الضرائب: هل هي جباية مشروعة؟!
تاريخ النشر: 27th, July 2024 GMT
د. محمد بن عوض المشيخي *
الضرائب التي تفرضها الحكومات على الرعية من أكثر القضايا إثارة للجدل عبر التاريخ، فقد ظهرت الضريبة لأول مرة قبل أكثر من 3 آلاف سنة، وارتبطت بالحكومات والأنظمة الاستبدادية التي تهدف لجمع الأموال من جيوب مواطنيها بدون وجه حق، فهي أسهل الطرق لإعداد الجيوش وتجهيزها للحروب والسيطرة على الآخرين في هذا العالم مترامي الأطراف، وكذلك يُعتبر ذلك أقصر الأساليب لجيوب الشعب للصرف على الملذات والحفلات وشراء القصور واليختات المصاحبة للمنظومة الحاكمة؛ فكان السوماريون والفراعنة والرومان أول الكيانات السياسية التي جمعت الضرائب من شعوبها في التاريخ.
ومع مرور الأيام تحوَّلت الضرائب إلى دخل أساسي لخزائن الحكومات في معظم دول العالم خاصة الدول الديمقراطية التي تعتبر الضريبة جزءًا من المشاركة السياسية في صنع القرارات؛ كون دافع الضرائب هو من يختار من يمثله في الحكومة المنتخبة من الشعب؛ فالأموال هنا تدفع مقابل المشاركة في صنع القرارات السيادية للبلد بالنسبة للمواطن.
أمَّا في الدول الفقيرة أصلا، فتجمع الأموال لرفع أرصدة كبار المسؤولين والمتنفذين وليس لتحسين وتطوير الخدمات الاجتماعية والاقتصادية كالتعليم والصحة والطرق وإيجاد فرص عمل للشباب. وفي هذه الأيام نتابع ما يحصل في جمهورية كينيا في القرن الإفريقي، من مظاهرات شعبية عارمة والتي أدت لسقوط الحكومة وإقالتها بعد عدة أسابيع من إعلانها عن زيادة الضرائب في بلد يعاني الأمرَّين من الفقر والبطالة، وعلى الرغم من إلغاء الضريبة الجديدة، إلا أنَّ المطالبات بالإطاحة برئيس الجمهورية المنتخب الذي حاول إنقاذ نفسه مُقابل التضحية بالوزراء مستمرة وبقوة. كم هي غبية تلك الحكومات التي تفرض الجبايات على المواطنين عشوائيًّا؛ بدون إجراء دراسات متعمقة على المجتمع الذي يفترض أن تطبق عليه تلك القرارات الصعبة. فقد رصدنا خلال العقود المنصرمة انهيار أنظمة وحكومات كثيرة بسبب التمادي في فرض الضريبة على المواطنين الذين يعانون من الفقر، ولعل القرار الجماعي الذي اتخذته حكومات دول مجلس التعاون الخليجي بفرض ضريبة القيمة المضافة واحدًا من تلك القرارات الصعبة وغير المتوقعة، وعلى الرغم من جمع مئات المليارات من الدولارات من هذه الضريبة الجديدة في هذه الدول النفطية التي لها أرصدة كثيرة تقدر بمئات المليارات في البنوك الغربية والسندات الأمريكية، والتي هناك من يشكك باسترجاعها مرة ثانية؛ في مختلف منظومة مجلس التعاون الخليجي، إلا أنَّنا لم نر أي تحسن في رفاهية المواطن الخليجي، بل الفجوة بين الطبقة العليا والطبقة المتوسطة تزداد يوماً بعد يوم، كما أنَّ خلق فرص العمل للشباب في هذه الدول لم تكن حسب طموحات الشعوب الخليجية التي يتضاعف فيها العاطلون كل عام في ظل غياب سياسات وطنية واضحة المعالم.
والسبب وراء ذلك الجمود والفشل في التخطيط الصحيح؛ في إدارة تلك القطاعات الاقتصادية، التي تعتمد على النفط بشكل شبه كامل؛ وعدم القدرة على إيجاد قاعدة عريضة من المصانع والحاضنات البديلة للنفط، وذلك لتنويع مصادر الدخل وإيجاد بدائل عن الاقتصاد الريعي الذي دام لعقود طويلة خلال العقود الذهبية لرتفاع أسعار النفط إلى مستويات قياسية، خاصة تطوير ودعم قطاعات الثروة السمكية والزراعة والسياحة والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، لعدم تطوير التعليم والإنفاق عليه بشكل صحيح؛ كون هذا القطاع الواعد أي التعليم هو الجسر الذي يمكن أن تعبر عليه المجتمعات الخليجية نحو المستقبل المشرق والوصول لمصاف الدول المتقدمة.
وتكمن الأهمية هنا فيما يفترض عمله والتركيز عليه؛ هو الإنسان واحتياجاته الأساسية خاصة الباحثين عن عمل، وعلى وجه الخصوص تطوير العقول وتنميتها والصرف عليها وليس فقط الإنفاق على بناء المدن وناطحات السحاب والمباني الاسمنتية التي تشتهر بها المنطقة؛ إذ يجب الاتجاه وبشكل سريع نحو ما يعرف بالاقتصاد المعرفي الذي يعدُّ الإنسان المتعلم هو بيت القصيد وقائد سفينة المستقبل؛ وذلك من خلال تشجيع الاختراعات وتخصيص الحاضنات في المناطق الصناعية والإنفاق عليها لرفد البلد باحتياجاتها الضرورية؛ بل والتصدير إلى الخارج مثل: فنلندا وسنغافورة ورواندا؛ إذ تعتمد هذه الدول على الإنتاج الفكري لشبابها ثم تحويل تلك الأفكار إلى مشاريع اقتصادية، وليس الموارد الطبيعية التي غير موجودة في الأساس في هذه الدول؛ بهدف خلق فرص عمل جديدة تعتمد على عقول مخرجات الجامعات الذين تمَّ تأهيلهم بشكل صحيح وحقيقي، مستفيدين بذلك من التكنولوجيا وعلى وجه الخصوص تقنية الذكاء الصناعي الذي أصبح يستخدم في مختلف المجالات الحياة.
ومن المفارقات العجيبة أنَّ الإستراتيجيات التنموية الخليجية التي يعلق عليها الجميع الآمال الكبيرة والمتمثلة في رؤى 2030 و2035 و2040 والتي بدأ تنفيذها في جميع دول المجلس لم تلامس طموحات المواطن الخليجي حتى الآن؛ رغم مرور سنوات على تنفيذها، وكأنها تنفذ في مناطق جغرافية بعيدة عن الخليج، وبالفعل فقد بدأ بعض المنظرين لهذه الخطط الاستراتيجية يعترفون بالتحديات الكثيرة التي تقف حجر عثرة في نجاحها، بعض ما كشف عنه يدور حول نقص في التمويل وأخرى عقبات في التخطيط السليم.
وفي الختام.. مشروع قانون ضريبة الدخل على الأفراد يخضع حاليا لدراسة مجلس عمان بغرفتيه، نأمل من المكرمين وأصحاب السعادة الأعضاء أن يقوموا بتشخيص الإيجابيات والوقوف على السلبيات لهذا المشروع إن وجدت. صحيح هذا القانون الجديد يستهدف الأغنياء وأصحاب الدخل المرتفع من التجار وكبار المسؤولين في الدولة التي استفادوا من خيراتها، وأسسوا مؤسسات وشركات عملاقة منذ فجر السبعين، ويمكن لهؤلاء الآن رد الجميل للحكومة والمجتمع خاصة أصحاب الدخل المحدود، ولكن هناك مخاوف من هروب الأموال وهجرتها خارج السلطنة، وذلك لتجنب دفع الضريبة والتهرب منها. وهنا استشهد بقول مؤسس علم الاجتماع المفكر العربي ابن خلدون قبل بضعة قرون حين قال: "الضرائب المرتفعة ستجعل الناس ينتشرون في كل مكان بحثًا عن القوت، وسيهربون إلى أماكن بعيدة خارج الولاية القضائية لحكومتهم".
* أكاديمي وباحث مختص في الرأي العام والاتصال الجماهيري
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
3.4 مليار جنيه صافي أرباح بنك القاهرة الفصلية بعد الضرائب
حقق بنك القاهرة أرباحا قبل الضرائب بقيمة 4.9 مليار جنيه خلال الربع الأول من العام 2025، بزيادة 36% مقابل صافي أرباح نفس الربع من العام الماضي، والتي بلغت 3.6 مليار جنيه.
وارتفع صافي الأرباح البنك بنهاية الربع الأول لعام 2025 بعد خصم الضريبة بنسبة 45% ليصل إلي 3.4 مليار جنيه مقارنة بـ2.4 مليار جنيه بنهاية الربع الأول من عام 2024، مدفوعًا بتحسن نتائج أعمال البنك في مختلف القطاعات ومن أبرزها التجزئة والخزانة وائتمان الشركات والمشروعات الصغيرة والمتوسطة.
صافي الدخل من العائد في بنك القاهرة
بلغت عوائد القروض والإيرادات المشابهة بنهاية الربع الأول لعام 2025 مبلغ 19.7 مليار جنيه مصري بزيادة 32% مقارنة بالربع الأول من العام السابق، وبلغت الزيادة في تكلفة الودائع والتكاليف المشابهة نسبة 34% خلال الربع، مما أدى إلي نمو صافي الدخل من العائد بنسبة 30%.
صافي الدخل من الأتعاب والعمولات
وارتفع صافي الدخل من الأتعاب والعمولات ليسجل 1.4 مليار جنيه بالمقارنة بـ 1.3 مليار جنيه خلال الربع الأول من العام السابق 2024 بمعدل نمو 6%.
الإيرادات التشغيلية
ارتفعت الإيرادات التشغيلية إلى 9.8 مليار جنيه مقارنة بـ 7.8 مليار جنيه خلال الربع الأول من عام 2024 بمعدل نمو 26%.
المصروفات الإدارية
ارتفعت المصروفات الإدارية بالربع الأول لعام 2025 بقيمة 0.9 مليار جنيه مصري بنسبة 39% مقارنة بالربع الأول من العام السابق. وتعود تلك الزيادة في المقام الأول إلى ارتفاع تكاليف الأداء التي تعكس تحسن العوائد واستمرار نمو الاستثمار والأعمال.
ارتفع إجمالي الأصول بنسبة 4% ليصل إلى 501 مليار جنيه مصري بنهاية مارس 2025، مقارنة بـ 483 مليار جنيه مصري بنهاية ديسمبر 2024.
محفظة القروض في بنك القاهرة
سجلت إجمالي محفظة القروض 240 مليار جنيه مصري بنمو 5% بنهاية مارس 2025، وجاء النمو مدفوعًا بزيادة في قروض الشركات والبنوك بمبلغ 9.6 مليار جنيه و 2.6 مليار جنيه في قروض الأفراد.
ودائع عملاء بنك القاهرة
سجلت ودائع العملاء ارتفاعاً بقيمة 17 مليار جنيه مصري لتصل إلى 369 مليار جنيه مصري بنسبة زيادة 5% بنهاية مارس 2025، مقارنة بـ 352 مليار جنيه مصري بنهاية ديسمبر 2024. استحوذت ودائع العملاء الأفراد على 56% من إجمالي الودائع، بينما استحوذت ودائع الشركات والمؤسسات على 44% من إجمالي الودائع في نهاية مارس 2025.
جودة الأصول
بلغت القروض غير المنتظمة 4.79% من إجمالي محفظة القروض، كما بلغت نسبة تغطية مخاطر قروض غير منتظمة 150%، حيث بلغ رصيد مخصصات خسائر القروض لدى البنك 17.2 مليار جنيه مصري بنهاية مارس 2025.
معيار كفاية رأس المال
بلغت نسبة الشريحة الأولي لرأس المال بنك القاهرة 12.80% من الأصول المرجحة بالمخاطر، كما بلغت نسبة معيار كفاية رأس المال 16.63% بنهاية مارس 2025.
سعر الذهب يرتفع في الصاغة.. عيار 21 يسجل نحو 4620 جنيهًا
بعد «المركزي».. بنك ناصر يخفض أسعار الفائدة 2% على الشهادات وودائع رد الجميل
بي إن بي بارييا: البنك المركزي المصري مستمر في تخفيض الفائدة بشكل تدريجي