«إعلام التطبيع».. والحرب على غزة
تاريخ النشر: 9th, July 2024 GMT
منذ بدء طوفان الأقصى واندلاع حرب الإبادة الصهيونية في غزة، قاومت كثيرا الرغبة في الكتابة عن أداء المنصات الإعلامية العربية خلال هذه الحرب، انطلاقا من قناعة بحثية ترسخت عبر السنين أن تقييم أي معالجة إعلامية لحدث ما يقتضي الانتظار حتى انتهاء هذا الحدث تماما، حتى يكون التقويم موضوعيا إلى أقصى درجة من جانب وخشية وقوع أحداث فرعية قد تغير موازين القوى في هذا الحدث وتقلب التقويم المبدئي رأسا على عقب من جانب آخر.
الآن مع استمرار الحرب ودخولها شهرها التاسع دون أي محاولة جادة من الدولة الصهيونية وحلفائها لوقفها، وتجاوزها لكل القيم والأعراف الإنسانية والقانونية الدولية، وبعد أن بلغ عدد الشهداء جراء الوحشية الإسرائيلية أكثر من 38 ألف شهيد، منهم نحو 16 ألفا من الأطفال، و11 ألفا من النساء، تصبح القواعد الموضوعية للبحث والكتابة عديمة الجدوى، خاصة مع وسائل الإعلام العربية التي يجب تقويم أدائها وربما دورها في الحرب.
إن المتابع لمعالجة وسائل الإعلام العربية للحرب على غزة خلال الشهور الفائتة يمكن أن يصل إلى مجموعة من الانطباعات العامة. ودون الدخول في تفاصيل كثيرة يمكن تأكيد حقيقة مهمة وهي أن وسائل الإعلام في دولنا العربية على دين أنظمتها وليست على دين شعوبها ومصالحها العليا، تستوي في ذلك جميع الأحداث حتى وإن كانت بحجم الجريمة التي يرتكبها الصهاينة في غزة. ووفقا لذلك يمكن التمييز بين تيارين إعلاميين رئيسين يسيطران على تغطية وسائل الإعلام العربية للحرب في غزة، هما: التيار المساند للمقاومة الفلسطينية والداعم لها سياسيا وشعبيا والرافض للهمجية الصهيونية، وتنتمي وسائل الإعلام في هذا التيار إلى دول الممانعة المعروفة، بالإضافة إلى الدول الرافضة للتطبيع مع العدو الصهيوني حتى حل القضية الفلسطينية حلا عادلا. والتيار الثاني هو التيار المساند للدولة الصهيونية والساعي إلى التخلص من كل أشكال المقاومة حتى وإن كانت مقاومة المحتل الإسرائيلي، ويمثل هذا التيار وسائل إعلام الدول المطبّعة أو تلك التي كانت في طريقها إلى التطبيع مع العدو الصهيوني أو ما يعرف باسم «تيار التطبيع» إن جاز التعبير.
التيار الأول يبدو مُتّسقا مع نفسه في الدفاع عن الحق العربي والإسلامي الفلسطيني ومتجاوبا مع الإنجازات العسكرية الخارقة التي تحققها المقاومة، رغم فداحة الثمن الذي تدفعه من دماء أبناء غزة، خاصة في ظل التوازن المفقود في القدرات في هذه الحرب بين دولة معتدية لديها كل أنواع الأسلحة وجسر دائم يربطها بكبار صناع السلاح في أمريكا وبريطانيا وألمانيا وفرنسا، وبين حركة مقاومة لا تمتلك طائرات ولا أنظمة دفاع جوي. أما التيار الثاني الذي يريد أصحابه إعادة كتابة تاريخ المنطقة بما يتلاءم مع أحلامهم في السيادة والريادة. وقد ربط هؤلاء تحقيق هذه الأحلام بالخضوع التام لإرادة الولايات المتحدة، واستمرار وجود الدولة الصهيونية حتى وإن كان الثمن تحقيق حلم إسرائيل الكبرى «من النيل إلى الفرات» وإزهاق أرواح الملايين من العرب.
بدأ تيار «إعلام التطبيع» عمله بمحاولة إلقاء تبعات الحرب على المقاومة الفلسطينية في غزة نتيجة ما قامت به في السابع من أكتوبر الماضي. وبعد بيانات الإدانة والاستنكار وشجب ما أسمته أعمال العنف التي طالت المدنيين، ومع اتساع نطاق الهمجية الصهيونية بدأت في إطلاق الدعوات للسماح بوصول المساعدات الإنسانية إلى القطاع المحاصر ووقف إطلاق النار. وقد توقفت بعض وسائل الإعلام في بعض هذه الدول عن ترديد هذه السردية التي تبرر العدوان الإسرائيلي الغاشم على البشر والحجر وكل مظاهر الحياة في غزة بعد تزايد غضب الشارع والناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي. ويمكن وصف مواقف هذه الوسائل بالموقف العائم غير المحدد، والذي يقصر اهتمامه بما يجري على الأرض في غزة على متابعة الأخبار الخجولة اعتمادا على مصادر إعلامية ووكالات أنباء أجنبية وعبرية، مع تجاهل شبه كامل للمصادر الفلسطينية والمصادر الإعلامية الأخرى غير الأمريكية وغير الصهيونية. وتستضيف تلك الوسائل متحدثين أكثر من الجانب الصهيو-أمريكي تفتح لهم المساحات الزمنية لتسميم الرأي العام العربي وتغيير اتجاهاته نحو الحرب بما يتوافق مع الأهداف الإسرائيلية، مع استضافة عدد لا يذكر من المتحدثين المساندين للمقاومة بمساحات زمنية أقل ومقاطعات أكثر من جانب المذيعين. هذه الوسائل الإعلامية التي كما قلنا تسير على دين حكوماتها تؤمن أن انتصار المقاومة لن يكون في صالحها وصالح المشروعات التي وضعها الأمريكيون للمنطقة لذلك فإنها تمزج بين مطالبة وتشجيع إسرائيل بالاستمرار في الحرب حتى القضاء تماما على المقاومة، وبين دعوات متفرقة لوقف الحرب وإيصال المساعدات الإنسانية حتى لا تفقد الأنظمة احترام شعوبها. وقد بدأت في الفترة الأخيرة بالتبشير بتكوين قوات عربية لتولي الأمر في غزة في اليوم التالي لانتهاء الحرب، ومن ثم نقلها إلى السلطة الفلسطينية، على حد زعمها.
صحيح أن غالبية وسائل إعلام المطبعين أو السائرين في طريق التطبيع لم تعد تهاجم صراحة حركة المقاومة في غزة بعد أن ساندتها الشعوب في مشارق الأرض ومغاربها، وبعد أن أصبح الموقف من الحرب الصهيونية على غزة أحد أهم مؤشرات التغيير السياسي في دول كبيرة، مثل الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا والمملكة المتحدة. ومع ذلك فإن المعالجة المحملة بالمواقف السياسية والتوجيه السلطوي لوسائل الإعلام ما زالت منحازة للجانب الصهيوني وضد المقاومة الفلسطينية، مع محاولات تحسين صورتها من خلال مزاعم جمع التبرعات لشعب غزة المحاصر، دون بذل أي جهد للضغط على الصديق الصهيوني للسماح بمرور قوافل الإغاثة من معبر رفح، الذي احتله بالكامل وفرض سيطرته عليه.
في المقابل يتجاهل إعلام المطبعين ما تثيره تقارير دولية عن جسور برية وجوية من دول التطبيع لتوفير احتياجات إسرائيل من الغذاء بعد أن منع الحوثيون في اليمن مرور السفن المتجهة إلى موانئ فلسطين المحتلة من المرور في البحر الأحمر، وهو ما كشفت عنه صحيفة «معاريف» الإسرائيلية في مطلع ديسمبر الماضي، وأكدته هيئة الإذاعة البريطانية لتسيير الشاحنات المحملة بالبضائع بأراضي ثلاث دول عربية وصولا إلى ميناء حيفا في الأراضي المحتلة.
في ضوء ذلك يمكن القول إن تيار إعلام التطبيع الذي تحركه دول ووسائل إعلام غنية نجح في أن يكون لسانا للأنظمة التي تنفق عليه، وأن يكون ذراعا من أذرع الدعاية الإسرائيلية التي جعلت الحرب تستمر إلى اليوم دون وجود أفق لإنهائها، لكنه فشل في التعامل مع أهم قضية عربية في القرن الحادي والعشرين. ومن المؤكد أن الباحثين في الإعلام سوف يكون لديهم الكثير ليكتبوا عنه عندما تضع الحرب أوزارها، حتى نعرف كيف يمكن أن يكون الإعلام المسمى بـ«العربي» نكبة على العرب!!
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: وسائل الإعلام فی غزة
إقرأ أيضاً:
نيويورك تايمز تكشف تفاصيل عن وريثة الحكم في كوريا الشمالية
منذ ظهورها العلني الأول في نوفمبر 2022، وهي تمسك بيد والدها الزعيم الكوري الشمالي كيم جونج أون أمام صاروخ باليستي عابر للقارات، بات اسم "الابنة العزيزة" يتكرر في وسائل الإعلام الرسمية لكوريا الشمالية كوجه بارز يرافق قائد البلاد في المحافل الكبرى، وسط تحليلات ترحح أنها تهيأ لتكون الوريثة المقبلة لأكثر الأنظمة عزلة وتسلحًا في العالم، وفق تقرير نشرته صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية.
الفتاة، التي يعتقد أنها تبلغ نحو 12 عامًا وتدعى كيم جو-آي، لم تمنح أي منصب رسمي ولم يسمع صوتها من قبل خارج البلاد، كما أن الإعلام الرسمي لا يذكر اسمها، مكتفيًا بألقاب مثل "المحبوبة" و"المحترمة". ومع ذلك، يضعها المراقبون في كوريا الجنوبية في صدارة قائمة المرشحين لخلافة والدها، في خطوة قد تجعلها أول امرأة تتولى قيادة مجتمع كوري شمالي شديد الطابع الذكوري والعسكري.
ورصدت وسائل الإعلام الرسمية الكورية الشمالية تحول جو-آي من طفلة خجولة تقف خلف والدتها في الفعاليات الرسمية، إلى شخصية واثقة تشارك والدها المنصة وتستقبل الدبلوماسيين الأجانب.
ففي نوفمبر 2023، ظهرت في صورة رسمية وهي في موقع الصدارة، بينما بدا كيم في الخلفية، في مشهد غير مسبوق في بروتوكولات النظام.
خلال عامي 2024 و2025، رافقت جو-آي والدها في زيارات ميدانية للمنشآت العسكرية والزراعية، ووصفتها وسائل الإعلام بـ"الشخصية العظيمة للإرشاد"، وهو لقب لم يمنح سابقًا إلا للقائد الأعلى أو خليفته المعين.
كما بدأت كوريا الشمالية إصدار طوابع بريدية تحمل صورها إلى جانب والدها.
إرث نووي وعسكريمن بين 39 ظهورًا علنيًا لجوانب نشاطها، كان 24 منها في فعاليات عسكرية، بينها حضور عروض عسكرية وإطلاق مدمرات جديدة، وزيارات للوحدات القتالية. ويقول محللون إن كيم يكرر معها نفس النهج الذي اتبعه والده في تأهيله للسلطة عبر ترسيخ نفوذه لدى الجيش.
في إحدى المناسبات، ظهر جنرال بارز وهو ينحني أمامها، في إشارة رمزية على إضفاء شرعية مبكرة عليها بين كبار القادة.
دوافع صحية وسياسيةرغم أن كيم جونج أون لا يزال في الحادية والأربعين من عمره، فإن تاريخه العائلي مع أمراض القلب وسلوكه الصحي المقلق — من الإفراط في التدخين وتناول الطعام إلى السهر الطويل — يدفع إلى الاعتقاد بأنه يسعى لضمان انتقال منظم للسلطة، وتفادي الغموض الذي شاب مرحلة خلافته لوالده بعد إصابته بجلطة في 2008.
ويرى خبراء أن إبراز جو-آي بهذه الصورة يبعث برسالة إلى الخصوم في واشنطن وسيول مفادها أن "حكم عائلة كيم مستمر جيلاً بعد جيل"، وأن بيونج يانج لا تستعجل أي تنازلات أمام أنظمة ديمقراطية مقيدة بمدد انتخابية قصيرة.
ورغم التكهنات، تبقى هوية الوريث النهائي رهنًا بما قد تكشفه السنوات المقبلة، خاصة مع تداول أنباء، غير مؤكدة، عن احتمال وجود شقيق أكبر غير ظاهر في العلن.