بوابة الوفد:
2025-06-16@11:32:55 GMT

خصائص الخطاب النبوى (2)

تاريخ النشر: 25th, July 2024 GMT

كان أبو الفتح عثمان ابن جنّى، صاحب «الخصائص»، يعتقد أنّ اللغة، بأصولها وأصواتها التى تمثلها الأبجدية، إنما تقدّم احتمالات لا نهاية لها من الألفاظ التى ترمز إلى معانى، وأن تقلبات اللفظ الواحد تؤدى إلى معان مُتقاربة اعتماداَ على ما كان قرَّره من وجود علاقة بين اللفظ ومدلوله؛ الأمر الذى يتأكد معه أن الألفاظ تقدّم صوراً ضئيلة جداً من المعانى، وأن المعانى على كثرتها تقدِّم صوراً ضئيلة جداً للحقائق، والحقائق كما تقدَّم فى عظمتها وجبرتها لا تدرك كل الإدراك، ولا يحاط بها كل الإحاطة وليس يشمُّ منها أحد رائحة سوى بمقدار ما تتجلى به عليه.


وأبلغ منه وأوضح وأقدر دلالة ما يقوله «عبدالقاهر» فى «دلائل الإعجاز» من أن الألفاظ لا تُعطى ما ورائها من الحقائق ولا تتجاوز مستواها، فكأنما هى محدودة بحدودها: (إنّما الألفاظ أدلة على المعانى، وليس للدليل إلا أن يُعلمك الشيء على ما يكون عليه. أمّا أن يصير الشيء بالدليل على صفة لم يكن عليها؛ فما لا يقوم فى عقل ولا يتصوَّر فى وهم).
ويُلاحظ فى البيان النبوى خاصّة استواء الألفاظ مع المعانى مع الحقائق استواءً يتحوّل معه التعبير اللفظى إلى حقيقة ماثلة كأنك تراها وتسمعها بالحس المباشر والتجربة المشهودة.
هنالك تتحوّل الكلمات إلى حياة، وتُعاش الحياة فى ظلال من المعانى المتصلة بالحقائق، فلا يتصور فى الخطاب النبوى خاصّة وجود هوة وسيعة بين الحقيقة والمعنى ولا بين اللفظ والمباشرة العمليّة. تأمل وصيته عليه السلام من حيث قال: أكنز هذه الكلمات (اللهم إنى أسألك الثبات فى الأمر والعزيمة على الرشد. وأسألك موجبات رحمتك، وعزائم مغفرتك. وأسألك شكر نعمتك، وحُسن عبادتك. وأسألك قلباً سليماً، ولساناً صادقاً. وأسألك من خير ما تعلم، وأعوذ بك من شر ما تعلم، واستغفرك لما تعلم؛ إنك أنت علام الغيوب).
ألفاظ فى كلمات غير أنها متصلة من طريق التجربة العمليّة بالحقائق من فورها، تباشرها التجربة؛ لتتحول خلاها الكلمة إلى حياة قائمة بالفعل، بل هى ألفاظ حقيقة لا تغايرها الحقيقة بل تباشرها وتمسُّها من قريب. وممّا جاء من خطبه صلوات الله وسلامه عليه فيما رواه ابن جرير وابن كثير من خطب المدينة تركيزها على التقوى والتحذير من ضدها: (اتقوا الله فى عاجل أمركم وآجله فى السر والعلانية، فإنّه من يتق الله يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجراً، ومن يتق الله فقد فاز فوزاً عظيماً، وإن تقوى الله توقى مقته وتوقى سخطه، وإن تقوى الله تبيض الوجه، وترضى الرب، وترفع الدرجة، خذوا بحظكم ولا تفرطوا فى جنب الله. قد علمكم الله كتابه، ونهج لكم سبيله، ليعلم الذين صدقوا، وليعلم الكاذبين، فأحسنوا كما أحسن الله إليكم، وعادوا أعداءه، وجاهدوا فى الله حق جهاده، هو اجتباكم وسمّاكم المسلمين، ليهلك من هلك عن بينة، ويحيى من حى عن بينة، ولا قوة إلا بالله، فأكثروا من ذكر الله، واعملوا لما بعد الموت، فإنه من أصلح ما بينه وبين الله يكفيه ما بينه وبين الناس، ذلك بأن الله يقضى على الناس ولا يقضون عليه، ويملك من الناس ولا يملكون منه، الله أكبر، ولا قوة إلا بالله العلى العظيم).
وكانت أول خطبة خطبها النبى صلى الله عليه وسلم فى المدينة المنورة، جاء فيها التحذير من غضب الله والتشديد على تجنب عقابه، (فمن استطاع أن يقى وجهه من النار، ولو بشق تمرة، فليفعل، ومن لم يجد فكلمة طيبة، فإن بها تجزى الحسنة عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف).
ولم يعرف العرب خطاباً أقدر على البلاغة وجمال العبارة فى إيجاز لا يخل كما جاء فى الخطاب النبوى: ويظهر ذلك فى الكتب والرسائل التى كانت تصدر عن النبى، عليه السلام، كما يظهر فيما جدّ من تعبيرات وأساليب جديدة كقوله عليه السلام:» الآن حمى الوطيس»، «مات حتف أنفه»، «لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين»، «إياكم وخضراء الدّمن»؛ إلى غير ذلك ممّا رواه الثقات أنه لم يسمع من أحد قبله عليه السلام؛ الأمر الذى لا يشك أحد فى أنه صلوات الله عليه بلغ الغاية فى الفصاحة؛ لأنه نبت من قريش وهم أفصح العرب، واسترضع فى بنى سعد وهم من الفصاحة بمكان؛ إلا أن ذلك لا يمنع من أن يُظاهر القرآن الوراثة والبيئة.
وليس من شك فى أن للقرآن الأثر الأكبر فى فصاحته عليه السلام؛ فلولاه لكانت فصاحته فى حدود بيئته، فلا نسمع منه مثل هذه المعانى الإسلامية فى تلك الأساليب القرآنية ممّا لم يكن يعرفه العرب، ولم يكن يختبروه.
وعليه؛ فالخطاب النبوى خطاب حقائق، دائم الصحة وصادقها، وهو حق فى حق من حق، وليس هو بخطاب لغة يتقرّر فيها الخطأ والصواب، والحق والباطل سواء، لأن اتصاله بالحقيقة يعجز اللغة ويمنعها عن الانحراف.
(وللحديث بقية)

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: د مجدى إبراهيم الخطاب النبوي علیه السلام

إقرأ أيضاً:

صنعاء تحيي يوم الولاية بمسيرات كبرى

وخرجت المسيرات في خمس مناطق في العاصمة، في الساحة المقابلة للكلية الحربية لمديريات بني الحارث والثورة وشعوب؛ وساحة ميدان التحرير لمديريات التحرير وآزال وصنعاء القديمة.

وشهدت الساحة شرق جامع الشعب مسيرات شارك فيها أبناء مديريات السبعين والصافية والوحدة، كما تجمع أبناء مديرية معين في الساحة الواقعة شمال الجامعة الجديدة.

فيما تحتفي حرائر العاصمة بيوم الولاية في ساحةَ غرب حديقة الثورة للنساء للاحتفال بيوم الولاية.

وخلال المسيرات ألقيت كلمات وقصائد شعرية عبرت في مجملها عن حب وتولي الإمام علي عليه السلام وآل بيته، مؤكدة السير على نهج آل البيت والاقتداء بهم وتضحياتهم في سبيل الحق، ورافضة تولي غير المؤمنين وأعداء الأمة.

وشدّدت على أهمية إحياء ذكرى يوم الولاية وترسيخ مفهومه في النفوس، للاقتداء بالإمام علي -عليه السلام- وشجاعته وتضحياته ونصرته للدين الإسلامي الحنيف.

وتطرقت الكلمات إلى مقتطفات من كلام الإمام علي، وسيرته منذ كان طفلاً تربى على يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ومواقفه وجهاده ومقارعته للظالمين من أجل إقامة الحق والعدل.

وأشارت الكلمات إلى أن ذكرى يوم الولاية تأتي هذا العام، وقوى الشر والطاغوت والاستكبار في العالم تحكم سيطرتها على شعوب الأمة، وتنتهك كرامتها، وتهلك الحرث والنسل في فلسطين ودول المنطقة، مؤكدة أن خلاص الأمة لن يكون إلا بتولي من أمر الله بتوليهم أئمة الحق والهدى من آل بيت النبوة.


وأكدت أن الولاية هي سلوك عملي استجابة لله ولرسوله، وتمثل صمام الأمان للمسلمين من الضلال والانحراف، مشددة على أن ولاية الإمام علي ـ عليه السلام ـ هي امتداد لولاية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي ولايته هي ولاية لله.

وعبر المشاركون خلال الفعاليات الجماهيرية الواسعة عن الاعتزاز بإحياء ذكرى يوم الولاية وتمسكهم بنهج الإمام علي والسير على طريق الحق، وتجسيد حب وارتباط اليمنيين به، مجددين العهد وتولي من أمر الله بتوليهم والسير على نهجهم.

وخلال المسيرات ردد المحتفلون بيوم الولاية الأهازيج الشعبية والأناشيد في حب الإمام علي عليه السلام وآل البيت، وأدوا البرع الشعبي؛ تعبيرًا عن فرحتهم بيوم الولاية.

وفي ختام فعاليات المسيرات أدى المحتشدون هتاف الولاء لله ورسله محمد ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ ولأمير المؤمنين علي بن أبي طالب ـ عليه السلام ـ وللسيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي، متبرئين من أعداء الله، أعداء رسول الله وأئمة الحق.

وكانت قد شهدت عدةُ مدن وقرى في اليمن إطلاقَ الألعاب النارية مساء أمس، احتفالاً بذكرى يوم الولاية.

وتعد ذكرى عيد الغدير من المناسبات الدينية المهمة التي يحييها اليمنيون في كافة المحافظات، حيثُ تخرج اليوم بشكل متزامن عشرات المسيرات احتفاء بذكرى يوم ولاية أمير المؤمنين -عليه السلام- في مختلف القرى والمديريات والمدن والمناطق بالمحافظات.

 

مقالات مشابهة

  • دعاء الرزق والتوفيق.. احرص عليه بيقين بعد كل صلاة
  • لماذا سُمِّي سيدنا جبريل عليه السلام بالروح القدس؟.. الإفتاء توضح
  • فعلها ترامب وليس نتنياهو… ونجحت إيران بالرد
  • فعالية احتفالية في لحج بذكرى يوم الولاية
  • ثأر مشروع.. أستاذ قانون دولي: الهجوم الإيراني دفاع عن النفس وليس انتقاما
  • حين أنصف الإمام عليّ(عليه السلام) النساء… وخذلهن الزمان
  • أمسية خطابية في السخنة بالحديدة احتفاءً بيوم ولاية الإمام علي عليه السلام
  • أحسن ذكر للتوفيق والتيسير في الحياة.. داوم عليه وسترى العجب
  • صنعاء تحيي يوم الولاية بمسيرات كبرى
  • السلام على من اتبع نهج المقاومة