الشيخ ياسر مدين يكتب: كيف وصلتنا السُّنة (9)
تاريخ النشر: 6th, July 2024 GMT
أشرنا فى ما سبق إلى مراحل كتابة السنة والتصنيف فيها بدءاً من عهد سيدنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وذكرنا ما قام به الصحابة من كتابة وتصنيف، وأشرنا إلى أنه كانت لهم دروس علمية يحضرها طلبة العلم من شتى الأقطار، وأن النظام المتبع آنذاك كان يبدأ الطالب فيه بنسخ [كتابة] كتاب الصحابى الذى جمع فيه ما سمعه من أحاديث سيدنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ثم بعد ذلك يسافر إلى الصحابى صاحب الكتاب، ليسمع هذا الكتاب منه أو ليقرأه عليه، فيكون قد استوثق من نصِّه تمام الاستيثاق؛ لأنه وحى مُقدّس من الله تعالى، فينبغى أن يستوثق منه.
وقد نشأ بناءً على هذا قضية المفاضلة بين أن يقرأ الشيخ والتلاميذ يسمعون قراءته فيُصوّبون ما قد يكون وقع من أخطاء أثناء عملية النسخ [الكتابة]، وبين أن يقرأ التلميذ على الشيخ والشيخ يُصوّب للتلميذ ما يخطئ فيه، وقد رأى بعض الصحابة ومن بعدهم أن الأمرين سواء، وقد ذكرنا أن هذا رأى سيدنا على بن أبى طالب رضى الله عنه، ورأى سيدنا عبدالله بن عباس رضى الله عنهما.
وقد تبلورت هذه القضية فى ما عُرف بعد ذلك بطرق التحمل والأداء، وأن المحدثين صاروا فى ما بعد يفرّقون بألفاظ التحديث بين ما قرأه الشيخ وبين ما قُرئ عليه، فيقول التلميذ إذا روى ما سمعه من قراءة الشيخ من كتابه: سمعتُ، أو: حدثنى. أما إذا قرأ هو والشيخ يسمع، فيقول التلميذ حين يروى: أخبرنى.
ولأهمية توثيق الحديث بسماعه من الشيخ أو بقراءته عليه اهتم العلماء بحفظ الحديث، وأوصوا به، حتى ظن البعض أن هذا معناه أن السنة نُقلت شفاهة ولم تُدون، وليس الأمر كذلك، بل الأمر بالحفظ كان لمزيد من توثيق السنة المطهرة. وها هو سيدنا عبدالله بن عباس، رضى الله عنه، كان متميزاً بسرعة الحفظ، حتى إنه حفظ قصيدة طويلة أنشدها أمامه الشاعر عمر بن أبى ربيعة، ومع هذه القدرة العظيمة على الحفظ نجد أنه اهتم بالتدوين، حتى إن كتبه التى حوت السنة والسيرة وفتاواه الخاصة بلغتْ قَدر حِمل بعير.
وقد ذكروا أن التابعى قَتادَة بن دِعامةَ (ت 118هـ) كان أحفظ أهل البصرة، وأنه كان لا يسمع شيئاً إلا حفظه، وقد أثبت هو هذا أمام الناس، حين تكلم عن حفظه لصحيفة سيدنا جابر رضى الله عنه وأرضاه، فقال لسعيد بن المسيب: يا أبا النضر، خُذ المصحف، ثم قرأ سورة البقرة غيباً أمامه فلم يخطئ فى حرف واحد منها، ثم قال له: يا أبا النضر أحكمتُ؟ فقال: نعم. فقال قتادة: لَأنا لِصحيفة جابرِ بن عبدالله أحفظُ منى لسورةِ البقرة.
وقد آثر قتادة أن يبين مدى إتقان حفظه لصحيفة جابر بمقارنته بحفظه لأطول سور القرآن الكريم، وهى سورة البقرة، وليس حفظ البقرة بالشىء الصعب، بل هو أمر ميسور، خاصة أنها من السور ذوات الفضل، المرغّب فى قراءتها باستمرار، وفيها آية الكرسى، وهى أعظم آيات كتاب الله تعالى، ولخواتيمها فضل كبير أيضاً، وكل هذا مما يجعل المسلم العادى فضلاً عن العالم حريصاً على قراءتها وترديدها، وبالتالى فهى مِن أتقن ما يُحفظُ، ولذا قارن قتادة حفظه لصحيفة جابر بحفظه لهذه السورة الكريمة؛ ليُبين مدى حفظه لهذه الصحيفة منذ قُرئت عليه من أول مرة حفظاً متقناً كحفظه القرآن الكريم أو أشد.
وقد ذكرنا هذا لنُبين أمراً مهماً، وهو أنَّ اعتناء الأمة بالحفظ ليس معناه أبداً الاستغناء به عن الكتابة والتصنيف، بدليل أن صحيفة جابر قد نُسخت، وتم تداولها حتى وصلت قتادة فحفظها. فالحفظ ليس معناه الاستغناء عن التدوين، وكيف يستغنى بالحفظ عن الكتابة والتصنيف، والكتابة أدق وأضبط من الحفظ؟!
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: السنة النبوية حفظه القرآن الكريم رضى الله
إقرأ أيضاً:
دعاء النبي عند رؤية هلال شهر صفر.. تعرف عليه وردده
دعاء النبي عند رؤية هلال شهر صفر.. يحل علينا اليوم أول أيام شهر صفر، حيث كشف مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، عبر صفحته الرسمية على فيس بوك، عن دعاء سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأى الهلال.
دعاء النبي عند رؤية هلال شهر صفر
قال الأزهر للفتوى، إن التبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى الهلال قال: «اللَّهُمَّ أَهِلَّهُ عَلَيْنَا بِالأمن والإيمان، والسلامة والإسلام، ربي وربك الله، هلال رشد وخير» [أخرجه الترمذي].
استطلعَت دارُ الإفتاءِ المصريةُ هلالَ شهرِ صفر لعام ألفٍ وأربعمائةٍ وسبعة وأربعين هجريًّا بعد غروب شمس يوم الخميس الماضى الموافق التاسع والعشرين من شهر المحرم لعام ألفٍ وأربعمائةٍ وسبعة وأربعين هجريًّا،والرابع والعشرين من شهر يوليو لعام ألفين وخمسة وعشرين ميلاديًّا بواسطة اللِّجان الشرعيةِ والعلميةِ المنتشرةِ في أنحاء الجمهورية.
وقالت: قد تحقَّقَ لدينا شرعًا من نتائج هذه الرؤية البصرية الشرعية الصحيحة عدمُ ثبوتِ رؤية هلالِ شهر صفر لعام ألفٍ وأربعمائةٍ وسبعة وأربعين هجريًّا.
وبناء على ذلك أعلنت دارُ الإفتاءِ المصريةُ أن يومَ أمس الجمعة الموافق الخامس والعشرين من شهر يوليو لعام ألفين وخمسة وعشرين ميلاديًّا هو المتمم لشهر المحرم لعام ألف وأربعمائة وسبعة وأربعين هجريًّا، وأن اليوم السبت الموافق السادس والعشرين من شهر يوليو لعام ألفين وخمسة وعشرين ميلاديًّا هو أول أيام شهر صفر لعام ألف وأربعمائة وسبعة وأربعين هجريًّا.
وتقدمت بهذه المناسبةِ الكريمةِ بخالص التهنئة لفخامة الرئيس/ عبد الفتاح السيسي رئيس الجمهورية، ونتمنى له دوام الصحة والعافية، كما نتقدمُ بخالص التهنئة للشعب المصري الكريم، ولجميع رؤساءِ الدولِ العربيةِ والإسلاميةِ وملوكِها وأمرائِها وللمسلمين كافةً في كُلِّ مكان، داعين اللهَ سبحانه وتعالى أن يُعيدَ على مصرَ وعليهم جميعًا أمثالَ هذه الأيامِ المباركةِ باليُمنِ والخيرِ والبركات والأمنِ والسلام، وهو نعمَ المولى ونعمَ النصير.