لجريدة عمان:
2025-08-17@01:55:10 GMT

هل نحن أمة عاجزة؟

تاريخ النشر: 16th, August 2025 GMT

حين نقرأ أعمال المفكر والفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو حول سلطة الخطاب نجد، فوق المرتكز المعرفي، تحررًا شخصيًا؛ فالخطابات والمفاهيم تتسلط علينا، وتنشد إخضاعنا لمقولاتها وتعبئتنا لخدمة أغراضها؛ واليوم حين يحاصرنا خطاب الانهزام العربي الذي يشيع في مواقع التواصل، ويجري تبنيه وإنتاجه حتى داخل الوسائل إعلامية، بوعي أو بدون وعي، فلا شك أن حساسيتنا وريبتنا تتضاعف أكثر من تلاعبات الخطاب، بنا وبمفاهيمنا.

يعاد اليوم، بفعل مأساة فلسطين وغزة المعاصرة، إنتاج خطاب الهزيمة العربية، والأمة المهزومة، الأمة الميتة التي بلا مشاعر، والتي مات أبطالها، الأمة المثقلة بالشحم التاريخي حتى غدت عاجزة عن النهوض والقيام، الأمة المتفككة التي تتحلل، والنائمة التي يسرقها أعداؤها نهارًا جهارًا وهي غافلة وعاجزة عجزًا مريعًا عن صدهم، كل ذلك يشكل خطاب الهزيمة، وهو خطاب أسوأ أثرًا على نفسية الأمة من الهزيمة نفسها، والأنكى أن هذا الخطاب المازوشي لجلد الذات أصبحت تتبناه جهات متنفذة ذات تمويل قوي وتشيعه، فكأنها، من حيث تعلم أو لا، تقوم بترسيخ الهزيمة كواقع نفسي لا مفر منه. ولكن ما الفائدة من ذلك؟ وما الغاية؟

تلاحقنا نفس الرسالة بمختلف المواضيع والأشكال والصيغ، رسالة الأمة المهزومة والعاجزة، وهذه الرسالة رسالة سجن مفتوح لأفكارنا وأجيالنا وخيالاتنا العربية، رسالة أخطر من كارثية الوقائع، والخطاب نفسه غير جديد، بل نحمله معنا منذ قرون، والخطورة تكمن في أنه تحول إلى سلطة تحاول أن تحكم علينا وتتحكم بنا.

ما الفائدة من خطاب يريد ترسيخ العجز العربي بوصفه حقيقة واقعة؟ فيما يشهد الواقع المعاصر، دون أن نوغل في البحث الماضوي، أن الحالة العربية المعاصرة ليست حالة عجز وعقم ، بل إن القضية الفلسطينية نفسها تثبت أن العرب ليسوا أمة متبلدة المشاعر، عاجزة عن الدفاع عن حقوقها، وليست أمة منبطحة، كما يلذ لذلك الخطاب أن يروج، بل هي أمة في حراك وحيوية مستمرة، يشهد بذلك تاريخ دولها في القرن العشرين عبر حركات مقاومة الاستعمار في كل الدول بلا استثناء، رغم طغيان الإمبريالية، وتفكك الدولة العثمانية، والحروب العالمية، وقيام الدول العربية المعاصرة، فقد نهضت الشعوب العربية بطبيعتها الفطرية بمقاومة الاستعمار والظلم وكل النظم المحلية المتواطئة لاستعباد الإنسان، وفي سبيل ذلك قدمت تضيحات جسيمة لا تحصى من الشرق العربي إلى الغرب العربي بلا استثناء.

كيف إذن يمكننا اليوم القبول بخطاب التعيير الابتزازي الذي يزعم أن العرب أمة ميتة؟ وأنها بلا حياء، ولا نخوة، وأن أغلب أخلاقها الفاضلة إنما تعود للماضي، ولعصر تأسيسي قديم يعود لتأسس الإسلام وعصور الخلافة الإسلامية الأولى فحسب، وما غاية مثل هذا الخطاب غير اغتيال الحاضر، ونسف تاريخ طبيعي مديد من الحياة الإنسانية العربية والمتعددة الأوجه التي ما زالت حية إلى يومنا هذا؟ وما زال العرب منتشرين على ضفاف محيطين بين الشرق والغرب، من المحيط الهندي هنا شرقًا إلى المحيط الأطلسي في الغرب، في واقع وإثبات حي، استوعب مختلف الأطياف المحيطة، لأمم متعددة من هند وفرس آسيا إلى البربر والأمازيغ الأفارقة، وانخرطت تلك المكونات في مصهر عربي رحب، جمع مختلف الشعوب والثقافات، وكان هو النواة، وما يزال، للحضارة الإسلامية.

كيف إذًا يتكرر علينا بلا انقطاع خطاب سطحي، بلا تفكير، يريد لهذا الجيل العربي أن يسلم بانتمائه لأمة مهزومة بطبيعتها؟ وليس بحكم الظروف التاريخية، والتقدم العلمي، والنهب الاستعماري، والاحتكار الاقتصادي، والهيمنة الغربية، ويدعي أن هذه الهزيمة العربية نتاج تخلينا عن مبادئنا العليا، وبالتالي نحن محكومون بالهزيمة، وعلينا التسليم بها؛ والواقع أن هذا الخطاب خطاب سلطة ماكرة، ينشد تعزيز التبعية والاستلاب، ويريد أن يجير كل الظروف المعاصرة لإعلاء خطابه وبالتالي سلطته، بينما الواقع وإفرازاته تشهد على ثورات حيوية ومقاومة بكافة الأشكال والصعد، بما يكفي ليفضح أن تهمة الانهزام العربي هي في حد ذاتها خطاب عدائي، مهمته ترسيخ الضعف في وجداننا العربي، وبذلك يرسخ تفوق منتجيه ومنهجه.

ما زالت فلسطين، منذ منتصف القرن العشرين إلى ربع القرن الحادي والعشرين، مبتلاة بهذا الاحتلال الوحشي المعزز بالدعم الغربي المادي والمعنوي، ورغم ذلك لم يقف الفلسطيني مكتوف الأيدي، بل ظل يقاوم رغم التفاوت والبون الشاسع في النظام الأسلحة والقوة والدعم، والأخلاق، وما يزال، ها هم أهل غزة يخطون بمقاومتهم خطًا عربيًا غائرًا في الروح عن معنى الوطن والوطنية، رغم الحصار والقتل والإبادة والتجويع، ومثل ذلك فعل العراقيون حين واجهوا الاحتلال الأمريكي والبريطاني إثر سقوط نظام البعث فسطروا ملحمة خلود صادقة، ومثلهم السوريون حين وجدوا أنفسهم بين سندان نظام ديكتاتوري مستبد ومطرقة قوة عالمية تنشد الهيمنة، فقاوموا الاثنين وحاولوا ما استطاعوا النجاة وإنقاذ شجرهم ووحدتهم من البعثرة والفوضى، وهكذا يفعل اليمنيون، وما زال الليبيون يقاومون التمزيق، ومثلهم السودانيون الذين يقاومون، فهل كل تلك المقاومات المعاصرة أفعال أمة منهزمة وميتة؟ أم بالعكس أفعال أمة واعية ويقظة؟ تقاوم رغم ضخامة واستفحال الأعداء الذين يرمون لتمزيقها.

لا يفعل الخطاب الذي يريد أن يرسخ في وجداننا أننا أمة مهزومة إلا أن يسلمنا للعدمية المهلكة، فهو في الوقت الذي يزعم أنه معنا وفي صفنا، إنما يعمل بشكل صريح لخدمة وصالح أعداء الإنسان والأمة، وهذا الخطاب العدمي، الذي لا يبصر عاقبته، خطاب تجب مقاومته لأنه احتلال فكري أسوأ من الاحتلال العسكري، ويجب علينا التنبه لخطورته وما يلحقه من ضرر بتصوراتنا ومفاهيم أجيالنا عن أنفسهم وعن ذواتهم، وعن أمتهم، فلم تعد الأخطار أخطارًا متوهمة أو افتراضية، بل هي أخطار معايشة، وهي تعمل على تمزيق كل ما مثله ويمثله العرب كشعوب شرقية منفتحة على حدودها، ويرمي لتحطيم كل الرمزية العربية بقدرة انفتاحها الاستثنائية، والتي أثبتت انفتاحها عبر القرون ومقدرتها على استيعاب مختلف الثقافات، في رحابة إنسانية شاسعة، ربما لأن العربي يملك في جينات ثقافته، منذ كان في صحراء جزيرته هذه، الواقعة وسط تشكيلة ثقافية رحبة ومتنوعة، يملك ميزة الانفتاح، وأنه رغم تمزقاته وانقساماته الظاهرية، يفسح المجال بالعكس لثقافة إنسانية جذرية تستوعب مختلف الصور الإنسانية، وتؤسس بالممارسة الحية واليومية عبر طاقة روحية رحبة، للمجتمع الإنساني المفتوح الذي يستوعب الأضداد والاختلافات على أرض واحدة، خلف غاية سامية واحدة، هي نفسها غاية الطبيعة والأرض والسماء في الإنسان.

إبراهيم سعيد شاعر وكاتب عُماني

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: هذا الخطاب

إقرأ أيضاً:

حماية المدفوعات عبر الهاتف: ما الذي يجب أن تعرفه؟

أصبحت الهواتف الذكية جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية، ولم تعد مجرد وسيلة للاتصال أو تصفح الإنترنت، بل تحولت إلى أداة قوية لإدارة الأموال وإجراء المدفوعات الإلكترونية. ومع هذا التطور الكبير، تزايدت التهديدات الأمنية التي تستهدف المستخدمين، ما يجعل من الضروري التعرف على أساليب حماية المدفوعات عبر الهاتف. إذا كنت تستخدم منصات موثوقة مثل  casinia أو غيرها، فإن الالتزام بإجراءات الأمان سيضمن لك تجربة دفع آمنة وسلسة.

أهمية الأمان في المدفوعات عبر الهاتف

تعتبر المدفوعات عبر الهاتف من أكثر الطرق راحة وسرعة لإتمام المعاملات المالية، لكن هذه المزايا قد تصبح نقطة ضعف إذا لم تكن هناك حماية كافية. تطبيقات الدفع والمحافظ الرقمية تخزن بيانات حساسة، مثل أرقام البطاقات البنكية والمعلومات الشخصية، مما يجعلها هدفًا مغريًا للقراصنة. هنا يأتي دور المنصات الموثوقة مثل casinia التي تقدم أنظمة حماية متطورة لحماية بيانات المستخدمين ومنع أي محاولات اختراق.

أفضل الممارسات لحماية المدفوعات عبر الهاتف 1. استخدام كلمات مرور قوية وقفل الهاتف

احرص على استخدام كلمة مرور أو نمط قفل آمن للهاتف، بالإضافة إلى بصمة الإصبع أو التعرف على الوجه إذا كان جهازك يدعم ذلك. هذا يمنع أي شخص غير مصرح له من الوصول إلى تطبيقات الدفع.

2. تحميل التطبيقات من مصادر موثوقة

قم بتنزيل تطبيقات الدفع فقط من المتاجر الرسمية مثل Google Play أو App Store، وتجنب تثبيت تطبيقات مجهولة المصدر. على سبيل المثال، عند استخدامك casinia، تأكد من تحميل التطبيق من مصدره الرسمي لضمان أمان بياناتك.

مقالات ذات صلة تأثير التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي على سوق الفوركس الأردني 2025/08/14 3. تفعيل المصادقة الثنائية (2FA)

هذه الخطوة تضيف طبقة أمان إضافية، حيث تتطلب إدخال رمز تحقق يُرسل إلى هاتفك أو بريدك الإلكتروني عند تسجيل الدخول أو إجراء المعاملات. العديد من المنصات مثل casinia توفر هذه الميزة لزيادة الحماية.

4. تجنب استخدام شبكات واي فاي عامة

الواي فاي العام قد يكون بيئة غير آمنة لإجراء المدفوعات، حيث يمكن للمتسللين اعتراض البيانات. استخدم اتصالًا آمنًا أو بيانات الهاتف المحمول عند الدفع.

5. تحديث الهاتف والتطبيقات بانتظام

التحديثات غالبًا ما تحتوي على إصلاحات للثغرات الأمنية، لذا احرص على تحديث نظام التشغيل وتطبيقات الدفع بشكل مستمر، خاصة إذا كنت تعتمد على منصات مثل casinia التي تقدم تحسينات أمنية دورية.

التقنيات الحديثة لحماية المدفوعات عبر الهاتف

مع تطور التكنولوجيا، ظهرت تقنيات متقدمة لحماية المدفوعات مثل:

التشفير المتقدم: لضمان أن البيانات المرسلة والمستقبلة لا يمكن قراءتها من قبل أطراف غير مصرح لها. الذكاء الاصطناعي لرصد الاحتيال: تحليل الأنماط السلوكية للمستخدمين واكتشاف أي نشاط غير معتاد. البلوك تشين: التي تقدم طبقة إضافية من الشفافية والأمان في المعاملات.

حماية المدفوعات عبر الهاتف لم تعد خيارًا بل ضرورة في عالمنا الرقمي. من خلال اتباع الممارسات الأمنية الصحيحة واستخدام منصات موثوقة مثل casinia، يمكنك ضمان أن معاملاتك المالية ستبقى محمية من أي تهديدات. تذكر أن الأمان يبدأ منك، وكل إجراء احترازي تتخذه اليوم يمكن أن يحميك من خسائر كبيرة غدًا.

مقالات مشابهة

  • ما ملامح الاتفاق الذي يبشر ترامب بقرب التوصل إليه مع بوتين؟
  • الفيلسوف العربي الذي أنصفه الغرب وتجاهله العرب والمسلمون
  • أبو سلمية: المستشفيات في غزة عاجزة أمام تزايد الإصابات ونقص الأدوية
  • تهديد مباشر... هكذا ردّ جعجع على خطاب قاسم
  • إبراهيم شقلاوي يكتب: البرهان في النقعة
  • تحليل.. خدعه بوتين مرة أخرى؟.. خطاب ترامب يوحي بإمكانية ذلك
  • خطاب المخابرات و«إسرائيل الكبرى»
  • حماية المدفوعات عبر الهاتف: ما الذي يجب أن تعرفه؟
  • خطاب مرتقب لرئيس مجلس السيادة الانتقالي.. هل سيكشف فيه الكثير والمثير هذه المرة؟