رشان اوشي: المأزق السوداني متعدد الأوجه
تاريخ النشر: 5th, July 2024 GMT
فداحة الأمر أن المأزق ليس عسكرياً فقط ، ولكنه متعدد ومختلف الاسماء ، أنه دولياً، سياسياً، عسكرياً، وداخلي أيضاً يتعلق بتركيبة المجتمع السوداني ، والأهم أنه مأزق أخلاقي.
وما حرب 15/ابريل الا نقلة كبيرة بين لحظتين قريبتين زمنياً تكشف عن الاحتمالات الغزيرة للتقلبات السياسية، وأن الأمور فعلاً في البركة الآسنة المسماة السياسة ليست اختياراً بين لونين، الأبيض والأسود، بل هي في أغلب الأحيان، درجات من الألوان، بما فيها المنطقة الرمادية.
سياسياً.. ولأن البندقية لا تعرف الألوان الرمادية ، قاتل الجيش الوطني بظهر مكشوف ، بدون حاضنة سياسية ، ولا غطاء سياسي ، ولا خطاب تعبوي ، كل ذلك نتاج مواقف القوى السياسية التي تقوم على البراغماتية ، وهي بالطبع لا تتسق مع موقف الجيش الذي أعلنه الرئيس “البرهان ” في خطاب شهير إبان أزمة “الإطاري”، قال فيه:”الجيش يقف على مسافة واحدة من جميع القوى السياسية” .
الجميع يسعى لامتطاء ظهر القوات المسلحة وصولاً إلى السلطة، عندما أيقنوا أن الجيش وقيادته لن يتحالفوا مع حزب سياسي بل مع الوطن فقط، انفضوا عنه، والذاكرة القريبة تحتفظ بالرحلات المتكررة بين القاهرة بورتسودان ، وحماسة المؤتمرات التي عقدت خلال الأشهر الماضية .
عسكرياً .. لا تزال هناك عراقيل مستمرة تعمل على حرمان الجيش السوداني من أخذ دوره في استعادة استقرار البلاد، فبعد أن تعرض الجيش لأكبر عملية إبادة وتدمير لبنيته ومعسكراته وآلياته وقواعده وطائراته في خلال عام ونيف من الحرب ، يعيش الآن تحت نير الحرب النفسية ، التي تحاول صنع هوة بين قيادته والشعب بأنها قيادة مهزومة عسكرياً، وأن الجيش يفر من المواجهة الميدانية.
والحقيقة أن الجيش السوداني لم يقاتل من قبل داخل المدن وبين المواطنين ، بجانب الاستنزاف المادي اليومي في ظل حصار دولي ، وحدود مفتوحة مع جيران متآمرين ،قبضوا ثمن تأجيج الحريق في السودان على الملأ.
دولياً.. جرت محاولة لإسقاط الدولة من خلال استخدام الغرب لقوته السياسية التدميرية بحجة حماية المدنيين، وغض الطرف عن حرب غير اخلاقية، استخدمت فيها كل المحرمات الدولية ، جعلت السودان أرضاً مشاعاً للفارين وقُطّاع الطرق والإرهابيين، ينهبوا ،يغتصبوا ويقتلوا المدنيين وكان الهدف من ذلك هو إسقاط الدولة ونشر الفوضى.
الأزمة بجميع تعقيداتها الداخلية والخارجية، وتناطح السياسيين، وهم المناط بهم توفير الغطاء السياسي ، والخطاب التعبوي لمساندة الجيش الوطني وهو يخوض حرباً وجودية ، قد تكون نتائجها كارثية، ومنها أنهم لن يجدوا بلداً يتصارعون على حكمه .
بجانب تآمر بعض السياسيين مع مشغليهم من الخارج لإفشال جهود الجيش في حماية الدولة من السقوط في أيدي مليشيات المرتزقة الأجانب ، بل وحاولوا إصابته في مقتل بالمساهمة في حملات الحرب النفسية التي تصف الجنود والضباط بالفارين من سوح القتال ، حتى يتراجع دور الجيش بقصد تفكيكه وهو الأمر الذي تسعى إليه بعض الدول الكبرى المتدخلة في الشأن السوداني .
داخلياً.. تعقيدات المجتمع السوداني كانت سبباً آخر ولكنه ثانوي في استمرار الحرب بهذه الوتيرة ، لأن الشعب لم يجد سياسياً محترماً يقدمه قائداً ملهماً للجماهير ، حتى رجال الإدارة الأهلية ولغوا في المؤامرة وقبضوا الثمن.
أهم خطوة يجب أن تسبق أي حوار سياسي حول تقاسم السلطة ، هي السعي لإخلاء السودان من الميليشيات والمرتزقة والقوات الأجنبية وإلا أصبحت كل مجهودات التسوية السياسية حرث في البحر .
يجب أن تعلم دول الجوار التي ترعى مشروعات التسوية السياسية ،ان المرتزقة خطر على الجوار أيضاً، وهناك من يرى أن حتى خروجهم بأسلحتهم يعتبر خطراً إقليمياً آخر، وبخاصة في ظل وجود صراعات في المنطقة .
ملف الميليشيات والمرتزقة ليس ملفاً سودانياً خالصاً بالمطلق، ومن يظن أن خروجهم هو رهين إرادة سودانية خالصة هو مخطئ، فوجود المرتزقة هو نتيجة تدخلات خارجية وحرب بالوكالة في السودان ، وبالتالي أي مطالبة لإخراج هذه الجماعات لا بد أن تمر عبر بوابة الدول الكبرى المتدخلة في الشأن السوداني ، فمن جلب العفريت هو من يصرفه.
محبتي واحترامي
رشان اوشي
إنضم لقناة النيلين على واتسابالمصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
اعترض طائرات مسيّرة في بورتسودان.. الجيش السوداني يقصف مواقع «الدعم» في كردفان
البلاد – الخرطوم
واصل الجيش السوداني تصعيده العسكري ضد قوات الدعم السريع، حيث أعلن، أمس (السبت)، اعتراض طائرات مسيّرة في مدينة بورتسودان، ونفذ غارات جوية بالطائرات المسيّرة على مواقع تابعة لقوات الدعم السريع في ولاية جنوب كردفان.
وأفاد شهود عيان من مدينة بورتسودان، شرقي البلاد، بأن الدفاعات الجوية السودانية تمكنت من إسقاط عدد من الطائرات المسيّرة خلال الساعات الماضية، ما تسبب في سماع دوي انفجارات قوية هزت أنحاء المدينة، وأثار حالة من القلق بين السكان.
وفي تطور ميداني آخر، نفذ سلاح الجو السوداني، مساء الجمعة وصباح السبت، سلسلة من الغارات الجوية باستخدام طائرات مسيّرة استهدفت مواقع وتجمعات عسكرية لقوات الدعم السريع في مدينة الدبيبات، الواقعة بولاية جنوب كردفان.
ووفقًا لمصدر عسكري سوداني، فإن الغارات أسفرت عن تدمير عدد كبير من الآليات والمركبات القتالية التابعة لقوات الدعم السريع، بالإضافة إلى سقوط عدد كبير من القتلى في صفوف تلك القوات، دون تقديم حصيلة دقيقة للضحايا أو حجم الخسائر المادية.
ويأتي هذا التصعيد في إطار المعارك المتواصلة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، والتي تشهدها عدة ولايات سودانية منذ اندلاع النزاع بين الطرفين في أبريل 2023، بما في ذلك ولايات الخرطوم ودارفور وكردفان، وسط أوضاع إنسانية متفاقمة وتدهور أمني متصاعد.
ويخشى مراقبون من أن تؤدي العمليات الجوية والاشتباكات البرية المتكررة إلى مزيد من التصعيد، في ظل غياب أي مؤشرات جدية على قرب التوصل إلى تسوية سياسية تنهي النزاع المستمر منذ أكثر من عام.