الأكل وأمر آخر.. هكذا سيصبح سكان جنوب أوروبا الأطول عمراً في العالم
تاريخ النشر: 24th, June 2024 GMT
ربطت دراسات حديثة بين النظام الغذائي لمنطقة حوض البحر الأبيض المتوسط، الذي يشتمل على الأسماك والحبوب والفواكه الطازجة والخضراوات وزيت الزيتون، وبين طول العمر، في حين أشار باحثون إلى أهمية الرياضة في تحسين الحالة الصحية المرتبطة بطول العمر، وفق مجلة " الإيكونوميست".
وحلت سويسرا وسنغافورة الغنيتان ضمن البلدان العشرين التي توقع معهد القياسات الصحية والتقييم في جامعة واشنطن، أن يكون سكانهما أكثر عيشاً حتى سن الشيخوخة.
وتضمنت توقعات المعهد عن طول العمر في كل دولة في عام 2050، كوريا الجنوبية واليابان، الدولتان الرائدتان في طول العمر.
وبرأي المجلة فهناك مجموعة أخرى من البلدان تشهد حياة أطول، مثل إيطاليا وفرنسا والبرتغال وإسبانيا التي تضم أكبر معمرة على قيد الحياة، هي ماريا برانياس موريرا (117 عامًا).
وتوقعت دراسة حديثة أن يصل متوسط العمر في إسبانيا إلى 85.5 سنة عام 2050، بمعدل أطول من متوسط عمر المواطن الدانماركي المتوقع أن يكون في حدود 83.5 سنة.
ويشير دان بوتنر، الذي وضع كتب عدة عن المناطق التي يعيش فيها الناس طويلا، إلى أنه لكي نفهم لماذا يتقدم الناس في السن، يجب ألا ننظر إلى عادات اليوم.
وأضاف "يجب أن ننظر إلى العادات التي كانت سائدة قبل نصف قرن، عندما كان الناس يأكلون طعام الفلاحين، الذي تهيمن عليه الحبوب".
وتوصلت دراسة أخرى عن "المنطقة الزرقاء" وهو مصطلح يطلق على المناطق التي تضم العديد من المعمرين، إلى أن النظام الغذائي الذي يشتمل على الجوز والجبن والأسماك له تأثير على معدلات الأعمار.
ويربط باحثون بين الرياضة والحركة وبين طول العمر. ويتصدر الإسبان أوروبا الغربية في عدد الخطوات اليومية بمعدل 5936 خطوة يوميًا، وفقًا لدراسة أجريت عام 2017.
ووجدت الدراسة أن الدول التي تعاني من عدم المساواة في النشاط، أي التي يوجد بها عدد قليل من الذين يمارسون المشي، مقابل كثير من الذين يقضون وقتهم في الراحة، كما في الولايات المتحدة والسعودية مثلا، لديها معدلات سمنة أعلى.
أما الدول التي يتحرك فيها معظم الناس بقدر معقول، كما هو الحال في إسبانيا، فكانت بها معدلات منخفضة من السمنة، مما يُعتقد أنه أسهم في انخفاض معدل الوفيات الناجمة عن الأمراض المرتبطة بالسمنة.
وأوضحت دراسات أن الساحات التي يجلس فيها الأصدقاء والعائلة وزملاء العمل، يأكلون ويشربون ويتحدثون، مفيدة لطول العمر، إذ تُظهر مجموعة كبيرة من الأبحاث أن الاتصال الاجتماعي أمر بالغ الأهمية للرفاهية الجسدية والنفسية.
ومع ذلك، لا تسجل دول جنوب أوروبا أعلى الدرجات في مجال السعادة، فقد احتفظت الدنمارك وفنلندا، شمالي القارة، بهذا اللقب منذ فترة طويلة.
ولكن في المجمل، فإن السعادة تقاس بالرضا عن الحياة، على المدى الطويل، وليس الابتسام والضحك على المدى القصير، وفق مختصين.
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: طول العمر
إقرأ أيضاً:
البودكاست العربي بين الحُرية والتحدي.. من الهواية إلى الاحتراف
مؤخرًا أصبح للبودكاست حضور كبير في العالم العربي، حتى أن بعض المؤسسات الإعلامية الكبرى بدأت في دفع مذيعيها لتقديم برامج بودكاست؛ استغلالا لشهرتهم في جذب الناس، وكذلك حتى تواكب تلك المؤسساتُ التطور الرقمي ولا تترك نفسها للجمود، لكن المشهد أصبح مشوشا، إذ يمكن لأي شخص يملك «الموبايل» و«المايك» أن يصبح مذيعا في لحظة، وهو ما جعل البرامج بالعشرات، بعضها جيد، لكن أغلبيتها رديء. في هذا التحقيق يتحدث مجموعة منتقاة بعناية عن تجاربهم المميزة في البودكاست، ويطرحون تصوراتهم عن منافسته للوسائط الأخرى ولماذا هزم «الراديو» ومستقبله في ظل تحديات كبرى تواجهه.
الإعلامية والأكاديمية المصرية الدكتورة برلنت قابيل ارتبطت بالإذاعة منذ صغرها، نشأت وهي تستمع إليها في بيتهم صباحاً كل يوم قبل الذهاب إلى المدرسة، وزاد تعلقها بها في أمسيات كانت تقضيها بصحبة جدتها تستمعان خلالها إلى ألف ليلة وليلة، والمسلسلات الإذاعية. وخلال دراستها في كلية الإعلام وطوال حياتها المهنية كان حلم تقديم برنامج إذاعي يراودها دومًا، وإن ظل حلماً مؤجلًا لظروف انشغالها في العمل الأكاديمي ثم في وظائف أخرى بعد ذلك. ومع ظهور البودكاست كبديل للراديو، عاد الحلم يراودها مرة أخرى.
تقول: «الفلسفة التي انطلقنا منها في بودكاست «زي البرلنت» هي محاولة تقديم موضوع مختلف، يفيد المتلقي ويسد ثغرة ما في عالم المحتوى العربي الزاخر بالأفكار. ومن هذا المنطلق اخترنا اسم «زي البرلنت» تحت شعار أننا ننقب عن الجواهر التي قد تختفي منا في زحام الحياة، وندقق في تفاصيلها كما يدقق الجواهرجي عندما يفحص فصوص «الألماظ». وهذه الجواهر قد تكون موضوعاً أو فكرة أو مكتبة أو قصة».
أسألها ما المختلف بين «زي البرلنت» وتجارب البودكاست الأخرى في العالم العربي؟ وتجيب: «حاولنا في تجربة «زي البرلنت» أن نقدم موضوعات لا يتم التطرق لها بكثرة، فالعديد من برامج البودكاست تقدم محتوى متميزا، منها التاريخي، والمعرفي، والإخباري. ولكن لفت نظرنا عدم وجود محتوى عن الفنون الجميلة، فأردنا أن نقدم الفن التشكيلي بشكل مبسط وجذاب للمتلقي العادي، ولا يتطلب معرفة سابقة بالفن. هدفنا هو أن نربط المشاهد بالفنون التشكيلية ونشعره أنها ليست غريبة عنه، وإنما يمكن لأي إنسان أن يتذوق الفن ويستمتع به».
وتضيف: «وانطلاقاً من اسم البودكاست ظهرت فكرة مكتبات «زي البرلنت»، التي تتنقَّل في كنوز المكتبات الخاصة، وتستكشف ما بها من جواهر في المعرفة سواء كانت كتباً، أو مخطوطاتٍ، أو مقتنيات أو صوراً أو أسطوانات. ونحن لذلك نقدم جوانب مختلفة من الحياة القرية لأصحاب هذه المكتبات، قد لا يعرفها الجمهور».
ما أسباب انتشار البودكاست عربيا.. هل لأننا «أمة تعشق الكلام»؟ تجيب برلنت: «الحقيقة أن الإنسان بطبعه حكَّاء، والبودكاست بشكله الطويل الحالي ظهر في الغرب قبل ظهوره في العالم العربي، فلا يمكننا إلقاء اللوم على العرب بفكرة أنهم عاشقون للكلام، ولكن في اعتقادي أننا في العالم العربي افتقدنا بشدة مثل هذه الأشكال من البرامج، ورغم امتلاء الفضاء الإلكتروني بالمحتوى التافه، لكن من الواضح أن هناك تعطشاً للمحتوى الجيد».
وتضيف: «التعرض للأخبار بشكل مكثف في السنوات الأخيرة أصبح يمثل عبئاً نفسياً كبيراً علينا جميعاً، وبين الحاجة إلى الهروب من الأخبار السلبية، والحاجة إلى تحسين وتطوير نمط الحياة يجد الناس أنفسهم مدفوعين نحو المحتوى الذي يريحهم ويمتعهم ويفيدهم، ولا تنسى أن التعرض للبودكاست يخضع بدرجة كبيرة للاختيار، فأنت تذهب لمشاهدة حلقة بودكاست بعينها في أغلب الأحوال، على عكس الأخبار التي غالبا ما تصل لك ضمن الـfeed دون اختيارات كبيرة منك، وعليه فستختار ما يبعد عنك التوتر ويستجيب لاحتياجاتك الإيجابية».
وفي نقطة جديدة تقول: «المحتوى هو التحدي الأهم في صناعة البودكاست من وجهة نظري، فليس كل ما يُقدَّم هو محتوى جيد، وتحدي تقديم محتوى جيد وأصيل وجذاب هو أهم ما يواجه صناعة البودكاست، وما يميِّز بين الغث والثمين في هذه الصناعة».
وتفسر برلنت لماذا يفضل الناس اللهجات العامية على الفصحى: «العامية أقرب لقلب المتلقي وعقله، وأعتقد أن ذلك ما يخلق الارتباط مع جمهور البودكاست، ويصنع شيئاً من الحميمية. والحقيقة أن كثيراً من تجارب البودكاست الناجحة بدأت كتجارب محلية وانطلقت من بلدانها إلى العالم العربي بشكل عام، والأمثلة في ذلك كثيرة في السعودية ومصر. بل إن بودكاست الجزيرة المعروف الآن باسم «أثير» يقدم مجموعة كبيرة من برامج البودكاست الموجَّهة لمناطق بعينها مثل بودكاست «مغارب» الموجَّه للعالم العربي، وبودكاست «وسط البلد» الموجَّه لمصر، وهي تقدم باللهجات المحلية، رغم أن الجزيرة بطبعها مؤسسة إقليمية».
انتشار البودكاست مثير للتعجب، بحسب برلنت، ففي الوقت الذي كنا نظن فيه أنه ليس هناك مجال لتقديم برامج طويلة، وأن الفيديوهات القصيرة ستصبح سيدة الموقف، ظهرت حلقات بودكاست تصل إلى ساعة وساعتين وتتمتع بنسب مشاهدة عالية، وهو ما شكل تحولاً دراماتيكيا في توجهات المنصات الإعلامية. تعلق: «أعتقد أن البودكاست أصبح مرادفاً للمحتوى الجيد الهادف، في أغلب الأحيان، وبالتالي أصبحت معظم المنصات تلجأ إليه من هذا المنطلق، خاصة عندما ظهرت النسخ المصوَّرة من البودكاست، وظهرت معها حوارات جادة تتناول مختلف القضايا. بشكل عام لا يمكننا التنبؤ بمستقبل البودكاست، ولكن ما نلاحظه من تتبع تاريخ وسائل الإعلام المختلفة أن الوسيلة لا تختفي تماماً ولكن يُعاد تعريفها وتقديمها بشكل ما. فالبودكاست هو إعادة تقديم للراديو والبرامج الإذاعية، والسينما تُقدَّم الآن من خلال المنصات مع تراجع دور العرض السينمائي للأسف، وإن بقيت السينما كصناعة، وهكذا».
إعادة تدوير
الإعلامي العماني أحمد الكلباني يرى أن فكرة البودكاست ليست خلقا جديدا في صناعة الإعلام، إنما هي إعادة تشكل لمفاهيم إعلامية تقليدية. بنية البرامج الإذاعية الغارقة في الكلاسيكية، التي تعتمد شكلا فنيا في رسم وتدوين الفكرة تكاد تتشارك نفس الهيكل ونفس الأسس التي ينطلق منها البودكاست الآن. هي إعادة تدوير لهذه الفكرة ولكن بشكل أكثر حداثة وأقل قيداً، بحكم أن أدوات الإعلام بمرور الزمن باتت تضع اشتراطات ومعايير وفلسفات مقيِّدة للمحتوى أكثر مما تعتني بالمحتوى الإبداعي، وهذا ما قام به البودكاست، أنه أعطى تلك الحرية وأطلقها مرة أخرى. يعلق: «هذا الشيء لم يجذبني للبودكاست لكنه عزَّز تلك العلاقة بما نشأت وترعرعت على التعامل معه وهو «الميكرفون» والجمهور من ورائه، إنها علاقة جميلة جدا أستمتع وأنا أمارسها سواء على طريقة المعد أو المذيع. فلسفتي في البودكاست هي أن أقول الفكرة كما أريدها كصانع. لماذا؟ لأن الصانع في جوهره هو مبعث هذه الفكرة ويكون فناناً فقط في اللحظة التي يقوم فيها بتخليق الفكرة ويفتح لها مجالاً للتواصل مع الجمهور ويبثها بطريقة محسوسة ولطيفة ورائعة. لكن في السياق التقليدي حينما يُخضِع الشخص هذه الفكرة لمقصات مثل مقص الرقيب، أو المشرف، أو المحرر، فرئيس التحرير، فالمراجع، فالمذيع لا يكون فناناً أصيلاً. والعمل في النهاية لا يكون فناً بقدر ما يكون مُنتَجاً. أنا أقوم بالأشياء التي أحبها بالطريقة التي أحبها خارج إطار الإملاء لأي أسباب».
يتحدث الكلباني عن تجربته مع بودكاست «شاهد فوق العادة» مؤكدا أنه ليس هيكلا لأحد أو لأفكار أشخاص آخرين، وإنما إعادة تشكيل لأفكار كاتبه وصانعه إن صح الاصطلاح. يقول: «حين أكتبه أفكر فيه بعقل المفرد المتعدد، أي أن كاتب البودكاست هو مؤديه وهو مفكره وباحثه ومحلله وكل شيء فيه تقريباً، حتى الرؤية الإخراجية هو مَن يقوم برسمها من الأساس، وحين يكتبه يصبه في قالب لا يشبه أي قالب آخر حتى في الحلقة السابقة، وهذا ما يجعل صناعة الحلقة الواحدة عملاً مُغنِياً، حيث كانت الحلقة الواحدة تكلفني من خمسة إلى سبعة أيام فقط لكتابتها وهي لا تعدو فقط سوى أربع صفحات، أو ثلاثة إلى أربعة آلاف كلمة».
فوزك بجائزة السلطان قابوس ما الذي يعنيه لك؟ أسأل ويجيب: «طبعا هذه جائزة عريقة وتعطي دفعة كبيرة لأي صانع لإنجاز المزيد، لكن حصولي على جائزة كمثلها أشبه بشهادة اعتماد فارقة في مسيرة أي صانع محتوى بما مفاده أن هذا الشخص الذي حصل عليها بلغ مبلغاً عالياً من صناعة المحتوى والموثوقية والرصانة، خاصة وأنها قُدِّمت لطبيعة إنتاج حرة، وهذا الأمر يعجبني، فأنا أقوم بصناعة البودكاست بطريقة حرة مجرَّدة غير مقيَّدة بأي شرط وفاز البودكاست بهذه الطريقة، أي أن صناعة البودكاست بمعزل عن الأبواق المعارضة، الأفكار غير المؤيدة، الرقابة المبالغ فيها، يمكن تجاوزها، وهذه الجائزة منحت على هذا الأساس».
الصدق والحذر
الأكاديمي الجزائري الدكتور خالد عمر بن ققه يؤكد أنه ليس ميالاً كثيراً للبودكاست ولكن للتسجيل في الكاميرا العادية، وقد تعاون مؤخراً مع بودكاست أبو ظبي الذي ينتجه مركز أبوظبي للغة العربية. يقول: «ليست هناك اختلافات تُذكّر فيما يتعلق بأسلوب النقاش أو الحوار بين بودكاست «شيء يُذكر» الذي أقدمه، وبقية البودكاست في العالم العربي، لأننا نكاد نلتقي جميعاً في بوتقة واحدة، لكن المختلف هو طريقة اختيار الموضوعات. أميل للمنطقة الوسطى بين الثقافة والسياسة، فأنا في المقال مهتم بالسياسة وبكل محتوياتها ومحاذيرها والمرغوب منها والمرفوض وما إلى ذلك، لكن البودكاست أمر آخر إذ تترتب عليه مسؤوليات أكبر، كما أن هناك زملاء كثيرين في عالمنا العربي نراهم يتحدثون في السياسة بما لا يملكون من معطيات، والمفروض أن أي حوار في العالم السياسي يتطلَّب توفر معلومات دقيقة ومؤكدة لأنه ليس كالمقال يمكن أن يمر هكذا، أنت تخاطب جمهوراً واسعاً ومن خلفيات مختلفة ولذلك عليك أن تكون صادقاً وحذراً».
تقاليد الصناعة
الإعلامية العمانية أمل عامر السعيدي انجذبت إلى البودكاست بسبب إتاحته قدرا عاليا من الحرية. تعلق: «طبيعة الوسيط والبدايات التي شكلت «تقاليد» الصناعة فيما بعد، حققت هذا الشرط، فالبودكاست نشاط مستقل خرج من الناس أنفسهم لا من المؤسسة، لا توجد سياسة تحريرية تحكم صانعه، أظن بأنه مواز للتدوين في «المدونات» الشخصية التي انتشرت في بدايات الألفية الثانية، حيث تقف هناك وحدك بانتظار الحديث مع جمهور تختاره أو تتخيله، وتعرف جيداً أن من سيتعرض له بالضرورة قد اختار الاستماع إليه أيضاً».
أمل تتحدث عن فلسفتها في البودكاست: «ببساطة أنا مهتمة بالأدب والفكر، وأريد أن أعبِّر عما أقرأ، أريد أن أنفعل به، أعبر عن سخطي أحيانا، أبالغ في تقدير فكرة ما في أحيان أخرى، ببساطة أن أشتبك مع تلك العوالم التي أقضي معها معظم وقتي، وأتواصل عبرها مع مَن يقضون وقتهم فيها أيضا. كما أنني ربيتُ شعورا بالمسؤولية تجاه العالم الذي أعيش فيه، أريد أن يتغير هذا العالم حقاً، قد تبدو هذه فكرة كبيرة ومبتذلة، لكنني سئمت من العيش في عالم تحكمه القوة فحسب، البطش وعدم الإحساس بالآخرين، أو حتى قتلهم ببشاعة كما يحدث في غزة مثلاً، أؤمن أن أي صوت قد يساهم في دمقرطة العيش في هذا العالم».
تقدم أمل بودكاست بعنوان «على السطح» فما المختلف بينه وبين تجارب البودكاست الأخرى؟ تجيب: «عندما عملتُ في أكثر من مؤسسة صحفية عربية، اُتهمتُ بـ«النخبوية». هل تستطيع أن تتخيل أنها باتت تهمة؟ هناك شعور مستمر بأن الجمهور ساذج، وأنني أجذبه بنوع من «التبسيط».
لكن كل شيء في العالم، كل شيء بلا استنثاء، معقد جدا. هذه المؤسسات تتعامل مع ذاتها كشركات، وأن ما تقدمه منتج خاضع للسوق. لكنني حتى وإن آمنت بذلك من قال: إن السوق يريد المزيد من هذه البضاعة تحديدًا؟ بصراحة هناك نوع من التعالي المنفر تمارسه هذه المؤسسات ولم أستطع احتماله، لقد قررت وآخرون كثر مثلي في العالم العربي، أن نعمل فيما ينبغي علينا العمل عليه، دون توسل الجمهور «المفترض» الذي يتحدثون عنه بل إنني افترضتُ دومًا أن عليَّ العمل على ذلك «النخبوي المعقد» بجهد أكبر ولذلك قررت أن أقرأ أكثر، وأن أختبر الأفكار التي أظن بأنها محسومة. وفي النهاية أنا أعبر عن نفسي، قد تكون تجربتي متواضعة، لا بأس في ذلك إن كنتُ قد حققت المشاركة التي أؤمن بأنها تمثلني حقًا وتقدم مساهمة أصيلة. برنامجي عبارة عن مراجعات لكتب، أقل حلقة كانت نصف ساعة، لكنني أقرأ لكل حلقة ما يتجاوز أحيانًا خمسة كتب، تستطيع أن تقول: إنني آخذ هذا العمل بجدية كبيرة».
لماذا لقي البودكاست أصداء واسعة في العالم العربي؟ هل لأننا أمة تعشق الكلام؟ تجيب: «بصراحة تنفرني هذه الأحكام، وتثير استيائي. ما الذي يعنيه حقًا أننا «أمة تعشق الكلام»؟ أولًا من قال: إن الكلام سيئ؟ ثقافتنا العربية شفاهية، القرآن نفسه كُتب بعد سماعه. ثم إن البودكاست منتشر في كل العالم بل إن أكبر المؤسسات الإعلامية اضطرت للدفع بمسار خاص لصناعته. هل هم «أمة تعشق الكلام»؟ أما عن تراجع الراديو فالسبب هو الرغبة في إشاعة مصادر المعرفة وألا تكون مركزية وتديرها السلطة فحسب، وهذا طبيعي جدًا».
وتضيف: «يتوق العرب للمحتوى السياسي فهو يشكل حياتهم اليومية، ونظرة بسيطة لبرامج البودكاست المستقل السياسي والأرقام التي يحققها في الاستماع والمشاهدة تؤكد ذلك. خصوصًا وأن الجمهور العربي سئم الإعلام الموجه، ولم يعد يثق فيه. أبي مثلًا وعلى الرغم من كونه كبيرًا في السن، لم يعد يستمع لأي تحليلات سياسية من قنوات الأخبار، بل يتابع أشخاصًا يبثون برامجهم على يوتيوب، من غرف صغيرة وبإنتاج بسيط جدًا. ناهيك عن أننا كشعوب تعيش تحت وطأة الاستبداد تصبح فرص صناعة برنامج بودكاست سياسي شحيحة إن لم تكن معدومة، إذ أنه يتطلب الاشتباك مع قضايا تُمنع شعوبنا لا من التصريح بها بل التلميح إليها».
وحول سبب تفضيل الناس اللهجات العامية على الفصحى تقول: «بصراحة أنا أعتبر العامية لغة توازي الفصحى. واللغة تهدف إلى التواصل، ولا بأس أن تحقق ذلك باللغة العامية، أو الفصحى. وأعتقد أن سياق البرنامج وطبيعته هي من يحكم تفضيل الجمهور لهذه أو تلك. فلتشاهد مثلًا تفاعل الجمهور مع بودكاست «أسمار» وهو عن الشعر العربي، حتى إنه منتشر كثيرًا في تيك توك ونعرف أنها منصة الشباب الأولى اليوم».
أما التحدي الأكبر الذي يواجه البودكاست، بحسب أمل، فهو أن كثيرًا من الدول العربية تتجه لضم وسائط التواصل الحديثة لمنظومة قوانين تنظيم الإعلام، ليصبح العمل على مشروع بودكاست مرهونًا بالحصول على تصاريح رسمية.
وتنهي حديثها قائلة: «علينا أن لا ننسى أن الناس اليوم مرتبطون بهواتفهم جدًا. البودكاست موجود على الهاتف وبدأ هناك، والناس لا يقضون وقتهم أمام الشاشات أو في السيارات للاستماع للراديو، وبطبيعة الحال ستسعى المنصات للوصول للجمهور وهذا مشروع. أما انهياره فمرهون بتمكنه من الحفاظ على استقلاليته».
قواعد النحو
الكاتب المصري وليد علاء الدين تعامل مع البودكاست، بوصفه الامتداد الطبيعي لعمله في الصحافة والإعلام الثقافي، خاصة الجزء المتعلق بالحوار والتحقيق الصحفي.
فلسفة البودكاست الذي يقدمه كامنة في عنوانه «الغميضة»، وهو أيضًا عنوان عمله الروائي الصادر عن دار «الشروق» المصرية، ويناقش فيه فكرة العيش خلف قناع، ولعبة الاختباء والبحث التي تجبرنا عليها الحياة. والبودكاست منطلق من هذه الفكرة يسعى للبحث عن المختبئ وراء الطروحات والأفكار والمصطلحات وحريص على إعادة النظر والنبش فيما ظن الناس أنه معلوم بالضرورة أو واضح بالوراثة.
ويضيف: «أنطلق في عملي في بودكاست الغميضة، من قناعة بأن هذا الشكل من الحوارات، ليس عملًا رسميًا، وإنما مساحة حميمية، حالة حوار شديدة الصلة بشخصية وثقافة المضيف، المحاوِر بكسر الواو، قبل تعلقها بالضيف أو المحاوَر- بفتح الواو. وأعتقد أنه لا يجوز في البودكاست الحواري ما يجوز في غيره من حوارات أو لقاءات تلفزيونية، أو إذاعية، أعني تلك اللقاءات التي يكون المضيف فيها مجرد مذيع، أو وجه إعلامي ينقل ما جهزه له الإعداد من أسئلة ووضع له من محاور. البودكاست الحواري مساحة للفضول المعرفي والاشتباك الفكري يرتبط نجاحها بمدى توفر مقومات ذلك عند المضيف قبل الضيف».
يرى وليد أن السهولة الفنية ربما تكون السبب وراء انفجار ظاهرة البودكاست، مثل ظواهر كثيرة انفجرت في الحياة نتيجة للسهولة، والطبيعي أن تتراجع الإذاعة التقليدية أو الراديو مثلما تتراجع قنوات التلفزيون، لأنهما يفتقران إلى ميزة التوفر تحت الطلب، وفي أي وقت، وهي ميزة أساسية يحتاجها العصر، ليس لعيب في المحتوى وإنما في الطبيعة الفنية للبث والتوفر. يعلق: «ستلاحظ أننا، أنت وأنا وأظن كل الناس مثلنا، استمعنا إلى درر الإذاعة والتلفزيون التي نجت وتحولت إلى وسائط حديثة، يمكننا التحكم في موعد ومدة ومكان الاستماع إليها أو مشاهدتها. وقد نجح البودكاست لأنه يتمتع بهذه الخفة».
في ظن وليد علاء الدين أن رواج البودكاست أو عدم رواجه ليس مرتبطًا بالموضوعات، وإنما بمدى الصدق في مقاربة هذه الموضوعات وتفكيكها بين طرفين أحدهما يمثل المستمعين والمشاهدين ويعبر عن فضولهم وتحرُّقهم وظمأهم للمعرفة والآخر يستطيع أن يفكك معارفه ويقربها، بعيدًا عن حوارات الشوكة والسكين المعدة سلفًا والمضغوطة في إطارات تفرضها المحطات التلفازية أو الإذاعية. لا يقصد وليد بالتفكيك والتقريب الاستخفاف، ولكن يعني حالة الحوار الحقيقية. من الصعب في بودكاست يقوده الفضول المعرفي أن تجد مذيعًا يترك فضوله وينتقل بالضيف إلى السؤال المجهَّز له من الإعداد قبل أن يستوفي الحوار حقه، من هنا في رأيه نجح البودكاست -على اختلاف ما يناقشه من قضايا- في التعبير عن الناس على اختلاف اهتماماتهم.
ويضيف: «أظن أن التمويل لم يعد تحديًا؛ فالبودكاست غير مكلف، يمكن إنتاجه بواسطة الهواتف الحمولة وبنفس الجودة الفائقة. التحدي الآن هو التحدي نفسه الذي يحكم الأسواق والسلع، وفق قاعدة «العملة السيئة تطرد العملة الجيدة»، الطلب على سلعة يدعو الجميع لإنتاجها، فتنتقل المنافسة إلى صلب ما تقدمه السلعة من مزايا وخدمات من أجل تخفيض تكلفة إنتاجها، وحين يصبح السعر هو مجال المنافسة الحصري تتهاوي السلعة. وهو ما أخشى أنه سيحدث، المؤسسات الرسمية تتخلى عن منتجاتها وتستسهل التوجه إلى صناعة البودكاست، بدلًا من التفكير في تطوير منتجها لينافس، وهي مع الوقت ستشعر أنها غير قادرة على المنافسة إلا من خلال التنازل عن المهنية واستخدام وسائل الترويج وألعاب الترافيك والريتش على حساب المحتوى والمضمون، والخاسر -للأسف- جميع الأطراف قبل المهنة».
أما لماذا يفضل الناس اللهجات العامية على الفصحى؟ فيقول: «الناس يفضلون ما يفهمون من دون تأويل أو محاولة تفسير. وهو أمر طبيعي وصحي. ولكن لم يعد -في رأيي- هناك هذا الفارق الكبير بين اللغة العربية الوسيطة، وبين اللهجات، لقد تطوَّرت لغة الشارع، وكذلك تمرنت لغة الإعلام على الوصول للشارع، إلا إذا كنت تقصد بالفصحى هنا القواعد الصرفية والنحوية، وهي في رأيي، لم تكن أبدًا جزءًا أصيلًا من لغة الإعلام منذ بداياته، هناك دومًا ميل لقاعدة سكِّن تسلم، وهناك دومًا استخدام منتظم لحروف اللهجة مثل الجيم المخففة القاهرية، اللغة تطورت كثيرًا في السنوات الثلاثين الأخيرة».
محاورة المستعربين
الكاتبة الإماراتية ريم الكمالي ترى البودكاست وسيلة إعلامية جديدة وجيدة وناجحة قبل كل شيء، بل هي وسيلة فاعلة لنقل الصوت المعرفي بسهولة، وبالتالي كانت الوسيلة الأفضل لإرساء فكرتها عن المستعربين الذين لا صوت لهم في العالم العربي. تعلق: «نحن نناقش المستشرقين عربيًا وتاريخيًا فقط، ولا نقابلهم أو نتحاور معهم اليوم معتقدين بانتهاء الاستشراق، لكن المستشرق اليوم هو المستعرب، ومع اختلاف المسمى، بقيت أبحاثهم مستمرة عن المدن العربية والبحث في سلوكيات الناس، بحجة العلم الأنثروبولجي وعلم الإحصاء وعلوم بمسميات علمية أخرى، وهؤلاء يستحقون أن نحاورهم بلغتنا من خلال تخصصاتهم، في برنامج بودكاست بعنوان «المستعرب»، وبعناية صحيفة «البيان» في دبي التي باركت هذه الفكرة. إنه البرنامج الوحيد الذي يناقش كل ضيوفه من المستعربين سواء من الدول الأوروبية أو أمريكا أو آسيا الوسطى أو روسيا أو كوريا أو اليابان أو الصين أو الهند».
وحول التحديات التي يمكن أن تواجه صناعة البودكاست تقول: «التثقيف ثم التثقيف، ومعرفة كيفية إدارة الحوار الإنساني العلمي مع هؤلاء المتخصصين، وبالتالي ضرورة قراءة كتبهم كي تتم صناعة الأسئلة بشكل مدروس لا بشكل عشوائي يعتمد على الويكيبيديا».
لماذا يفضل الناس اللهجات العامية على الفصحى؟ تجيب: «أغلب عامة الناس لا يقرأون، وبالتالي اللهجة العامية أسهل بالنسبة لهم. لكن بطبيعة الحال تبقى الفصحى لغة المثقفين والمعرفيين من قرون بعيدة إلى اليوم».
لماذا لجأت معظم المنصات إلى البودكاست وما مستقبله؟ هل يمكن أن ينهار مثل الراديو والجرائد؟ تجيب ريم الكمالي: «كل شيء جائز وفق السرعة التقنية التي نعيش بها، وعلينا قبول كل أمر يتقدم بنا، وفي رأيي لم ينهر المذياع ولا التلفاز، فالبودكاست يختزلهما معًا صوتًا وصورة، فالأهم الآن هو ما بين يديك من هاتف بتقنية رائعة تستمع من خلاله في مسافاتك الطويلة لبودكاست معرفي واجتماعي وقصصي، كما كان المستمع (زمان) يستمع إلى المذياع في مشاويره ومسافاته المختلفة بالسيارة».
وتضيف: «لم تعد السياسة لها مصداقية بسبب الوعود الكاذبة، والفساد في إداراتها، وعدم العمل بجدية لخدمة الناس المسالمين والبسطاء، ممن يرغبون بالخدمات الجيدة حولهم فقط. على العموم عامة الناس وهم الأغلبية، على وعي وإدراك لكل ذلك، ولأنهم لا يستطيعون تغيير شيء يبحثون عن الأصوات الجيدة عبر الأثير وما يسعدهم أو ما يثقفهم معرفيًا. المعرفة كنزٌ لهؤلاء وخاصة الطبقة المتوسطة المتعلمة، لأن المعرفة وسيلتهم الأفضل للهروب من الفساد السمعي والبصري، كما أن البرامج السياسية باتت زائفة كما تراها شعوبنا العربية، فلا سياسة حقيقية في العالم العربي».
الأُنس ولقمة العيش
الكاتب السعودي رائد العيد قدَّم منذ فترة تجربة مهمة في البودكاست بعنوان «المقهى». يقول: «حرصت على «المحتوى المستدام» أردت صنع حوارات لا تُستهلَك في لحظتها، بل يعود إليها الناس بعد سنوات، إضافةً إلى التخصص في المجال الثقافي واشتراط وجود مؤلفات منشورة للضيف، والحوار حولها وليس حول الشخص وتجربته الحياتية».
يرى رائد أن ظروف الحياة المعاصرة تدفع باتجاه البودكاست، فالأوقات المقضية في التنقل بالسيارات ووسائل النقل العام تسهِّل الاستماع إليه، وبالتالي تشجع على إنتاجه. ويؤكد أن عدم تفضيل الكلام في السياسة حالة عامة ليست خاصة بالبودكاست، وحتى كتب السياسة لا تلاقي الانتشار الكافي، والبرامج الإعلامية في انحسار، وأصبح الإنسان المعاصر يبحث عن لقمة عيش وأُنسٍ أكثر من البحث عن أفكار ونقاشات.
رائد يؤكد أن أخطر تحدي يمكن أن يواجه صناعة البودكاست هو تكرار الضيوف وعدم القدرة على اكتشاف أو إقناع أسماء جديدة بالظهور، وهناك كذلك تحدي الموازنة بين الثقل المعرفي والجماهيرية والانتشار، وتحدي الاستمرارية، أما لماذا يفضل الناس اللهجات العامية على الفصحى فلأنها «أقل تعبًا على الدماغ في الفهم والتركيز».
ويفسِّر سبب لجوء معظم المنصات إلى البودكاست: «أراه تطورًا طبيعيًا وتنقلًا منطقيًا بين الوسائط الإعلامية، فكل زمن له أدواته، ويجب على الجهات مواكبتها وعدم التكبر عليها. والدراسات تقول: إن عمره سيطول قليلًا ولكن لا نعلم ما يخبئ لنا المستقبل من وسائط خاصة مع دخول الذكاء الاصطناعي على خط الإنتاج».
استمع وأنت تمارس حياتك!
الكاتب المصري محمد الشماع انجذب إلى البودكاست بسبب شكله ونمطه الذي يتميز بحرية وانطلاق أكثر. في البودكاست تقول ما تشاء وبأريحية شديدة، مع مراعاة آداب المجتمع؛ لأن كثيرين يشاهدونه في الوطن العربي، فلسفة البودكاست الشكلية والموضوعية قائمة في الأساس على أن السوشيال ميديا أصبحت تستحوذ على ثلاثة أرباع حياتنا اليومية، ولذلك، فإنك قد تستمع إلى بودكاست وأنت تقود سيارتك، وأنت تمارس الرياضة، وأنت في المطبخ، حتى وأنت تقوم بعمل جولة في مواقع التواصل الاجتماعي يمكنك أيضا أن تستمع إلى البودكاست. هذه هي فلسفته، إن الإنسان لا بد أن يعرف حتى وهو يمارس حياته العادية اليومية، وهو أمر به إيجابية، وتختلف تماما عن سلبيات استهلاك السوشيال ميديا غير المفيدة.
الشماع يحكي عن تجربته مع بودكاست «المهدي المنتظر»: «فكرته خطرت لي وأنا في السيارة أستمع إلى بودكاست أمريكي تشويقي حول فكرة السيطرة على المجموعات بالأفكار، وقد سألت نفسي: ماذا لو كان المسيطرون على العقول والأدمغة هؤلاء في الوطن العربي؟ قد يكونون أصحاب توجهات سياسية، ولكن فكرة السيطرة نفسها تأتي دائما بإغراءات دينية، ولهذا رأيت أن فكرة ظهور أشخاص تدَّعي أنها «المهدي المنتظر» كل فترة هي الأنسب. عرضت الفكرة على الجهة المنتجة، فتحمست لها، وبدأت لقاءاتي مع فريق الإعداد، ولما بدأوا في البحث، وجدنا أن فكرة السيطرة بالإغراءات الدينية لا تخص الوطن العربي فقط، وأن الفكرة نفسها منتشرة في بلاد كثير في الدنيا وفي مختلف الأديان تقريبا، فكل ثقافة دينية عندها فكرة البطل المخلص أو «المهدي المنتظر»، وهنا استخرجنا أسماء عدد كبير ممن ظهروا وانتشروا وسيطروا على عقول وأدمغة في مجتمعاتهم، واخترنا 10 أشخاص للموسم الأول».
ويضيف: «صحيح أننا أمة تعشق الكلام، وصحيح أن تاريخنا شفاهي، ولكن البودكاست به بُعد آخر وهو الصورة. أظن أن هذا ما ميزه عن الراديو، وأيضا إمكانية أن تستمع له في أي وقت». ويتابع: «بالتأكيد، الناس ملوا من السياسة، الناس الآن يريدون معرفة ماضيهم أكثر، ويرغبون في الاستماع إلى أشخاص ناجحين ومؤثرين، ليحدثوهم عن مواقف يتعرضون لها بشكل يومي. الناس الآن ملوا من فكرة فتح الكتب للبحث عن معلومة. أعرف كثيرا من المثقفين يفضلون سماع بودكاست أو برامج على السوشيال ميديا على البحث في الكتب والدراسات. الناس صاروا كسالى، يريدون المعرفة بأسهل طريق. وهنا يأتي دور صناع المحتوى بشكل عام، أن يكونوا أمناء فيما يقدمون؛ لأنهم مؤثرون للغاية في هؤلاء الكسالى».
الإعلام البديل
الكاتبة الصحفية المصرية عائشة نصَّار ترى أنه يصح تماما التعامل مع البودكاست والبرامج المقدمة على المنصات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، والمواقع الإلكترونية بشكل عام، بوصفها «الإعلام البديل» لوسائل الإعلام التقليدي، وهي وفق واقع العصر أيضًا، واختلاف إيقاع الحياة أصبحت نمطًا وطورًا جديدًا من أطوار تطور وسائل الإعلام ومخاطبة الجمهور، كما أنها في كثير من الأحيان تكفل كذلك جمهورًا «نوعيًا» خاصة لبرامج البودكاست ذات الطابع الأكثر جدية والتي تتناول موضوعات سياسية وثقافية بشكل أكبر، وبالتالي فهي نافذة إعلامية حقيقية جديدة كانت جاذبة بالنسبة لها للتوجه إليها بعيدًا عن النوافذ الإعلامية التقليدية.
أسألها ما المختلف بين بودكاست «من الآخر كده» وتجارب البودكاست الأخرى في العالم العربي؟ فتقول: «أفضِّل أن أترك التقييم دائمًا للمتلقي، ولكن ما أستطيع أن أقوله عن تجربتي الخاصة في بودكاست «من الآخر كده»: إنه شكل جديد احترافي من الإعلام، قررت الانتقال إليه وأنا أحمل على كتفي 16 عامًا كاملة من الخبرة الإعلامية في مجال الصحافة، وكمسؤولة عن ملف رئيسي ومركزي هو ملف الجماعات الإرهابية والإسلام السياسي في مؤسسة صحفية أسبوعية كبيرة في مصر، هي «الفجر» أسسها وترأسها رائد كبير من رواد الصحافة في مصر على امتداد تاريخها بالكامل، وهو الأستاذ عادل حمودة، فضلًا عن الخبرة في المجال الوثائقي والمحتوى، فكان قراري بأن تصبح تلك الخبرة الإعلامية والبحثية في توقيتها المناسب أمام الكاميرا، كمقدم ومحاور وليس كضيف هذه المرة، وعبر وسيط إعلامي إضافي، ومغاير، إلى جانب البحث والكتابة، وبعد ذلك كان القرار بتوسيع مجال بودكاست «من الآخر كده» ليخرج من محدودية «السياسي»، إلى مجالات أعم وأشمل في ملفات الثقافة والأدب والسينما والموسيقى والفنون على اختلافها».
تتصور عائشة أن أكثر ما تتسم به ظاهرة الإعلام البديل ومنه البودكاست بشكل عام، هو «الانفتاح» الكامل في هذا الفضاء الإلكتروني الواسع، وكذا «العشوائية» في أحيان كثيرة، فبرغم أن ذلك النمط من الإعلام الجديد يكفل الحرية وعدم التقييد بشكل شبه مطلق، ويفرز بالفعل الكثير من المواهب الجادة، التي ظهرت وتطورت وطورت محتواها وحققت شهرتها الواسعة بالأساس عبر تلك المنصات، إلا أن ظاهرة بهذا الشكل أيضًا تفرز في المقابل عددًا هائلًا من الأنماط لا تحتاج إلا أن تملك «مايك» لا أكثر، ويغيب عنها «الاحترافية» أو الخبرة ولا تتجاوز مستوى الهواية، والعبث في كثير من الأحيان.
الشق الآخر الأكثر خطورة أن ذلك «الإعلام البديل» الذي نتحدث عنه عبر البودكاست وغيره من البرامج، من خلال المنصات وبأعدادها الهائلة، هي أداة فعلية الآن شئنا أم أبينا لتشكيل الوعي و«التوجيه»، وهذا يدفعنا للتوقف وتوجيه السؤال المرعب، كما تقول عائشة: مَن يشكل وعي تلك الشريحة الضخمة من الجمهور ومن الأجيال الجديدة، وإلى أي اتجاهات يوجهها في ظل أوضاع سياسية واجتماعية بالغة الحساسية، ومناخات استقطاب بالغ الخطورة؟ وأيضًا في ظل تحول «وسائل الإعلام» الجديدة تلك خلال السنوات الأخيرة إلى سلاح فعلي لا يُستهان به، وإلى أداة في يد كيانات وتنظيمات إرهابية ومؤسسات موجِّهة عابرة للدول بل وللقارات لا تتوانى عن استهداف الدول، وتقف موقف الخصومة السياسية منها.
حسن عبدالموجود صحفي وقاص مصري