عربي21:
2025-08-03@07:36:43 GMT

الأمريكان وديمقراطية التهريج

تاريخ النشر: 3rd, August 2024 GMT

ظللت أتابع فعاليات الحملات الانتخابية الرئاسية في الولايات المتحدة ـ ما استطعت إلى ذلك سبيلا ـ خلال الأسابيع القليلة الماضية، ليس من باب "المواكبة الصحفية"، ولكن من باب الترويح عن النفس، ومن باب الشماتة في الأمريكان، لأن المتنافسين الرئيسيين في تلك الانتخابات طفوليون، ومتابعة محاولات كل مرشح لتسويق نفسه بالحط من قدر المرشح الآخر، تجعلك تعجب كيف يجوز للأمريكان الزعم بأنهم سدنة الديمقراطية، والحريات العامة، ووجود دونالد ترامب على رأس تذكرة الحزب الجمهوري، قمين بزيادة جرعة الهتر، والانحطاط بالحوار إلى مهاوي الصرف الصحي، وترامب كما قد يدرك كل ذي بصر وبصيرة، شخص هوائي لو رأى جنازة مهيبة لتمنى لو كان الميت.



كانت ضربة البداية في الانتخابات الرئاسية الأمريكية معتلة ومختلة، وكان هناك الرئيس الحالي جو بايدن على تذكرة الحزب الديمقراطي، ولكن كلماته وحركاته وسكناته أثبتت أن كهرباء دماغه مضطربة، وأنه لا يملك فضيلة التواضع التي تحلى بها الجاهلي الأمي زهير بن ابي سلمى، الذي وعندما بلغ العمر الذي يبلغه بايدن اليوم، هتف:

سَئِمتُ تَكاليفَ الحَياةِ وَمَن يَعِش
ثَمانينَ حَولاً لا أَبا لَكَ يَسأَمِ
رَأَيتُ المَنايا خَبطَ عَشواءَ مَن تُصِب
تُمِتهُ وَمَن تُخطِئ يُعَمَّر فَيَهرَمِ
وَأَعلَمُ عِلمَ اليَومِ وَالأَمسِ قَبلَهُ
وَلَكِنَّني عَن عِلمِ ما في غَدٍ عَم

في الثامن عشرين من تموز/ يوليو المنصرم فتح بايدن النار على خصمه ترامب، بلسان مضطرب، واستطاع الراصدون الصحفيون استخلاص ما يلي من أقواله: كان  ترامب رئيسا فاشلا، وحتى نائبه مايك بنس لا يؤيده... ترامب طفل جانح أدانته المحاكم...  ترامب أقام علاقة حميمة مع ممثلة أفلام إباحية اسمها ستورمي دانيلز، بينما كانت زوجته حاملا... أخلاقه كأخلاق قطط الشوارع. وهو أحمق وفاشل.

وجاء الدور على ترامب ملك الهتر بلا منازع، فكال السباب لهنتر نجل بايدن ووصمه بالإجرام، بعد إدانته بحيازة سلاح غير مرخص، وبما أنه مبدع الدين الجديد (الإبراهيمية)، الذي أراد به أن يدخل العرب في ملة إسرائيل أفواجا، فقد وصف بايدن بأنه فلسطيني ثم استدرك "بل فلسطيني سيء"، ولم ينس ترامب اعجابه خلال فترة رئاسته بنظيريه في روسيا وكوريا الشمالية، وقال إنه لو كان لأمريكا رئيس يستحق احترام الرئيس الروسي فلادمير بوتين، لما حارب الأخير أوكرانيا، "بل لما رأيت أنا ما يستوجب ترشيح نفسي للمنصب".

لا ترامب ولا هاريس يخاطب الناخبين في أمور الاقتصاد والأمن والخدمات والعلاقات الدولية، بل يتباريان في كشف سوءات بعضهما البعض الشخصية والأخلاقية، فيكون كل خطاب عام لهما، مما يسميه العرب ب"الخطب الجسيم".ما يسميه الأمريكان بالتقاذف بالطين mudslinging ليس غريبا على المشهد الانتخابي الأمريكي، ولكن ليس إلى الدرك الذي هوى به الحوار بين المرشحين في الانتخابات الحالية، ففي عام 1796 نشرت صحيفة غازيت مقالا يكيل السباب للمرشح الرئاسي، توماس جيفرسون، بزعم انه يقيم علاقة جنسية مع خادمة في منزله، وكان كاتب المقال الكسندر هاملتون، الذي كان يشغل منصب وزير الخزانة وقتها، ثم كان التنافس على الرئاسة في عام 1800 بين جيفرسون وجون آدمز، الذي شهد تدنيا مريعا في لغة النقد السياسي، في أمور ونواح لا علاقة لها بالسياسة.

كان أداء بايدن في مناظرته مع ترامب بائسا، فانفض حتى أنصار حزبه من حوله، ثم أرغموه على الانسحاب من السباق الرئاسي، وصارت كمالا هاريس مرشحة الحزب الديمقراطي للمنصب، وعندها كان ترامب قد اختار جيه دي فانس ليخوض معه المعركة كنائب مرشح للرئيس، وكان اختيارا نمّ عن غفلة سياسية، وإفلاس في سوق المؤهلين لمناصب عليا في الحزب الجمهوري، فقد نبشت الصحف سيرة فانس، واستحضرت كلاما طفوليا وسوقيا قاله عن أنه يضاجع "الكنبة" في بيته، وأنه وفي انتخابات عام 2016 التي خاضها ترامب كتب مقالا صحفيا وصف فيه ترامب بأنه شخص بغيض، وهتلر زمانه، وأن كل ما ينطق به هيرويين ثقافي وأفيون، وقال من ثم إنه يقف ضد ترامب على الدوام.

ويبدو أن غواية المنصب الرفيع أنست فانس كل ذلك، وأثبت أنه ينتمي إلى مدرسة ترامب، وأنه يجيد قذف الخصوم بالطين الآسن، حتى وإن ارتد بعضه إلى وجهه، ففانس هذا يرى أن كمالا هاريس لا تصلح للجلوس في البيت الأبيض لأنها لم تنجب عيالا، بينما يرى ترامب أن هاريس انسانة متقلبة، فكما قال في حوار مع رابطة الصحفيين السود: كانت هاريس التي عرفتها لسنوات هندية، ثم صارت "سوداء".

ومن جانبها تحرص هاريس على الظهور كمرشح عف اللسان، ولا تجاري ترامب والجمهوريين في الهتر وساقط القول، وتكتفي بالتذكير بأنه مجرم مدان، وأن سجله كرئيس خال من الإنجازات، ولكن واقع الأمر هو أن هاريس تترك أمر قذف الطين على معسكر ترامب، لكتائب من الناشطين الإعلاميين، فباستثناء قناة فوكس، فإن جميع كبريات محطات التلفزة الأمريكية تناصر هاريس، وهناك عشرات القنوات في تطبيق يوتيوب تكيل السباب على مدار الساعة لترامب، وتذكر متابعيها بأنه كذاب وأفاك، ومنافق يعادي المهاجرين ومتزوج بـ "مهاجرة"، وغبي وعيي ونرجسي وذو سوابق إجرامية، "بينما كرست هاريس معظم سنوات عمرها عاملة في مجالا الادعاء العام للزج بالمجرمين في السجون".

والشاهد هو أنه لا ترامب ولا هاريس يخاطب الناخبين في أمور الاقتصاد والأمن والخدمات والعلاقات الدولية، بل يتباريان في كشف سوءات بعضهما البعض الشخصية والأخلاقية، فيكون كل خطاب عام لهما، مما يسميه العرب ب"الخطب الجسيم".

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الانتخابات امريكا انتخابات رأي رئاسيات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة

إقرأ أيضاً:

إسرائيل انتصرت.. ولكن على شرعيتها!

لوقت مضى كنا عربا ومسلمين نسخر من مقولة "طهارة سلاح جيش الدفاع" وأنه "الأكثر نظافة ومهنية، في العالم"، بل لم نكن نعترف أن هذا الجيش للدفاع بل كنا نقول دائما إنه للعدوان والقتل وارتكاب المذابح، كما سخرنا من فرية "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها" كونها محاطة ببحر من "الأعداء العرب" الذين حاولوا "رميها في البحر"، فضلا عن مقولة أنها "واحة الديمقراطية" أو "فيلّا وسط غابة شرق عربي بدوي متوحش". والحقيقة أن كل هذه المصطلحات كانت عماد الرواية والدعاية الإسرائيلية التي صرفت عليها مليارات الدولارات على مدار عقود، وباعتها بسلاسة للرأي العام الغربي، حتى اكتسبت "شرعية وجود" غير قابلة للتساؤل أو التشكيك، وركب قادة ونخب الغرب هذه الأكاذيب التي باتت مسلّمات بين شعوبهم، فوفّروا للكيان أحزمة أمان دولية سياسية واقتصادية وعسكرية غير قابلة للاختراق، وأقنعوا شعوبهم بأن موقفهم "الأخلاقي" يقتضي مد يد المساعدة لليهود المساكين المحاطين بالوحوش العرب المتهيئين لأكلهم.

وكان هذا جسرا عبرت عليه أرتال من العون العسكري والاقتصادي واستثمارات وشراكات علمية، و"وحدة حال" بين مؤسسات الكيان ومؤسسات الغرب على اتساع أنواعها وتخصصاتها. وبالمجمل بنى الكيان بسبب كل هذا اقتصادا مفرط القوة، وصناعات عسكرية وتقنية متقدمة جدا، بل غدا مستأثرا بميزة غير موجودة في أي بلد في المنطقة، وهي حيازته للتكنولوجيا النووية التي مكنته من صناعة القنبلة الذرية بمعونة مباشرة من فرنسا، التي ويا لسخرية الكذب تهدد بالاعتراف بالدولة الفلسطينية اليوم بعد أن ابتلع الكيان جل أو كل الأرض الفلسطينية!!

لا تقوم الدول بدون شرعية دولية، ولا يمكن لأي كيان أن يصبح عضوا في المجتمع الدولي دون أن تتوفر له هذا الشرعية، وليس مهما هنا أن تكون هذه الشرعية مبنية على الأكاذيب أو ارتكاب الجرائم، المهم أن تجد من "يحملها" على محمل الجد، ويسوّقها للدخول إلى المؤسسات الدولية كهيئة الأمم والمؤسسات والاتفاقات المنبثقة عنها. وهكذا وبناء على كل ما تقدم أصبح كيان العدوان والاغتصاب الذي قام على جسد الشعب الفلسطيني كيانا "محترما!" له وزنه في الساحة الدولية، وله مكانة مرموقة في سوق الإنجازات العلمية والصناعية و"الهاي تك" على نحو الخصوص، ما مكنه من تصدير منتجاته في هذا المجال إلى أكثر دول العالم تقدما، ناهيك عن دول العالم الثالث التي زُرعت بخبراء الكيان ومرتزقته من تجار الموت والحروب، بل "تطلع" كثير من أنظمة العرب للاقتداء(!) بما حققه هذا الكيان من تقدم علمي، وسوّقوا هذه الفرية على شعوبهم لتبرير ما سمي "التطبيع" مع الكيان، وهو في الحقيقة تتبيع له ودخول في مجاله الحيوي لخدمته.

الحدث الكبير المزلزل الذي وقع في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023 فجّر هذه الفقاعة، فالجيش الأكثر أخلاقية في العالم خلع هذا القناع وارتدى ملابس القراصنة ورجال عصابات القتل والإجرام، وأشعل حربا مجنونة وعدوانا غير مسبوق على الشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية، وإن استأثرت غزة بالجزء الأكثر دموية ودمارا وتوحشا، وبدد الكيان في حربه المنطلقة من أي عقال أخلاقي أو قيمي أو حضاري أو حتى إنساني، كل ما جمعه من "شرعيات" خلال سني عمره التي سبقت معركة طوفان الأقصى، وأطلق النار بشكل مباشر على كل المبررات "الأخلاقية" التي اتكأ عليها لتبرير اغتصاب فلسطين ومحاولة محو آثار الشعب الفلسطيني، إذ خرج هذا الشعب من رماد سبع وسبعين سنة، هي عمر جريمة اغتصاب أرضه، كقوة عملاقة ذات يد طولى وقادرة على ضرب العصب الحي في "كبرياء" الكيان الذي قدم نفسه للعالم نموذجا للدولة العبقرية الناجحة وحتى الأكثر "أخلاقية!" وقوة في وسط عربي همجي دكتاتوري.

باختصار انتصرت "إسرائيل" على نفسها، وقتلت شرعيتها بنفسها، وبدت على حقيقتها: مشروعا استعماريا ومجتمعا مسموما قاتلا يجوع الأطفال ويقتل النساء ويبيد الحياة بكل مظاهرها بدون رحمة، وداس بقدمين ملطختين بالدماء على كل القيم التي تعارف عليها المجتمع البشري منذ بدء الخليقة وحتى الآن، ولم يعد يشتري روايته السابقة عن مظلوميته وأخلاقيته وتقدمه وديمقراطيته حتى طفل صغير في الغرب، هذا الغرب الذي احتضنه وقوّاه ووفّر له كل ما مكّنه من بناء "إمبراطورية" صغيرة في فلسطين، امتدت تأثيراتها إلى معظم دول العالم..

"إسرائيل" التي "انتصرت" على غزة بتدميرها وتفكيك مجتمعها بشكل كامل وهمجي ومتوحش، مدفوعة بشهية انتقام مجنون مهووس، كانت في الحقيقة وهي ترتكب جرائم ضد الإنسانية وإبادة جماعية وجرائم تطهير عرقي وتجويع وتعطيش وتشريد لشعب مدني؛ تنتصر على نفسها وتدمر كل ما اكتسبته من "شرعية وجود" لعقود خلت، "إسرائيل" انتصرت في كل معاركها ضد الشعب الفلسطيني لكنها خسرت الحرب!

كيان العدو في فلسطين كان مجرد كذبة، أو فقاعة، صدقها العالم، ثم جاء هذا الكيان لينهيها بنفسه، ويظهر على حقيقته التي تبرّأ منها غالبية يهود العالم من غير الصهاينة، وهذا أعظم إنجاز في التاريخ الفلسطيني والعربي حققه طوفان الأقصى، رغم الثمن الكارثي الذي دفعه الشعب الفلسطيني ولم يزل يدفعه حتى الآن!

أما الكذبة الأكثر إيلاما في المشهد، فتلك المتعلقة بالمقولة العربية الرسمية "فلسطين قضية العرب الأولى!"، حيث اكتشفت الشعوب ولو متأخرة، أن "إسرائيل هي قضية العرب الرسميين الأولى". نقول هذا ونحن نشعر بغصة خانقة، حيث صرفت شعوب هذه المنطقة قرنا من عمرها وهي تنام وتصحو على أكاذيب، منتظرة الفرج من نفس المصدر الذي صنع الكارثة ومدها بأسباب القوة والمنعة، وهذا هو المنجز الكبير الثاني لطوفان الأقصى، الذي لم يكن ليتحقق لولا هذا الخذلان العربي الرسمي الفاضح والمعلن بكل قاحة من لدن البعض لغزة ومأساتها الكبرى!

إسرائيل كمشروع استعماري انتهت وماتت في بلادنا، وبقيت إجراءات "الدفن" وهي عملية قد تستغرق وقتا يعلم الله متى يطول، لكنه يعتمد في الدرجة الأولى على بقاء روح المقاومة متوهجة كالجمر ليس في أنفاق غزة فقط، بل في "أنفاق" العقل الجمعي العربي والإسلامي أيضا!

مقالات مشابهة

  • هاريس: ولاية ترامب الثانية شهدت تخلي المسؤولين عن حماية الديمقراطية
  • بايدن يُحذر: أمريكا تواجه “أياما مظلمة” في عهد ترامب
  • بايدن يهاجم إدارة ترامب: نعيش أياما مظلمة والدستور يتفكك
  • مشروب غازي يربك الأمريكان| سكر طبيعي لليهود.. وشراب ذرة للباقين
  • كامالا هاريس تكشف عن موقف لم تتوقعه في ولاية ترامب الثانية
  • إسرائيل انتصرت.. ولكن على شرعيتها!
  • ماذا يمكن أن يفعل المرشح الذي عينه ترامب في بنك الاحتياطي الفيدرالي؟
  • ترامب: لا أعلم ما الذي كان يفعله إبستين مع الفتيات اللواتي أخذهن من منتجعي في مار إيه لاغو (فيديو)
  • بايدن يُحذر: أمريكا تواجه أياما مظلمة في عهد ترامب
  • ما مصدر المعلومات الذي يثق به ترامب وبه غير موقفه من تجويع غزة؟