لجريدة عمان:
2025-06-14@04:09:27 GMT

حذار من الإجماع المفتعل في الاحتياطي الفيدرالي

تاريخ النشر: 13th, August 2024 GMT

اسمحوا لي هنا باستعراض قصة بنكين مركزيين وَقَعَـت أحداثها الأسبوع الماضي. كل من البنكين راسخ منذ أمد بعيد، ويمتد نفوذه إلى ما هو أبعد كثيرا من حدود بلاده، وكل منهما يضطر إلى اتخاذ قرارات تقديرية دقيقة المتوخى منها الاستمرار في خفض التضخم مع تجنب إلحاق ضرر غير مسوغ بالنمو والوظائف. وفي هذه العملية، تنتهي الحال بكل منهما إلى اتباع نهج مختلف تماما في غضون 24 ساعة من الآخر.

بطل القصة الأول هو بنك إنجلترا، الذي يخفض أسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس، في أعقاب تصويت بأغلبية خمسة إلى أربعة أصوات، ويعكس هذا تعقيد القضايا الاقتصادية الأساسية. البطل الآخر هو بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، الذي يفخر بصياغة الإجماع ويتوصل إلى تصويت بالإجماع، فقط لكي تنهال عليه الانتقادات من قِبَل المحللين ووسائل الإعلام في الأيام التي تلي قراره.

تُـرى أي البنكين المركزيين يحظى بثقتك أكثر من الآخر فيما يتصل برفاهتك الاقتصادية ورفاهة أسرتك وأصدقائك؟ هذا سؤال مهم، لأن الثقة تدعم قدرة أي بنك مركزي على الوفاء بتفويضه. يستند قسم كبير من البنية المالية اليوم إلى افتراض مفاده أن البنوك المركزية ملتزمة بالحفاظ على ثقة الجمهور في عملية صنع السياسات. ففي نهاية المطاف، يجب أن يكون هدف التضخم مُـقـنِـعا لترسيخ توقعات التضخم؛ وينطبق الشيء ذاته على التوجيه الـمُـسـبَق الذي يهدف إلى تخفيف وعورة تعديلات السياسة بمرور الوقت.

تُدَعَّم الثقة والمصداقية من خلال تقديم قدر أكبر من الشفافية، وهي العملية التي تطورت على مر السنين إلى عقد مؤتمرات صحفية منتظمة ونشر محاضر الاجتماعات ونصوصها. وفي بعض الحالات، يقدم البنك المركزي توقعات كمية ربع سنوية للسياسات الرئيسية والمقاييس الاقتصادية. تعززت مصداقية كل من بنك إنجلترا والاحتياطي الفيدرالي بفضل النتائج الجيدة. لكنهما يختلفان عندما يتعلق الأمر بمقياس مهم يرتبط بالـمُـدخلات: كيفية توصيل عملية صنع القرار السياسي. يُذَكِّـرُني هذا الموقف بمزحة قديمة عن المحامين وأهل الاقتصاد: «على عكس المحامين، الذين يمكنهم أن يسوقوا الحجج عن يقين تام حتى عندما يكون أساس قضيتهم ضعيفا للغاية، يحتاج أهل الاقتصاد إلى أساس متين للغاية للجدال بأي قدر من اليقين على الإطلاق».

بعد دمج أعضاء مستقلين من الخارج في لجنة السياسة النقدية، لا يتردد بنك إنجلترا في الإشارة إلى الانقسامات بين كبار صناع قراراته. جاء التصويت الأخير بأغلبية خمسة إلى أربعة أصوات لصالح الخفض بعد تصويت جرى في يونيو بأغلبية سبعة أصوات إلى صوتين لصالح إبقاء أسعار الفائدة دون تغيير. وفي فبراير، جاء تصويت لجنة السياسة النقدية منقسما بواقع صوتين لصالح رفع أسعار الفائدة، وستة أصوات لصالح الإبقاء على الأسعار دون تغيير، وصوت واحد لصالح خفض أسعار الفائدة. وفي كل حالة، جرى شرح جميع الحجج وراء هذه الأصوات في الأيام والأسابيع التي أعقبت اجتماع لجنة السياسة النقدية.

الواقع أن الكشف عن مثل هذا النطاق من المواقف الفردية أمر غير مسموع به في الاحتياطي الفيدرالي. ففي حين يفخر البنك المركزي الأمريكي بترحيبه بتنوع الآراء أثناء مداولاته خلف الأبواب المغلقة، فإنه مُـنغَـمِـس أيضا في تقليد صُـنع القرار بالإجماع.

وعلى هذا فإن البنك المركزي الأمريكي في الممارسة العملية يفرض حواجز شديدة الارتفاع تحول دون إذاعة الآراء الـمُعارِضة. وحتى محاضر اجتماعات مجلس الاحتياطي الفيدرالي التي تصدر بعد ثلاثة أسابيع من كل اجتماع تميل إلى تجاهل أو تمويه المجموعة الكاملة من الآراء التي تسربت. وللتعرف على ما قيل حقا، يتعين علينا أن ننتظر السجلات المدونة الكاملة، والتي تَـصـدُر عادة بعد مرور خمس سنوات.

أرجو ألا تسيئوا فهمي. إن النهج القائم على الإجماع والذي يساعد في التوفيق بين آراء وتحليلات مختلفة لا يخلو من قيمة. لكن الإجماع المصطنع ــ الذي يُـلاحَـق غالبا لأسباب سياسية، أو لإنقاذ ماء الوجه (افتراضا) ــ يميل إلى التعتيم وتهميش الآراء التي تستحق دراسة أكثر شمولا.

إلى جانب الافتقار البنيوي إلى التنوع المعرفي الإدراكي فضلا عن ارتفاع احتمالات الانزلاق إلى فخ التفكير الجمعي، يعمل الهوس بالإجماع في نهاية المطاف على تقويض ذات المصداقية التي ظل الاحتياطي الفيدرالي يحاول استعادتها منذ الخطأ السياسي الجسيم الذي ارتكبه في عام 2021.

من خلال رفضه تقديم ذلك النوع من الشفافية في صُـنع القرار الذي تبناه بنك إنجلترا، عكس بنك الاحتياطي الفيدرالي عن غير قصد رضا السوق التي فشلت في النظر في إمكانية تباطؤ اقتصادي أسرع وأوسع نطاقا من المتوقع.

نتيجة لهذا، ردت السوق بعنف عندما بات التباطؤ واضحا، في أعقاب إصدار بيانات مؤشر مديري المشتريات الأضعف من المتوقع وأحدث تقارير القوى العاملة الشهرية، والذي جاء في أعقاب اجتماع سياسات الاحتياطي الفيدرالي مباشرة.

استوعبت السوق التأكيدات المتكررة التي أطلقها رئيس البنك جيروم باول (بما في ذلك في مؤتمر البنك المركزي الأوروبي في سينترا بالبرتغال في الثاني من يوليو) بأن الاقتصاد «الموفور الصحة جوهريا» وسوق العمل القوية منحا بنك الاحتياطي الفيدرالي الوقت الكافي لاتخاذ القرار بشأن خفض أسعار الفائدة.

وعندما أشارت البيانات الجديدة إلى خلاف ذلك، نشأت حالة من الفوضى مع اندفاع الأسواق إلى رفع احتمالات خفض غير عادي بمقدار 50 نقطة أساس في سبتمبر من الصفر تقريبا إلى نحو 80%، اعتبارا من الثاني من أغسطس. (كما وضعت الأسواق في الحسبان دورة خفض أسعار الفائدة الأسرع والأعلى مقدارا).

أدى هذا التفاعل العنيف إلى انهيار دراماتيكي في العائدات على السندات الحكومية وخسائر ضخمة في سوق الأسهم، والتي بعد أن بدأت في الولايات المتحدة انتشرت على مستوى العالَـم وكشفت عن نقاط ضعف في أماكن أخرى، وأبرزها اليابان. حتى أن المخاوف بشأن ارتفاع خطر الانهيار المالي والاقتصادي دفعت بعض المراقبين (ولكن ليس أنا) إلى الدعوة إلى خفض أسعار الفائدة الطارئ بين الاجتماعين.

كلا، أنا لا أدعو بنك الاحتياطي الفيدرالي إلى تبني ذلك النوع من الشفافية المتطرفة التي اشتهر بها صندوق التحوط بريدجواتر. فهناك مجالات معينة، مثل «الرسم البياني الـمُـنَـقَّـط» ربع السنوي للتوقعات، حيث ذهب بنك الاحتياطي الفيدرالي إلى أبعد مما ينبغي بالفعل. ومع ذلك، بوسع الاحتياطي الفيدرالي ــ بل ينبغي له ــ أن يكون أكثر انفتاحا بشأن القرارات السياسية التي تؤثر علينا جميعا.

محمد العريان رئيس كلية كوينز بجامعة كامبريدج، وأستاذ بكلية وارتون بجامعة بنسلفانيا ومؤلف كتاب «اللعبة الوحيدة في المدينة: البنوك المركزية، وعدم الاستقرار، وتجنب الانهيار التالي.

خدمة بروجيكت سنديكيت

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: بنک الاحتیاطی الفیدرالی خفض أسعار الفائدة البنک المرکزی بنک إنجلترا

إقرأ أيضاً:

الدولار يتراجع بعد بيانات التضخم وترقب لتخفيض أسعار الفائدة الأمريكية

سجل الدولار الأمريكي تراجعاً ملحوظاً خلال تعاملات يوم الأربعاء عقب صدور بيانات التضخم التي أظهرت ارتفاعاً أقل من المتوقع في الأسعار خلال مايو، ما زاد من توقعات المستثمرين بشأن قرب قيام مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأمريكي) بخفض أسعار الفائدة.

وبحسب البيانات الصادرة، ارتفع مؤشر أسعار المستهلكين، وهو المقياس الأساسي لمعدل التضخم، بنسبة 0.1 بالمئة فقط في مايو الماضي، مقارنة بارتفاع بلغ 0.2 بالمئة في أبريل، وهو ما يشير إلى تباطؤ واضح في وتيرة التضخم داخل أكبر اقتصاد في العالم.

بريطانيا تسُلح أوكرانيا بـ 2.3 مليار دولار134 مليون دولار.. استجواب وزير الدفاع الأمريكي بالنواب بسبب تكلفة نشر الحرس الوطنينائب الرئيس الأمريكي: إدارة بايدن أنفقت 300 مليار دولار على أوكرانيامن الفقراء الجدد في عالمنا؟.. البنك الدولي يرفع خط الفقر إلى 3 دولاراتواشنطن تدرس تخصيص نصف مليار دولار لمؤسسة مساعدات جديدة في غزة34 مليار دولار في يوم.. خسارة تاريخية لماسك بعد تصعيد الخلاف مع ترامبالدولار يتراجع بفعل مؤشرات تباطؤ الاقتصاد الأمريكي وتعثر المفاوضات التجاريةتعريفات ترامب تسبب انخفاض في الإنتاج وتراجع في قيمة الدولارأسعار النفط ترتفع بأكثر من دولار للبرميل بعد قرار أوبك+ زيادة الإنتاجأسعار الذهب ترتفع بدعم من ضعف الدولار وتهديدات ترامب التجاريةترامب يعلن عن اتفاق تجاري جديد مع الصين

ورغم التراجع الأولي في أداء الدولار، شهدت العملة الأمريكية تقليصاً محدوداً لخسائرها عقب إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن توصل بلاده لاتفاق تجاري جديد مع الصين. ويتضمن الاتفاق تزويد الصين للولايات المتحدة بالمواد المغناطيسية والمعادن الأرضية النادرة، مقابل السماح للطلاب الصينيين بالالتحاق بالكليات والجامعات الأمريكية.

وصرح مسؤول في البيت الأبيض أن الاتفاق التجاري ينص على فرض الولايات المتحدة رسوماً جمركية بنسبة 55 بالمئة على الواردات الصينية، تتضمن رسوماً أساسية بنسبة 10 بالمئة، و20 بالمئة إضافية في إطار إجراءات مرتبطة بمكافحة تهريب الفنتانيل، إلى جانب رسوم سابقة بنسبة 25 بالمئة.

من جانبها، ستفرض الصين رسوماً بنسبة 10 بالمئة على السلع الأمريكية.

بريطانيا تسُلح أوكرانيا بـ 2.3 مليار دولار134 مليون دولار.. استجواب وزير الدفاع الأمريكي بالنواب بسبب تكلفة نشر الحرس الوطنينائب الرئيس الأمريكي: إدارة بايدن أنفقت 300 مليار دولار على أوكرانيامن الفقراء الجدد في عالمنا؟.. البنك الدولي يرفع خط الفقر إلى 3 دولاراتواشنطن تدرس تخصيص نصف مليار دولار لمؤسسة مساعدات جديدة في غزة34 مليار دولار في يوم.. خسارة تاريخية لماسك بعد تصعيد الخلاف مع ترامبالدولار يتراجع بفعل مؤشرات تباطؤ الاقتصاد الأمريكي وتعثر المفاوضات التجاريةتعريفات ترامب تسبب انخفاض في الإنتاج وتراجع في قيمة الدولارأسعار النفط ترتفع بأكثر من دولار للبرميل بعد قرار أوبك+ زيادة الإنتاجأسعار الذهب ترتفع بدعم من ضعف الدولار وتهديدات ترامب التجاريةتحركات ملحوظة في أسواق العملات

تأثر الدولار سلباً بهذه التطورات، حيث انخفض بنسبة 0.2 بالمئة مقابل الين الياباني ليسجل 144.58 ين، بينما صعد اليورو بنسبة 0.5 بالمئة إلى مستوى 1.1484 دولار، قبل أن يقلص جزءاً من مكاسبه مؤقتاً مع تحسن طفيف في معنويات المستثمرين تجاه العملة الأمريكية بعد الإعلان عن الاتفاق مع الصين.

في ذات السياق، تراجع الدولار بنسبة 0.3 بالمئة أمام الفرنك السويسري ليسجل 0.8205 فرنك، بينما ارتفع مقابل اليوان الصيني في المعاملات الخارجية بنسبة 0.1 بالمئة إلى 7197 يوان. كما صعد الجنيه الإسترليني بنسبة 0.3 بالمئة أمام الدولار ليصل إلى 1.3542 دولار.

بريطانيا تسُلح أوكرانيا بـ 2.3 مليار دولار134 مليون دولار.. استجواب وزير الدفاع الأمريكي بالنواب بسبب تكلفة نشر الحرس الوطنينائب الرئيس الأمريكي: إدارة بايدن أنفقت 300 مليار دولار على أوكرانيامن الفقراء الجدد في عالمنا؟.. البنك الدولي يرفع خط الفقر إلى 3 دولاراتواشنطن تدرس تخصيص نصف مليار دولار لمؤسسة مساعدات جديدة في غزة34 مليار دولار في يوم.. خسارة تاريخية لماسك بعد تصعيد الخلاف مع ترامبالدولار يتراجع بفعل مؤشرات تباطؤ الاقتصاد الأمريكي وتعثر المفاوضات التجاريةتعريفات ترامب تسبب انخفاض في الإنتاج وتراجع في قيمة الدولارأسعار النفط ترتفع بأكثر من دولار للبرميل بعد قرار أوبك+ زيادة الإنتاجأسعار الذهب ترتفع بدعم من ضعف الدولار وتهديدات ترامب التجاريةتوقعات بخفض الفائدة الأمريكية

وفي ظل بيانات التضخم المتباطئة، ارتفعت توقعات المستثمرين بقيام مجلس الاحتياطي الاتحادي بخفض أسعار الفائدة في اجتماعاته المقبلة. وأوضح إلياس حداد، كبير استراتيجيي الأسواق لدى "براون براذرز هاريمان"، أن التباطؤ في التضخم دفع الأسواق لتعديل توقعاتها نحو خفض الفائدة، مضيفاً أن عقود صناديق الاحتياطي الاتحادي الآجلة باتت تسعر احتمالات خفض الفائدة بنحو 50 نقطة أساس بنهاية العام الجاري.

ووفقاً لمتداولي العقود الآجلة قصيرة الأجل، ارتفعت احتمالات خفض الفائدة ربع نقطة مئوية بحلول سبتمبر المقبل إلى 71 بالمئة، مقارنة بـ57 بالمئة قبل نشر بيانات التضخم الأخيرة.

طباعة شارك الدولار سعر الدولار أسعار الدولار أمريكا الصين ترامب

مقالات مشابهة

  • ترامب يصف رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي بـالأحمق
  • عاجل. ترامب: مستوى الفائدة يجب أن ينخفض ولن أقيل رئيس الاحتياطي الفيدرالي
  • «هيرميس» تتوقع أن يخفض المركزي المصري أسعار الفائدة لهذه النسبة
  • اليورو يواصل الارتفاع أمام الدولار مع تجدد مخاوف الحرب التجارية
  • الدولار يهبط وسط توقعات بخفض أسعار الفائدة الأميركية
  • الدولار يتراجع بعد بيانات التضخم وترقب لتخفيض أسعار الفائدة الأمريكية
  • ترامب يجدد الدعوة لخفض أسعار الفائدة
  • هل تُـنـقِـذ حاشية في وثيقة الاحتياطي الفيدرالي؟
  • ترامب يطالب بخفض أسعار الفائدة نقطة مئوية كاملة
  • ترامب يطالب “الفيدرالي” الأمريكي بخفض الفائدة بنسبة 1%