كريستيان فالار يكتب: قمة فيلنيوس.. «العضويات المستقبلية» والتأثير التركى النشط ودعم الحلف الأطلسي!
تاريخ النشر: 6th, August 2023 GMT
صرح الرئيس الفرنسى فى ختام قمة الناتو التى عقدت فى فيلنيوس يومى ١١ و١٢ يوليو: «كانت قمة الحلف الأطلسى هى قمة الوحدة والتصميم والفعالية.. ندافع عن ميثاق الأمم المتحدة واستقرارنا الدولي». هذه الكلمات بعيدة تمامًا عن تقييمه الصارم للتحالف الذى تحدث عنه إيمانويل ماكرون فى ٧ نوفمبر ٢٠١٩؛ فلقد استحضر آنذاك وتوقع «السكتة الدماغية» لهذا التحالف.
عضويات جديدة: فنلندا والسويد.. وأوكرانيا؟
فى ٤ أبريل ٢٠٢٣، أصبحت فنلندا عضوًا كاملا فى الناتو من خلال تسليم أداة الانضمام، وكانت الخطوة الأولى بعد طلبها الرسمى للانضمام فى ١٨ مايو٢٠٢٢. كانت هذه هى مفارقة العدوان الروسى: ظلت فنلندا محايدة منذ عام ١٩٤٥ حتى لا تستفز جارتها وكان اندلاع الحرب بالتحديد هو الذى جعلها تنضم إلى الحلف.. تقدمت السويد بطلب للعضوية فى نفس الوقت وتمت «دعوتها» منذ يونيو٢٠٢٢ ولكنها واجهت على الفور الفيتوالتركى الذى لم يتم رفعه سوى فى الحالات القصوى وقد تم السماح أخيرًا بدخول العضو الثانى والثلاثين إلى الناتو وسيتم تناول هذه النقطة لاحقًا.
عضوية أوكرانيا
أظهرت قمة بوخارست فى عام ٢٠٠٨ بعض التحفظات: «يرحب الناتو بالتطلعات الأوروبية الأطلسية لأوكرانيا وجورجيا، اللتين ترغبان فى الانضمام إلى الحلف. لقد قررنا أن تصبح هذه الدول أعضاء فى حلف الناتو» (إعلان ٣ أبريل ٢٠٠٨). ثم أدت الرغبة فى عدم استعداء روسيا إلى هذه الصياغة الأكثر خجلًا. من الواضح أن اندلاع الأعمال العدائية قد غير مواقف أعضاء الحلف ونلاحظ بشكل جلى أن فرنسا - على الرغم من ترددها فى باديء الأمر وانتقاد الرئيس الأوكرانى زيلينسكى بشدة لموقفها - تؤيد حاليا عضوية أوكرانيا المستقبلية: «إن فرنسا مصممة على دعم عضوية أوكرانيا فى الناتو» (يونيو ٢٠٢٣).
وعلى الرغم من ذلك، فقد أعلن الرئيس بايدن - حتى قبل بدء القمة - أن أوكرانيا ليست مستعدة للانضمام إلى الناتو فى الفترة الحالية. إذا كان الأمر كذلك، فسيكون الحلفاء بحكم الواقع فى حالة حرب مع روسيا بموجب قواعد الحلف.. هذا هو السبب فى أن البيان الختامى الصادر عن فيلنيوس يحدد ما يلى: «سنتمكن من إرسال دعوة إلى أوكرانيا للانضمام إلى الحلف عندما يقرر الحلفاء ذلك، وعندما يتم استيفاء الشروط"؛ لذلك لا توجد دعوة رسمية لأوكرانيا من قبل الدول الأعضاء فى الناتو ولا من الهياكل القيادية.
رغم كل ذلك.. لم يتم تجاهل أوكرانيا!
فى بداية الأمر، دعونا نذكر أنه قد تم إنشاء مجلس الناتو-أوكرانيا وعقد اجتماع على الفور فى ١٢ يوليو بهدف إجراء حوار سياسى مستمر. وهكذا تم وضع برنامج متعدد السنوات من أجل استبدال المعدات والمعايير السوفيتية بمعدات ومعايير منظمة حلف شمال الأطلسى لتعزيز قدرات التشغيل وكفاءة القوات المسلحة الأوكرانية، وذلك من خلال الاستعانة ببرنامج مماثل تم عرضه فى قمة عام ٢٠٢٢. إن الدعم يمتد إلى ما وراء الحلف حيث تعهدت مجموعة الدول الصناعية السبع والاتحاد الأوروبى بتقديم مساعدات عسكرية واقتصادية طويلة الأجل. وستوفر الولايات المتحدة الذخائر العنقودية المميتة.. لذلك ثبت أن أوكرانيا تستفيد من الدعم الغربى القوى والمستمر بعيدًا عن «الشلل» المزعوم الذى يصيب الديمقراطيات.
الدور المحورى لتركيا
بمجرد أن طلبت السويد وفنلندا الانضمام إلى الحلف، أعربت تركيا عن معارضتها ووجهت اللوم إلى الممالك الشمالية على وجه الخصوص بسبب تهاونها تجاه الإرهابيين الانفصاليين الأكراد من حزب العمال الكردستانى وحلفائه (الحركات الكردية فى قلب الجغرافيا السياسية لأنقرة)، وانتقاد رفض دول شمال أوروبا تسليم أعضائها ومن ثم حظر تصدير الأسلحة إلى تركيا فى عام ٢٠١٩.
استسلمت فنلندا بسرعة ولكن السويد كانت أكثر ترددًا. ومع ذلك، فقد أقرت السويد تشريعًا جديدًا لمكافحة الإرهاب فى يوليو ٢٠٢٢ يسمح أخيرًا بتسهيل الملاحقات القضائية المتعلقة بتمويل الإرهاب؛ ثم قامت بتعديل دستورها وعززت تعاونها فى مكافحة الإرهاب وأعلنت استئناف مبيعاتها من الأسلحة إلى تركيا دون أن يؤثر ذلك على توقيع اتفاقية أمنية ثنائية جديدة.
وبعد ذلك رفع الرئيس أردوغان سقف مطالبه بربط انضمام السويد إلى الناتو بإعادة فتح المناقشات حول عملية انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبى.. هذا المطلب - الذى اعتبره البعض قريبًا من الابتزاز - قد أتى بثماره! أعلن الأمين العام لحلف الناتو أن السويد قد وافقت «كعضو فى الاتحاد الأوروبى، على دعم الجهود الرامية إلى تنشيط عملية انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبى والمساهمة فى تحديث اتفاقية الاتحاد الجمركى بين الاتحاد الأوروبى وتركيا وتحرير التأشيرات». ومن الواضح أن هذا الموقف السويدى الذى وافق عليه الحلف يوضح أهمية أنقرة فى نظره وهو ما يعرفه الرئيس التركى جيدًا. وفى الحقيقة، كلمات الرئيس بايدن فاضحة للغاية فى هذا الصدد: «أتطلع للترحيب بستوكهولم بصفتها الدولة العضو رقم ٣٢ ومستعد للعمل مع الرئيس أردوغان لتعزيز الدفاع والردع فى منطقة اليورو- الأطلسي». ولهذا السبب رفع هذا الأخير حق الفيتو فى النهاية وأكد أن بروتوكول انضمام السويد سيتم إحالته فى أقرب وقت ممكن إلى البرلمان التركى.
تعزيز دور المنظمة
منذ اندلاع الحرب فى أوكرانيا، اختار الحلفاء تعزيز الردع والدفاع. من الواضح أن روسيا والصين تشكلان تهديدات كبرى. إن الصين متهمة باستخدام «مجموعة واسعة من الأدوات السياسية والاقتصادية والعسكرية لزيادة حضورها العالمى وإبراز قوتها». إن الصين تتحدى أمن الحلف من خلال العمليات الهجينة والسيبرانية الخبيثة. وتكاد لا توجد منطقة فى العالم ليست ذات أهمية استراتيجية: البحر الأسود والشرق الأوسط وأفريقيا والمحيط الهندى والمحيط الهادئ... ولهذا السبب يتم التركيز على تعزيز الدفاع فى الجزء الشرقى من أوروبا من خلال ردع أى تقدم روسى بوجود مسلح يعارض أى هجوم محتمل. جاء نشر القوات المسلحة فى بولندا ودول البلطيق بعد أزمة ٢٠١٤ فى أوكرانيا استجابةً للزيادة فى أعدادها وانتشارها الجديد فى رومانيا وبلغاريا والمجر وسلوفاكيا.
لكن الناتو أكثر طموحًا! سيتم وضع ثلاث خطط دفاعية إقليمية من أجل تحديد مكان وكيفية تعزيز المواقف الدفاعية (المحيط الأطلسى والقطب الشمالى ودول البلطيق وأوروبا الوسطى وجنوب أوروبا)، مما يرسخ نموذج القوة الجديد المذكور فى عام ٢٠٢٢ والذى ينص على إنشاء قوة عمليات مكونة من ٣٠٠٠٠٠ رجل.
تتضمن هذه المشاريع جهود الميزانية ذات الصلة. وفى عام ٢٠١٤ تم الالتزام بتخصيص خلال ١٠ سنوات ما يقرب من ٢٪ من الناتج المحلى الإجمالى للدفاع. وفى عام ٢٠٢٣، استطاعت ثلث الدول فقط تحقيق هذا المعدل الذى يعد الآن مجرد بداية وليس سقفا. قامت القمة بصياغة الالتزام بشكل مختلف: سيقوم الأعضاء باستثمار على الأقل ٢٪ من ناتجهم المحلى الإجمالى فى الدفاع.
يقوم التحالف، وفقًا للرئيس ماكرون، بإرساء المبدأ التالى: «يتحمل الاتحاد الأوروبى وأعضائه معًا مسئوليات أكبر من أجل أمن القارة»، ويستشهد بأوروبا فى مسألة الدفاع. ومع ذلك، لا يزال هذا مجرد تفكير أمنى لأن العلاقات المؤسسية بين الكيانين ضئيلة للغاية ولا يزال الجانب الأوروبى للتحالف يتمتع بقوة سحرية.. وفى الحقيقة، يخضع الصراع الروسى الأوكرانى لخيارات الحلفاء والتزاماتهم على حساب تنفيذ مخططات الحلف وربما لفترة معينة.
معلومات عن الكاتب:
كريستيان فالار.. العميد الفخرى لكلية الحقوق والعلوم السياسية فى جامعة كوت دازور. هو متخصص فى قضايا الأمن والجيوستراتيجى والشرق الأوسط على وجه الخصوص.. يطرح، فى مقاله، تقييمًا عامًا لنتائج قمة حلف الناتو التى عُقدت فى فيلنيوس يومى 11 و12 يوليو الماضى.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: قمة الناتو الاتحاد الأوروبى إلى الحلف من خلال فى عام
إقرأ أيضاً:
الإسكان تطلق استراتيجية "التنقل النشط" بالتعاون مع الأمم المتحدة ومعهد سياسات النقل
عقدت الوحدة المركزية للمدن المستدامة والطاقة المتجددة بهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة اجتماعًا موسعًا لإطلاق استراتيجية Active Mobility (التنقّل النشط) بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية (UN-Habitat) ومعهد سياسات النقل والتنمية (ITDP) ، وذلك دعمًا لجهود الدولة في تعزيز أنماط تنقل صحية وآمنة وصديقة للبيئة تتماشى مع رؤية مصر 2030.
حضر الاجتماع الدكتورة هند فروح، رئيس الوحدة ومدير معهد العمارة بمركز بحوث الإسكان والبناء، والمهندس خالد سرور، مساعد نائب رئيس الهيئة لقطاع التنمية والإنشاءات والمدير التنفيذي للوحدة، والدكتورة دنيا ربيع، مدير عام برئاسة الهيئة ومقرر الوحدة المركزية للمدن المستدامة، إلى جانب ممثلي الوحدات الفرعية بأجهزة المدن الجديدة.
كما شارك كل من الدكتور أحمد درغامي، ممثل برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية، ورفيق يني، ممثل معهد سياسات النقل والتنمية ITDP، إلى جانب فريق الخبراء الفنيين من الجهتين.
وأكدت الدكتورة هند فروح، أن استراتيجية Active Mobility تُعد خطوة مهمة نحو تحسين جودة الحياة داخل المدن الجديدة، من خلال تعزيز المشي وركوب الدراجات كوسائل نقل مستدامة.
وأضافت أن الاستراتيجية تنسجم مع رؤية الهيئة في بناء مجتمعات عمرانية صحية وأكثر إنسانية، وجاء ذلك اتساقًا مع موافقة مجلس إدارة هيئة المجتمعات العمرانية على توفير حزمة من الحوافز العمرانية للمطوريين العقاريين للتوجه نحو البناء الأخضر المستدام بالمدن الجديدة، مع اعتبار مدن: القاهرة الجديدة – دمياط الجديدة – العلمين الجديدة – المنصورة الجديدة – العاصمة الإدارية الجديدة مدنًا خضراء اعتبارًا من 30/6/2026.، بما يعزز تطبيق معايير الاستدامة البيئية ويحفز المطورين العقاريين على تبني أساليب البناء الأخضر.
ومن جانبه، أوضح المهندس خالد سرور، أن هيئة المجتمعات العمرانية تُولي اهتمامًا كبيرًا بدمج أنظمة النقل المستدام في تصميم المدن الجديدة، مؤكدًا أن الشراكة مع UN-Habitat وITDP تُجسد نموذجًا متطورًا لتطبيق سياسات حضرية متكاملة تدعم تقليل الانبعاثات وتحسين سلامة الطرق.
كما أشارت الدكتورة دنيا ربيع إلى أن استراتيجية Active Mobility تمثل ركيزة تخطيطية بيئية متقدمة للمدن المستقبلية، إذ تسهم في الحد من الانبعاثات الكربونية وتعزيز كفاءة استخدام الموارد الطبيعية، فضلاً عن تشجيع أنماط حياة صحية ومستدامة وأكثر مرونه للسكان، مع إمكانية اعتماد الاستراتيجية وتطبيقها تدريجيًا في المدن الجديدة بما يتوافق مع المعايير البيئية والتوجهات التخطيطية المحلية.
وخلال كلمته، أكد الدكتور أحمد درغامي، أن برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية يدعم توجه مصر نحو تبني حلول النقل المستدام، مشيرًا إلى أن التجارب العالمية أثبتت أن الاستثمار في المشي ووسائل النقل غير الآلية يُسهم في تحسين الصحة العامة ويعزز الاقتصاد المحلي.
كما أكد المهندس رفيق يني من معهد سياسة النقل والتنمية (ITDP) على أن استراتيجية التنقل النشط الجديدة تتبنى أحدث المعايير الدولية في تصميم مسارات الدراجات وممرات المشاة، موضحًا أن تطبيق مبادئ التنقل النشط (Active Mobility) في المدن الجديدة و حتي المدن القديمة، سيُحدث تحولًا كبيرًا في أنماط التنقل أكثر أمانًا وانخفاضًا في الانبعاثات الكربونية.
وتمثلت التوصيات الصادرة عن الاجتماع في البدء تنفيذ مشاريع تجريبية للتنقل النشط Active Mobility في المدن الجديدة ذات الأولوية، وإعداد دليل موحد لتصميم مسارات المشاة والدراجات طبقًا لأفضل المعايير العالمية، ودمج مبادئ التنقل النشط ضمن تخطيط الأحياء والمجاورات السكنية، وتنفيذ برامج تدريبية لبناء قدرات العاملين بأجهزة المدن، وإطلاق حملات توعية لتعزيز ثقافة المشي واستخدام الدراجات، وتعزيز التعاون المستمر بين الوزارة والجهات الدولية لدعم تطبيق حلول النقل المستدام.
وفي ختام الاجتماع، أكد مسئولو الوحدة المركزية للمدن المستدامة أن المرحلة المقبلة ستشهد الانتقال من التخطيط إلى التنفيذ التجريبي والميداني، بهدف تحويل المدن المصرية إلى مدن أكثر حيوية وصحة واستدامة، تحت شعار: "معًا لمدن آمنة وصديقة للمشاة… معًا لمستقبل أكثر استدامة."