كسر حصار غزة.. واجب إنساني
تاريخ النشر: 14th, July 2024 GMT
د. سالم بن عبدالله العامري
إنَّ ما يحدث من محاصرة وتجويع، ومنع للماء والدواء والأكل لسكان قطاع غزة، هو امتدادٌ لأسلوب أتباع منهج الشياطين والمجرمين على مَرّ التاريخ في مُحاربة أهل الحق والإيمان، ولعل الحصار الذي تعرض له المسلمون في عهد النبي صلى الله عليه وسلم في شِعب أبي طالب، على أيدي المشركين آنذاك، هو ذاته الذي يُعانيه أهل غزة اليوم، إذ كابدوا المشقة والمعاناة والمِحن من مقاطعة اقتصادية واجتماعية، وحرب نفسية، وأذىً وتضييق وجوع، والتي لا يُمكن لأي إنسان أو فئة أن تتحمله ولكنّها الدعوة الحقة، والإيمان الصادق والقوي بالله وحده، وما يتعرض له شعب غزّة وفلسطين اليوم من عقاب جماعي، وحصار وتجويع وقتل وتشريد، وخذلان عالمي، يجعلنا نقارن حصار المؤمنين في زمنين، في بدايات انتشار دعوة الإسلام، وما تعانيه اليوم في ظل الحصار والعدوان والخذلان للمستضعفين في فلسطين.
لمَّا رأى أبو طالب أنَّ قريشاً قد أجمعت على أن يقتلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم علانيةً؛ جمع بني عبد المطلب، وأمرهم أن يُدخِلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم شِعْبَهم، ويمنعوه ممَّن أراد قتله، فاجتمعوا على ذلك مسلمُهم وكافرُهم، فمنهم مَنْ فعله حَمِيَّةً، ومنهم من فعله إيماناً، ويقيناً، فلـمَّا عرفت قريشٌ: أنَّ القوم قد منعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أجمعوا أمرهم ألا يجالسوهم، ولا يُبايعوهم، ولا يَدْخُلوا بيوتهم؛ حتَّى يُسلموا رسول الله صلى الله عليه وسلم للقتل، وكتبوا من مكرهم صحيفةً، وعهوداً ومواثيق؛ ألا يتقبَّلوا من بني هاشم أبداً صلحاً، ولا تأخذهم بهم رأفةٌ؛ حتَّى يسلموه للقتل.
وقد لبث بنو هاشم في شِعْبهم ثلاث سنين، واشتدَّ عليهم البلاء، والجهد، فلمَّا كان رأس ثلاث سنين، قيَّض الله -سبحانه وتعالى- لنقض الصَّحيفة أناساً من أشراف قريشٍ (من غير المُسلمين)، وأجمعوا أمرهم، وتعاقدوا على القيام في الصَّحيفة حتَّى ينقضوها، فقام زهير بن أبي أميَّة قائلاً: أنأكل الطَّعام، ونلبس الثِّياب، وبنو هاشم هلكى لا يبتاعون، ولا يُبتاع منهم، والله لا أقعد حتى تُشقَّ هذه الصحيفة القاطعة الظالمة؟! فقام في حينها المُطْعم بن عدِيِّ إلى الصَّحيفة ليشقَّها، فوجد الأَرَضَةَ قد أكلتها، إلا "باسمك اللَّهمَّ" فمُزقت الصحيفة ورفع الحصار عن بني هاشم وانطوت المحنة بحمد الله تعالى، فما أشبه الليلة بالبارحة، فأعداء الله في كل زمان ومكان يستخدمون في حرب الإسلام وأهله قديماً وحديثاً ذات الأساليب من حصار ومقاطعة وتضييق " وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا".
ومن هنا نقول: ألم يئن الآوان لأحرار العالم مسلمهم وكافرهم كسر هذا الحصار الظالم عن سكان قطاع غزة؟ ألم يئن الآوان للشرفاء أن يقفوا في وجه الصهيونية وقوى الإجرام والظلام ويمزقوا صحائف الشر والظلم والبغي التي يفرضها الكيان الصهيوني على شعب أعزل خذله القريب والبعيد والصديق والغريب؟
ألم يئن الآوان لقادة العالم والشعوب الحرة للتحرك من أجل كسر هذا الحصار غير القانوني المفروض على قطاع غزة، هذا الحصار المطبق وحملة التجويع الممنهجة التي حولت القطاع إلى سجن كبير وعزلته عن العالم على مدى ما يقارب سبعة عشرا عاماً والاحتلال يفرض حصارًا بريًّا وجويًّا وبحريًّا مطبقًا على شعب أعزل واشتد عنفوانه عقب طوفان الأقصى، تدمير همجي للمستشفيات وأماكن الإيواء ومنع ادخال الدواء والغذاء والوقود، وقطع الكهرباء والمياه والخدمات الأساسية، بما فيها خدمات الاتصال والانترنت، عقابا جماعيًّا تفرضه سلطات الاحتلال يمثل جريمة حرب وفق القانون الدولي؟!!!
يجب أن يُكسر هذا الحصار عاجلا غير آجلاً، وأن تُفرض ادخال قوافل مساعدات إنسانية عربية وإسلامية ودولية عاجلة، تشمل الغذاء والدواء والوقود إلى القطاع بشكل فوري، وتأكيد ضرورة دخول المنظمات الدولية، وحماية طواقمها وتمكينها من القيام بدورها بشكل كامل، ودعم وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) وفتح المعابر البرية والبحرية والجوية من وإلى القطاع.
وأخيرا.. يا أهل غزّة ويا أبطال فلسطين، اِعلموا أن ثباتكم هو منهج نبوي راسخ، وأن ما يحدث من محاصرة وتجويع، ومنع للماء والدواء والأكل، وما تقدمونه من بطولات وتضحيات هو ثمن باهظ في طريق الحق حتى بلوغ النصر والتحرير (بإذن الله). فأقدار الله ماضية، وسننه جارية، ولا تمكين إلا بعد الابتلاء والتمحيص، وستمضي سنة الله في إهلاك الظالمين والمجرمين: "أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمْ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ".
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
زجاجات الأمل.. مبادرة رمزية تكسر حصار غزة وتفضح جوع الأطفال (شاهد)
في زمنٍ عز فيه النصرة، وتضاعف فيه الجوع، واشتد الحصار على أهل غزة حتى أصبح رغيف الخبز أمنية، وحبة العدس أملا بعيد المنال، أطلق عدد من الشباب المؤيد لفلسطين مبادرة "زجاجة الأمل لغزة" التي تهدف بإلقاء زجاجات الأمل في البحر، محمّلة بالغذاء.
وجاءت مبادرة "زجاجة الأمل لغزة" كصرخة رمزية تعبر عن عمق الألم، وعن الشعور بالعجز والرغبة في كسر حصار أهل عزة بأي وسيلة، حتى وإن كانت بزجاجة، في ظل غلق المعابر الحدود بمشاركة دول عربية.
الولادة من رحم الوجع
لم تأتِ المبادرة من مؤسسات كبرى أو حملات حكومية، بل بدأت بتغريدة، بفيديو صغير، لشاب مصري يملأ زجاجات بلاستيكية بالطعام ويلقيها في البحر أملا منه في الوصول لغزة ويدعوا الله مؤكدا على ضعفه لإيصال المساعدات وأن الله قادر على ارسالها وكتب عليها إنما الأعمال بالنيات.
واقتبست الشاب المصري دعواته المرافقة للفكرة من القصص القرآني، وتحديدا قصة أم موسى حين ألقته في اليم، مع إيمان عميق بأن الله قادر أن يحمل هذه الزجاجات لمن يحتاجها:"اللهم يا من شققت البحر لموسى، احمل عنا هذا إلى غزة".
وكتب شاب مصري في منشور على فيسبوك أثناء تصويره وهو يلقي زجاجة في البحر، الإزازة دي ممكن تبقى سبب نجاتك يوم القيامة"، حيث حمل المشهد المؤثر الذي تكرر عشرات المرات حمل دلالات دينية وإنسانية، وهو ما أكد عليه أحد المشاركين: "دي مش مجرد زجاجة، دي نية صافية، وقلوب بتدعي، وناس بتسعى، ووسيلة بسيطة بيبارك فيها رب عظيم".
وسرعان ما انتشرت الفكرة، ووجدت من يلتقطها ويحولها إلى مشهد جماعي، إنساني، هائل، وأكد المشاركون أن الزجاجة قد لا تصل، لكن يكفيهم أن يصل معناها.
وتحولت الفكرة لمشهد إنساني نادر، وانتشرت على منصات التواصل الاجتماعي خلال الأيام الماضية بمبادرة شعبية من بلاد عدة بدلا من قوافل الإغاثة المعقدة التي غالبا ما تمنع من الوصول، وقرر عدد من النشطاء والأفراد من سواحل عربية المشاركة في المبادرة وإرسال الحبوب إلى قطاع غزة المحاصر عبر البحر.
وانتشرت الصور ومقاطع الفيديو لأشخاص من مختلف الأعمار وهم يلقون الزجاجات في البحر، مع الدعاء أو البكاء، وكتب عليها: "مش بنعتمد على الزجاجة.. إحنا بنعتمد على الله".
جوع غزة وحصار المعابر
لكن ما بدا عملًا رمزيًا بسيطًا، لا يمكن فصله عن السياق القاسي في قطاع غزة، فبحسب تقرير الأمم المتحدة الأخير، يواجه سكان غزة خطر المجاعة الكاملة، وتحديدا في شمال القطاع، بعد شهور من الحصار العسكري للاحتلال الإسرائيلي ومنع دخول المساعدات الغذائية أو إبطاء وصولها بشكل ممنهج.
وقد قال المتحدث باسم برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة في آذار/ مارس إن "سكان غزة في سباق مع الموت جوعًا"، مؤكدًا أن ما لا يقل عن 500 ألف شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد.
ومع فشل المفاوضات المتكررة لفتح المعابر البرية بشكل كامل، وفشل تجربة "الرصيف البحري الأمريكي" وانسحاب المنظمات الإنسانية بسبب المخاطر أصبحت أي محاولة لإيصال الغذاء إلى غزة، ولو كانت عبر زجاجة، تعبيرًا عن صرخة إنسانية تتحدى الحصار والخوف والصمت.
هل تصل الزجاجات؟ وما الجدوى؟
من الناحية العملية، لا توجد ضمانات لوصول هذه الزجاجات بشكل فعلي إلى شواطئ غزة، بسبب التيارات البحرية، وبعد المسافة، واحتمالات فقدانها، لكن أصحاب الفكرة لا يقدمونها باعتبارها بديلاً لخطوط الإغاثة الرسمية، بل يرونها فعالية احتجاجية رمزية، وربما فعل عبادة في حد ذاته.
وسائل التواصل.. ساحة التعبير الوحيدة
رغم أن الحملة فردية وعفوية، إلا أن انتشارها على مواقع التواصل الاجتماعي كان هائلًا، مئات التغريدات والمنشورات اجتاحت منصة إكس وفيسبوك وتيك توك، مرفقة بالصور.
من بين أكثر المنشورات تداولاً:"سامحونا يا إخوتنا في غزة.. لا نملك إلا الدعاء، وهذه الزجاجة لعلها تكون شفيعة لنا يوم القيامة."
صدق النوايا . تخيل ان هذه الزجاجه ممكن تكون سبب دخولك الجنة يوم القيامة .! #غزة_تقتل_جوعاً #غزه_تباد_وتحرق #فلسطين #انقذوا_غزه_من_المجاعه #معبر_رفح_مغلق #صباح_الخير pic.twitter.com/KhUSbXR5GJ — Yara ???????? (@Yerosh_lebanon) July 24, 2025
وكتب آخر:"من لم يستطع كسر الحصار بالسياسة أو القوة، يمكنه أن يُلقي زجاجة، محمّلة بالأمل، وبذرة من عدس".
وبينما رأى البعض في الفكرة "ساذجة"، دافع كثيرون عنها باعتبارها صرخة إنسانية في وجه الصمت العربي والدولي. قال أحد المشاركين:
"الزجاجة مش هدفها توصيل الطعام، الهدف الحقيقي هو كسر هذا الجمود العالمي تجاه جوع غزة".
رمزية عالية.. وغضب من الحدود المغلقة
ولا تعد هذه الحملة الأولى من نوعها، لكنها تأتي في لحظة حرجة بعد مرور عام و10 أشهر على حرب الاحتلال الإسرائيلي على غزة، والتي خلفت عشرات الآلاف من الشهداء ومجاعة وشيكة في شمال القطاع، ورغم الدعوات لفتح المعابر، لا تزال المساعدات شحيحة، بينما يعيش المدنيون في ظل قصف ودمار وندرة غذائية.
في تقارير الأمم المتحدة، يُشير برنامج الغذاء العالمي إلى أن نحو 80 بالمئة من سكان غزة يواجهون انعداما حادا للأمن الغذائي، بينما أكثر من مليون طفل مهددون بالمجاعة في ظل توقف شبه كامل للمساعدات.
في الثاني من آذار/ مارس الماضي، فرض الاحتلال الإسرائيلي حصارا كاملا على قطاع غزة، ومنع دخول أي مساعدات إنسانية، ما تسبب بانهيار شبه تام لسلاسل الغذاء والخدمات الأساسية، ومنذ ذلك الحين، ارتفعت أسعار الغذاء إلى مستويات قياسية، وقال برنامج الأغذية العالمي إن تكلفة الطحين ارتفعت أكثر من 3000 بالمئة خلال أشهر
وقد أُخرجت المخابز والمعامل عن العمل، وتوقف تشغيل المطابخ المجتمعية، إذ أعلن برنامج الأغذية العالمي عن نفاد جميع مخزونهم بحلول نهاية نيسان/ أبريل الماضي بعدما كانت تدعم الطهي المباشر في غزة.
انعدام الأمن الغذائي على نطاق كارثي
يشير أحدث تصنيف غذائي عالمي (IPC) إلى أن 93 بالمئة من سكان غزة، أي نحو 1.95 مليون شخص، يعيشون في حالة غذائية طارئة
,ذكرت الأمم المتحدة أن أكثر من 111 شخصًا، معظمهم من الأطفال، توفوا جوعا أو من الأمراض المرتبطة بسوء التغذية خلال الأسابيع الأخيرة، مع ما يزيد عن ألف حالة وفاة في أماكن توزيع الغذاء حسب تقارير ميدانية من منظمات عالمية.
ورغم أن المجاعة لم تعلن رسميا بعد، تشير منظمة الصحة العالمية إلى أن الناس يموتون جوعا بالفعل، وأن أكثر من 500 ألف شخص يعيشون في ظل ظروف مجاعة فعلية ويموتون بينما المواد الغذائية تنتظر في المعابر المغلقة
وخلص تقرير مشترك لأكثر من 100 منظمة حقوقية وإنسانية إلى أن حصار الاحتلال الإسرائيلي والغارات على المدنيين وتوزيع الطعام خلقت وضعا شبيهًا بـ"جوع مفصل خصيصا لكي يستخدم كسلاح حرب".
سنكسر الحصار من مكاننا، دون أن نتحرك.
زجاجة بلاستيك 1.5 لتر، فيها كيلو عدس أو أرز، ونرميها في البحر.
تيارات المتوسط القوية ستوصلها شرقًا… وربما تصل إلى غزة.
نحن سكان سواحل شمال إفريقيا بالملايين.
فلنملأ البحر بالأمل.
لن نخسر شيئًا… وربما نكسب كل شيء.
هل نبدأ؟ pic.twitter.com/4fD3NpL5Ud — Bahja Tunisia (@BahjaTunisia) July 24, 2025