لجريدة عمان:
2025-06-01@16:29:28 GMT

هل تملك مجموعة السبع إنقاذ التعددية؟

تاريخ النشر: 25th, June 2024 GMT

لم نعد نعيش في عصر الأحادية القطبية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، وقد يكون هذا خيرًا، ولكن مع انتقال السلطة إلى أجزاء أخرى من العالم، انهارت التعددية انهيارًا مأساويًا، والتعددية هي فكرة التعاون الدولي تحقيقًا للصالح العام.

على أحد المستويات، لا يزال مفهوم التعددية قائمًا: إذ تتحمل دول في غرب العالم وشرقه وشماله وجنوبه مسؤولية التعاون في الأزمات الكبرى في بعض الأحيان، وانظروا إلى كينيا، التي تقود بعثة تدعمها الأمم المتحدة من المقرر أن تنتشر قريبا لمساعدة الشرطة الهاييتية في تحقيق الاستقرار.

ولكن على مستوى أعمق، عندما يتعلق الأمر بإقامة وتعزيز المنظمات الدولية التي نحتاج إليها، نرى التعددية في حالة سيئة، فمجموعة السبع، وهي هيئة غير رسمية مؤلفة من بلدان ديمقراطية متقدمة تجتمع كل عام لتنسيق السياسة العالمية، تمثل الغرب العالمي. وبرغم أنها لا تزال قوية، فإن حصتها من اقتصاد العالم وسكانه تتقلص، ويسعى زعماء مجموعة السبع، انطلاقا من قراءة الواقع، إلى تجاوز ناديهم الضيق، وهم محقون في تقديرهم ومسعاهم.

لوهلة بدت المحاولة واعدة، لكن قمة مجموعة السبع لعام 2024 التي استضافتها إيطاليا وانعقدت في منتجع فاخر يسمى بورجو إجنازيا في بوليا بدت وكأنها العشاء الأخير.

فقد تعمّق الصدع العالمي مع روسيا، ولا تبدو لحرب أوكرانيا من نهاية في الأفق، وتتصاعد التوترات الغربية مع الصين، مع قيام كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بتكثيف التعريفات الجمركية على بكين في ضوء ممارسات الصين التجارية غير المنصفة، ولقد قضت حرب الشرق الأوسط على أي أمل في التطبيع بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية إلى أجل غير مسمى، وكشفت في الوقت نفسه النفاق الغربي والمعايير المزدوجة والتواطؤ مع انتهاكات إسرائيل السافرة للقانون الدولي، وها هو اليمين المتطرف آخذ في الصعود في أكبر الدول الأوروبية، ملقيًا بظلال من الشك على مستقبل الديمقراطية الليبرالية، في حين يلوح شبح دونالد ترامب في أفق الولايات المتحدة.

ومع ذلك، عند هذا المنعطف المخيف بدت مجموعة السبع ضعيفة ضعفًا مؤلمًا، إذ كانت الحكومة الأكثر استقرارًا حول طاولة منتجع بوليا هي التي على رأسها رئيسة الوزراء الإيطالية اليمينية المتطرفة جيورجيا ميلوني، وبرغم استعراض الوحدة أمام العدسات ـ وقيام القادة بغناء أغنية عيد ميلاد سعيد لأولاف شولتز، واحتضانهم مضيفتهم ميلوني بحرارة - لم يكن من الممكن إخفاء الصدوع، في المساومة مثلا حول إشارات البيان الختامي إلى الإجهاض وحقوق المثليين.

ثمة خطر في أن يزداد عمق هذه الخلافات وأمثالها بين القوى السبع الكبرى؛ فإذا ما فتحت الانتخابات البرلمانية الفرنسية الطريق أمام حكومة يمينية متطرفة، وإذا أعادت الانتخابات الرئاسية الأمريكية ترامب إلى البيت الأبيض، فمن الصعب أن نرى ما يمكن إنقاذه من مجموعة السبع، في ظل الانقسام العميق بين الحكومات الليبرالية وغير الليبرالية.

عندما تولى جو بايدن منصبه عام 2021، طاويًا صفحة سنوات ترامب المشحونة في العلاقات عبر الأطلسية وفي التعاون الدولي، ظهر أمل حقيقي في إحياء التعددية، وكانت مجموعة السبع مركزية في هذا الأمل، تتمثل الفكرة في إمكانية تأسيس إجماع بشأن تحديات عالمية رئيسية من قبيل المناخ والاقتصاد والأوبئة أولا بين البلاد ذات التفكير المتماثل، ثم توسيعه ليشمل لاعبين آخرين في عالم كان يتعزز ليصبح متعدد الأقطاب وبدا أن هذه الطريقة ناجحة: فقد اتخذنا مبادرات لخفض انبعاثات غاز الميثان أو فرض الضرائب على الشركات المتعددة الجنسيات، ولقد تم التوصل إلى هذه الاتفاقيات لأول مرة في مجموعة السبع، ثم تم تصديرها إلى مجموعة العشرين، ثم شقت طريقها في نهاية المطاف إلى مجموعات أكبر متعددة الأطراف مثل منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في حالة فرض الضرائب، أو مؤتمر كوب 26 بجلاسكو في حالة المناخ.

أدت الحرب الروسية الأوكرانية في عام 2022 إلى قلب هذه الطريقة رأسا على عقب، ومع ذلك، ظلت مجموعة السبع مركزية في تعزيز التعددية، وفي ذلك العام، اعترف الغرب أخيرا أيضا بحاجته إلى بناء الجسور، وبخاصة مع البلاد الديمقراطية في الجنوب العالمي، وهي بلاد أدانت بصرامة الغزو الروسي لكنها عزفت عن اتباع خطى الغرب في فرض عقوبات على موسكو ودعم كييف، ومن هذا المنطلق، دعت ألمانيا، رئيسة مجموعة السبع في عام 2022، زعماء الأرجنتين والهند وإندونيسيا والسنغال وجنوب إفريقيا، فضلا عن دول أخرى، إلى الحضور.

وبحلول عام 2023، كانت الأزمة قد تعمقت وتبلور البعد العالمي للحرب الأوكرانية، وأبدت بلاد الجنوب العالمي رغبة واضحة في عدم الانحياز، وإذا بالحرب تعكس صراعًا بين الغرب العالمي والشرق العالمي، مع تزايد التقارب بين روسيا والصين فقد كثفت بكين دعمها الاقتصادي والتكنولوجي لموسكو، وبخاصة بعد الهجوم الأوكراني المضاد في عام 2023. فضلا عن ذلك، أصبح الارتباط بين الحرب في أوروبا والتوترات المتزايدة في منطقة آسيا والمحيط الهادي في بؤرة الضوء بشكل متزايد، وفي ذلك السياق، بقيت مجموعة السبع مركزية. ومثلما دعت مجموعة بريكس (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا) دولا أخرى للانضمام إلى تجمعها المناهض للغرب، فإن اليابان رئيسة مجموعة السبع لعام 2023 تتجه نحو مجموعة السبع بلس، بدعوة بلاد ديمقراطية كبرى في شرق آسيا، منها أستراليا، وإندونيسيا، وجمهورية كوريا، وفيتنام.

كانت نتائج قمة بوليا الهزيلة انعكاسًا جزئيًا للتهديد الذي يواجه التعددية الآن، فلم يتوصل الزعماء بالدرجة الأساسية إلا إلى اتفاق واحد ذي معنى بشأن استخدام العائدات من الأصول الروسية المجمدة كضمان لإصدار قرض بقيمة خمسين مليار دولار لأوكرانيا، وقد تم التوصل إلى هذا الاتفاق، الذي استغرق إعداده وقتا طويلا، وسط مخاوف متزايدة من نفاد الوقت.

وفيما يتجاوز أوكرانيا، ندر ما يمكن إظهاره، فقد أبدى القادة موافقتهم على خطة بايدن لإنهاء الحرب في غزة، وذلك مثل ما فعل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، دون أن يبدو تحرك يذكر نحو التنفيذ. لقد أدى نهج الغرب في التعامل مع الشرق الأوسط إلى الإضرار بمصداقيته في الجنوب العالمي، ولم يكن هناك أي تماسك استراتيجي لقائمة المدعوين الخارجيين، التي ضمت دولا ديمقراطية كبيرة وصغيرة من قبيل الأرجنتين والبرازيل والهند وكينيا وتركيا من ناحية، وأنظمة «أخرى» مثل الجزائر وتونس والإمارات العربية المتحدة من ناحية أخرى، ومصداقًا لميل المجموعة نحو اليمين، أطلقت مجموعة السبع مبادرة لمكافحة الهجرة غير الشرعية، فلو أن هذه هي المنصة التي يكتسب الغرب منها قوة جذب في الجنوب، فالطرق شديد الانحدار بحق.

إن سردية مجموعة السبع لم تأتِ بقيادة من هذه المجموعة، وإنما فرضت عليها فرضا: وهذا ما يؤكد الضعف المتزايد للديمقراطية الليبرالية في الغرب، إن لم يكن تهديدًا صريحًا لها.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: مجموعة السبع

إقرأ أيضاً:

ما سبب الخلاف بين نتنياهو وقادة الغرب‎؟

هل ثمة خلاف حقيقي بين الكيان الصهيوني وبين دول مثل بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا؟

هل هناك خلاف بين الكيان وبين إدارة ترمب؟

أليس هذا الكيان مشروعا غربيا استعماريا؟

أليست هذه الدول هي التي أقامت هذا الكيان في فلسطين وأمدته بكل أنواع الأسلحة وحمته في مجالس الأمم المتحدة وغطت على جرائمه ومجازره؟

ألم يسرع بايدن وماكرون وشولتز وسوناك إلى الكيان في الأيام الأولى بعد السابع من أكتوبر (2023)؟

لو ظللنا نطرح هذه الأسئلة لاحتجنا إلى صفحات طوال.. ولكن.. ما هو سبب الخلاف الذي بدأ يظهر على العلن بين نتنياهو وبين قادة هذه الدول؟

الأسباب كثيرة، منها أن جرائم الاحتلال ومجازره جعلته عاريا من كل غطاء أخلاقي، بصورة قضت على كل ما رسمه الكيان عن نفسه في الوعي الشعبي الغربي، بحيث أصبحت وسائل الإعلام الغربية في موضع الاتهام وفقدت BBC وCNN وغيرهما مهنيتها وحيادها.

ومنها أن ما يفعله نتنياهو قد يكون لمصلحته الشخصية وسعيا لتثبيت ائتلاف حكومته وتأجيل محاكمته، ولكنه في الوقت نفسه يمثل خطرا على الكيان وقد يؤدي إلى تفككه وانهياره كما يصرح بهذا الخبراء العسكريون.

يعزز هذا أن جيش الكيان في أسوأ حالاته الآن من حيث العدد والروح المعنوية، وإذا كان على مدار 20 شهرا لم يستطع أن يحقق أيا من أهدافه التي أعلنها نتنياهو منذ اليوم الأول وما فتئ يكررها، فإنه لن ينتقل إلا من فشل إلى فشل ولن يعود إلا بالخزي والعار من سياسة القتل والتجويع.

ومنها أن تغيرا هائلا حدث في الرأي العام الشعبي الأوروبي والأمريكي ولم يعد باستطاعة الساسة والقادة أن يتجاهلوا هذا، خاصة أنهم لمسوا أثره في كل الانتخابات التي تمت بعد السابع من أكتوبر.

ومنها أن هذا التغيير أصبح يحاصر كل الداعمين للاحتلال ومن يمدونه بالسلاح، بل وانتقل إلى ما هو أكثر من هذا، بمهاجمة المصالح والأفراد الذين ينتمون إلى الكيان من قبل ناشطين ليسوا عربا ولا مسلمين، مثل إلياس رودريجز الذي قتل الموظفين في سفارة الكيان في واشنطن، ومحاولة ناشطين إلقاء متفجرات على سفارة أمريكا في القدس، وإذا توسعت هذه الأعمال، وهذا وارد بفعل الإجرام الصهيوني، فإن ذلك يمثل خطرا على هذه الدول.

باختصار، هذا الخلاف بين قادة هذه الدول وبين نتنياهو ليست دوافعه أخلاقية ولا إنسانية فهذه قيم فقدها القوم من قديم، ولكنهم يرون ذلك في مصلحة الكيان التي يهددها نتنياهو باستمراره في حرب فشل في تحقيق أي من أهدافها.

مقالات مشابهة

  • إسرائيل وحربها الممنهجة
  • بعد «السبع العجاف».. باريس يعود «كامل الأوصاف»!
  • رئيس وزراء اليابان يدرس عقد اجتماع تجاري مع ترامب قبل قمة مجموعة السبع
  • الأسرار السبع للوقاية من أمراض القلب قبل فوات الأوان
  • «وزير الصحة»: مفيش دولة في العالم تملك الدواء بصورة مستمرة على مدار العام
  • “الليبي للدراسات”: اللجنة الاستشارية لا تملك أي صلاحيات لفرض الحل في ليبيا
  • “إنجاز كبير للحكومة”.. مواطنون في دمشق يعبرون عن رأيهم بمذكرة التفاهم التي وقعتها وزارة الطاقة مع مجموعة UCC الدولية
  • ما سبب الخلاف بين نتنياهو وقادة الغرب‎؟
  • المشاط: نتمنى التوفيق للرئيس الجديد للبنك لدعم مسيرة التنمية في إفريقيا التي تمرُّ بمرحلة حاسمة
  • سانا تستطلع آراء عدد من الصناعيين المشاركين في معرض بيلدكس حول أهمية مذكرة التفاهم التي وقعتها وزارة الطاقة مع مجموعة UCC الدولية