حرب تحت سطح البحر.. كيف ستؤثر المسيرات المائية على النزاع بين الصين وتايوان؟
تاريخ النشر: 30th, June 2024 GMT
سيتشكل أي صراع مستقبلي محتمل بين تايوان والصين عبر أساليب جديدة لحرب المسيرات التي تتضمن مسيرات متطورة تعمل تحت الماء، وفقا لتقرير جديد للمناورات الحربية أصدرته المؤسسة البحثية "مركز الأمن الأميركي الجديد"، وهي منظمة فكرية وبحثية معنية بالسياسات الأمنية الأميركية.
يأتي التقرير في ظل تصاعد المخاوف إزاء توتر علاقة بكين بتايوان، فقد أرسلت الصين عشرات المناطيد الاستطلاعية فوق مضيق تايوان في يناير/كانون الثاني في أثناء الانتخابات التايوانية، وفي مايو/أيار الماضي عبرت سفينتان بحريتان صينيتان المياه الإقليمية التايوانية المحظورة.
يشرح التقرير بالتفصيل عددا من الأساليب التي قد يختلف بها استخدام المسيرات في أي نزاع في بحر جنوب الصين بصورة ملحوظة عن الممارسات الحالية، وأبرزها الحرب في أوكرانيا والتي غالبا ما يطلق عليها أول حرب واسعة النطاق بالطائرات المسيرة.
منذ انطلاق الحرب الروسية الأوكرانية في عام 2022، كانت المسيرات تساعد فيما يصفها الخبراء العسكريون بالخطوات الثلاث الأولى من "سلسلة القتل"، أي العثور على الهدف واستهدافه وتعقبه، بالإضافة إلى دورها في إلقاء المتفجرات.
تتميز الطائرات المسيرة بعمر افتراضي قصير، إذ تتعرض غالبا لإسقاطها أو تفقد فائدتها بسبب أجهزة التشويش على الترددات التي تمنع الطيارين من التحكم بها. ووفقا للتقرير، فإن المسيرات المروحية الرباعية "كوادكوبتر"، وهي المسيرات المتوفرة تجاريا وتُستخدم غالبا في الحرب، لا تصمد سوى لثلاث رحلات في المتوسط.
مثل تلك الطائرات المسيرة لن تجدي نفعًا إذا قررت الصين غزو تايوان. يقول زاك كالينبورن، محلل قطاع المسيرات والزميل المساعد في مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية، لموقع "إم آي تي تكنولوجي ريفيو": "كان النزاع بين أوكرانيا وروسيا نزاعا بريا إلى حد بعيد، في حين أن النزاع بين الولايات المتحدة والصين سيكون جويا وبحريا بدرجة ملحوظة". لذا فإن المسيرات الصغيرة الجاهزة التي شاعت في حرب أوكرانيا، وتتميز بفترات طيران قصيرة للغاية، لا يمكن الاستفادة منها بفعالية في بحر جنوب الصين.
في المقابل، يرجح التقرير أن النزاع بين الصين وتايوان سيستفيد على الأرجح من استخدام المسيرات البحرية وتلك التي تعمل تحت سطح البحر. ونظرا لأن تايوان تبعد 100 ميل فقط عن الأراضي الصينية، فإن مضيق تايوان هو الموضع الذي قد يشهد مثل هذا الصراع، كما يذكر التقرير.
قد ترسل حاملة الطائرات الصينية ذاتية القيادة المتطورة "تشو هاي يون" مسيراتها الآلية المستقلة تحت الماء لاستكشاف الغواصات الأميركية. وقد تشن تلك المسيرات هجماتها التي -إن لم تغرق الغواصات- قد تشتت انتباه وتركيز موارد الولايات المتحدة وتايوان، كما يوضح التقرير.
كما يُحتمل أن تغرق بكين بحر جنوب الصين بقوارب تمويهية مسيرة بهدف تعقيد الأمر على الصواريخ والغواصات الأميركية للتمييز بين السفن العالية القيمة والقوارب التجارية غير المأهولة التي لا قيمة لها.
ورغم أن معظم ابتكارات المسيرات لا تركز على التطبيقات البحرية، فإن مثل تلك الاستخدامات لا تعد جديدة، فقد لفتت القوات الأوكرانية الانتباه بسبب تعديلها للزلاجات النفاثة لتعمل عبر التحكم عن بعد واستخدمتها لتهديد السفن الروسية بل وإغراقها في البحر الأسود.
استقلالية أكبرتمتلك الطائرات المسيرة حاليا قدرا محدودا للغاية من الاستقلالية، إذ يقودها عادةً طيار بشري، ورغم أن بعضها قادر على الطيران الآلي إلى نقطة ثابتة يحددها نظام تحديد المواقع العالمي (جي بي إس)، فإن هذا لا يعود بأي فائدة في سيناريوهات الحروب التي تتحرك فيها الأهداف باستمرار.
ولكن، بحسب التقرير، تتطور تقنية التحكم الذاتي بوتيرة متسارعة، وأي دولة ستمتلك أسطولا من المسيرات الأكثر تطورا وذاتية القيادة ستحظى بميزة تفوق ملحوظة.
تُنفق ملايين الدولارات في مجال الأبحاث العسكرية في الولايات المتحدة والصين على حد سواء على تطوير "أسراب المسيرات"، وهي إستراتيجية تعتمد على المسيرات التي تتحرك بصورة مستقلة في مجموعات وتنجز المهام المطلوبة منها. لم تُستخدم هذه التقنية حتى الآن، ولكن إن نجحت فقد تغيّر مجرى الأمور في أي صراع محتمل.
قد يوفر النزاع في مياه البحر أيضا نقطة انطلاق أسهل لأنظمة الملاحة التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي، لأن التعرف على الأجسام يكون أسهل على سطح المحيط الصافي نسبياً من الفوضى مقارنة بسطح الأرض، كما أشار التقرير.
وفي أبريل/نيسان الماضي، وقع الاختيار على شركة "أندوريل" (Anduril) كواحدة من شركتين، إلى جانب شركة جنرال أتوميكس المتخصصة في الصناعات العسكرية، لتقديم نموذج أولي لنوع جديد من الطائرات المقاتلة الذاتية القيادة تسمى "الطائرات المقاتلة التعاونية" "سي سي إيه" (CCA) لصالح القوات الجوية والبحرية الأميركية.
يتصور سلاح الجو الأميركي أن تكون تلك الطائرات الجديدة أكثر قدرة واستقلالية من الطائرات المسيرة الحالية، إذ يمكنها تأدية مهام مثل الاستطلاع والضربات الجوية والحرب الإلكترونية، سواء بمفردها أو بالتعاون مع الطائرات العسكرية التقليدية. ويتمثل أحد الجوانب المحورية للبرنامج في تطوير برمجيات ذكاء اصطناعي متطورة قادرة على التحكم في الطائرة التي بإمكانها التحرك باستقلالية في نطاق أوسع من المواقف مقارنة بأنظمة التحكم الحالية، التي عادة ما تكون مستقلة في حالات محدودة النطاق.
وهذا المشروع هو نتاج سنوات من العمل داخل البنتاغون لتطوير رؤية حول حرب جوية أكثر آلية واستقلالية.
التفوق الصيني
تتمثل إحدى أبرز مزايا تفوق الصين في أي صراع محتمل في قربها من تايوان، ولكن الميزة الأهم هي أنها تنتج طائرات مسيرة أكثر من أي دولة أخرى.
تسيطر الشركات الصينية على هذا السوق، وتنتج وتبيع معظم تلك الطائرات التجارية حول العالم. هذه السيطرة الصينية أغلقت أبواب المنافسة أمام الشركات الأميركية التي تعمل في قطاع الطائرات المسيرة التجارية؛ استحوذت الشركات الصينية على أكثر من 90% من السوق الاستهلاكية داخل الولايات المتحدة، بجانب 70% من سوق الشركات أو المسيرات التي تستخدم في المجالات الصناعية، و92% من المسيرات المستخدمة في عمليات الإنقاذ والاستجابة للحالات الطارئة، وفقا لما أشار له تقرير الاتحاد الدولي لأنظمة المركبات غير المأهولة.
تمثل تلك الأرقام كل الطائرات الصينية المسيرة في الولايات المتحدة، لكن هناك شركة واحدة تهيمن على السوق الأميركية والعالمية وهي شركة "دا-جيانغ إنوفيشنز" (Da-Jiang Innovations) أو اختصارا "دي جيه آي" (DJI).
لم تأتِ الهيمنة الصينية على هذا القطاع عالميا من قبيل المصادفة، بل جاءت نتيجة لتخطيط محكم وسياسات حكومية إستراتيجية ونظرة للمدى البعيد، كما أشار التقرير، وذكر أن أهم أسباب نجاح الشركات الصينية في قطاع الطائرات المسيرة التجارية هو الدعم الواسع الذي تقدمه الحكومة الصينية، وذلك عبر تقديم إعانات سخية واستثمارات مباشرة ووضع تشريعات إستراتيجية، مما وضع الشركات الصينية في موقف قوة في الساحة العالمية.
ففي عام 2015، أطلقت الحكومة الصينية مبادرة "صُنع في الصين 2025″، وهي مبادرة تمتد على مدى عشر سنوات للاستثمار في الصناعات الرئيسية، خاصة في مجال التكنولوجيا، بهدف ضمان ريادة الصين وهيمنتها على الأسواق العالمية.
تلك الإعانات الحكومية قد ساهمت في خفض تكاليف الإنتاج، وبالتالي خفضت الشركات الصينية من أسعار المسيرات، مما سمح لها بالتفوق على نظيراتها من الشركات الأميركية سواء من حيث السعر أو المميزات التقنية.
ومما يزيد من المصاعب هو تخلف قطاع الطائرات المسيّرة التجارية في الولايات المتحدة عن نظيره الصيني، فالشركات الصينية مثل "دي جيه آي" تهيمن على سوق تلك التقنيات التي يمكن تطويعها للاستخدام المزدوج. تشتهر القوات الأوكرانية باستخدام تلك الطائرات الجاهزة لأغراض عسكرية، إذ تشتري كييف الآن نحو 60% من إمدادات العالم من طائرات "مافيك" الرباعية المروحية التي تنتجها الشركة الصينية. لكن ذلك بالطبع ليس خيارا مطروحا بالنسبة للولايات المتحدة أو لتايوان عندما تكون الصين نفسها هي العدو المرتقب.
لذا، يرى خبراء الدفاع حاجة واشنطن إلى تطوير سلسلة إمداد لهذا النوع من المسيرات بعيدا عن الصين، نظرا للمخاطر المتمثلة في احتمال نشوب حرب بين البلدين في المستقبل.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات الطائرات المسیرة الولایات المتحدة الشرکات الصینیة تلک الطائرات الصینیة على النزاع بین
إقرأ أيضاً:
كيف تساهم المسيرات في بناء مخطط رقمي لإعمار حمص السورية؟
في مدينة أنهكها الحصار والقصف، تعود حمص السورية إلى الواجهة عبر مساعٍ تقنية لرسم مستقبلها العمراني، فمع تضارب تقديرات الدمار وغياب بيانات دقيقة عن حجم الركام، تبحث المحافظة عن أدوات رقمية تمنحها رؤية أوضح لمشهد إعادة الإعمار.
في هذا السياق، يسلّط تقرير أعدّه مراسل الجزيرة محمود الكن الضوء على مشروع رقمي ناشئ يعتمد على المسيرات وتقنيات التصوير الفوتوغرافي القياسي لبناء نماذج ثلاثية الأبعاد تعكس الواقع الحالي للأحياء المنكوبة.
ويستحضر التقرير مساحات الذاكرة التي كوّنها الحمصيون خلال سنوات الثورة، قبل أن تتحول ساحات التظاهر عام 2011 إلى مشاهد مدمرة بالكامل، ويشير إلى أن أصوات المحتجين رحلت مع كثير مما فقدته المدينة، في حين تحاول البيانات اليوم توثيق ما لم تُدوّنه الشهادات.
وتفيد إحصائيات مجلس مدينة حمص بأن نحو 16 حيّا لحقت بها أضرار جسيمة، وبأن نحو 38 ألف وحدة سكنية دُمّرت كليا أو جزئيا، في حين يتجاوز وزن الركام -وفق تقديرات أولية- مليوني طن موزعة على مختلف المناطق المتضررة.
ويرصد التقرير جانبا غير متوقع من مشهد الدمار، إذ تشير بلدية حمص إلى ازدياد الكميات المتراكمة من الردم مع شروع السكان في إعادة تأهيل منازلهم. ويُعزى ذلك إلى التخلص من مخلفات البناء الداخلية التي لم تكن مشمولة في عمليات الإحصاء الأولى.
كما تتقاطع شهادات الأهالي مع هذا الواقع، ففي أحد شوارع المدينة المهدمة، يروي أحد السكان للمراسل أن فتح الطرقات الرئيسية لا يعني قدرة الناس على إعادة البناء، فـ"الأنقاض" المتراكمة داخل العقارات ما تزال تعيق عودة الحياة إلى المنازل.
حلول تقنيةوهنا تنتقل المحافظة -كما يوضح التقرير- إلى حلول تقنية تعتمد على المسيرات، ولا سيما تقنية التصوير الفوتوغرافي القياسي التي تقوم على التقاط صور متعددة من زوايا مختلفة لإنتاج نموذج رقمي دقيق لحجم الركام وارتفاعه وحالة المباني.
إعلانويشرح الكن أن المسيرات قادرة على جمع مئات وربما آلاف الصور عالية الدقة خلال طلعة واحدة، قبل أن تُدمج لاحقا في نموذج ثلاثي الأبعاد يُحاكي المكان بدقة تصل إلى بضعة سنتيمترات، مما يتيح فهما رقميا للمشهد الميداني.
وتظهر لقطات حصلت عليها الجزيرة نماذج رقمية لحمص القديمة تتكون من 70 ألف صورة، تشمل 2243 مبنى تم تحليل أوضاعها، إضافة إلى نماذج دقيقة لكومات الركام تُظهر حجمها بالمتر المكعب وتتيح مراجعة مخططات البلديات على أساس بيانات محققة.
ويبين التقرير أن هذه النماذج الرقمية باتت تُستخدم لأغراض متعددة، من توثيق حجم الدمار، إلى مراجعة خرائط التنظيم العمراني، وصولا إلى وضع تصور مستقبلي لإعادة الإعمار على أسس قابلة للتحقق والقياس.
وبهذا المزج بين التقنية والذاكرة، يعرض التقرير محاولة حمص لاستعادة صورته ولو رقميا في انتظار أن تستعيد واقعها على الأرض.