جدلية العلاقة بين العقل والنقل عند محمد عبده وروجيه جارودى
تاريخ النشر: 26th, July 2024 GMT
عندما ذهب الإمام محمد عبده فى بعثته لإتمام دراساته العليا عندما ذهب إلى فرنسا ونظر إلى حال الشعب الفرنسى وتمسكهم بالمبادئ والقيم والأخلاق الحميدة التى يحض عليها الإسلام، من مودة ومحبة وسلام وشجاعة وفضائل ومثل عليا، قال قولته المشهورة، وجدنا إسلاما ولم نجد مسلمين، أى وجدنا كل ما دعى إليه الإسلام واقع حى يمشى على قدمين، خلاف ما عاشه وعايشه فى بلاده المسلمة بشهادات الميلاد وبخانة الديانة فى البطاقة، عايش مسلمين مفرطين فى دينهم أصبحت عباداتهم عادة، يذهبون للصلاة لأنهم وجدوا آبائهم وأمهاتهم هكذا، يزكون ولا يعلمون لماذا يفعلون ذلك وهكذا باقى العبادات.
معاملاتها مع بعضهم البعض يغلب عليها الأنانية المفرطة طارحين الإيثار خلف ظهورهم، لا يقبلون نصحا ولا إرشادا من أحد.
الجهل والفقر هو العنوان الرئيس لحياتهم. إلا ما رحم ربى.
وهذه خطيئة التعميم التى وقع فيها الإمام الشيخ محمد عبده على النحو الذى سنوضحه فيما بعد.
أما المفكر والفيلسوف الفرنسى روجيه جارودى، فوجدناه يقول الحمد لله أننى عرفت الإسلام قبل أن أعرف المسلمين.
وأنا لا ألوم عليه فى ذلك وأحسبه حسن الظن فى ما ذهب إليه، لكن كثير ممن اعتنقوا الإسلام من الغرب دخل فيه طواعية بعد قراءات مستفيضة ومجادلات ومناقشات واستقراءات واستنباطات، أى اعتناق عن اقتناع عن طريق السماع تارة ومجالسة العلماء، وعن طريق الغوص فى بطون الكتب سواء القرآن الكريم أو كتب الفقه وكتب السير والتراجم وكتب التفاسير، فأصبح مسلما لا بشهادة ميلاد وديانة أبويه، وإنما بشهادة ميلاد وخانة ديانة هو من سطرها بنفسه وخطها باجتهاده فبات إيمانه مكتمل الأركان،لماذا؟!
لأن الإيمان هو إقرار باللسان وتصديق بالجنان وعمل بالأركان.
أما إنه زار بلاد للمسلمين وشاهد ما شاهده من تدن قيمى وأخلاقى وعدم الاهتمام بالطاعات ولا بالعبادات ولا بصلات الأرحام، فهذا ما جعله يقول قولته المشهورة.
لكن أجابهه بسؤال أيهما أفضل لك أن تبقى أنت كما أنت أم تعود إلى التيه والضلال، وهل بعد الحق إلا الضلال؟!
نعم مساؤنا كثيرة وسوءاتنا كثيرة وعللنا واضحة وضوح الشمس وتشتتنا وتشرذمنا وتحزبنا وانقساماتنا واضحة لا تخفى على أحد.
لكن هل سيظل الحال هكذا، يبقى الحال كما هو عليه؟!
لا يمكن أن يظل هكذا مصداقا لقوله تعالى (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)، إذا التغيير يبدأ من النفس من كل إنسان يفتش فى ذاته إذا أراد حقا أن يتغير إلى الأفضل والأحسن فليقدم ولا يحجم ويستنصر الله ويبدأ الخطوة الأولى، والله من وراء القصد.
لكن أواجه جارودى بسؤال ممن أخذت العلم الإسلامى، من الذين وضعوا المؤلفات التى قرأتها وساعدتك فى اعتناق الإسلام، من الذى عرفك بالإسلام، أليس من عرفك الإسلام وطريقه داعية مسلم يدعو إلى الله على بصيرة، من الذى يجعل الآلاف من الأوروبيين يدخلون فى الإسلام، الإجابة المنطقية الدعاة المسلمين فمن غير المنطقى أن يدعو إلى الإسلام غير مسلم فهل يعقل أن يكون ملحدا داعيا للإسلام أو صابئى أو مجوسى أو هندوسى؟!.
أما الإمام محمد عبده فعندما عاد إلى مصر أراد أن يعيد للإسلام مجده ويجدد له شبابه بفكر تنويرى أسس ركائزه وقواعده على العقل، بمعنى أراد أن يعيد قراءة الموروث الدينى قراءة عقلية بمعنى الفهم والإدراك المبنى على العقل لا على التلقين ومن هنا راح يعقد الندوات ويكتب فى المنار ويصعد المنابر ويؤلف المؤلفات فوجدناه فسر القرآن بما يعرف بتفسير المنار ووجدناه ألف رسالة التوحيد التى وضح فيها المفهوم الحقيقى للتوحيد توحيد يجمع بين العلم والعمل، العقل والنقل، ووجدناه ألف الأعمال الكاملة.
وهذا دأب كل مصلح دينى ومجدد.
وإذا ما أسقطنا هاتين المقولتين على واقعنا المعاصر، على عالمنا الإسلامى المعاصر، فإنه لا ينبغى بحال من الأحوال أن ندفن رؤوسنا فى الرمال، ولا ينبغى أن نقوم بمصمصة الشفاة وإنما لابد إذا أردنا افاقة حقيقة أن نشخص الداء، هل حال عالمنا الإسلامى المعاصر مدعاة للفخر الآن، إن قلنا نعم، سأواجه الجمع بسؤال ما دليلكم على ذلك؟!
لا دليل ودليلى أنا على عدم ذلك بلاد الحرمين وحفلات الترفيه، باحات المسجد الأقصى المبارك تداس بأحذية حفدة القردة والخنازير ولا أحد يجيب، الاعتداء على المرابطات ولا أحد يتحرك له ساكنا، مساجد خاوية على عروشها ومقاهى ممتلأة بزوارها ولا أحد يجيب.
عقوق وشذوذ وموبقات ومخدرات وكاسيات عاريات وحفلات ماجنة راقصة.
أى حال وصلت إليه أمة محمد، الصادق فى ما قاله (بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا، فطوبى للغرباء)، وإذا ما هم أحد وانتصبت قامته داعيا إلى الله يضطهد ويستهزأ به وتلاحقه لعنات الرب الذى هناك (أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون).
ومن ثم بات الأمر ضروريا وملحا أن نشمر سواعد الجد منافحين مدافعين عن ديننا بكل ما أوتينا من قوة فكرية لماذا؟!، لأن ديننا أمانة فى أعناقنا ومسؤولية فى رقابنا سنسئل عنها أمام الله تعالى.
أستاذ ورئيس قسم الفلسفة بآداب حلوان.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الإمام محمد عبده فرنسا الشعب الفرنسي الإسلام محمد عبده
إقرأ أيضاً:
إسرائيل وحربها الممنهجة
على الرغم من ظهور إسرائيل كوحش كاسر فإن الغرب، وفى صدارته الولايات المتحدة الأمريكية، يقوم باحتضانها، ويشمل الصهاينة برعايته، وهو ما شجعها على السطو وارتكاب الجرائم والمذابح ضد الفلسطينيين. ويجرى كل ذلك أمام العالم دون أن تساءل أو تحاسب أو تعاقب. واليوم وبعد دخول حربها فى غزة الشهر الثامن عشر تستمر فى ارتكاب القتل الممنهج ضد أبناء الشعب الفلسطينى الأبرياء من أطفال ونساء ليصل أعداد الشهداء إلى نحو 54 ألفا، وتتجاوز أعداد المصابين والمفقودين المائة ألف. هذا فضلا عن حملة التدمير وهدم البيوت على رؤوس قاطنيها، ومهاجمة المستشفيات بالاضافة إلى فرضها حصارًا تجويعا على الفلسطينيين.
برغم كل هذا لم يحرك المجتمع الدولي ساكنا، وعلى العكس وقف الغرب داعما لها، وتصدرت الولايات المتحدة الأمريكية منح الدعم للكيان الغاصب ماديا وعسكريا ومعنويا. أكثر من ذلك قامت بالتشويش على ما يرتكبه الكيان من جرائم، والعمل على مد طوق النجاة له فى المسرح الدولى ويجرى هذا دون أن يتم كبح جماح هذا الكيان الغاصب.وساير الغرب الموقف الأمريكى، لا سيما أنه قد اعتاد منذ 1957 ــ وهو العام الذي دشن بداية الصعود الأمريكي، وتراجع الامبراطوريتين البريطانية والفرنسية ـــ أن يكون تابعا للموقف الأمريكى حيال الأحداث الجارية فى الشرق الأوسط.
وتعد الولايات المتحدة الأمريكية هنا هى الأكبر بامتلاكها حق النقض ( الفيتو)، الذى يرفع عن إسرائيل مغبة الوقوع فى مجال المحاسبة والمساءلة، فضلا عن كونه يبرئها من أى عقاب. وعوضا عن هذا هناك الدعم الأمريكى المالى الذى تحصل عليه إسرائيل والذى تجاوز 168 مليار دولار، ويظفر الدعم العسكرى بالجزء الأكبر إذ تبلغ نسبته نحو 78%، كما يتم مد إسرائيل بأسلحة متطورة لا تمنح لغيرها من دول المنطقة. وهناك الدعم الاقتصادى الذى يبلغ نحو 35 مليار دولار على مدار التاريخ الأمريكى لإسرائيل. الجدير بالذكر أنه منذ عملية السابع من أكتوبر جرى تخصيص أكثر من 14 مليار دولار كدعم عسكرى للكيان الصهيوني، وتم تحريك مجموعتين من حاملات الطائرات مزودتين بـ 150 طائرة حربية، كما تم تحريك غواصة نووية، وبالإضافة إلى ذلك جرى دعم سياسي كبير وصل إلى حد أن رأينا الرئيس الفرنسى " ماكرون" يبادر ويعلن عن استعداده لتشكيل تحالف دولي ضد حماس، على غرار التحالف الذى تم تشكيله من قبل ضد تنظيم داعش الإرهابى، وسارع رئيس وزراء بريطانيا "ريش سوناك" فأعلن تأييده ودعمه للاسرائيليين.
ونتساءل علام هذا الدعم الكبير لإسرائيل؟ وما الأسباب وراءه لا سيما أن إسرائيل من خلاله تبدو بوصفها الدولة الاستثناء التي يغمرها الغرب بكل ما تحتاجه، ويضفى عليها ولاء منقطع النظير، ولاء قد يصل إلى درجة القداسة؟ واليوم نقول فى معرض الرد على التساؤل:إذا عُرف السبب بطل العجب، وسيكون الجواب حاضرا، بل وسيكون التكالب على إرضاء إسرائيل مبررا عندئذٍ، إذ إن المحرك وراء ذلك هو مصلحة الغرب فى المنطقة، وإسرائيل هي النبتة الخبيثة التى تم زرعها فى المنطقة قسرا كى تكون أداة لتحقيق هذه المصلحة. وعليه فإن الحب والوله بالكيان الصهيونى لم ينبعا من فراغ، وإنما تحركهما المصالح المادية الكبيرة للغرب فى منطقة الشرق الأوسط.