مفتي بلغاريا: حب الخير وكراهية الشر موجود في قلب كل إنسان مهما كان دينه وثقافته
تاريخ النشر: 29th, July 2024 GMT
قال الشيخ مصطفى حجي، المفتي العام لجمهورية بلغاريا، خلال كلمة ألقاها بجلسة الوفود ضمن فعاليات المؤتمر العالمي التاسع للإفتاء، أن الله خلق الإنسان في أحسن تقويم وفضله على المخلوقات الأخرى بالعقل والازدواجية في طبيعته، لذا فإن الإنسان له طريقان: طريقة التقوى وطريقة الفجور، والحيوان له طريق واحد فهو لا يستطيع أن يميز الخير من الشر، وبناء على ذلك فهو غير مكلف، أما الإنسان فله ميزة أنه قادر على أن يفصل الخير من الشر، وله الحق أن يختار كيف يتصرف في حياته وكيف يستعمل النعم التي أعطاه الله إياها.
وأضاف: ليس هذا وحسب، بل أرشده الله وأمره أن يعمل عملًا صالحًا وأن يتجنب الأمور السيئة التي لا تتناسب مع طبيعة الإنسان، فمثلًا حب الخير وكراهية الشر موجود في قلب كل إنسان مهما كان دينه وثقافته، ومع كل هذا للإنسان نفسه التي تحاول أن تصده عن هذا الحب وأن تنزله من المستوى الإنساني الى المستوى الحيواني، قال تعالى: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [الشمس: 7 - 10]، وهنا جاءت أهمية دور الإرشاد لعمل الخير والوعد بالثواب والسعادة والتحذير من اتِّباع النفس وعمل الشر والوعيد بالشقاوة والعقاب، حيث يقول الله تعالى: {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ}، فهذا الإرشاد والتوجيه بدأ في زمان بعيد حيث قال الله: {ألَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ ۖ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ وَأَنِ اعْبُدُونِي ۚ هَٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ}.
ومن هنا تتصل الأخلاق بالإسلام وخاصة بالإيمان وبـ لا إله إلا الله، بناء على ذلك لا يمكن أن تكون لدى الشخص أو المجتمع خلق حسن دون الارتباط بالدين وبالعقيدة السليمة، فالفهم الصحيح للأخلاق الحميدة ينبثق من الدين وخاصة من الإسلام، حيث تعهَّد الله تعالى أن يحفظه من التحريف والتدخل الخارجي، أما الأديان المحرفة المتأثرة بهوى النفوس الفاسدة فلا يمكن أن تكون مانعًا أمام الأخلاقيات الفاسدة. لذلك نرى كثيرًا التوجه الى الإسلام من قِبل المفكرين خاصة في الغرب، وخاصة بعد ما جربوا مرارة الحياة الحرة التي لا قيود ولا منهج لها.
وأشار إلى أننا نرى في هذه الأيام بعض المسلمين -وخاصة الشباب- يحبون تقليد الثقافة الغربية، وللأسف أطفالنا الصغار يتعلمون استخدام الهواتف والإنترنت وتتم تربيتهم عن طريق هذه الأجهزة، وكلنا نعلم أن هذا طريقة لتعليم عادات وتقاليد الغرب، وأهم من هذا تعليم العنف والهجوم على الغير وحب الانتصار بأي وسيلة وبأي ثمن، هذا في البداية وعندما يكبر الطفل قليلًا يبدأ البحث عن الأشياء الممتعة التي لم يرها بعد، وهكذا حتى يصل إلى درجة إدمان الإنترنت والألعاب ويتربى ويتعود على هذا النمط في الحياة، وفيما بعد يرى أشياء عجيبة وغريبة مثل الشذوذ الجنسي واستخدام المخدرات وكل شيء يفسد عقول الناس، بالإضافة إلى ذلك يدعي بعض الناس أن هذه حرية الحياة وأنه حق من حق الإنسان.
وأشار إلى أن هذه جميعها تحديات أمام البناء الأخلاقي كازدواجية المعايير وغياب العدالة الدولية والهيمنة وانتشار الفقر والجوع والصراعات المسلحة والتطرف. وإذا كان الشاب تربى بهذا الشكل، فهو لا يعرف القيم الإنسانية، وكما قلنا عنده هدف وحيد أن يصل إلى درجة أعلى في المصارعات والهجومات، والشباب الذين أخذوا تربيتهم من الإنترنت أو من مكان آخر بعيد عن الدين لا يهتمون بالقيم ولا بالمسؤولية الإنسانية ولا الوطنية، هم أجانب في مجتمعاتهم وهم ضد كل شيء لا يوافق رأيهم. وإذا قام أي واحد لإصلاح رأيهم أو ترشيدهم فهناك ردة فعل، ونرى اتهامات بالتدخل في حياتهم شخصية. موضحًا أن الإنسان هو الإنسان لا يشبع ولا يكتفي بما عنده، وإذا لم يستطع أن يصل إلى هدفه بطريقة مقبولة لا يتردد في استخدام العنف والقوة وحتى استخدام السلاح، واستخدام العنف باسم أي أيديولوجية.. .شيء خاطئ وخطير.
كما تحدث عن دور المؤسسات الدينية عامة والإفتائية خاصة في مواجهة تحديات البناء الأخلاقي، موضحًا أن الاسلام هو المنقذ الوحيد، وفيه إمكانية أن يقف أمام التحديات المعاصرة وأن يساعد الناس لخروجهم من الضلال والابتعاد عن القيم الإنسانية، وخاصة الشباب من الأفكار المسمومة التي تؤدي إلى الفساد الأخلاقي، ولهذا السبب ينبغي التركيز على إيجاد الكوادر والدعاة لدعوة الإصلاح والرجوع إلى ما كان عليه آباؤنا وأجدادنا، مشددًا على ضرورة التعاون مع الخبراء في علم النفس وعلم المجتمع وعلم السياسة إلى آخره. والإرشاد وتعليم الدين ينبغي أن يكون باللغة الحديثة المناسبة والبسيطة حتى لا يصعب على الجيل الجديد فهمها، ولا مانع من استخدام لغة الكمبيوتر بشرط ألا نبعدهم عن لغتهم الأصلية وخاصة اللغة العربية.
وأضاف أن إيجاد البرامج البديلة في الإنترنت التي تعطي صورة صحيحة للقيم الإنسانية والدينية، هي محاولة تعويد الأطفال والشباب وحتى الكبار على استخدام الوقت من الوسائل التي ممكن أن تخدم المسلمين، وأن ضياع الوقت من المشاكل الأساسية التي ينبغي أن نبذل الجهد لمكافحاتها.
وبشأن جهود مؤسسة الإفتاء الوطنية في دعم البناء الأخلاقي ومواجهة تحدياته، أكد أننا نعيش في أوروبا ونتعايش مع غير المسلمين لقرون طويلة، ولم تكن هناك مشكلات بيننا وبين النصارى على مستوى الشعب، بل هناك مشكلات في التعامل والتعاون مع أن بعض السياسيين يحاولون أحيانًا أن يستخدموا الفرق الديني لغرض سياسي.
وفي ختام كلمته أكد على بذل الجهد لإنقاذ الجميع من الضلال ومن العادات السيئة كاستخدام المخدرات والشذوذ الجنسي التي تعتبر جديدة في مجتمعنا، وذلك لأن كل إنسان يستحق المساعدة الإنسانية ولأننا إذا ما قدمنا إرشادًا للجميع فبطبيعة الحال العادات السيئة تنتشر بين الجميع. طبعًا في هذا المجال نتعاون مع ممثلي الأديان الأخرى ويتم الإرشاد المذكور ضمن المعايير المذكورة في قوله تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} [النحل: 125]، وفي حلقات القرآن لا نكتفي بتدريس قراءة القرآن فقط، بل نحاول أن نربي أطفالنا تربية إسلامية بالوسائل الحديثة، وأخيرًا نقيم الدورات والمخيمات للطلاب وخاصة لطلاب الجامعات في أماكن مختلفة، وفيما بعد نستخدم المشاركين في هذه المخيمات للعمل مع زملائهم والطلاب الصغار.
الكلمة الكاملة لـ مفتي الجمهورية في المؤتمر العالمي التاسع للإفتاء
منح جائزة الإمام القرافي لـ مفتي البوسنة والهرسك بالمؤتمر العالمي للإفتاء
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: الدكتور شوقي علام الفتوى والبناء الأخلاقي في عالم متسارع المؤتمر العالمي التاسع للإفتاء دار الإفتاء المصرية مفتي الجمهورية
إقرأ أيضاً:
كيف تمكن “أنصار الله” من قلب موازين القوة البحرية العالمية؟! صحيفة “إي كاثيميريني” اليونانية تجيب
يمانيون|متابعات
نشرت صحيفة “إي كاثيميريني” اليونانية مقالًا تحليليًا للكاتب أليكسيس باباتشيلاس، تناول فيه التحولات الكبرى التي يشهدها العالم في طبيعة الحروب الحديثة، وأبرز فيها كيف تمكن ” أنصار الله” من قلب موازين القوة البحرية العالمية، عبر عملياتها في البحر الأحمر التي ألحقت أضرارًا عملياتية جسيمة بأساطيل دولية بقيادة الولايات المتحدة.
المقال أشار بصراحة إلى أن “الحوثيين” – ألحقوا بالبحرية الأمريكية مشاكل عملياتية هائلة، حتى أن عدداً من المحللين العسكريين الغربيين الجادين باتوا يتحدثون عن “هزيمة بين أقوى بحرية في العالم وقوات يمنية صاعدة وتساءل الكاتب بدهشة: “من كان يظن أن حاملات الطائرات الأمريكية والطائرات الشبح من طراز F-35 يمكن أن تكون عرضة للهزيمة من قبل قوة صغيرة؟”
الصحيفة اليونانية أكدت أن النموذج اليمني في استخدام الطائرات المسيّرة والصواريخ البحرية فرض على البنتاغون مراجعة شاملة لعقيدته القتالية، بل وجعل من ضرورات المرحلة المقبلة تصميم طائرات مقاتلة بدون طيارين، خوفًا من خسائر بشرية جسيمة في المواجهات.
وفي السياق ذاته، قارن التقرير بين النموذج اليمني وتجربة أوكرانيا في استخدام الطائرات بدون طيار لضرب العمق الروسي، موضحًا أن التكنولوجيا لم تعد حكرًا على الكبار، وأن الابتكار اليوم يمنح الأطراف الضعيفة مزايا حقيقية، بينما تعجز البيروقراطيات الغربية عن التكيّف مع متطلبات الواقع الجديد.
أما في ما يتعلق باليونان، فقد وجّه الكاتب انتقادات لاذعة للنظام الدفاعي المحلي، مشيرًا إلى عقود من الفساد والتقاعس عن التحديث، داعيًا إلى الاستفادة من النموذج اليمني في الابتكار الميداني والدفاعي، ومؤكدًا أن معادلة “تغيّر أو تغرق” لم تعد مجازًا بل حقيقة تتكشف يومًا بعد يوم.