نشرت صحيفة "لكسبرس" الفرنسية، تقريرا، تحدّثت فيه عن النفقات العسكرية العالمية التي تجاوزت 2.443 تريليون دولار في سنة 2023، وذلك وفقا لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام. 

وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن هذا الرقم القياسي، يعكس تجدد الاهتمام بالتسلّح وهو ما ظهر في معرض "يوروساتوري"، أكبر معرض دولي للأسلحة البرية، الذي يقام في فيلبانت، شمال باريس، حتى 21 حزيران/ يونيو، حيث توافدت الجيوش من جميع القارات هناك لاكتشاف جميع المعدات التي طورتها صناعة الدفاع.



وبيّنت الصحيفة، أن الحرب في أوكرانيا ذكّرت العديد من الدول بأهمية امتلاك أسلحة قادرة على مقاومة أو ردع أي هجوم. وفي هذا الصدد، قال الباحث في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية والمتخصص في مجال التسلح، ليو بيريا بيجيني: "لقد تذكر الأوروبيون أن التسلح هو مسألة بقاء في مواجهة القوى المعادية".

لكسبرس: كيف يصبح التسلح أداة في السياسة الجيوسياسية؟
أكد ليو بيريا بيجيني أن "التسلح هو الأداة الأساسية للحرب وأحد المكونات الأساسية للجغرافيا السياسية منذ الأزل. مضيفا: "أن تكون مسلحا أو غير مسلح، يضع الدولة في وضع ملائم أو غير مناسب ضد دولة أخرى، ويحدد تحقيق أهدافها الاستراتيجية من عدمه. إن طريقة الاستحواذ مهمة أيضا، لأن إنتاج الأسلحة الخاصة بك يختلف عن الحصول عليها من دولة ثالثة من حيث الاستقلالية والسيادة".

‌حسب بيجيني، تذكر الكثيرون أن التسلّح هو مسألة بقاء في مواجهة القوى المعادية. لقد وضع الغرب نفسه في موقف داعم لأوكرانيا من خلال تزويدها بالأسلحة اللازمة لمقاومة الغزاة الروس. لكن استهلاك المعدات والذخائر في ساحة المعركة يتجاوز بكثير الطاقة الإنتاجية الأوروبية، أو حتى الغربية. وهذا لا علاقة له بالحروب غير المتكافئة التي تطابقت، على سبيل المثال، مع نموذج القوات الفرنسية التي انخرطت، في العقود الأخيرة، في صراعات في أفريقيا ضد مجموعات أقل تسليحًا.

كيف تختار بشكل صحيح بين الكمية والجودة؟
يقول بيجيني إنه "في صراع شديد الحدة، مع خسائر كبيرة، فإن النسبة الصحيحة هي التي يمكن الحفاظ عليها مع مرور الوقت. فلا فائدة من امتلاك 2000 دبابة قديمة لن تحقق نتائج حقيقية دون خسائر لا يمكن تحملها، ولا جدوى كذلك من امتلاك عشرين دبابة عالية الأداء ولكن لا يمكن استبدالها أو إصلاحها في حالة حدوث خسائر.

وأضاف بأنه "عندما يتعلق الأمر بالأسلحة، فهي مثل لعبة البوكر، الشيء الأكثر أهمية ليس البطاقات، بل كيفية استخدامها. لقد أدرك الجيش الروسي ذلك أمام الأوكرانيين في بداية الغزو؛ إذا كان العدو أكثر قدرة على الحركة، فإن أفضل دبابة تكون قليلة الفائدة". 

على سبيل المثال، لم تكن المركبات القتالية من طراز "إيه إم إكس 10 آر سي" التي أعطتها فرنسا لكييف، وهي مركبات خفيفة لكنها مجهزة جيدا وتتمتع بمرونة حركة كبيرة، مناسبة للجبهة الأوكرانية الثابتة، المليئة بشظايا حادة تضر بعجلاتها. لقد تم تصميمها للإضاءة والاستطلاع وثبت أنها هشة للغاية بحيث لا يمكنها الاقتراب من العدو الروسي.

ووفقا للباحث الفرنسي، "ربما يكون ذلك صحيحا، لكن لا يمتلكها سوى جيشان آخران فقط، بالإضافة إلى الجيش الفرنسي: وهما جيش الإمارات العربية المتحدة والأردن. ومن المخاوف المتكررة فيما يتعلق بالأسلحة الفرنسية أنها مصنوعة من قبل فرنسا ومن أجلها، وأن الدولة الفرنسية تتدخل كثيرا في البرامج، مع القليل من الاهتمام بآفاق التصدير".

وأضاف أن بندقية "سيزار" تشكّل استثناءً في هذا المجال، حيث فُرضت على الجيش رغما عنه. وكان هذا هو الحال إلى حد ما مع دبابة لوكلير، خاصة أنها وصلت إلى الأسواق بعد نهاية الحرب الباردة، التي صُممت من أجلها. لذلك وصلت "أفضل دبابة في العالم" إلى السوق العالمية في وقت كانت فيه الطلبات تتراجع بسرعة، في حين كانت تكلفتها أعلى من معظم منافسيها.

يجب استبدال دبابة لوكلير في نهاية العقد المقبل بنظام القتال الأرضي الرئيسي، الذي سيجمع بين دبابة وعناصر متصلة مختلفة. هل هو مشروع فرنسي ألماني، وبالتالي ذو طابع "جيوسياسي"؟


أكد الباحث ذلك، مشيرًا إلى أن "هذا المشروع يجب أن يلبي احتياجات الجيشين الألماني والفرنسي، وهما دولتان اشتبكتا بالدبابات في القرن العشرين. هذه هي الصعوبة برمتها: لقد تم بناء الجيش الفرنسي لمدة ثلاثين سنة على نموذج استكشافي لأن أراضي البر الرئيسي محمية بالردع النووي، لذلك فهي تريد دبابة متنقلة يمكن نشرها بسرعة". 

في المقابل، يريد الألمان دبابةً ثقيلة لحماية أراضيهم وشنّ حرب في أوروبا. علاوة على ذلك، تختلف الصناعتين: تقوم قاعدة التكنولوجيا الصناعية والدفاعية الفرنسية أولا بالتطوير والإنتاج للجيش بمبادئها المحددة، في حين تنتج قاعدة التكنولوجيا الصناعية والدفاعية الألمانية للسوق، وتطور المنتجات التي من المرجح أن يتم تصديرها. لذلك، قد يكون التوفيق بين الثقافتين المؤسستين وطرق العمل أمرا صعبا.

إلى ذلك، ‌أشار بيجيني إلى أن "الدليل على ذلك يكمن في استبدال وحدات "إل آر يو"، وهي منصات إطلاق الصواريخ التي يمتلكها الجيش الفرنسي بكميات صغيرة والتي ستصبح قديمة الطراز على المدى القصير". 

وأردف: "يمكن لفرنسا أن تطور نظاما سياديا ليحل محلها، لكنه سيكون مكلفا للغاية وقد بدأت بالفعل متأخرة وتخطط لشراء أقل من ثلاثين نسخة. والخيار الآخر هو الحل "الجاهز" الذي سيكون أقل تكلفة لأنه لن تكون هناك تكاليف تطوير وسيكون قادرا على الحصول على المزيد من الذخيرة بنفس التكلفة".

أما الجانب السلبي، حسب الباحث، فهو أنها ستضع نفسها في حالة تبعية. سيتم إنتاج الأجزاء الأكثر أهمية من النظام في مكان آخر. أما بالنسبة للذخائر، فيمكن للدولة الموردة قطعها إذا رأت أنها يمكن أن تستخدم في صراع غير مشروع. وهي مشكلة لا تنشأ عندما يكون النظام ذا سيادة.

كيف يشكل التسلح أداة تأكيد للقوى الناشئة مثل تركيا؟
بيّن الباحث أنه "قبل خمسين سنة، بعد ضم جزء من جزيرة قبرص، أصدرت الولايات المتحدة مرسوما بفرض حظر على الأسلحة على تركيا، حليفتها في حلف شمال الأطلسي. حينها، أدرك الأتراك تبعيتهم وضعفهم وشرعوا في سياسة تمكين صناعتهم الدفاعية".

واسترسل: "قد سمح لهم ذلك بتطوير معدات مختلفة عن تلك التي تبيعها الولايات المتحدة، وأقل تكلفة، مثل طائرتها المسيّرة من طراز بيرقدار. ومن هذا العرض النظيف وغير المكلف إلى حد ما تمكنت تركيا من صنع أداة دبلوماسية: حيث يتم بيع البيرقدار في أكثر من عشرين دولة".

وأبرز أنه "من المؤكد أن العرض التركي له مميزاته لكنه لا يزال غير كامل، خاصة في القطاعات الأكثر تقدما مثل الطيران، حيث يجب استيراد العناصر الأكثر تعقيدا مثل المحرك".

لماذا يشتري الكثير من الأوروبيين المنتجات الأمريكية؟
أبرز الباحث الفرنسي أن "شراء الأسلحة ينشئ علاقات سياسية بين البائع والمشتري. ويتيح شراء المنتجات الأمريكية للعديد من الدول إظهار ارتباطها بحلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة، مع فكرة أنها سوف تساعدها في الدفاع عن نفسها في حالة نشوب حرب".

"ويمكن لفرنسا أن تفعل ذلك في شراكات معينة، كما هو الحال مع الإمارات العربية المتحدة، ولكن على نطاق أصغر، مما قد يضر بها في المنافسة مع الصناعة الأمريكية" يضيف الباحث نفسه.

وبخصوص أن فرنسا ستبدأ في بناء حاملة طائرات جديدة لتحلّ محل حاملة طائرات شارل ديغول. قال الباحث: "في صراع شديد الكثافة، ستفكر البحرية مرتين قبل استخدام سفينة قوية يصعب استبدالها أو حتى إصلاحها. لحاملة الطائرات استخدامات أخرى، لكن بعض الخبراء يعتبرون أنه مقابل نفس السعر".

وأضاف: "يمكن لفرنسا أن تزود نفسها بأسلحة أكثر فائدة وأقل عرضة للخطر. لكن حاملة الطائرات تقوم أيضا بمهام التمثيل والدعم والردع وهو سلاح هيكلي لقاعدة الدفاع الصناعية والتكنولوجية الفرنسية".

ما هي أسلحة المستقبل التي يمكن أن تغير طريقة شن الحرب؟
يعتقد بيجيني أن "هذه الأسلحة ستكون متاحة بدرجة كافية، مثل الطائرات دون طيار، حيث يمكن نشرها من قبل عدد أكبر من البلدان مقارنة بمجموعة صغيرة مختارة من القوى العظمى، التي تمنحها قدرات لم يكن بإمكانها الحصول عليها سابقا".


وأكّد أنه "مع تطور الغواصات المسيرة، فإن الدول التي لم تكن تمتلك الوسائل اللازمة للحصول على غواصات حديثة، سوف تكون قادرة على امتلاك هذه القدرات، وإن كانت محدودة، ولكن يتعين على القوى الأخرى أن تأخذها بعين الاعتبار. وهذا من شأنه أن يغير التسلح، والتوازن الجيوسياسي بشكل عام".

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة مقابلات سياسة دولية سياسة دولية فرنسا الغواصات المسيرة فرنسا الغواصات المسيرة المزيد في سياسة سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة

إقرأ أيضاً:

كيف يمكن قراءة غياب السيسي أو تغييبه عن قمة ترامب الخليجية؟

بينما أشاد الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بحكام السعودية وإنجازاتهم، وحكام قطر والإمارات وأدوارهم الإقليمية، خلال زيارته الثلاثاء، والأربعاء، والخميس، للرياض والدوحة وأبوظبي، وفي لقائه بحكام وقادة 6 دول خليجية إلى جانب سوريا بقصر اليمامة، غاب رئيس النظام المصري، عبد الفتاح السيسي، عن المشهد.

واستضاف ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، أمير قطر، تميم بن حمد، وأمير الكويت، مشعل الأحمد، وملك البحرين، حمد بن عيسى، ونائب رئيس وزراء عمان، أسعد بن طارق، وولي عهد أبوظبي، خالد بن محمد بن زايد، للقاء ترامب بالقمة (الأمريكية- الخليجية) الخامسة، وذلك بعد أن التقى ترامب، الرئيس السوري، أحمد الشرع، لأول مرة.

"8 لقاءات سابقة وغياب مثير"
أثارت عدم دعوة السيسي، للمشاركة بقمة ترامب الخليجية، التساؤلات، خاصة وأنه قد شارك فيها سابقا، بمثل هذا الشهر من عام 2017، حين حضر ترامب لأول مرة كرئيس أمريكي للسعودية، وذلك إلى جانب مشاركة السيسي وقادة الأردن والعراق بالقمة (الخليجية- الأمريكية) الرابعة في تموز/ يوليو 2022.

وفي غياب السيسي، عن قمة الأربعاء، أطرى ترامب بشدة على قادة الخليج العربي قائلا: "أنتم محل إعجاب العالم"، مذكرا بإطرائه السابق على السيسي بقمة الرياض (الأمريكية- الخليجية) 2017، وقوله له: "يعجبني حذاؤك"، ومناداته له بقمة (السبعة الكبار) بفرنسا، خلال أيلول/ سبتمبر 2019: "أين يكتاتوري المفضل؟".

والتقى السيسي، ترامب لأول في 20 أيلول/ سبتمبر 2016، في نيويورك، كمرشح للرئاسة الأمريكية عن الحزب "الجمهوري"، ليستقبله بالبيت الأبيض بعد 3 شهور من دخوله، وتحديدا في نيسان/ أبريل 2017، لتجمعهما القمة العربية الإسلامية الأمريكية بالسعودية، بالشهر التالي من نفس العام.

وزار السيسي، واشنطن، تلبية لدعوة ترامب في نيسان/ أبريل 2019، والتقيا بفرنسا خلال قمة "السبعة الكبار"، آب/ أغسطس 2019، لتجمعهما 3 لقاءات على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، أيلول/ سبتمبر أعوام 2017، و2018، و2019.

ومع ولاية ترامب الثانية، كان من المقرر أن يلتقيه السيسي، بالبيت الأبيض، في 16 شباط/ فبراير الماضي، في زيارة لم تتم، وسبقها إعلان "خطة ترامب" بتهجير فلسطيني قطاع غزة، وسيطرة واشنطن عليه وتطويره عقاريا، والتهديد بقطع المساعدات عن مصر والأردن حال رفض مطالبه.

ووسط ضغوط ترامب، قدّمت القاهرة خطة لإعمار غزة، دون تهجير الفلسطينيين إلى قمة عربية مصغرة، بالسعودية، في 21 شباط/ فبراير الماضي، وهي التي لم تلق قبولا أمريكيا وإسرائيليا، ولا دعما من حليفتيها الإمارات والسعوية، ليجري تجاهل السيسي، من الظهور إلى جانب ترامب في توقيت يجري فيه الحديث عن تشكيل جديد لأوضاع إقليم الشرق الأوسط.

وإلى جانب ملف تهجير الغزيين لسيناء، والذي طرحه ترامب بعد 5 أيام من عودته للبيت الأبيض، في ولايته الثانية، خلال كانون الثاني/ يناير الماضي، يأتي ملف أطماع ترامب بقناة السويس المصرية، وطلبه المرور المجاني لسفن بلاده التجارية والعسكرية، منها، ما قابلته القاهرة بالصمت.


"ليس صدفة بروتوكولية"
في قراءته لغياب السيسي عن القمة الخليجية مع ترامب بالرياض، في ظل ما يجري من أحداث بالإقليم، قال الخبير في الشؤون السياسية والاستراتيجية، ممدوح المنير، إنه: "ليس مجرد صدفة بروتوكولية أو اعتبارات جدول أعمال مزدحم، بل هو دلالة سياسية صارخة على تراجع دور مصر الكبيرة مكانا ومكانة، والتي تقزمت كثيرا بعهد السيسي، حتى أصبحت تابعا له شركاء متشاكسون".

وفي حديثه لـ"عربي21"، أضاف المنير: "تغيّر موقع النظام المصري بالمعادلة الإقليمية والدولية منذ 2013، ففي 2017، كان السيسي ضيفا مبجلا على قمة ترامب بالرياض، يقدم كـ(رجل واشنطن القوي) بالمنطقة، وكسند استراتيجي لها بمحاربة ما يسمى (الإرهاب) وتطويع الإسلام السياسي".

وتابع: "لكن في 2025، تغيّر كل شيء؛ وفشل السيسي داخليا بتحقيق استقرار حقيقي، وتحوّلت وعوده الاقتصادية لكوارث مالية دفعت البلاد نحو الإفلاس، بينما باتت سياسته الخارجية قائمة على التبعية وغياب الأمن القومي والتردد والمزايدة بملفات إقليمية شديدة الحساسية".

وبالتالي، يرى المنير، أنّ: "تجاهل دعوته للرياض في هذا السياق يعكس أحد الأمرين، وربما كليهما: إما أن واشنطن لم تعد ترى فيه ورقة ذات قيمة استراتيجية فلا يوجد ما يقدمه لها، وفي ذات الوقت لا يستطيع أن يخرج عن طوعها".

"أو أنها تسعى لمعاقبته وتهميشه بعد أن خرج جزئيا عن المسار الذي رُسم له بملفات غزة، وإلغاء رسوم العبور من قناة السويس، وتيران وصنافير، وخصوصا تقاربه الواضح مع بكين وموسكو" بحسب المنير في حديثه لـ"عربي21".

"ليس قطيعة بل إعادة تقييم"
في إجابته على السؤال: "هل استغنى ترامب عن السيسي، وهل هذا الوضع بداية لنهاية حكم السيسي، واقتراب أوان التغيير في مصر من الباب الأمريكي؟، لا يعتقد الباحث المصري، أن: "الإدارة الأمريكية استغنت عنه في الوقت الحاضر".

وقال إنّ: "السيسي يقوم بجميع الأدوار التي تريدها واشنطن بالمنطقة؛ لكنه بكل تأكيد أصبح ورقة محترقة، فالإدارة الأمريكية، أو على الأقل مراكز التأثير المحيطة بها، لم تعد ترى فيه خيارا موثوقا لمستقبل مصر، والاستغناء هنا ليس بالضرورة القطيعة، لكنه أقرب إلى إعادة تقييم للدور والجدوى السياسية من استمرار دعمه".

وأكد أنّ: "أمريكا تاريخيا، لا تُسقط الأنظمة التي تخدم مصالحها إلا إذا باتت عبئا أو غير قابلة للاستمرار؛ والسيسي الآن بات عبئا سياسيا واقتصاديا، داخليا وخارجيا. الانفجارات الاجتماعية، رفضه تمرير مخطط التهجير لحسابات شخصية تتعلق ببقائه في السلطة وليس حبا لغزة، كلها أدلة على فشل الإدارة المصرية الحالية بإدارة الملفات الحساسة حتى بما يخدم الأجندة الأمريكية نفسها" بحسب تعبيره.

ويرى أنه: "من هنا، قد لا يكون غياب السيسي عن القمة مجرّد تجاهل دبلوماسي، بل رسالة ضمنية مفادها: الباب مفتوح إذا فعلت ما هو مطلوب منك أو التجاهل والإزدراء، وإذا لم تنصاع دون قيد أو شرط، مأساة السيسي أن كل الطرق تؤدي إلى عدم استقرار حكمه".


"عامل سياسي وآخر اقتصادي"
في تقديره، قال الباحث المصري في التربية السياسية، يحيى سعد، لـ"عربي21": "هناك عدة عوامل لتجاهل مشاركة مصر والأردن وعدم حضورهما اجتماع ترامب ببعض القادة العرب في السعودية كما كان في 2017".

وأكد سعد، أنّ "العامل الأول: اقتصادي"، موضحا أن "الهدف الأساسي -الذي جعل ترامب يولي وجهه شطر الدول الثلاث ويقدمها على بريطانيا التي اعتاد رؤساء أمريكا إعطائها أولوية بزياراتهم الخارجية- اقتصادي بحت".

وأضاف: "إن شئنا فلنقل هدف ابتزازي لجمع المال وعقد الصفقات، لدعم اقتصاد بلاده وتسويق نفسه داخليا أمام المواطن الأمريكي، ومثل ذلك العامل لا يتوفر لدى مصر والأردن، فليس لدى الدولتين ما ينافسان به بهذا المضمار".

ويرى أنّ: "العامل الثاني: سياسي، ويأتي بالمرتبة الثانية من حيث اهتمام ترامب، فمصر ذات التاريخ والثقل الإقليمي لم يعد لها نفس الدور المؤثر كما كان سابقا، بعد أن تقزم دورها وتأثيرها السياسي بعهد السيسي، الذي يتملق قادة الخليج لأجل (الرز)، فضلا عن بيع الأصول المصرية لدولة الإمارات".

وأضاف سعد، أنّ: "الحدث الساخن بالمنطقة الذي تمثله حرب الإبادة والتجويع على أهل غزة ليست بمقدمة أولويات ترامب وهو يزور المنطقة، إذ لو كانت كذلك فلربما دعا السيسي وحاكم الأردن لاستكمال لدور الهامشي المطلوب منهما بالملف".

وعما يثار حول احتمالات غضب ترامب من السيسي وأنّ هذا يمثل أول مسمار بنعش نظام السيسي، لا يظن الباحث المصري صحة هذا الافتراض، مبينا أنّ: "تلك الأنظمة الهشة لا تجرؤ على إغضاب ساكن البيت الأبيض، وما يتم تداوله بالغرف المغلقة بين الأمريكان وتلك الأنظمة، غير ما يعلن بوسائل الإعلام".

"الصين وروسيا أم تيران وغزة؟"
في قرءاته، لاحتمال أن يكون تجاهل ترامب، للسيسي، جاء ردا على تقاربه الأخير مع روسيا والصين، قال المنير، إنّ: "التقارب المصري مع موسكو وبكين، عامل مهم لا يمكن تجاهله، وواشنطن تنظر بعين الريبة لأي نظام يحاول المناورة شرقا في ظل اشتداد الحرب الباردة الجديدة".

ولفت إلى أنّ: "السيسي فتح قنوات عسكرية واقتصادية مع بكين وموسكو، ويحاول أن يناور لتسليح صيني روسي يتجاوز قيود التسليح الأمريكي، وسمح لشركات صينية بالتمدد بالبنية التحتية المصرية، بما في ذلك مشروعات الاتصالات، وهذه التحركات تمثل تهديدا مباشرا للمصالح الأمريكية، خاصة بمنطقة تمثل قلب النفوذ العسكري والتجاري الأمريكي".

وبخصوص ما يثار عن "رفض السيسي، إقامة قواعد أمريكية أو التورط العلني في تهجير سكان غزة، وهو ما يُقال إن واشنطن وبعض الأطراف الإقليمية كانوا يسعون إليه، فربما كان ذلك القشة التي قصمت ظهر البعير. فحين يخرج النظام المصري عن الدور (الوظيفي) المرسوم له، ولا يعود ينفذ التعليمات دون نقاش، يصبح موضع شك، إن لم نقل موضع استهداف".

وخلص المنير، للقول إنّ: "النظام المصري اليوم يواجه ما يشبه (حالة برود) أمريكية، وهذا لا يعني إسقاطا وشيكا، لكنه يمهّد لمسار جديد قد يتضمن تحريك بدائل، إضعاف مركزيته، أو على الأقل إعادة تطويعه بشروط أكثر قسوة".

وختم مؤكدا أنه: "لعل الغياب عن قمة الرياض مع ترامب، بعد 7 سنوات من التبجيل، هو أول الملامح العلنية لهذا التحول".


"كي لا تفقد بوصلتها"
في تعليقه، قال السياسي المصري، إسلام لطفي: "لا يوجد تجاهل لدور مصر لكن توجد أنظمة حكم مصرية جاهلة بحجم ودور مصر، وهناك رئيس أمريكي يفهم فقط لغة المال، وطبيعي أن يهتم ويتواصل مع من يملكونه ويستطيعون أن يدفعوا له بسخاء".

واستدرك عبر حسابه على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك": "لكن أمريكا ليست ترامب، وهناك مؤسسات تفهم معنى القوة الناعمة والتأثير، وللأسف مصر بدورانها في فلك الإمارات ومصالحها ومن قبلها الانسحاب والتقوقع في وقت حسني مبارك، لم تعد بهذا القدر من التأثير والأهمية".

ويعتقد، لطفي، أنّ: "مصر الرسمية انتبهت -بصورة أو بأخرى- لدورها المقدر لكن في اللحظة الأخيرة لنظام عالمي يلفظ أنفاسه"، مضيفا: "لعلّ ما يجري ينبهنا أن كوننا جزء لا يتجزأ من الأمة العربية لا يلغي حقيقة أن مصر تملك مقومات أمة لحالها، وتستطيع أن تستعصم بنفسها، وأن تصنع وتحدد قدرها، وفي حال فقد العرب بوصلتهم يجب على مصر ألا تفقد بوصلتها".

وخلص للقول إنّ: "النظام الحالي أذل مصر وأرغم أنفها بتسوله للقروض والإعانات للإنفاق على تفاهاته العقارية".

"حصاد 12 عاما"
قال مراقبون إنّ: "مصر تحصد نتيجة سوء الإدارة السياسية والاقتصادية والأمنية وعدم ترتيب أولوياتها 12 عاما"، مشيرين إلى أنها: "سياسات أفقدتها أدوارها التاريخية بالإقليم، وقلّلت من أهميتها لدى الغرب والخليج ودول الجوار".

وألمحوا إلى أنّ: "توجهات النظام الحالي للحصول على المال دفعت بمكانة مصر للحضيض وبدرجة: متسول"، وفق قولهم، مردفين أنّ: "زيارة السيسي في 13 و14 نيسان/ أبريل الماضي لقطر والكويت جاءت لطلب الدعم والمساعدات، وأن الكويت لم تقدم وعودا بتمويل جديد، بل طلبت تحويل ودائعها بالبنك المركزي المصري لاستثمارات مثل الإمارات والسعودية".

وتحدثوا عن وضع مصر الإقليمي الصعب، والذي يواجه العديد من الأزمات، مع السعودية، حول جزيرتي "تيران وصنافير"، والذي أثير حولهما لغطا مؤخرا، وتواترت أنباء عن رغبة سعودية بمنح قواعد عسكرية فيهما للولايات المتحدة.

كما لفتوا إلى: "تأزّم محتمل مع الإمارات، خاصة مع تطورات أوضاع الحرب في السودان التي تدعم فيها مصر الجيش السوداني، وتدعم فيها الإمارات قوات الدعم السريع، التي حققت انتصارات أخيرة في مدينة بورتسودان بدعم عسكري من أبوظبي".

وقالوا إنّ: "تفجر الأوضاع في ليبيا يزيد من ضغوط النظام المصري، خاصة مع ما يثار عن خلاف مصري مع اللواء خليفة حفتر، الحليف السابق للقاهرة، والحليف القوي لأبوظبي، ووسط ما يجري في طرابلس العاصمة من اشتباكات مسلحة، تهدد الجارة الغربية لمصر".

وألمحوا إلى: تغيب القاهرة عن مفاوضات عقدها ترامب بمشاركة غير مباشرة من حركة "حماس"، لوقف حرب، وذلك بعد مفاوضات أسفرت عن إطلاق المقاومة سراح الأسير الأمريكي، عيدان ألكسندر، دون دور مصري، وذلك قبل حضور وفد إسرائيلي للدوحة للتفاوض بعد اتصال بين ترامب وبنيامين نتنياهو.

"تغيير السياسات وصناعة التحالفات"
يرى سياسيون مصريون أنه في مقابل التجاهل الأمريكي الخليجي لمصر يجب على القاهرة، تغيير سياساتها واتخاذ خطوات نحو دول أخرى، وصناعة تحالفات جديدة.

وأشار وزير الري المصري الأسبق، محمد نصر علام، إلى: "ضرورة حدوث تغير بالسياسة المصرية عبر علاقات قوية مع ايران، وروسيا والصين، مع استمرار رفضها تهجير الفلسطينيين".

وقبل أسبوع من حضور ترامب للخليج، وفي 9 أيار/ مايو الجاري، شارك السيسي والرئيسين الروسي فلاديمير بوتين، والصيني شي جينبينغ، بعيد النصر الـ80 بموسكو، وسط حديث عن تقارب مصري روسي، ومصري صيني.

وأعلنت موسكو، الأربعاء، عن رغبة مصر لشراء الذرة وفول الصويا مع القمح، وسط مباحثات لإنشاء محطات روسية للغاز المسال بمصر، بالتزامن مع توقيع المصرية (إيجاس) والروسية هاربور إنرجي، اتفاقا لتنمية حقل غاز دسوق بـ"دلتا النيل".


وفي ذات التوجّه، شاركت مصر، الصين، أول مناورات جوية بينهما، منتصف الشهر الماضي، مع أنباء عن اتفاقيات تسليح صيني وضخ بكين استثمارات بالمنطقة الاقتصادية لقناة السويس، التي أعرب ترامب مؤخرا عن أطماعه في المرور المجاني من الممر الملاحي، ما قرأ فيه خبراء: سعي صيني لتأكيد الحضور العسكري بالشرق الأوسط وتهديد النفوذ الأمريكي، ورغبة مصرية بتوصيل رسالة لإدارة ترامب.

وعبر مقال له لفت الخبير والأكاديمي المصري، عبد التواب بركات، إلى: "الصراع الأمريكي الصيني بمصر"، ملمّحا إلى أنّ: "طلب ترامب، المرور المجاني بقناة السويس، غطاء لسيطرة شركات أمريكية على مرافق النقل البحري المصرية، مشيرا لشراء "بلاك روك" الأمريكية استثمارات "هاتشيسون الصينية" حول مجرى قناة السويس وبعض الموانئ".

مقالات مشابهة

  • كيف يمكن لتغيير علاقتنا مع المال أن يصنع فارقا حقيقيا؟
  • مراقبة خفية.. كيف يمكن لـ سماعات AirPods تتبع تحركاتك سرا ؟
  • عودة النفوذ السعودي الى لبنان.. دعم سياسي ومراقبة التوازنات
  • ماهي الأدوار المهمة التي يمكن أن يلعبها الإعلام في السودان في فترة ما بعد الحرب
  • دراسة سعودية: التطبيقات التكنولوجية تطور مهارات البراعم في كرة القدم
  • كيف يمكن قراءة غياب السيسي عن قمة ترامب الخليجية؟
  • كيف يمكن قراءة غياب السيسي أو تغييبه عن قمة ترامب الخليجية؟
  • تدشين منشأة «كايوتي» المضاد للطائرات المسيّرة
  • صحة كركوك تنفي انتهاء الحمى النزفية: لا يمكن التنبؤ بالإصابات
  • هذه الحرب مختلفة عن كل الحروبات التي عرفها السودان والسودانيون