#تأملات_قرآنية
د. #هاشم_غرايبه
يقول تعالى في الآية 15 من سورة الحجرات: “إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ”.
جاءت هذه الآية تالية للآية التي تبين أن ليس كل من دخل الإسلام هو مؤمن، فالإيمان ليس بمجرد الانتساب الى الإسلام قولا بل تصديق بالأفعال، ولا تقية أو تكسبا، ولا هو بحكم الأمر الواقع كون المرء ولد لأب مسلم ويعيش في مجتمع مسلم.
وهذه الآية هي واحدة من أكثر من سبعين آية تحث على الجهاد وتعلي من قيمته، بل وتعتبره أحد أهم الفياصل التي تحدد صدق الإيمان.
من المهم التنبه الى ابتداء الآية بـ (إنما)، لأنه متى ما جاء النفي (ما) متصلا بالتوكيد (إن)، فيعني ذلك الحصر فيما تلاه فقط دون غيره.
وعليه فقد حصر الله المؤمن بالشخص الذي أدى المتطلبات الثلاث التالية مجتمعة:
1 – الإيمان بالله إلها واحدا لا شريك له، وقرن ذلك مع الإيمان برسوله محمد عليه الصلاة والسلام، مستخدما واو العطف التي تفيد المصاحبة على الدوام، مما يعني أن إيمان المرء بالله من غير الإيمان بما جاء به رسوله ناقض لإيمانه، ومبطل لاتّصاف المرء بالمؤمن أصلا.
من هنا جاء مسمى الدين بالإسلام، سواء ما جاء بالرسالة المحمدية أوما نزل منه بالرسالات السابقة، فلا يوجد مسمى الأديان في كتاب الله، بل جاءت لفظة الدين دائما بصيغة المفرد لتفيد أنه واحد، وبناء على ذلك فمن يقول (الأديان السماوية) فعقيدته زائغة يجب أن يصححها، فهنالك دين واحد دعا اليه جميع الأنبياء منذ نوح الى محمد عليهم الصلاة والسلام: “شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ ۖ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ” [الشورى:13] ، رغم أنهم جاءوا بشرائع سماوية متباينة قليلا لأنها خصصت لأقوام محددين وزمن محدد، لكنها جميعها نسخت بالشريعة التي أنزلها الله بالقرآن: “وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ” [المائدة:48].
2 – الشرط الثاني هو الثبات على العقيدة الإيمانية، ومقاومة كل ما يصرف عنها، اتباعا للشهوات والمغريات، أو التشكيك بها سواء جراء محاولات معادي منهج الله رد المؤمنين عن دينهم: “وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا” [البقرة:217]، أو بالاستماع لتشكيكهم واستطابته بسبب الهوى أو الجهل ونقص الثقافة، وخير وسيلة لتجنب الريبة والشك والتصدي لحربهم الفكرية، هي طلب العلم وسؤال أهله، فكلما ارتقى المرء علما وفهما تعمق إيمانه.
3 – الشرط الثالث هو الجهاد، وهو الفيصل العملي الذي يثبت مصداقية الإيمان، فالشرطان الأوليان نظريان متعلقان بالقناعة الشخصية الخفية على الآخرين، لكن الجهاد ممارسة منظورة لا تظاهر فيها.
السؤال المهم: لماذا قدم الله تعالى الجهاد بالمال على الجهاد بالنفس في جميع الآيات، مع أن من يضحي بنفسه يكون قد ضحى بكل شيء؟.
لعل الإجابة – والله أعلم – أنه تعالى يعلم ما سيكون حال المسلمين في قادم الأيام، صحيح أنه في زمن الدعوة تكون أهمية القتال عظيمة لأن الدعوة مستهدفة بالاجتثاث، والمؤمنون قلة، لكن الله العالم بالمستقبل قريبه وبعيده، يعلم أن الأمر سيستتب للدين، وسيبلغ مشارق الأرض ومغاربها، ولن يكون هنالك خشية على الدعوة، فستظل الى أبد الدهر تنمو وتتوسع، الخشية فقط على هيبة المسلمين وأمنهم في ديارهم.
وهذا مما أنبأ الله به رسوله الكريم، وبناء على ذلك جاء حديث تداعي الأمم عليهم رغم كثرتهم لكنهم غثاء، لأن ولاة أمورهم غلب عليهم الران وهو حب الدنيا والبقاء على الكراسي، لذلك لن يقيموا فريضة الجهاد بالنفس، وسيمنعون الجهاد بالمال موالاة للأعداء.
بالمقابل ستبقى طائفة متمسكة بالجهاد لا تنتظر دعما من هؤلاء ولا يضيرها من خالفوها.
هؤلاء تكفل الله بنصرهم على قلتهم وضعف حيلتهم، كما نصر الأوائل، لكنه من رحمته بالمؤمنين الصادقين المحرومين من القتال الى جانبهم أبقى لهم الجهاد بالمال.
وتكفل بإمداد مجاهدي القطاع المحاصرين، فهو يعمي العيون عن موصلي الأموال والعُدد الى المقاتلين رغم الحظر والرقابة، وهنالك كثيرون يخاطرون لإيصالها، وكثيرون في جميع أقطار الأمة لا يمكنهم الجهاد إلا بالمال، فيبحثون عن الموثوقين ليوصلوها. مقالات ذات صلة لا أسى على الرئيس الأمريكي الراحل ولا خوف من القادم 2024/07/24
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: تأملات قرآنية
إقرأ أيضاً:
قيادة لجان المقاومة في فلسطين: اغتيال “أبو شريعة” يزيدنا إصراراً على مواصلة الجهاد
الثورة نت/..
نعت قيادة لجان المقاومة في فلسطين، أمين عام حركة المجاهدين الفلسطينية، الشهيد القائد الجهادي، الدكتور أسعد عطية أبو شريعة (أبوالشيخ) وأحد أبرز قيادات العمل الوطني والإسلامي والجهادي، وشقيقه عضو الأمانة العامة لحركة المجاهدين، الشهيد القائد المجاهد أحمد عطية أبو شريعة (أبو فلسطين).
وقال قيادة اللجان، في بيان، إن الشهيدين “إرتقيا على طريق القدس ظهر اليوم السبت ، في جريمة إغتيال صهيونية غادرة استهدفتهم وذلك بعد حياة ومسيرة حافلة بالجهاد والمقاومة والعطاء في ميادين الدعوة وتضحيات جسام من أجل قضيتنا الفلسطينية و في سبيل تحرير ارض فلسطين وقدسها ومسجدها الأقصى المبارك”.
وأضافت: “إننا في لجان المقاومة في فلسطين وذراعها العسكري ألوية الناصر صلاح الدين، ونحن نودع القائد الجهادي الكبير الشهيد الدكتور أسعد أبوشريعة لنشيد بسيرته الجهادية الحافلة بالجهاد والمقاومة وخدمة الإسلام والمسلمين والدعوة الى الله وترسيخ نهج المقاومة والجهاد والمواجهة والتصدي للكيان الصهيوني”.
وأردفت : “نودع الشهيد الجهادي القائد الكبير أبو الشيخ الذي ارتقى خلال معركة طوفان الأقصى المباركة على أرض غزة العزة التي أحبها ولطالما شهدت صولاته وجولاته ونؤكد ان اغتيال قادة المقاومة لن يزيدنا إلا إصراراً وصلابةً على مواصلة طريق الجهاد والمقاومة حتى زوال ودحر الكيان الصهيوني الغاصب”.
وأكدت اللجان أن “جرائم العدو الصهيوني ومجازره ومذابحه المتصاعدة ستبقى محاولات صهيونية بائسة وفاشلة في فرض إرادة العدو على شعبنا وتركيعه ولن تفلح أبداً بكسر إرادتنا وعزيمتنا بل ستزيد من جذوة المقاومة وعنفوانها”.
وعبرت عن ثقتها “الكبيرة بأن إخواننا وأحبابنا ورفاق دربنا في حركة المجاهدين الفلسطينية وكتائب المجاهدين قادرة بكل ثبات وإرادة وعزيمة على تجاوز هذه اللحظات الصعبة”.