتنوع إعداده، وتمنح شعورا بالراحة والاستجمام".
يحيل الشاي أو "أتاي" كما يسميه المغاربة، إلى حسن الاستقبال وكرم الضيافة، وأيضا إلى جلسات الأنس العائلية، بل إلى هوية جماعية وذاكرة إنسانية لا يمكن تجاهلها.
ولأن الشاي هو أشهر مشروع شعبي في المغرب، فهو يؤثث جميع مشاهد الحياة، ولأن تذوق شيء فريد يسعى إليه كل زائر أو مسافر للبلاد، فإن فكرة متحف مراكش للشاي تتخلص في جمع كل عناصر التجربة في مكان واحد، ليفتح أمام الزائر والسائح فرصة التعرف على هذا التنوع.
يقول الباحث في تاريخ المغرب هشام الأحرش إن إعداد الشاي في المغرب كان منحصرا عند سادة القوم وعليتهم بطقوس خاصة، قبل أن يصير مشروبا شعبيا لا تخلو منه أية مناسبة، بل أصبح عادة يومية.
ويبرز الأخرس في حديث للجزيرة نت أنه لا يمكن لأي كان أن يرشح نفسه لإعداد الشاي عند التجمعات الأسرية والقبائلية، فالناس يحرصون، بل يأتمنون على إعداده من له الكفاءة على ذلك، وأيضا له المكانة الاجتماعية والتقدير بين أفراد المجتمع. أما في متحف الشاي فالزائر يتحول من متذوق للشاي، إلى معده في أجواء من الاسترخاء والراحة.
إعلان فكرة المتحفيعد متحف الشاي في كبرى حواضر السياحة في المغرب جوهرة فريدة، وهو الأول من نوعه في المملكة، إذ يقع وسط المثلث الذهبي الذي يضم مسجد ابن يوسف ومدرسة ابن يوسف والقبة المرابطية، قريبا جدا من الإقامات السياحية بكل أصنافها، وأيضا من الأسواق الشعبية.
يحمل المتحف اسم العدد "1112"، يرمز إلى تاريخ إنشائه في التقويم الهجري، وهو العدد الذي اكتشف منقوشا بشكل بارز على أحد سقوفه، وهو أمر نادر في المباني التقليدية.
أما فكرة تحويل هذا الرياض إلى متحف للشاي، فقد استلهمها صاحب الفكرة عبد اللطيف آيت بنعبد الله من أسفاره إلى اليابان، حيث رأى كيف يحافظ اليابانيون على طقوسهم التقليدية في تقديم الشاي رغم التطور التكنولوجي الذي وصلوا إليه.
ويقول المثل المغربي "لا يشبع المرء من أمرين أثنين، رضا الوالدين، وكؤوس الشاي"، لذلك وبعد كأسك الأول لك أن تطلب ما تريد، وأنت تجلس بين الأشجار الباسقة، تسمع خرير مياه النوافير التي تزين بهو الدار، مستمتعا بزرقة السماء وأنغام الطيور.
يجعل سحر المكان تجربتك غير مقتصرة على زيارة واحدة، فمقامك في المدينة يمكن أن يكون طيلة أسبوع أو أكثر، ولذلك يمكن أن تجعل تذوق الشاي عادتك اليومية في المتحف، قبل أن تنغمس في مشاريع زياراتك اليومية.
نكهات متعددةساعة واحدة أو ساعتان أقل أو أكثر تمنحك الطاقة، وتشعرك بالرغبة في اكتشاف المزيد من التقاليد والعادات المغربية، وربما تمنحك الرغبة في زيارة مناطق تذوقت شايها هنا في مراكش.
يقول الباحث في تاريخ المغرب هشام الأحرش إن الشاي مشروب ساخن يعد أمام الضيوف بمهارة عالية، فهو يعد بثلاث مكونات أساسية، هي الشاي والنعناع والسكر، ويعود مزجها بكيفية صحيحة إلى الخبرة والدربة.
ويضيف أن استقبال الضيوف يبدأ عادة بتقديم كأس صغير من الشاي الصافي دون إضافات، ثم يقدم لهم ذلك شايا بسكر، أبدع المغاربة كل في منطقته، بإضافة أعشاب عطرية أخرى، تضفي عليه لمسة محلية.
في المتحف، لك أن تطلب شاي الصحراء بنكهة العلك تزيد فيه من السكر ما تريد دون ان تتغير رغبتك في احتساء كأسك كاملا، أو شاي جهة سوس المعطر بالزعفران، أو شاي قلعة مكونة برائحة الورد الفواحة، أو شاي طنجة المعد مباشرة في كؤوس الشاي الكبيرة بالنعناع دون حاجة إلى "براد" (إبريق الشاي).
لك أن تطلبه أيضا شايا معطرا بزهر الشيبة (الأفسنتين) أو الخزامى والقرنفل أوالنافع أو اللويزة أو السمسق (مردقوش أو المرددوش كما يسميه المغاربة) والزعتر، أو زهر النارنج والبرتقال ورعي الحمام، أو مزيجا من كل تلك النكهات التي تعكس تنوع وثراء ثقافة الشاي في المغرب.
الأواني التقليديةتشد انتباهك في المتحف بلا شك مجموعة قيمة من الأواني التقليدية، والتي كانت تستخدم في تحضير وتقديم الشاي، والمعروضة بعناية في جناح خاص، بدءا بأباريق الشاي الفضية اللامعة، وصواني التقديم المزخرفة، وكؤوس الشاي الملونة، وأيضا أدوات تكسير السكر التقليدية.
يعود تاريخ بعض هذه الأواني إلى القرن التاسع عشر الميلادي، وتحمل بصمات صناعة مدينة مانشيستر البريطانية، بينما البعض الآخر هو من إبداع الصناع المغاربة المهرة.
إعلانويشرح الباحث الأحرش أن حكام مانشيستر آنذاك اعتادوا إرسال تلك الهدايا الى السلاطين المغاربة، قبل أن تصبح صناعة تلك الأواني موجهة إلى كل المغاربة.
ساعة واحدة أو ساعتان في المتحف قد تكفيك، وقد تكون محقا إذ قررت أن تقضي أكثر من ذلك في هذا المكان الجميل في قلب المدينة القديمة.
حجتك في البقاء أطول مدة ستكون قوية إذا علمت أنك ستعيش تجارب فريدة ستحتار من تختارها أولا.
تقودك التجربة الأولى إلى اختبار مهارتك في تذوق النكهات المختلفة وتدوين ملاحظاتك، بل في مائدتك توجد أيضا حلويات محلية حلوة ومالحة.
تجربة عمليةتقتضي التجربة الثانية أبعد من ذلك، إذ ستكون مدعوا لصنع الشاي بيديك، بالطريقة المغربية التي تناسبك، وبالنكهات القريبة إلى قلبك، تقلب أوراق الأعشاب والزهور والتوابل المجففة بين يديك، تأخذ وقتك الكافي في الإعداد والتأمل وتقود نفسك الى الهدوء والاسترخاء، مستحضرا كافة قوتك الذهنية والعاطفية.
ستعود حتما في يومك الموالي لتحضر تجربتك الثالثة، عبارة عن جلية احتساء الشاي، مصاحبة بالرسم بالألوان المائية أو التطريز على الأقمشة التقليدية، بل أيضا بفن الزخرفة الإسلامية والخط المغربي.
كل ذلك في قاعة استقبال يعود بناؤها لأكثر من 320 عاما، يميزها سقوف خشبية أصلية بزخرفة مغربية مبدعة، تشكل لك مصدر إلهام حقيقي، بينما تحتسي الشاي وتستمتع بالجو الهادئ، لتختتم الجلسة بمناقشة حول الفوائد التأملية للإبداع الفني.
تجعل كل هذه الورشات المتنوعة زيارة "متحف الشاي 1112" تجربة غامرة وشاملة، لا تقتصر على المشاهدة والتذوق، بل تتعداها إلى التفاعل والإبداع والتعلم، مما يمنحك فهما أعمق لثقافة الشاي المغربية الغنية، وتجعل نهاية تجربة أشبه بمغادرة مكان ستقرر حتما العودة إليه كلما سنحت لك الفرصة.