تأثير الواقع الافتراضي على سوق المال
تاريخ النشر: 18th, August 2024 GMT
برز أهمية الواقع الافتراضي على نحو كبير خلال الخمس سنوات الماضية وتخطت هذه الأهمية امتزاج التكنولوجيا بحياتنا اليومية. ولكن، أصبح الواقع الافتراضي جزء أساسي من الأسواق العالمية المتحكمة في اقتصاد العالم، ومن أهمها سوق المال. يساهم الواقع الافتراضي على نحو كبير في أسواق المال والأعمال كما لم يسبق من قبل حيث أصبحت الأسواق الاقتصادية تقوم على نحو كبير بناء على مساهمات وفاعليات ومُحاكاة الواقع الافتراضي التي تعمل على تجهيز وتحضير المستثمرين والسوق على حد سواء لمجريات العصر الاقتصادي والاستثماري الحديث.
اتجاهات سوق الواقع الافتراضي
شهد الواقع الافتراضي انتشار واسع للغاية، لاسيما بعد دعم الخبراء الاقتصاديين في العالم أجمع مثل مارك زاكربورج وغيره. ونجد هذا الانتشار الواسع مدعوم بتنافس الشركات المختلفة أمثال مايكروسوفت وhtc وmeta platform وغيرهم على تفعيل وتطوير واستخدام الواقع الافتراضي في مدخلات منتجاتهم وخدماتهم لتوفير أفضل كفاءة ودقة وفاعلية لما يُقدموه للمجتمع ولما يعكسه هذا الأمر من أرباح سحيقة. نجد أن شركة مايكروسوفت في الهند لهذا العام قد تمكنت بالفعل من تسخير الواقع الافتراضي والذكاء الاصطناعي بنسبة تصل إلى 95% لتعزيز عمليات الابتكار وخلق رؤي فعالة وتحويلها إلى واقع حقيقي بمساعدة قوية وتوجيه ملموس من الواقع الافتراضي.
يسعى الواقع الافتراضي الآن إلى تبني اتجاهات مختلفة أهمها توفير تجارب ورحلات غامرة من الترفيه والمتعة والربح وتعزيز استخدام المكافآت الترحيبية في الكازينو أون لاين والتي يتم استخدامها من قبل المستثمرين واللاعبين المبتدئين بدون وضع رؤوس أموال في المحافظ الإلكترونية. بالتالي، يتمكنون من استخدام الواقع الافتراضي في الترفيه وربح الأموال بدون أي خسائر، كما يوفر الواقع الافتراضي إمكانية وفرصة الحصول على أرباح حقيقية بالعملات المشفرة التي وُسِع استخدامها مؤخراً على نحو غير مسبوق. نتيجة لهذا الانتشار على ألعاب الترفيه التي تقدم محاكاه غير مسبوقة من الواقع الافتراضي، ازداد الإقبال على شراء سماعات الرأس اللاسلكية ونظارات الواقع الافتراضي والواقع المختلط MR مما أدى إلى زيادة أرباح هذه القطاعات في السوق وإنعاش سوق لم يُكن يحظى بإقبال من قبل، وهذا الأمر مرتبط ارتباط مباشر بسوق المال.
مساهمات الواقع الافتراضي في سوق المال
يُعرف الواقع الافتراضي على أنه بيئة صممت ليتفاعل معها المستخدم عبر استخدام الكومبيوتر وتطبيقات الواقع الافتراضي. تُبنى هذه البيئة على تقنيات رقمية على أحدث مستوى مثل الرسومات ثلاثية الأبعاد والتتبع الحركي وغيرها مما يوفر للمستخدم شعور لا مثيل له بأنه في واقع حقيقي أفضل وأكثر حداثة وأكثر إفادة من الواقع الفعلي.
بناء على ذلك، تزايد استخدام الواقع الافتراضي في سوق المال والاستثمار وذلك نظراً للإقبال الشديد على سوق الاستثمار والمال في الآونة الأخيرة وصعوبة الحصول على موارد استثمارية ودورات تدريبية مُعينة لتحضير المستثمرين للاستثمار. أثر الواقع الافتراضي بمساهمات مُبهرة في سوق المال عن طريق ما يلي:
· تصميم النماذج الأولية: في حال كان المستثمر يُريد صناعة منتجات أو خدمات معينة يقوم بالاستثمار من خلالها، فإن الواقع الافتراضي أصبح الآن يقوم بدور المُخطط والموجه والمُحلل على أعلى درجة من الاحترافية وأقل درجة من ارتكاب الأخطاء. ساهم الواقع الافتراضي في اختيار تصميمات للمنتجات بناء على رؤية ومهمة الشركة وأهداف البيع والجمهور المستهدف. كما أنه ساعد المستثمرين والمبتكرين من تجربة أفكارهم والتفاعل معها من خلال إنشاء نماذج ثلاثية الأبعاد تُمكن المُبتكر من رؤية منتجه قبل أن يبدأ في المنتج من الأساس حتى يتسنى له رؤية نقاط الضعف والقوة، مما يوفر للمستثمر تكاليف باهظة من البحث والتطوير والتحسين.
· التدريب المُكثف: لن يحظى أي مستثمر بفرصة تداول واستثمار حقيقية إلا عند حصوله على مجموعة من التدريبات والدورات سواء النظرية أو التجريبية. يتم استخدام الواقع الافتراضي الآن بكثرة غير مسبوقة في مجالات التدريب والتعليم، لاسيما في مجال الاستثمار والمال. حيث يسمح الواقع الافتراضي دخول المستثمرين في محاكاة مشابهة للواقع الاستثماري الفعلي لتعليم مبادئ وأساسيات الاستثمار ولتدريب المستثمرين على استخدام الأدوات والمنصات الاستثمارية وبالتالي تحضيرهم للواقع الفعلي للاستثمار.
· تصور التحليلات والبيانات: يمتاز الواقع الافتراضي بشكل كبير بقدرته على رؤية الوضع الحالي رؤية ثاقبة واضحة وتوفير تحليلات وتنبؤات بناء على البيانات المتاحة التي يتم جمعها في أقل من ثانية واحدة. تقدم هذه التحليلات فرصة لخبراء السوق لمعرفة ما يُمكن أن تؤول إليه الأمور في سوق المال وكيف يُمكن الاستعداد للمواقف السوقية المختلفة.
مستقبل الواقع الافتراضي
يُمكن القول بأن مستقبل الواقع الافتراضي لا يُمكن أن يكون أكثر إشراقاً حيث يتوقع الخبراء أرقام تنبؤيه عظيمة فيما يتعلق بحجم سوق الواقع الافتراضي خلال المستقبل القريب. تشير إحدى التوقعات بأن حجم السوق سيقرب من 24 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2026، بينما يُتوقع أن تصل إيرادات السوق الافتراضي إلى ما يصل إلى 87 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2030 ومن المتوقع أن يصل حجم الإقبال على شراء أجهزة الواقع الافتراضي إلى 137 مليون دولار أمريكي بحلول عام 2027 بمعدل نمو سنوي يصل إلى 5 مليارات دولار أمريكي. تشير هذه النسب والإحصائيات إلى مستوى إقبال غير مسبوق واكتساح لن يكون له مثيل فيما يتعلق بالواقع الافتراضي الذي أصبح جزء لا يتجزأ من الواقع الفعلي.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: تأثير الواقع الافتراضي سوق المال
إقرأ أيضاً:
صراع المال الذي سيشكل مستقبل أوروبا
كارل بيلت -
«المال هو الذي يجعل العالم يستمر في الدوران»، هكذا تغنّي فتاة الاستعراض سالي بولز في مسرحية «كباريه»، المسرحية الموسيقية الشهيرة التي تدور أحداثها على خلفية انحطاط جمهورية فايمار. من المؤكد أن المال سيشكل مستقبل أوروبا، حيث يضطر القادة السياسيون في مختلف أنحاء القارة إلى اتخاذ قرارات مؤلمة حول كيفية تخصيص الأموال العامة في عالم متقلقل على نحو متزايد.
من المنتظر أن تعمل ثلاث أولويات عاجلة على إرهاق الموارد المالية العامة في أوروبا خلال السنوات القليلة المقبلة. الأولى -والأكثر وضوحا- هي الدفاع. الواقع أن القوة الدافعة نحو زيادة الإنفاق العسكري تتمثل في المقام الأول في الرغبة في الرد على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فضلا عن انتقاد الرئيس الأمريكي دونالد ترمب المستمر لحلفاء أمريكا في حلف شمال الأطلسي (الناتو). وقد جعلت هذه الضغوط مجتمعة من تعزيز موقف أوروبا الدفاعي ضرورة استراتيجية.
الأولوية الثانية والأكثر إلحاحا هي دعم أوكرانيا في معركتها ضد روسيا. إذا انهارت دفاعات أوكرانيا، فمن المرجح أن تنفجر روسيا في نوبة هياج انتقامية. وضمان قدرة أوكرانيا على الاستمرار في الدفاع عن نفسها يتطلب أن تتجاوز الحكومات الأوروبية التزامات الإنفاق الدفاعي الحالية.
وأخيرا، هناك العملية المطولة المتمثلة في إعداد ميزانية الاتحاد الأوروبي القادمة المتعددة السنوات، والتي ستغطي الفترة من 2028 إلى 2034. وقد قدمت المفوضية الأوروبية اقتراحها بالفعل، لكن التحدي الحقيقي يكمن في المستقبل، حيث يتعين على البلدان الأعضاء والبرلمان الأوروبي إجراء مفاوضات داخلية قبل الاتفاق على الأرقام النهائية. يتضمن اقتراح المفوضية زيادة تمويل الأمن، والالتزامات العالمية، والقدرة التنافسية، فضلا عن تقديم دعم إضافي لأوكرانيا.
ورغم أن هذه الأولويات حظيت بتأييد واسع الانتشار، فإن إعادة تخصيص الموارد اللازمة لتمويلها كانت موضع جدال حاد. من المأمون أن نقول إن اللجنة تتجه نحو مواجهة سياسية مريرة قبل التوصل إلى الإجماع. على الرغم من حدة هذه المعارك المرتبطة بالميزانية، فإن الميزانية التي تقترحها المفوضية تبلغ 1.26% فقط من الدخل الوطني الإجمالي في بلدان الاتحاد الأوروبي السبعة والعشرين. وبينما تزيد هذه النسبة عن الحالية (1.13%)، فإن الزيادة الصافية متواضعة نسبيا بمجرد احتساب تكاليف خدمة الديون الناتجة عن فورة الاقتراض التي أعقبت جائحة كوفيد-19.
ولكن عندما يتعلق الأمر بالدفاع، تصبح الأرقام أكثر أهمية بدرجة كبيرة. فقد تنامت ميزانيات الدفاع في مختلف أنحاء أوروبا في السنوات الأخيرة بنسبة الثلث تقريبا، حيث تنفق معظم الدول الأوروبية الأعضاء في الناتو حوالي 2% من ناتجها المحلي الإجمالي أو تقترب من هذا المعيار.
ولكن حتى هذا لم يعد كافيا. ففي قمة الناتو في يونيو في لاهاي، تعهد الأعضاء بإنفاق 3.5% من الناتج المحلي الإجمالي على الدفاع بحلول عام 2035، مع تخصيص 1.5% إضافية للاستثمارات المرتبطة بالدفاع والأمن في عموم الأمر. ويبدو أن نسبة 1.5% الإضافية مصممة لاسترضاء ترامب، الذي دعا الحلفاء الأوروبيين مرارا وتكرارا إلى زيادة الإنفاق العسكري إلى 5% من الناتج المحلي الإجمالي. ومن المتوقع أن يعتمد جزء كبير من هذا الإنفاق الإضافي على المحاسبة الإبداعية بدلا من التمويل الجديد الحقيقي. كما يتطلب دعم أوكرانيا خلال الحرب وإعادة بناء البلاد في نهاية المطاف التزاما ماليا كبيرا. وبينما تتفاوت التقديرات، فإن مبلغ 100 مليار دولار سنويا، على سبيل المثال، سيعادل ما يزيد قليلا على 0.4% من مجموع الناتج المحلي الإجمالي في الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة مجتمعين -وهو مبلغ كبير ولكن ليس من السهل على الإطلاق إدارته.
عند مرحلة ما خلال فترة الميزانية 2028- 2035، سيكون من اللازم معالجة تكلفة إعادة بناء أوكرانيا. تشير تقديرات بعض الدراسات إلى أن تكلفة إعادة البناء قد تبلغ نحو 500 مليار دولار، وإن كان هذا الرقم يشمل المناطق التي قد تبقى تحت السيطرة الروسية في المستقبل المنظور. وسوف يعتمد قدر كبير من الأمر أيضا على ما إذا كانت الضمانات الأمنية، واحتمالات انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي، قد تعزز بيئة مواتية للاستثمار الخاص على نطاق ضخم.
بطبيعة الحال، قد تنشأ مطالب جديدة، وسوف يفرض هذا ضغطا إضافيا على موارد أوروبا المالية. على سبيل المثال، خفّضت عدة حكومات أوروبية بالفعل مساعدات التنمية أو حولت جزءا منها لدعم أوكرانيا. ورغم أن هذا قد يكون ردا ضروريا في الأمد القريب على الحرب الروسية - الأوكرانية، فإن عواقبه في الأمد البعيد تظل غير واضحة. في الوقت الراهن، تلبي النرويج والسويد والدنمارك فقط هدف الأمم المتحدة المتمثل في تخصيص 0.7% من الدخل الوطني الإجمالي لمساعدات التنمية. وبعد التخفيضات الكبيرة التي أجرتها إدارة ترامب على المساعدات الخارجية وإغلاق الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، تنشأ حجة قوية لصالح تركيز أوروبا على شغل هذا الفراغ. فالعالم الأكثر يأسا سيكون أشد تقلبا وأقل أمنا، وهذا كفيل بجعل التنمية ضرورة استراتيجية وأخلاقية في آن واحد.
لن يكون الوفاء بكل هذه الالتزامات سهلا، وخاصة بالنسبة للحكومات التي تعاني بالفعل من ارتفاع العجز وارتفاع الدين العام. وتخميني أن دول شمال أوروبا ستصل إلى هدف الإنفاق الدفاعي وفقا لحلف الناتو بنسبة 3.5% من الناتج المحلي الإجمالي قبل عام 2035، في حين ستفشل دول جنوب أوروبا -باستثناء اليونان- في الأرجح في تحقيقه.
مع توجه كل من فرنسا وإيطاليا وإسبانيا إلى الانتخابات بحلول عام 2027، من المرجح أن تظل الشهية السياسية لخفض الإنفاق اللازم لزيادة ميزانيات الدفاع محدودة. يتضح هذا الاتجاه بالفعل في توزيع المساعدات لأوكرانيا. في الأشهر الأربعة الأولى من عام 2025، ساهمت دول الشمال الأوروبي بمبلغ 6.8 مليار دولار، وقدمت المملكة المتحدة 5.3 مليار دولار، وقدمت ألمانيا نحو 760 مليون دولار، بينما لم تقدم إسبانيا وإيطاليا سوى جزء بسيط من هذه المبالغ. من عجيب المفارقات هنا أن بلدان الاتحاد الأوروبي التي توصف غالبا بأنها «مقتصدة» هي ذاتها الراغبة بالفعل في تقديم التمويل اللازم لتعزيز أولويات الاتحاد المتفق عليها.
من ناحية أخرى، تفضّل الدول الأقل اقتصادا الدعوة إلى مزيد من الاقتراض، حتى برغم أن المجال المتاح لها للقيام بذلك بنفسها محدود. هذه التوترات تحرك الآن المعركة المحتدمة حول موارد أوروبا المالية. والتناقض صارخ بين موافقة الناتو السريعة على تعهدات الإنفاق الضخمة، وجدال الاتحاد الأوروبي حول مبالغ أصغر كثيرا. مهما كانت النتيجة، فإن المعركة المالية القادمة ستختبر مدى قدرة قادة أوروبا واستعدادهم لمواجهة التحديات الأمنية الخطيرة المقبلة.