عرب أميركا بين هاريس وترامب
تاريخ النشر: 29th, July 2024 GMT
آخر تحديث: 29 يوليوز 2024 - 9:10 صبقلم: إبراهيم الزبيدي وأخيرا أصبح الرئيس الأميركي جو بايدن من الماضي. فقد تناسى حزبُه الملايين التي اختارته مرشحها للرئاسة فانقلب عليه وطرَدَه من الحملة الانتخابية، وفرض نائبته بديلا عنه، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من مجلس النواب ومجلس الشيوخ، بعد أن تأكدت له صعوبة إنقاذ البيت الأبيض من عودة العدو المشاكس الصعب الذي لم تنجح الرصاصة في إسقاطه وحذفه من المعادلة.
ولو سُئلنا، نحن العرب الساكنين في الولايات المتحدة، هل تفرحون لو ربح دونالد ترامب أم كامالا هاريس، وهل تحزنون لو خسر هو أم هي، في الانتخابات القادمة في 2024؟ لوجب الرد على الفور: لا هذا ولا ذاك. فنحن عارفون ومقتنعون بأن الحزبين المتقاتلين على السلطة من طينة واحدة، حين يتعلق الأمر بنا وبقضايانا وهمومنا. خصوصا وأننا جربنا دونالد ترامب أربع سنوات كاملة، كما عشنا تحت وطأة منافسه جو بايدن ونائبته أربع سنوات كاملة، أيضا.وقبلهما لم ننسَ مرارة حكم الديمقراطي باراك أوباما ثماني سنوات كانت أبغض سنوات أعمار أهلنا في العراق ولبنان وسوريا وفلسطين واليمن. وقبل هذا وذاك تجرعنا الأمرّ على أيدي الجمهوري جورج بوش الأب، ثم جورج بوش الابن، حتى أقسمنا بأغلظ الأيمان على ألّا نحب هذا ولا ذاك.ولكنْ من نكد الدنيا علينا وعلى أهلنا وعلى العالمين أن نكون أسرى الدولة الأقوى والأغنى في العالم، والأكثر تدخلا في حياتنا وتأثيرا على حاضرنا ومستقبل أجيالنا القادمة.فدونالد ترامب، هو هو، لم يتغير، ولن يتغير. ومنافسته كامالا هاريس لم تكن أمس، ولن تكون اليوم، ولن تكون غدا، سوى نسخة أخرى من باراك أوباما وجو بايدن، بكل ما كان يحمله الديمقراطيون من عشق لأي شيء يُحزن العربي، وبغض لكل ما يُفرحه من قريب وبعيد. وبالخبرة والتجربة نحن متأكدون من أن السياسات الأميركية لن تتغير لو فازت هاريس، بل قد تكون أشد عداءً لآمالنا المشروعة في العدالة والحرية والكرامة، لأن عهدها سيكون أشد جهالة وضبابية وتخبطا، وأكثر عبثا بأمن شعوبنا التي اتحد عليها الديمقراطيون ودواعش اليهود، ودواعش المسلمين، سنة وشيعة، سرا وعلانية، وبلا خوف ولا حياء. من هذه النقطة، تحديدا، وبالنسبة إلينا كعرب أميركيين، نفضل السيء على الأسوأ بطبيعة الحال. فليس أمامنا من خيار سوى أن نتمنى أن تصدق وعود ترامب وأعوانه الجمهوريين بعزمهم على مساعدة العراقيين واللبنانيين والسوريين واليمنيين والليبيين والسودانيين على الخروج من نكباتهم بحكم الخيانة والفساد والاختلاس وسطوة القوي على الضعيف، والمسلح على الأعزل البريء. رغم علمنا بأنه لن يفعل ذلك من أجل سواد عيون شعوبنا المقهورة والمسروقة، بل من أجل مكاسب وأهداف شخصية وحزبية هي أهم لديه من أي شيء آخر. وعدو عدوي صديقي، وصديق عدوي عدوي، كما يقولون.يعني أن العالم، شئنا أم أبينا، بعد رحيل الديمقراطيين ومجيء الجمهوريين في السنين القادمة لا بد أن يكون عالما مختلفا كثيرا عن عالم اليوم، مصائب لدى قوم، وفوائد لدى قوم آخرين. ومؤكد أن عالما خاليا من بعضٍ من الإرهاب، ومن بعضٍ من الحروب، لا بد أن يكون أجمل وأرحم.والحقيقة أن رصاصة الثالث عشر من يوليو – تموز لم تُغير دونالد ترامب وحده ولم تُعمق الهوة بين النصفين المتقاتلين من الشعب الأميركي فقط، بل إنها ستغير وجه زماننا الشرق أوسطي قبل غيره. وها نحن منتظرون. ويسأل سائل عن احتمال فوز ترامب أو كامالا. طبعا لن يصوت الجمهوري إلا لجمهوري، والديمقراطي لديمقراطي، حتى لو كانت فيه عيوب الدنيا كلها.والذي سيكون بيضة القبان هو الناخب الأميركي المستقل الذي لا يهمه أن يعيش العالم الخارجي أو يموت. فلا يحركه سوى جيبه، وسوى ولعه بالرفاهية، ولا يبحث إلا عمّن ينقص عليه الضرائب ويخفض أسعار الوقود والغذاء. وبصراحة، ومن خلال التواصل مع بيئات شعبية ونخبوية أميركية مستقلة، ليس مؤملا أن يرضى كثيرون من الناخبين الموصوفين بالمترددين بأن تحكمهم نائبة جو بايدن، كامالا هاريس، لسنوات أربع قادمة. وإليكم الأسباب:هي في قناعتهم كانت نائبة. وعادةً ما يكون كل نائب رئيس، في عيونهم، ملحقا بالرئيس.كما أنهم يتذكرون أن كامالا كانت قد فشلت في منافسة بايدن على الترشح للرئاسة في عام 2020، ويعرفون أيضا أن الرئيس اختارها لمجاملة الأقليات، أكثر من اقتناعه بكفاءتها ومواهبها القيادية. كما أن سجلها العملي لا يحتوي على إنجاز ذي قيمة محليا أو دوليا، قبل تعيينها نائبة للرئيس، ولا في عهده أيضا. لن يختاروها رئيستهم القادمة، لأنها امرأة، ولأنها امرأة سوداء. وهاتان الحقيقتان هما أخطر عدوين لها حين تحين ساعة الاختيار.فالناخبون الأميركيون، في النهاية وفي الحقيقة، لن يعارضوا أن ترأس دولتهم امرأة. ولكنهم لا يرون في كامالا قوة مارغريت تاتشر في بريطانيا، أو هيبة أنجيلا ميركل في ألمانيا مثلا.فهي بضحكها العالي الموحي بالسطحية والهشاشة، وبكلامها غير المعقول الذي تلقيه دون تدبر، توحي للناخب الأميركي غير الديمقراطي بأنها خفيفة، غير وقورة، ليست لها هيبة القائد الحازم القوي الذي يصلح لقيادة العالم. رغم أنه، من حيث المبدأ، لا يمانع في أن ينتخب رئيسة ملونة. فهو قبِل برئاسة باراك أوباما دورتين، وبكونداليزا رايس مستشارةً للأمن القومي، وكيتانجي براون جاكسون أعلى قاضية في السبريم كورت (المحكمة العليا). ويؤكد المقربون من دهاليز السياسة في واشنطن، بما ينشرونه من شهادات ودراسات وإحصاءات، أن كامالا أضعف من بايدن بكثير، وأقل خبرة في السياسات الداخلية والدولية. فالرجل قضى نصف قرن في السياسة، ولولا سقوطه المخيّب للآمال في المناظرة الكارثية الأخيرة مع ترامب لحصل على أصوات أكثر بكثير من كامالا، ولكان من المحتمل أن يكسب الرئاسة. شيء آخر؛ على مدى سنوات عملها في ظل الرئيس بايدن كانت كامالا مسؤولة عن ملف الحدود، وقد فشلت في ضبطها، فوضعت أقوى سلاح ضدها بيد خصمها ترامب. فهو وأعوانه يعيرونها، في كل خطاب أو تجمع أو بيان أو لقاء إعلامي، بسماحها بتدفق عشرات الآلاف من اللاجئين غير الشرعيين من دول الجوار.وتؤكد سجلات المؤسسات الأمنية المتخصصة أن أغلب جرائم القتل والاغتصاب والمتاجرة بالمخدرات كانت من فعل لاجئين دخلوا أميركا في عهد كامالا هاريس. وقد تكشف أخيرا أن أعوان بايدن، خصوصا في سنتي ضعفه الأخيرتين، ومنهم كامالا، هم الذين كانوا يديرون أمور البلاد الحياتية اليومية وشؤون الحرب والسلم في العالم إلى حد بعيد.وإذا فازت بالرئاسة، وهي الأضعف كثيرا من شخصية بايدن، فإن الحاشية هي التي سوف تدير أميركا والعالم من وراء ظهرها، في غياب كلمة الرئيس القوي القادر على فرض هيبته على الحاشية.خلاصة القول هي أن حظوظها أقل من التوقعات المتعجلة في التغلب على المراوغ والمحنك في دغدغة مشاعر البسطاء، وعلى البارع في صياغة وعوده اللماعة، وصاحب شعار “سنجعل أميركا قوية مرة أخرى”.ولا قيمة لصحف وفضائيات معينة، منحازة لهذا الحزب أو لذاك، حين تنشر استطلاعات مبشرة بتفوق كامالا هاريس على ترامب، ومروجة لقدرتها على هزيمته، بعيدا عن الوقائع على الأرض التي لا يقرر غيرُها نتيجة المنافسة.
المصدر: شبكة اخبار العراق
كلمات دلالية: کامالا هاریس
إقرأ أيضاً:
إذا كانت الحروب تُقاس بخواتيمها
الحرب التي شنّها التحالف الإسرائيلي الأميركي على إيران، واستمرت 12 يوماً، لم تكن حرباً انتقامية، وهي ليست حرباً ذات أبعاد تكتيكية، كما أن التخطيط لها استغرق سنوات من التحضير، لم تتوقف خلالها الاغتيالات، وحرب الاستخبارات، والرصد وحروب الظلّ.
بنيامين نتنياهو وضع لهذه الحرب، عنوان «الحرب الوجودية»، وكذلك فعل الإيرانيون الذين اتسم خطابهم بالتهديد لإنهاء وجود الدولة العبرية.
نتنياهو أعلن مراراً أنّ هدف الحرب التي شنّها على ما يقول إنّها رأس محور الشرّ، التخلّص نهائياً من المشروع النووي الإيراني، وتدمير قدراتها الصاروخية والتسليحية، وعدم تمكينها من معاودة بناء ترسانتها الصاروخية والمسيّرات، غير أن الهدف الرئيس تغيير النظام القائم.
تغيير النظام، استدعى اغتيال عدد كبير من قيادات الجيش و»الحرس الثوري» و»الباسيج»، وعدد كبير من العلماء، فضلاً عن محاولة تأجيج المجتمع الإيراني الذي يئنّ تحت وطأة العقوبات الاقتصادية والحصار المديد، والعقوبات المتزايدة من قبل الدول الغربية.
الضربة الاستهلالية كانت واسعة، وصعبة جدّاً على إيران، وأدّت إلى تعطيل شبه كلّ الدفاعات الجوية، وفتح الأجواء أمام تحليق الطيران الحربي الإسرائيلي الذي لم يغادر سماءها من شمالها إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها.
القيادة الإيرانية، التي انطلت عليها عملية التضليل الواسعة والمُحكَمة التي نظّمتها الإدارة الأميركية مع الإسرائيليين، استعادت بسرعة تنظيم صفوفها واستيعاب الضربة، وتعويض مواقع المسؤولية والدخول في مرحلة الردّ، وكما أنّ القيادة الإيرانية وقعت في فخّ الخديعة، فإن نظيرتها الإسرائيلية على الأرجح، لم تكن قد توقّعت حجم ونوع القدرة الإيرانية على خوض مواجهة مؤلمة لدولة الاحتلال لم تعهدها منذ تأسيسها العام 1948.
هدأت جولة ولم يهدأ الصراع، فلا دولة الاحتلال انهارت كما كان يهدّد الإيرانيون، ولا النظام الإيراني سقط، أو حتى لم يعد تهديداً إستراتيجياً للكيان كما يدّعي نتنياهو وفريقه.
إذا كانت الحروب تُقاس بخواتيمها، فإن النتائج التي تحقّقت حتى الآن لا تعطي لأيّ طرفٍ أفضلية إعلان الانتصار.
الإسرائيليون في حكومتهم الفاشية و»المعارضة»، أعلنوا الانتصار مبكراً إذ ادّعى نتنياهو أنّه حقّق انتصاراً ساحقاً وإستراتيجياً على إيران، وطمأن الإسرائيليين أنه أنهى التهديد الإيراني.
نتنياهو فعل ذلك مراراً، بعدما جرى على الجبهة اللبنانية، وحين توقّفت المقاومة العراقية عن الإسناد، وأعلن أنّه سيواصل حربه على غزّة، لتحقيق الانتصار الحاسم، وإنهاء كل بؤر التهديد الذي يواصل القول إنه يستهدف وجود كيانه الكولونيالي.
الرئيس الأميركي دونالد ترامب هو الآخر، احتفل على طريقته بالقدرات التي تمتلكها بلاده، وتفوّق الأسلحة الأميركية.
بين الحين والآخر، يدّعي نتنياهو أنه لم يكن ليوقف الحرب لولا الضغط الأميركي، خصوصاً بعدما اعتقد أنّ الطائرات الأميركية العملاقة قد قضت تماماً على المنشآت الخاصّة بالبرنامج النووي بعد اغتيال نحو 15 عالماً إيرانياً.
في الواقع فإنه هو من أراد وقف الحرب فهو كان قد أعلن بعد ضرب المنشآت النووية الإيرانية، أنّه مستعدّ لوقف الحرب، على اعتبار أن ما قامت به الطائرات الأميركية يشكّل المشهد الأخير الذي يمكنه من إعلان النصر.
وفي ذات السياق، طالب ترامب من إيران إعلان الاستسلام، والإذعان، لكن لا ما أراده ولا ما أراده نتنياهو قد حصل.
في الواقع فإنّ ترامب أظهر بصيرة، لا تتفق مع الهوس الإسرائيلي للحرب، التي أصبحت الملاذ الوحيد لنجاة نتنياهو لأطول فترة ممكنة.
يدرك ترامب، التداعيات المترتّبة على استمرار الحرب، في الموقع الإستراتيجي الذي تحظى به إيران، ذلك أنّ سقوط الأخيرة من شأنه أن يقلب المنطقة، ووسط آسيا وشرقها رأساً على عقب، ما تحرّكت معه مؤشّرات دخول حلفائها على الخطّ ابتداءً من باكستان، إلى الصين وروسيا وكوريا الشمالية الذين ستكون لنهاية الحرب، أبعاد إستراتيجية خطيرة على بلدانهم ومصالحهم ونفوذهم.
أن تسقط إيران، فإنّ تأثير ذلك له أبعاد هائلة على أميركا وحلفائها، وعلى مجرى الصراع الجاري بشأن النظام العالمي.
الحروب لا تُقاس بحجم الخسائر، ولكن بمآلاتها وتداعياتها اللاحقة. أحد المسؤولين الإيرانيين كان مُحقّاً حين قال بعد توقّف القتال، إن الحرب قد بدأت للتوّ.
باعتراف معظم المراقبين، فإنّ المشروع النووي الإيراني لم ينتهِ، وأنّ بالإمكان استعادة ما تمّ تدميره. فالعلماء موجودون والخبرة موجودة والإمكانيات كذلك والأمر يتعلّق بالإرادة، وهي أشدّ صلابة ممّا مضى.
إيران ستحاول التقاط الأنفاس، وإعادة تنظيم صفوفها، وقدراتها، وتمكين نظامها السياسي، وتنظيف ساحتها الداخلية من الاختراقات الأمنية، وستجد من حلفائها المساعدة والدعم.
دولة الاحتلال ومعها أميركا، ستواصلان تخريب البنية الداخلية للنظام السياسي الإيراني، بهدف إسقاطه في الأساس من الداخل. ولكن إذا كانت إيران بحاجة إلى فترة التقاط الأنفاس وهي قادرة على إعادة بناء الذات، فهل ينطبق الأمر على الدولة العبرية؟
ما تعرّضت له الدولة العبرية كلها، من شأنه أن يقوّض الأمن ويدفع الكثيرين للمغادرة، هذا عدا الخسائر المادية والاقتصادية، والمكانة.
ستتفرّغ إيران لمداواة جراحها، وستمتلئ شوارع دولة الاحتلال بالاحتجاجات والصراعات والتناقضات، فجرح غزّة لا يزال غائراً بينما يواصل نتنياهو حروبه على المنطقة.
الأيام الفلسطينية